اقتباس
ما أحوجَنا أن نُحيِيَ معاني الإيمان في قلوبِنا، ونحرِصَ على أن نكون فاعِلين ومُؤثِّرين في واقعِنا ومُجتمعِنا، ونسعَى جاهِدين في إعادة تلك الصُّور المُشرِقة لأسلافِنا التي تدلُّنا على ما كان يتحلَّى به المُجتمعُ المُسلمُ من التعاوُن والترابُط، والتكافُل الاجتماعيِّ، وأن نستشعِرَ أيضًا أن لنا إخوةً في الدين يُعانُون من الظُّلم والاضطِهاد في سبيلِ الله، ويلقَون من الأذَى والتعذيبِ من قِبَلِ أعداءِ الدين ما يلقَون. وما أحرَى المُسلم أن يدُعو ربَّه بأن يجعلَه مُبارَكًا أينما كان، ويُجرِيَ الخيرَ على يدَيه، ويجعلَه ناصِحًا للعباد، آمِرًا بالمعروفِ ناهِيًا عن المُنكَر، من مفاتِيح الخيرِ ومغالِيق الشرِّ، حريصًا على نفعِ الناسِ وخِدمتهم بما يستطيعُ، يخدِمُهم ويُواسِيهم بمالِه وبجُهده وبجاهِه وبدُعائِه، تارِكًا أثرًا حسنًا قبل رحيلِه ينفعُه بعد مماتِه..
مكة المكرمة:
ألقى فضيلة الشيخ فيصل بن جميل غزاوي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "نعمة الإيمان بالله"، والتي تحدَّث فيها عن نعمة الإيمان بالله تعالى ووجوب شُكرها، مُبيِّنًا صُورَ ومظاهر هذا الإيمان؛ من سعيٍ في الخير، وبَذل المعروف، وتفريج كُربات المُسلمين وقضاء حاجاتهم، وما إلى ذلك.
واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى-، ثم قال: إن نعمةَ الإيمان أعظمُ نعمةٍ على العبدِ، فإنه متى حظِيَ بها فقد نالَ نعمً لا تُدانِيها نعمة، ولا تُوازِيها منَّة. بها تتحقَّقُ سعادةُ الدنيا والآخرة. فالإيمانُ أكبرُ من منَّةِ الوجود الذي يمنَحُه الله ابتِداءً لهذا العبدِ وسائرِ ما يتعلَّقُ بالوجود، من آلاء الرِّزقِ، والصحَّة، والحياةِ، والمتاعِ. إنها المنَّةُ التي تجعلُ للوجودِ الإنسانيِّ حقيقةً مُميَّزة، وتجعلُ له في الحياةِ أثرًا فاعِلاً.
وأضاف الشيخ: فهل يستوِي من كان ميتًا في الضلالةِ هالِكًا حائِرًا، فأحيَى الله قلبَه بالإيمانِ، وهداهُ الله له، ووفَّقَه لاتباعِ رُسُله، هل يستوِي هذا مع من يعيشُ في الجهالات والضلالات المُتفرِّقة، لا يهتدِي إلى مُنقِذٍ ولا إلى مُخلِّصٍ له مما هو فيه؟! من فقَدَ الإيمانَ ولم يعرِف ربَّه الذي خلقَه، ولا نبيَّه الذي أرسلَه بالحقِّ، تخبَّط وهلَك؛ فالجهلُ بالله سُمٌّ مُهلِك.
وقال حفظه الله: إن الإيمانَ - عباد الله - رِبحٌ ومغنَمٌ ومنَّة، لا يقدُرُ قدرَه إلا من عرفَ قيمتَه، وله آثارٌ عظيمةٌ تعودُ على حياةِ العبدِ المُسلم؛ فمن آثاره التي حُقَّ لنا أن نقِفَ عندها: أن الإيمانَ يُغيِّرُ كيانَ العبد، فيكونُ باعِثًا له على بَذلِ المعروف، ودافِعًا إلى استِباقِ الخيرات؛ وعليه، فالمُؤمنُ مُستشعِرٌ أن له إخوةً في الدين يُحبُّهم ويُجِلُّهم، ويُحبُّ أن ينالَهم من الخير مثلُ ما نالَه، ويتحقَّقَ لهم من الفضلِ مثلُ ما تحقَّقَ له.
وقال وفقه الله: والمُؤمنُ يبعَثُه إيمانُه ليكون فاعِلاً مُنتِجًا، فكم يشعُرُ بالسعادة عندما يبذُلُ لله ويأنَسُ بمُساعدةِ غيره وخِدمته، وتَطيبُ نفسُه عندما تُفرَّجُ كُربةُ أخيه على يدَيه؟! وهو حريصٌ أن يكون له سَهمٌ في شتَّى المجالات الخَيِّرة، وأن يحظَى بنصيبٍ وافِرٍ من الأجر، وحظٍّ عظيمٍ من الدرجَات.
وأكد الشيخ أن الإيمانَ يُحوِّلُ العبادةَ إلى أداةٍ فاعِلةٍ مُثمِرةٍ مُنتِجة، لذا فالمُؤمنُ يحرِصُ مُدَّة بقائِه في الدنيا أن يكسِبَ من الحسنات، ويجمعَ من خِصالِ الخير، ويزدادَ قُربةً من ربِّه، ولأنه في سِباقٍ لا ينتهي حتى الموت، فهو يُبادِرُ بالأعمال الصالِحة، ويضِنُّ بالوقتِ أن يذهبَ عليه سُدًى، وبالعُمر أن يفنَى بلا فائِدة.
وأشار الشيخ إلى أن قُدوتَنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - كان لا يألُو جُهدًا في عملِ الخير، وبَذلِ المعروف، ونفعِ الناس، فيُعلِّمُ هذا، ويدعُو لهذا، وينصَحُ لهذا، ويُعاتِبُ هذا، ويُشيرُ بالرأيِ على هذا، ويحُثُّ على الخيرِ هذا، ويُحذِّرُ من الشرِّ هذا، ويسعَى في قضاءِ حاجةِ هذا، ويشفعُ لهذا، ويُهدِي هذا، ويتصدَّقُ على هذا، ويُمازِحُ هذا، ويزورُ هذا، ويُضيفُ هذا، وينتصِفُ لهذا، ويأخُذُ الحقَّ من هذا، وهكذا. فلا تجِدُه إلا نفَّاعًا للناس، يُحبُّ الخيرَ لهم، ويحرِصُ على منفَعتهم، ويُحسِنُ إليهم بأنواع الإحسان، حتى كان لذلك أثرٌ في بدنِه - صلى الله عليه وسلم -، فكان يُصلِّي في آخر حياتِه جالِسًا بعد أن حطَمَه الناسُ. وهكذا نجِدُ المُؤمنَ حريصًا على إخوانِه، يسعَى في نفعِهم وبَذل المعروفِ لهم، يُفرِحُهُ ما يُفرِحُهم، ويسوؤُه ما يسُوؤُهم، ويُشارِكُهم أحزانَهم وأفراحَهم.
وبيَّن فضيلته: أن الإيمانَ له آثارٌ مُشرِقة، ونتائِجُ حميدَة تنعكِسُ على تصوُّرات الأفراد وسُلوكِهم في الحياة، لذا كان لِزامًا أن يحرِصَ المرءُ على تجديدِ الإيمان، وهذا ما أوصَى به قُدوةُ الأنام - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث قال: «إن الإيمانَ لَيَخْلَقُ في جَوفِ أحدِكم ما يَخْلَقُ الثَّوبُ، فاسأَلُوا اللهَ أن يُجدِّدَ الإيمانَ في قلوبِكم» (رواه الطبرانيُّ والحاكمُ بإسنادٍ حسن).
ما أحوجَنا أن نُحيِيَ معاني الإيمان في قلوبِنا، ونحرِصَ على أن نكون فاعِلين ومُؤثِّرين في واقعِنا ومُجتمعِنا، ونسعَى جاهِدين في إعادة تلك الصُّور المُشرِقة لأسلافِنا التي تدلُّنا على ما كان يتحلَّى به المُجتمعُ المُسلمُ من التعاوُن والترابُط، والتكافُل الاجتماعيِّ، وأن نستشعِرَ أيضًا أن لنا إخوةً في الدين يُعانُون من الظُّلم والاضطِهاد في سبيلِ الله، ويلقَون من الأذَى والتعذيبِ من قِبَلِ أعداءِ الدين ما يلقَون.
وما أحرَى المُسلم أن يدُعو ربَّه بأن يجعلَه مُبارَكًا أينما كان، ويُجرِيَ الخيرَ على يدَيه، ويجعلَه ناصِحًا للعباد، آمِرًا بالمعروفِ ناهِيًا عن المُنكَر، من مفاتِيح الخيرِ ومغالِيق الشرِّ، حريصًا على نفعِ الناسِ وخِدمتهم بما يستطيعُ، يخدِمُهم ويُواسِيهم بمالِه وبجُهده وبجاهِه وبدُعائِه، تارِكًا أثرًا حسنًا قبل رحيلِه ينفعُه بعد مماتِه.
وختم الشيخ خطبته بالحث على الاعتصام بالكتاب والسنة وإحياء معاني الإيمان فقال: يا أمةَ الإسلام .. ويا أتباعَ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-: اعتصِمُوا بكتابِ ربِّكم، وتمسَّكُوا بسُنَّة نبيِّكم - صلى الله عليه وسلم -، وذُبُّوا عن شريعتِه. ابذُلوا النصيحةَ لإخوانِكم، قُوموا بواجبِ الأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المُنكَر، كُونوا غَيُورِين على حُرماتِ الله، مُعظِّمين لشعائرِ الله، ادعُوا إلى المنهَج الحقِّ، ادخُلوا في الإسلام بالكليَّة، لا تترُكُوا من عُراه شيئًا، حقِّقُوا معنى الإيمان في قلوبِكم، احذَروا الفتنَ ودُعاةَ الضلالة، والمسالِك المُنحرِفة. احرِصُوا على جمعِ الكلمة ووحدة الصفِّ، ناصِروا إخوانَكم المُسلمين في كل مكانٍ. اللهَ اللهَ أن يُؤتَى الإسلام من قِبَلكم، كُونوا على الجادَّة، استقيمُوا على شرع الله، ولا تتَّبِعُوا الهوَى، اثبُتوا على الدين حتى تلقَوا ربَّكم وأنتم كذلك.
المدينة المنورة:
ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "التفكُّر في آيات الله: الشمسُ نموذجًا"، والتي تحدَّث فيها عن التفكُّر في آيات الله تعالى، وأنه من أعظمِ العبادات وأجلِّ القُرُبات التي يتقرَّبُ بها العبدُ إلى الله، مُمثِّلاً ذلك بآيةِ الشمسِ، وأوردَ ما يتعلَّقُ بها من آياتٍ وأحاديث لأخذ العِبرة والعِظة.
واستهل فضيلته خطبته بنصح المصلين بتقوى الله قائلاً: أما بعد: فاتَّقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، وراقِبُوه في السرِّ والنجوَى.
وأضاف الشيخ: أحسنُ ما أُنفِقَت فيه الأنفاسُ هو التفكُّرُ في آياتِ الله وعجائِبِ صُنعِه، والانتِقالُ منها إلى تعلُّق القلب والهمَّة به دون شيءٍ من مخلُوقاته. وآياتُ الربِّ هي دلائِلُه وبراهينُه التي بها يعرِفُ العبادُ ربَّهم بأسمائِه وصفاتِه وأفعالِه وتوحيدِه، والتفكُّر في مخلُوقات الله عبادةٌ وهداية، وهو مبدأُ الخيرات ومفتاحُها، فبِه يُعظِّمُ العبدُ ربَّه ويزدادُ إيمانًا ويقينًا، ويفتَحُ بصيرةَ القلب ويُنبِّهُه من غفلتِه، ويُورِثُه حياةً وتدبُّرًا ومحبَّةً لله وتذكُّرًا.
وقال حفظه الله: التفكُّرُ في آياتِ الله من أفضلِ أعمال القلوبِ وأنفَعها، يدعُو إلى العمل ويُلزِمُ صاحبَه الاستِسلامَ لله. وإذا المرءُ كانت له فِكرةٌ، ففي كل شيءٍ له عِبرة، والقرآنُ العظيمُ مملوءٌ بدُعاءِ الخلقِ إلى التفكُّرِ في الآياتِ والنظرِ في المخلُوقات، وفي مخلُوقات الله عِبَرٌ وعِظاتٌ أمرَ الله بالتفكُّر فيها، فقال: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [يونس: 101]. قال شيخُ الإسلام - رحمه الله -: "والنظرُ إلى المخلُوقات العُلويَّة والسُّفلِيَّة على وجهِ التفكُّر والاعتِبار مأمورٌ به مندوبٌ إليه".
وقال وفقه الله: والعقولُ التامَّةُ الذكيَّةُ هي التي تُدرِكُ الأشياءَ بحقائِقِها، والله أثنَى على المُتفكِّرين في خلقِه وأنهم من أُولِي الألباب، وذمَّ الله المُعرِضين عن التفكُّر، بل ومن عقوباتِ الله: صَرفُ آياتِه عن المُستكبِرين، قال - سبحانه -: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا) [الأعراف: 146]. قال الحسنُ البصريُّ - رحمه الله -: "أمنَعَهم التفكُّر فيها".
وأكد الشيخ أن الشمس من آياتِ الله اليوميَّة العظيمة، قال - سبحانه -: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) [فصلت: 37]. جعلَها الله للكونِ ضياءً وهي في السماءِ سِراجٌ وهَّاج، تجرِي بلا صوتٍ مع كِبَر حجمِها بحسابٍ دقيقٍ في فلَكٍ واسِعٍ إلى أجلٍ مُسمَّى، (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [يس: 40]. سخَّرَها الله لعبادِه، فبطُلُوعِها وغرُوبِها قيامُ الليل والنهار، ولولا وجودُها لبَطَلَ أمرُ هذا العالَم، ففيها من الحِكَم والمصالِح ما يعجزُ الخلقُ عن الإحاطَةِ به، جعلَها الله دليلاً على وحدانيَّته وألوهيَّته.
وبيَّن فضيلته أن الشمس آيةٌ لأربابِ العُقول، قال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [النحل: 12]. ودعا العبادَ إلى النظرِ في عجيبِ تسخيرِها، فقال: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) [لقمان: 29]. وبها يحسُبُ الخلقُ أوقاتَهم ويعرِفون معالِمَهم، قال - سبحانه -: (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا) [الأنعام: 96]. وخلقَ الله الظلَّ وجعلَ الشمسَ عليه دليلاً.
وأشار الشيخ إلى أن الله تعالى علَّقَ على مسيرِها كثيرًا من العبادات والأحكام؛ ففي الصلاةِ قال: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) [الإسراء: 78]، وعن أفضلِ أوقاتِ الذكرِ قال: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) [ق: 39]. وفي الصيامِ يُفطِرُ الصائِمُ عند غُروبِها.، ومن أمارَة ليلةِ القَدر: «تطلُع الشمسُ صبيحَةَ يومِها بيضاءَ لا شُعاعَ لها» (رواه مُسلم).
وفي أيامِ التشريقِ بعد زوالِها يرمِي الحاجُّ الجمَرات.
وقال حفظه الله: وزمنُ انقِضاءِ عبادةِ التوبةِ ينقضِي بطُلُوع الشمسِ من مغربِها؛ وبصلاةٍ قبل طُلُوع الشمسِ وقبل غُرُوبِها رتَّب الله عليها ثوابًا عظيمًا؛ وخسوفُها تخويفٌ من الله لعبادِه؛ ولعظيمِ خلقِها وكثرةِ منافعِها أقسمَ الله بها، فقال: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) [الشمس: 1]. ومع هذه العظَمة، فالله هو الذي يُسيِّرُها وهي تُسبِّحُ له، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) [الحج: 18].
وقال وفقه الله: وقد فُتِن بها بعضُ الخلقِ فعبَدُوها من دون الله، قال الهُدهدُ لسُليمان - عليه السلام - حاكِيًا عن ملِكَة سبأٍ وقومِها: (وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ) [النمل: 24]. والمُسلمُ لا يتحرَّى بصلاتِه عند طلُوع الشمسِ أو غُروبِها؛ فإنها حينئذٍ يسجُدُ لها بعضُ الكفَّار. ولسُجودِ بعضِ الناسِ لها ينتصِبُ الشيطانُ لها عند طُلوعها وعند غُروبِها، يُوهِمُ نفسَه أنهم يسجُدون له.
وأشار الشيخ أنه لسَدِّ ذَريعَةِ عبادتِها نُهِيَ المُسلمُ أن يتحرَّى صلاةً قبل طلُوع الشمسِ أو غُروبِها. وعند زوال الشمس كل يومٍ موعِظةٌ للمُؤمن؛ فإن النار تُسجَّرُ في هذا الوقتِ، فتُكرَهُ الصلاةُ حينَها، وطلُوعُ الشمسِ من غير مجراها أمارةٌ على قُربِ الساعة وإذنٌ من الله بخَرابِ العالَم، قال - عليه الصلاة والسلام -: «لا تقومُ الساعةُ حتى تطلُعَ الشمسُ من مغربِها، فإذا طلَعَت ورآها الناسُ آمَنُوا جميعًا، وذلك حين لا ينفعُ نفسًا إيمانُها» (متفق عليه).
وبيَّن فضيلته أن أول الآيات خُروجًا: طُلوعُ الشمسِ من مغربِها، وخروجُ الدابَّة على الناسِ ضُحًى، وأيُّهما كانت قبل صاحبَتِها فالأُخرى إثرُها قريبًا. وفي المحشَر يجمعُ الله الناسَ الأولين والآخرين في صَعيدٍ واحدٍ، يُسمِعُهم الداعي ويُنفِذُهم البصر، وتدنُو الشمسُ من الخلقِ حتى تكون منهم كمِقدارِ مِيل. قال - عليه الصلاة والسلام -: «فيكونُ الناسُ على قَدر أعمالهم في العَرق، فمنهم من يكونُ إلى كعبَيه، ومنهم من يكون إلى رُكبتَيه، ومنهم من يكون إلى حَقوَيه، ومنهم من يُلجِمُه العرقُ إلجَامًا» (رواه مسلم).
وأشار الشيخ إلى أنه في الجنةِ لا شمسَ ولا زَمهَرير، فهي مُنوَّرةٌ بنورِ الله، وأعظمُ نعيمِ أهل الجنةِ رُؤيةُ الله تعالى، فيرَونَه - سبحانه - كما يرَى أهلُ الدنيا الشمسَ، في وسَط النهار ليس دُونَها سحاب. قال الصحابةُ - رضي الله عنهم -: يا رسولَ الله! هل نرَى ربَّنا يوم القيامة؟ قال: «هل تُضارُّون في الشمسِ ليس دونَها سحاب؟»، قالوا: لا يا رسولَ الله، قال: «فإنكم ترَونَه كذلك» (متفق عليه).
وأكَّد فضيلته أن جميع المخلُوقات من الذرَّة إلى العرشِ دالَّةٌ على الله، والكونُ جميعُه ألسِنةٌ ناطِقةٌ بوحدانيَّته، والنظرُ النافعُ ما كان بالبصائِرِ لا بالأبصار فحسب، والمُسلمُ يُعمِلُ عقلَه وفِكرَه لمُحاسَبَة نفسِه وإصلاحِ قلبِه.
وختم الشيخ خطبته بالحث على تذكر حر جهنم مع اشتداد حر الشمس، فقال: اقتضَت حكمةُ الله أن جعلَ للشمسِ ارتِفاعًا وانخِفاضًا ينتُجُ عنه الحَرُّ والقَرُّ، وفي حرِّ الصيفِ عِظةٌ للمُؤمنين، فشِدَّتُه من فَيح جهنَّم، قال - عليه الصلاة والسلام -: «اشتَكَت النارُ إلى ربِّها، فقالت: ربِّي! أكلَ بعضِي بعضًا، فأذِنَ لها بنفَسَين: نفسٍ في الشتاءِ، ونفَسٍ في الصيف، فأشدُّ ما تجِدُون من الحَرِّ، وأشدُّ ما تجِدٌون من الزَّمهَرير» (متفق عليه).
والدنيا مشُوبةٌ بالألم والنعيم؛ فألَمُها يُذكِّرُ بألَم النار، ونعيمُها يُذكِّرُ بنعيمِ الجنة، واختِلافُ أحوالِها من حرٍّ وبردٍ، وليلٍ ونهارٍ، يدلُّ على انقِضائِها وزوالِها. والمُؤمنُ لا يقطعُه عن الله شيءٌ؛ فلا يمنَعُه الحرُّ عن صلاةٍ، وصومٍ، وبِرٍّ، وخيرٍ، والله ذمَّ القائِلين: (لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ) [التوبة: 81]، وتوعَّدَهم بقوله: (قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ). وعجَبًا لمن اتَّقَى حرَّ النارِ، كيف لا يتَّقِي نارَ الجَحيم؟!
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم