اقتباس
والمُتأمِّلُ في أحوال المُجتمعات التي فقدَت الاستِقرار لا تُخطِئُ عينُه انتشارَ القلق والتوتُّر؛ بل غدَا الناسُ غيرَ آمنين على أموالِهم وأعراضِهم، وأعرفُ الناسِ بقيمة الاستِقرار ما ابتُلِي بفَقده، فتغرَّبَ عن وطنِه، أو تشرَّد بعيدًا عن أهله، فذاقَ مرارةَ الجُوع، وذُلَّ المجاعة، أو سقطَت بلدُه في فوضًى دهماءَ فنزفَت على ترابِها الدماء، وسقطَت على ثَراها الجُثُ والأشلاء، وعمَّ السَّلبُ والنَّهبُ. وبهذا نعلَم أن استِقرارَ الأمن في الديار والأنفُس والأموال والأعراض جنَّةُ الله، ومِنحَتُه للمُؤمنين في الدنيا، وأعزُّ ما امتَنَّ الله به على الأُمم والمُجتمعات.
مكة المكرمة:
ألقى فضيلة الشيخ ماهر المعيقلي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "فضائل كلمة التوحيد"، والتي تحدَّث فيها عن توحيد الله تعالى وأهميته، ثم ذكرَ بعضَ فضائلِه، وختمَ خُطبته بذكرِ عصمةِ التوحيدِ لدماء المُسلمين.
واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: أما بعد .. معاشِر المُؤمنين: فأُوصِي نفسِي وإياكم بتقوَى الله - عز وجل -، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق: 2، 3].
وأضاف الشيخ: لقد خلقَ الله تعالى آدمَ - عليه السلام - بيدِه، ونفخَ فيه من رُوحِه، وفطَرَه على توحيدِه، ثم أخذَ العهدَ والميثاقَ على ذُريَّته من بعدِه بأن يعبُدوه وحدَه لا شريكَ له، فمكثَت الأرضُ بعد آدم عشرة قرون لا يُعبَدُ فيها إلا الله - جلَّ جلاله -، إلى أن وقعَ الشركُ في قوم نوحٍ - عليه السلام -، فبعثَه الله تعالى بكلمةِ التوحيدِ، فقال: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) [الأعراف: 59].
وقال حفظه الله: فأمرَ الله تعالى عبادَه أن يُوحِّدوه، وجعلَ التوحيدَ أصلَ الدين وأساسَه، فلا تُقبلُ حسنةٌ إلا به، وبدونِه تحبَطُ الأعمال وإن كانت أمثالَ الجبال، (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 88]. فلا إله إلا الله .. من أجلِها أرسلَ الله رُسُلَه، وأنزلَ كُتبَه، وخلقَ الجنةَ والنار، وقسَم الخلقَ إلى مُؤمنين وكُفَّار. ولا إله إلا الله .. هي أفضلُ الحسنات، وأعظمُ مُكفِّرٍ للسيئات، إذا اجتمعَ التوحيدُ واليقينُ والإخلاص.
وقال وفقه الله: فلا إله إلا الله .. ما أعظمَها من كلمةٍ جليلة! فهي أطيَبُ الكلام، وأفضلُ الأعمال، وأعلى شُعب الإيمان، وأثقلُ شيءٍ في الميزان، وهي خيرُ ما يُعدُّ للقاءِ الله - جلَّ جلالُه -، فلذا أوصَى الأنبياءُ بها عند موتهم، (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [البقرة: 132]. ومن كان آخرُ كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله، دخل الجنة. والمُوحِّدون - يا عباد الله - هم أسعَدُ الناسِ بشفاعَةِ النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة.
واستشهد الشيخ بكلام الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "وكلَّما كان توحيدُ العبد أعظم كانت مغفرةُ الله له أتمَّ، فمن لقِيَه لا يُشرِكُ به شيئًا غفرَ له ذنوبَه كلَّها". وفي "صحيح مسلم": قال الله - تبارك وتعالى - في الحديث القُدسي: «ومن لقِيَني بقُرابِ الأرض خطيئةً لا يُشرِكُ بي شيئًا لقيتُه بمثلِها مغفرةً». فلذا - يا عباد الله - بنَى النبي - صلى الله عليه وسلم - على هذه الكلمة دعوتَه، فكانت حياتُه كلُّها في التوحيدِ، مكيُّها ومدنيُّها، حضَرُها وسفرُها، سِلمُها وحربُها.
وكان - صلى الله عليه وسلم - يُربِّي على هذه الكلمةِ أمَّتَه؛ عبر وصيَّة عظيمة تغرِسُ التوحيدَ في القلوب. فالله - جلَّ جلالُه وتقدَّسَت أسماؤُه - هو الذي له الخلقُ والأمرُ، وعنده خزائِنُ السماوات والأرض، وهو الذي يقضي الحاجات، ويُجيبُ الدعوات، فالخلقُ كلُّهم فُقراءُ إليه، مُضطرُّون إلى فضلِه وكرمِه، ورحمتِه وعطائِه.
وبين الشيخ أن النبي - صلى الله عليه وسلم – كان حريصًا على حمايةِ التوحيد من أن ينالَه نقصٌ أو خلَلٌ، سواءٌ كان في القصد أو القول أو العمل. ففي "مسند الإمام أحمد": أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سمِع رجُلاً يقول له: ما شاءَ الله وشِئتَ! فقال - صلى الله عليه وسلم -: «جعَلتَني لله عدلاً؟! بل ما شاء الله وحدَه».
وأوضح الشيخ أن المقاصِد والنيَّات يجبُ أن تكون خالِصةً لربِّ الأرض والسماوات؛ ففي "صحيح مسلم": أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «قال الله - تبارك وتعالى -: أنا أغنَى الشُّركاءِ عن الشِّركِ، من عمِلَ عملاً أشركَ فيه معي غيري تركتُه وشِركَه». قال ابن القيم - رحمه الله -: "الإخلاصُ والتوحيدُ شجرةٌ في القلب، فروعُها الأعمال، وثمرُها طِيبُ الحياة في الدنيا، والنعيمُ المُقيمُ في الآخرة، وكما أن ثمارَ الجنة لا مقطوعةٌ ولا ممنوعةٌ، فثمرةُ الإخلاص والتوحيد في الدنيا كذلك، والشركُ والكذبُ والرياءُ شجرةٌ في القلب، ثمرُها في الدنيا الخوفُ والهمُّ والغمُّ، وضيقُ الصدر، وظُلمةُ القلب، وثمرُها في الآخرة الزقُّوم والعذابُ المُقيم، وقد ذكرَ الله هاتَين الشجرتَين في سُورة إبراهيم". اهـ كلامُه - رحمه الله -.
وأشار الشيخ إلى أن النصوصَ الوارِدةَ في فضل كلمةِ التوحيد، وهي تدلُّ على عِظَم شانها وجلالَةِ قَدرِها؛ فمن ذلك: أنها تعصِمُ دمَ صاحبِها؛ ففي "الصحيحين" من حديث أُسامة - رضي الله عنه وأرضاه -، لما بعثَه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مع بعضِ الصحابةِ لقتالِ المُشرِكين، قال أُسامةُ - رضي الله عنه -: فصبَّحْنا القومَ فهزَمناهم، ولحِقتُ أنا ورجلٌ من الأنصار رجُلاً منهم، فلما غشِينَاه قال: لا إله إلا الله، فكفَّ عنه الأنصاريُّ، فطعنتُه برُمحِي حتى قتلتُه.
قال: فلما قدِمنا، بلَغَ ذلك النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال لي: «يا أُسامة! أقتَلتَه بعدما قال: لا إله إلا الله؟». قلتُ: يا رسولَ الله! إنما كان مُتعوِّذًا، قال: «أقتَلتَه بعدما قال: لا إله إلا الله؟». قال: فما زالَ يُكرِّرُها عليَّ حتى تمنَّيتُ أني لم أكُن أسلَمتُ قبل ذلك اليوم.
وأكد فضيلته أن الدماءَ - يا عباد الله - لا تُستباحُ بالتأويل، فهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يلتفِت إلى تأويلات أُسامة؛ بل أخذ يُنكِرُ عليه ويُكرِّرُ بشدَّة: «كيف تصنعُ بلا إله إلا الله إذا جاءَت يوم القيامة؟!»، حتى نسِيَ أُسامةُ - رضي الله عنه وأرضاه - ما عمِلَه من أعمالٍ صالحةٍ قبل اليوم، فتمنَّى أن لم يكُن أسلمَ قبل ذلك اليوم.
وختم الشيخ خطبته بالتحذير من الجرأة على الدماء فقال: إذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد عظَّمَ دمَ مُحارِبٍ للمُسلمين، والقرائِنُ تدلُّ على أنه قالَها مُتعوِّذًا من السيفِ، فكيف بدمِ مُسلمٍ مُتيقَّنٍ من توحيدِه وإسلامِه؟! فلا إله إلا الله .. كم عظَّم الإسلامُ أمرَ الدماء، وتوعَّدَ من استهانَ بها وأراقَها بغير حقٍّ بالعذابِ العظيمِ في الدنيا والآخرة، (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93]. فقضيَّةُ حُرمة الدماء - يا عباد الله - محسُومة، والنصوصُ فيها صريحةٌ معلُومة، وتأويلاتُ أهل الضلالِ مردُودةٌ مرفُوضةٌ، ولا يزيغُ عن هذا إلا هالِكٌ. كيف يصنعُ بـ لا إله إلا الله إذا جاءَت يوم القيامة؟!
المدينة المنورة:
ألقى فضيلة الشيخ عبد البارئ بن عواض الثبيتي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "نعمة الأمن والاستقرار"، والتي تحدَّث فيها عن الأمن والاستقرار وأن شُؤون الحياة جميعها مرتبطة به، ولا يُمكن أن تستقيم الحياة بدونها، وذكر أسبابَ تقويض الاستِقرار وتهديد دعائِمِه، كما بيَّن كيفية تحقيق الأمن والاستِقرار.
واستهل فضيلته خطبته بنصح المصلين بتقوى الله قائلاً: أما بعد: فأُوصِيكم ونفسي بتقوى الله.
وأضاف الشيخ: شُؤونُ الحياة جميعُها مُرتبِطةٌ بالاستِقرار، ولا يُمكنُ أن تستقيمَ حياةٌ بدونِها، فهو مطلَبٌ منشُودٌ، وحاجةٌ مُلِحَّة، ولا يستغنِي عنه أحد، والإنسانُ لا يهنَأُ له عيشٌ، ولا تنتظِمُ له سعادةٌ، ولا ينشَطُ لعِمارة الأرضِ إلا في ظلِّ الاستِقرار الذي هو أغلَى مطلَبٍ، وأعزُّ عطايا المعبُود، فجِماعُ نعيمِ الدنيا ومتاعِها، واحتِضانُ أطرافِ سعادتها مرهُونٌ بتوافُر مُقتضيَات الاستِقرار، قال - صلى الله عليه وسلم -: «من أصبحَ منكم آمنًا في سِربه، مُعافًى في جسَده، عنده قُوتُ يومِه، فكأنَّما حِيزَت له الدنيا».
وقال حفظه الله: والمُؤمنُ مأمورٌ بالسعي في الأرض طلبًا للاستِقرار والأمان، وللاستِقرار شأنٌ كبيرٌ، وقدرٌ جليلٌ، جعلَه الله وصفًا لثوابِ أهل الجنة ونعيمِهم.
وقال وفقه الله: رتَّبَ الإسلامُ أشدَّ الوعيدِ على الإفسادِ في الأرضِ بعد إصلاحِها واستِقرارها، فمن أفسدَ في الأرض، وقوَّضَ معاني الاستِقرار بدعوَى الصلاح والإصلاح، وأنه من أهل الحقِّ فهو مُفسِد، كما قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) [البقرة: 11، 12].
وأكد الشيخ أن الإسلام بمنهَجه الربَّانيِّ ينبُوع الاستِقرار ومصدرُه، الاستِقرارُ النفسيُّ، الاستِقرارُ الأمنيُّ، الاستِقرارُ الاجتماعيُّ، فهو يُزيلُ أسبابَ القلقِ والتوتُّر، قال تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) [الأنعام: 125].
وأشار الشيخ غلى أن الإسلام يضع كل ما أودعَه الله في الأرض من ثرَواتٍ كبيرة، وموارِد ضخمَة تحت يدِ البشرية لتحقيقِ معنى الاستِقرار، قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك: 15].
وبيَّن فضيلته أن كل تكاليفِ ومقاصِدِ الشريعة وضروراتِها جاءَت لتثبيتِ دعائِمِ الاستِقرار في حياةِ البشر، ذلك أن تكاليفَ الشريعةِ ترجِعُ إلى حفظِ مقاصِدها في الخلق، وهذه المقاصِدُ لا بُدَّ منها في قيامِ مصالِح الدين والدنيا؛ بحيث إذا فُقِدت لم تجرِ مصالِحُ الدنيا على استِقامةٍ؛ بل على فسادٍ وتهارُجٍ وفَوتِ حياةٍ، وهي: حفظُ الدين، والنفس، والنَّسل، والمال، والعَقل.
وأضاف الشيخ: المُجتمعاتُ التي تنشُدُ النهضةَ والرُّقِيُّ تبدأُ بإرساء قواعِد الاستِقرار، وهو أولُ ما نطقَ به رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حين دخُولِه المدينة مُهاجِرًا، فقد سطَّر معاني الاستِقرار بكلماتِ الحبِّ والسلام، حين قال: «يا أيها الناس! أفشُوا السلام، وأطعِموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناسُ نِيام؛ تدخُلوا الجنةَ بسلامٍ».
وأكد الشيخ أن الإسلامَ أرسَى منهَجًا في الاستِقرار أساسُه التعامُل الذي يقوم على المُؤاخاة، ونبذ العُنف والتطرُّف، وتعزيز التعاوُن، فأصبحَ مُجتمعُ المدينة أنموذجًا في السِّلم والوِئام والاستِقرار. والمُتأمِّلُ في أحوال المُجتمعات التي فقدَت الاستِقرار لا تُخطِئُ عينُه انتشارَ القلق والتوتُّر؛ بل غدَا الناسُ غيرَ آمنين على أموالِهم وأعراضِهم، وأعرفُ الناسِ بقيمة الاستِقرار ما ابتُلِي بفَقده، فتغرَّبَ عن وطنِه، أو تشرَّد بعيدًا عن أهله، فذاقَ مرارةَ الجُوع، وذُلَّ المجاعة، أو سقطَت بلدُه في فوضًى دهماءَ فنزفَت على ترابِها الدماء، وسقطَت على ثَراها الجُثُ والأشلاء، وعمَّ السَّلبُ والنَّهبُ. وبهذا نعلَم أن استِقرارَ الأمن في الديار والأنفُس والأموال والأعراض جنَّةُ الله، ومِنحَتُه للمُؤمنين في الدنيا، وأعزُّ ما امتَنَّ الله به على الأُمم والمُجتمعات، قال الله تعالى: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) [قريش: 3، 4].
وقال حفظه الله: لا يشُكُّ عاقلٌ أن الاستِقرار أساسُ الازدِهار، والبيئةُ الخَصبةُ للبناءِ والتنميةِ وعِمارةِ الأرض. مما يُقوِّضُ الاستِقرارَ ويُهدِّدُ دعائِمَه: انتشارُ الإشاعات، وفُشُوُّ الأراجِيف، وتلقِّيها بدون روِيَّةٍ ولا تبصُّر، وهذا يُثيرُ الفتنَ، ويبذُرُ الفُرقةَ والخلاف.
وأشار الشيخ إلى أن الأسلوبَ الخاطِئ السيِّئ في التعاطِي مع وسائل التواصُل الاجتماعي الحديث الذي أخذَ مكانَ الصَّدارَة في اهتمامات الناس، أفرزَ تناقُضًا في التربية، وزعزَعَ بعضَ العقائِد، وحطَّم كثيرًا من الثوابِتِ والقِيَم، واختطَفَ الشبابُ، فغدَت هذه الوسائلُ بهذا المفهُوم مِعوَلاً هدَّامًا للاستِقرار.
وضرب الشيخ مثالاً بالتساهُل في تداوُل الحرام، والتشبُّع من الرِّبا يمحَقُ قواعِدَ الاستِقرار الماليِّ، قال الله تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) [البقرة: 276]. وكذا الطُّغيان والبطَرُ في النعمة، وقلَّةُ الشكر، مع السَّرَف والبُخل تُهدِّدُ الاستِقرارَ الاجتماعيَّ، قال الله تعالى: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ) [القصص: 58].
وأكد فضيلته أن: الأحداثَ من حولِنا علَّمَتنا وتُعلِّمُنا أن الاستِقرارَ أمرٌ لا مُساومَة عليه، والسعيُ لترسيخِ دعائِمِه وتقويةِ أركانِه، والضربُ بيدٍ من حديدٍ على كل مُخرِّبٍ ومُفسِدٍ واجبٌ شرعيٌّ، ومطلَبٌ وطنيٌّ. تتحقَّقُ المُحافظةُ على الاستِقرار بترسيخِ الإيمان، والاعتِصام بالكتابِ والسنَّة، وتحقيق مبادئ الوَحدة، ونبذ أسبابِ الفُرقةِ والخلاف، قال الله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) [النساء: 115].
وبيَّن الشيخ أن الاستِقرار يتحقَّقُ ويدومُ بنشر العلم الذي يُنيرُ الظُّلمةَ، ويكشِفُ الغُمَّة، ويبعَثُ النَّهضَة، ويُحصِّنُ من الأفكار والشُّبُهات والوقع في الإفراط والتفريط. العلمُ أساسُ سعادة الفرد ورخاء الشعوب، ويدومُ الاستِقرار بذِكرِ فضلِ الله تعالى وشُكرِه، ويتحقّقُ الاستِقرارُ ويدومُ بعنايةِ المُجتمع بالأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر، ونمُوِّ ميادين العمل الخيريِّ.
وختم الشيخ خطبته بالتذكير بأهمية العمل الخيري فقال: إن العملَ الخيريَّ سببٌ لازدِهار المُجتمع ورخائِه واستِقرارِه؛ حيث تستقِرُّ الحياةُ لليتيم والمسكين والأرمَلة والمرضَى، ويحُولُ العملُ الخيريُّ دون نُشوبِ صِراع الطبقَات وتحاسُدِها، قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 97].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم