مختصر خطبتي الحرمين 9 من ذي القعدة 1437هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

الافتخارُ بالنّفسِ، وإظهارُ المكارم والجاهِ والحسَبِ والنَّسَبِ، والتباهي بمدحِ الخِصال، والإعجابُ بالنَّفس، وإظهارُ النِّعَم تعاظُمًا صفاتٌ مذمُومة، ونوعٌ من الضَّعف، ودليلُ هشاشَةِ الشخصيَّة، وأخطرُ صور التفاخر التي تُهدِّدُ عقيدةَ المسلم: الرِياءُ الذي وصفَهُ الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - بالشركِ الأصغَر، وهو أن يقومَ الرجلُ يُصلِّي، فيُزيِّنُ صلاتَه، لما يرَى من نظرِ رُجلٍ. ومن صُورِ التّفاخُر: المجاهرةُ بالمعاصي، ويترتَّبُ عليه الوعيدُ بسُوءِ خاتمةِ صاحبِه.

 

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ خالد بن علي الغامدي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "عِظَمُ خلقِ الملائكةِ - عليهم السلام -"، والتي تحدَّث فيها عن الملائكة الكرام البرَرَة والحكمةِ من خلقِهم، وأدوارهم في حفظِ نظام الكون، وتدبيِره، وسيرِ أفلاكِه، وحراسةِ السماءِ، وكتابة أعمال العباد، وغيرها من الأدوار - بإذن الله عز وجل -، وأن الإيمان بهم وبأعمالهم من أُسُس عقيدة المسلم.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتَّقوا الله - عبادَ الله -، واعْلَموا أن هذه الدنيا في حقيقتِها سفرٌ إلى الله، ومراحلُ تُطوَى إلى يومِ القرارِ والمعاد، والسعيدُ المُوفَّقُ هو الذي جعل الدنيا جِسرًا إلى الآخِرة.

 

وأضاف الشيخ: إن الله تعالى عظيمٌ جليلٌ، له في كلِّ شيءٍ آيةٌ تدلُّ على أنه الواحِدُ القهَّار، القادرُ العظيم، الذي أتقَنَ كل شيءٍ خلقَه، وأبدَع كلَّ شيءٍ صَنَعَه، ولا تحيطُ بقدرتِهِ العجيبةِ العقولُ ولا الأفْهام، ولا تُدرِكُ عظمَتَه خيالاتُ النفوسِ ولا الأوْهَام.

 

وبيَّن الشيخ أنّ من أعظم العوالِمِ والخوالِقِ التي تتجلَّى فيها قدرةُ الربِّ - سبحانه - وعظمتُه: عالمَ الملائكةِ الأخْيار، المُصطَفَيْن الأطْهار، الذين هُم أثرٌ من آثارِ عظمةِ الله وجلالِه وقُدرته، ولذلك جعَلَ - سبحانه وتعالى - الإيمانَ بهم، ومعرفتَهم، والتصديقَ بوجودِهِم وأعمالِهِم رُكنًا عظيمًا من أركانِ الإيمان، التي لا يقبلُ الله ُ صرفًا ولا عدلاً إذا لم يأتِ بها كلَّها، (وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا) [النساء: 136].

 

وأكد فضيلته أنَّ الحديثَ عن الملائكة بشيءٍ من التفصيلِ، من خلالِ النصوصِ الشرعيةِ الثابتةِ الكثيرة، لهو مما يزيدُ الإيمانَ ويُقوِّيه، ويُرسِّخُ اليقينَ في القلوب، فتفرحُ بربِّها - سبحانه -، وتمتَلئُ تعظيمًا له وإجلالاً، ويعلمُ الإنسانُ مِقدارَ ضعفهِ وعجزهِ، وأن هناك من هو أعظمُ منه خَلقًا وقُدرةً وقوَّةً.

 

وقال حفظه الله: إن الملائكة عالَمٌ عظيمُ الشأن من عوالمِ هذا الكونِ الفسيح، عالَمٌ كلُّهُ طُهرٌ ونقاءٌ وصَفاءٌ، خَلقهَم اللهُ من نُور، كما في "صحيحِ مسلم"، وهم من أقدَمِ وأعظمِ خلقِ الله، أعطاَهم الله القُدرة العظيمةَ على التّشَكُّلِ بأشكالٍ مُختلفة، وخلَقَ لهم أجنحةً مثنَى وثُلاثَ ورُباعَ وأكثر من ذلك، وهم لا يأكلُون ولا يشرَبون ولا يتناسَلُون، قد وهَبَهم الله - سبحانه - القوّة والقدرة والسرعةَ العجيبةَ التي يستطيعون بها تنفيذَ أوامرِ الله، وهم (لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6].

 

وقال وفقه الله: الملائكةُ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ، وسَفَرةٌ كرامٌ برَرَة، يعبُدُون الله عِبادةً عظيمةً، فهم لا يفتُرُون عن تسبيحِ الله وتحميدِه بالليلِ والنهار، ولا يستحسِرُون ولا يسأَمُون، ولَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ، وهم من خشيتِهِ وإجلالِهِ مُشْفِقُون خائِفُون، أعظمُهم قَدرًا ومكانةً عند الله. والملائكةُ يصُفُّون بين يدَي ربهم - سبحانه - في السماء، ويتراصُّون في الصفوف في تمامٍ ونظامٍ، وما من موضعٍ في السَّماء إلا وفيه مَلكٌ ساجدٌ أو قَائِمٌ، وهذا يدلُّ على كثرةِ عددهم كثرةً لا يُحصِيها إلا الله.

 

وبيَّن الشيخ أن الملائكة الكرام كلَّفَهم الله -سبحانه- بأعمالٍ ووظائف كثيرةٍ ومتنوعةٍ في هذا الكون الهائِل؛ فهناك ملائكةٌ لحملِ عرشِ الرحمنِ - سُبحانه -، الذي هو أكبرُ المخلوقات، وملائكةٌ لحفظِ نظامِ الكَون وتدبيِره، وسَيرِ أفلاكِه، وحراسةِ السماءِ وحفظها من كل شيطانٍ مارد، وهناك المُدبِّراتُ والمُقسماتُ أمرًا، وهناك ملائكةٌ للسَّحابِ والقَطْر والرياح، وملائكةٌ للرحمةِ، وملائكةٌ للعذابِ. وقد بيّن لنا ذلك ربُّنا - سبحانه - في صدر سورة الصَّافات والذَاريات والمُرسلات والنَّازِعات وغيرها كثير.

 

وأشار الشيخ إلى أن للملائكةِ علاقةً خاصَّةً بالمؤمنين دون سائر البشر، فهي دائمًا تستغفِرُ للمؤمنين وتشفَعُ لهم عند ربِّهِم، وتستغفِرُ لطالبِ العلم وتضعُ له أجنحَتَها رضًا بما يصْنَع، وتُصلِّي على مُعلِّم الناسِ الخير، وعلى أصحاب الصفِّ الأوَّل، وعلى الذينَ يَصِلُون الصفوفَ، وإذا دعا المؤمنُ أمَّنَت الملائكةُ على دُعائِه، أما المنافِقُ والفاجِرُ، فالله - سبحانه - يُرسِلُ عليه الشياطينَ تؤُزُّه أزًّا، وتقذِفُ في قلبه الشكُوكَ والعقائدَ الفاسِدَة، وتُحرِّكُ فيه بواعثَ الشرِّ والباطلِ، كما أخبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن للمَلَك لَمَّةً بقلبِ ابن آدم، وللشيطان لَمَّة.

 

وقال وفقه الله: ولله ملائكةٌ سيَّاحُون، يشهَدُون مجالسَ الذكرِ والعلمِ في المساجدِ وغيرها، وتَحُفُّ الحاضرينَ بأجنحتها، وهي تدعُو وتستغفِرُ للمُصلِّي ما دام في مُصلاَّه ما لم يُحدِث، وتقِفُ على أبوابِ المساجِدِ يوم الجُمُعة، تكتُبُ أسماءَ الداخِلِين على ترتيبِ دُخُولهم، فإذا خرجَ الإمام طوَوا صُحُفَهم، وجلَسُوا يستمِعُون الذكرَ. والملائكةُ تُحبُّ سماعَ القرآن، وقد تنزِلُ إلى الأرض إذا سمِعُوا قارِئًا حسنَ الأداء، ولله ملائكةٌ يتعاقَبُون فينا عند صلاة الفجر وعند صلاة العصر، يرفَعُون إلى الله أعمالَ العباد، في هذَين الوقتَين.

 

وقال وفقه الله: إن الإيمانَ بالملائكةِ من أُصولِ الدينِ العِظام، ومُحكَمات الشريعةِ وأُسُسها الكبار، التي دلَّت عليها النصوصُ المُتكاثِرة، ومنها حديثُ جبريلَ - عليه السلام -، حديثُ جبريلَ العظيم حينما دَخَل على النبي- صلى الله عليه وآلِه وسلم - في أُخرَيَاتِ حياتِه، فقرَّر عقائدَ الدِّين وأصولَ المِلَّة، وعلَّمَ النّاسَ أمورَ دينهم. وإنّ الإيمانَ بالملائكةِ الكِرام من أُصولِ الدينِ التي يجِبُ على الناسِ تعلُّمُها، لما في ذلك من زيادةِ الإيمانِ وتقوِيَتِه، وثباتِ العبدِ في هذهِ الحياة، حينما يُؤمِنُ بالملائكة وبأعمالهِم، ويشعرُ أنهم معه، تُؤيِّدُه وتنصُرُه وتُثبِّتُه وتُدافِعُ عنه.

 

وأكد فضيلته أن الواجبَ على المؤمنِ أن يتعلَّمَ هذا الأصلَ العظيمَ، ويحرِصَ على إجلالِ ملائكةِ الله الكرَام، وإكرامهم واستِحيَائهم واستجلابِهم، وأن يبتعِدَ ويحذَرَ كلَّ الحَذَرَ من الأعمالِ والوسائل التي تُؤذِيهم وتُبعِدُهم وتُنفِّرهم، فيفُوتُه بذلك من الحفظِ والعنايةِ والخيراتِ والبركةِ ما لا يُحصَى. وقد ثبَتَ في النصوص أن الملائكةَ الكرامَ تتأذَّى مما يتأذَّى منه بنُو آدم، من الروائِحِ الكريهة والقَذَرِ والنجَس.

 

وتعجب الشيخ من أن بعض الناسِ يَشْتكِي من السِّحر والعَينِ ومَسَّ الشياطين، وتغيُّر الأحوالِ في نَفسِه وأهلِه وبيتِه، والحقيقةُ أنه هو السببُ في ذلك؛ لأنه تلبَّسَ بالمعاصي والمنكراتِ في نفسِه وبيتِه وأهلِه، وآذَى الملائكةَ بأعمالِه، فخرَجُوا من دارِه وابتعَدُوا عنه، فتعكَّر صفوُ حياته، وخلا الجوُّ للشياطينِ فهجَمَت عليه من كلِّ ناحيةٍ، واستحوَذَت عليه، وأذاقَته الآلامَ والأحزانَ والشقاءَ النفسيَّ. وإن من الحقائقِ الثابتةِ - يا مسلمون - أن وجودَ الملائكة يطرُدُ الشياطينَ ويُخزِيهم.

 

وختم الشيخ خطبته بالوصية بالحياء من صحبة الملائكة فقال: واعلَمُوا أنَّ الملائكةَ خَلقٌ كرامٌ أبرارٌ، وأن من أجلِّ أعمالهم حفظَ المؤمنين والدفاعَ عنهم، وتأييدَهم وتحريكَ الخير في قلوبهم، وهم يستَحيُون من صالحِي المؤمنين، كما كانت الملائكةُ تستَحِي من عُثمان - رضي الله عنه -. فاستَحيُوا منهم - بارك الله فيكم -، استَحيُوا منهم وأكرِمُوهم، ولا تُؤذُوهم، ولا تُخرِجُوهم من بيوتِكم؛ تسعَدُوا في حياتِكم، وتهنَؤُوا في معايشِكم، وتغشَاكُم الرحمةُ، وتنزِلُ عليكمُ السَّكينةُ، ويحفَظُكُم الله في أنفسِكِم وأهلِيكُم، ومَدخَلِكِم ومَخرَجِكِم.

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ عبد البارئ بن عواض الثبيتي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "من صور التفاخرِ المذموم"، والتي تحدَّث فيها عن ذمِّ التفاخُر والاهتمامِ بالمظاهِرِ والإعجابِ بالنفسِ، مُبيِّنًا أن التفاخُرَ يُشوِّهُ المعاني السامِيةَ للكرَم، وبابًا إلى إفساد العمل، وذكرَ العديدَ من صُور التفاخُر الذي وردَ ذمُّه في الكتابِ والسنةِ.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فأُوصِيكم ونفسي بتقوَى الله، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].

 

وأضاف الشيخ: حينَ نتأملُ هديَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وسيرتَه، نجِدُ أنها كانت بعيدةً عن التكلُّفِ في الأقوالِ والأفعالِ والمعيشةِ، وعلَّمَنا الإسلامُ أنه مهما عزَّت الأعمالُ وشَرُفَت، فإنه لا يستقيمُ الافتخارُ بها، إن خَلَت من قيمةِ الإيمانِ.

 

وقال حفظه الله: الافتخارُ بالنّفسِ، وإظهارُ المكارم والجاهِ والحسَبِ والنَّسَبِ، والتباهي بمدحِ الخِصال، والإعجابُ بالنَّفس، وإظهارُ النِّعَم تعاظُمًا صفاتٌ مذمُومة، ونوعٌ من الضَّعف، ودليلُ هشاشَةِ الشخصيَّة، وأخطرُ صور التفاخر التي تُهدِّدُ عقيدةَ المسلم: الرِياءُ الذي وصفَهُ الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - بالشركِ الأصغَر، وهو أن يقومَ الرجلُ يُصلِّي، فيُزيِّنُ صلاتَه، لما يرَى من نظرِ رُجلٍ. ومن صُورِ التّفاخُر: المجاهرةُ بالمعاصي، ويترتَّبُ عليه الوعيدُ بسُوءِ خاتمةِ صاحبِه.

 

وقال وفقه الله: التباهي والتفاخُر شوَّه المعانِيَ السامِيةَ للكرَم، بتكلُّف الإسرافِ والتبذيرِ، حتى بلَغَت المُبالغاتُ السَّفَهَ والجُحودَ والكفرَ بالنِّعمة، والتبذير الذي نهى الإسلامُ عنه. يشملُ التفاخُرُ والتباهي: التطاوُلَ والتكاثُرَ المبنيَّ على العُجْب والرِياءِ والكبرياء، قال الله تعالى: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) [التكاثر: 1، 2].

 

وأضاف الشيخ: يتشبَّثُ المتفاخِرُون بالمظاهر بسببِ انتِكاسِ الموازين، وتوهُّم القوة في موارِدِ الحياة الزائِلَة، ولا يخفَى على عاقلٍ أن المالَ والصحةَ والجمالَ والمنصِبَ هبةٌ من الله - عز وجل -، وهي مُتقلِّبةٌ زائِلَة، وعلى المرءِ أن يُقابِلَها بالتواضُعِ وليس بالتباهِي والتفاخُر.

 

وأكد الشيخ أن الشهرة داءٌ وبَيِلٌ، يطلُبُ وُدَّها الراكِضُون خلفَ السراب، ولو على حسابِ مُخالفةِ الدينِ والأخلاقِ، ويعيشُ طالبُ الشُّهرةِ حياتَه أسيرًا لنظَرَاتِ المُعجَبين، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ لبِسَ ثوبَ شُهرةٍ ألبَسَه اللهُ يومَ القيامةِ ثوبَ مَذَلَّةٍ».

 

وأشار فضيلته إلى أن من أخطرِ آثارِ التفاخرِ والتباهي: أنه يُفسِدُ على المسلمِ دينَه؛ فإن الدينَ يفسُدُ بالحرصِ على الشرفِ في الدنيا، خاصةً إذا قصَدَ الرياءَ والسُّمعةَ، فهذا السلوك يُورِثُ الذُّلَّ والصغَارَ والهَوانَ، قال - صلى الله عليه وسلم -: «مَن سمَّع سمَّعَ اللهُ به، ومَن يُرائِي يُرائِي اللهُ به». كما أن المُفاخَرَة في العبادات تُذهِبُ بركةَ الأعمال، بل وتُحبِطُها.

 

وقال حفظه الله: وقد ينزِلُقُ المرءُ في بيتِه ومُحيطِ أسرته بشيءٍ من التفاخُرِ والتباهي، بمظاهر الاستعراضات الاجتماعية، والإسرافِ في الفَرشِ والأثاثِ أو التماثيل، ويشملُ ذلك المبالغَةَ في المهورِ وحفَلات الزواج. التفاخُرُ يهوِي بالإنسانِ إلى مَزالِقِ نسيانِ شُكر المُنعِمِ وحَمدِ فَضلِه، التفاخرُ دافعٌ إلى احتِقارِ الآخرين، وقد ظَهرَ هذا في حالِ إبْليس في قوله: (أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) [الأعراف: 12]، فنَسَبَ الجَورَ إلى ربه، في زعمهِ أنه هو الأفضلُ.

 

وأكد الشيخ أن تَكلُّف التفاخُرِ والتباهي يعُطِّلُ فكرَ المسلم عن رسالةِ التنميةِ والإعمار، فالركضُ وراء الدِّعايات الفارِغة، والمظاهِرِ الخادِعةِ، يُؤدِّي إلى ارتماءِ المُسلمِ في أحضانِ الغرائزِ الشهوانية، والانغِماسِ في فُضولِ الأعمال.

 

وبيَّن  فضيلته أن من آثارِ التباهي والتفاخُرِ: أنه سببٌ في هزيمةِ الأمة، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّما ينصُرُ اللَّهُ هذِهِ الأُمَّةَ بضعيفِها، بدعوتِهِم وصلاتِهِم وإخلاصِهِم».  وهذا يُبَيِّنُ أن الرياءَ والحرصَ على المظاهر سَببٌ في هزيمةِ الأمة.

 

وأضاف الشيخ: في التفاخُر والتباهي استِفزَازٌ لمشاعرِ المسلمين، ممن ضاقَت أرزاقُهُم، وصعُبَت حياتُهم لقلَّةِ ذاتِ اليد. ومن آثارِ التباهي: انتشارُ الحسَد، حين يتحدَّثُ الإنسانُ عن نِعَمِ الله بخُيَلاءَ وفخرٍ وغُرورٍ، أو بطريقةٍ تستجلِبُ حَسَدَ الحُسَّاد. ولهذا وغيره - عباد الله - رتَّب الإسلامُ الوعيدَ الشديدَ على التباهي والتفاخُرِ، بكل صُوره وأشكالِه، حتى في المِشيَة، قال - صلى الله عليه وسلم -: «بينما رجُلٌ يتبختَرُ، يمشِي في بُرْدَيْهِ، قد أعجَبَتْهُ نفسُهُ، فخَسَفَ اللهُ بهِ الأرضَ، فهو يتجَلجَلُ فيها إلى يومِ القيامةِ».

 

وختم الشيخ خطبته بوضع ضوابط لإظهار النعم وإخفائها، فقال: إذا ظَهَرَت على الإنسان النِّعَمُ دون أن يقصِدَ إظهارَها أو استعلاءَه على الآخرين، فهذا لا بأسَ به، قال الله تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) [الأعراف: 32].

 

والمسلمُ مأمورٌ بالتحدُّثِ بنِعَمِ الله، كما يُحبُّ ربُّنا أن يرَى أثرَ نِعمَتِه على عبدهِ، شُكرًا له - تبارك وتعالى - وحمدًا، لا على سبيلِ التفاخُرِ، قال الله تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) [الضحى: 11].

ولا مانِعَ شرعًا من إخفاءِ النِّعمةِ؛ بل هو الأصلُ إذا كان صاحِبُها يخشَى من الحسَدِ والعَين، قال الله تعالى حِكايةً عن نبيِّ الله يعقوب - عليه السلام -: (قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) [يوسف: 5]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «استَعِينُوا على إنجَاحِ الحوَائِجِ بالكِتمانِ؛ فإنَّ كلَّ ذي نِعمةٍ محسُودٌ».

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات