اقتباس
إنهم علماءُ الشرع المُطهَّر، رفع الله قدرَهم، وأعلى مقامَهم. قائِمون بالحقِّ، مُتمسِّكون بالهُدى، ثابِتون على الجادَّة، مقرونةٌ طاعتُهم مع وُلاة الأمور بطاعة الله ورسولِه، عظَّم الله شأنَهم، واستشهَدَهم على توحيدِه، وإليهم المفزَعُ في النوازِلِ والفتن والمُدلهِمَّات والمُظلِمات، وهم الملاذُ في الأزمات، مجالِسُهم مجالِسُ فضلٍ وخيرٍ، تُفيدُ العلومَ والحِكَم، وتحفظُ من الغفلة، استنبَطوا أصولَ الأحكام، وضبَطُوا قواعدَ الحلال والحرام، حاجةُ الناسِ إليهم أعظمُ من حاجتهم إلى الطعام والشراب...
مكة المكرمة:
ألقى فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "مكانة العلماء"، والتي تحدَّث فيها عن أهل العلم ومكانتهم وقدرهم، وتعظيمهم في نصوص الكتاب والسنَّة، مُبيِّنًا ما يجبُ على كل مُسلمٍ تجاههم من الاحترام والتوقير والرجوع إلى أقوالهم، مع بيان أنهم بشرٌ يُصيبُون ويُخطِئون وأن من يحكم على صوابِهم وخطأهم هم أمثالُهم ونُظراؤُهم وليس كل أحدٍ، وأوردَ العديدَ من الآثار وأقوال أهل العلم الدالَّة على فضلهم وحُرمة الوقيعة فيهم.
واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فأُوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله - رحمكم الله -، فرِزقُكم لن يأخُذَه غيرُكم فاطمئنُّوا، وعملُكم لن يقوم به غيرُكم فاشتغلُوا به وجِدُّوا.
وأضاف الشيخ: كمائِنُ القلوب تُظهِرُها المِحَن، والمُؤمنُ أسيرُ الحق: الإخلاصُ مطيَّتُه، والصدقُ محجَّتُه، وعلى هذا الطريق الأقوَم يقِفُ أعلامٌ ورؤُوس يثبُتُون في الشدائِد والمُلِمَّات، ويعتصِمون بالحقِّ عند الأزمَات، ويُبصِرون ويصبِرون ويُبصِّرون عند الفتن والابتِلاءات.
وقال حفظه الله: إنهم علماءُ الشرع المُطهَّر، رفع الله قدرَهم، وأعلى مقامَهم. قائِمون بالحقِّ، مُتمسِّكون بالهُدى، ثابِتون على الجادَّة، مقرونةٌ طاعتُهم مع وُلاة الأمور بطاعة الله ورسولِه، عظَّم الله شأنَهم، واستشهَدَهم على توحيدِه، وإليهم المفزَعُ في النوازِلِ والفتن والمُدلهِمَّات والمُظلِمات، وهم الملاذُ في الأزمات، مجالِسُهم مجالِسُ فضلٍ وخيرٍ، تُفيدُ العلومَ والحِكَم، وتحفظُ من الغفلة، استنبَطوا أصولَ الأحكام، وضبَطُوا قواعدَ الحلال والحرام، حاجةُ الناسِ إليهم أعظمُ من حاجتهم إلى الطعام والشراب.
وقال وفقه الله: بحُسن تعليمهم يتخرَّجُ المُتخرِّجون، وبجميل مواعِظِهم يرجِعُ المُقصِّرون. في حكمة مسالِكِهم تتجلَّى صلابةُ الإيمان، وثباتُ الموقف في الخُطوب والنوازِل، هم سُرُجُ العباد، ومنارُ البلاد، هم أولياءُ الرحمن، وغيظُ الشيطان؛ بضاعتُهم باقيةٌ بعد موتهم، وأجرُهم جارٍ لهم بعد رحيلِهم، ولهم أجورُ من تبِعَهم وسارَ على طريقِهم، مجالسُهم تحُفُّها الملائكة، وحلقاتُهم تغشاها الرحمة، ومُجتمعُهم تتنزَّلُ عليهم السَّكينة، ويذكرُهم الرحمنُ فيمن عنده.
وأكد الشيخ أن: من أطاع العلماء رشَد، ومن عصاهم غوَى وضلَّ. العلمُ علمُهم، والقولُ قولُهم، والرأيُ رأيُهم. لا يعرفُ الفتنَ إذا أقبلَت، ولا يقِفُ أمامَها إذا تعاقبَت إلا أهلُ العلم الراسِخون الربانيُّون، يُبيِّنون الحقَّ، ويرُدُّون الشُّبُهات. بهم تحيا قلوبُ أهل الحق، وتموتُ قلوبُ أهل الزَّيغ. هم القومُ لا يشقَى بهم جليسُهم، ولا تغُرُّهم كثرةُ الجُموع والأتباع، ولا يُغرِيهم بليغُ المديح والثناء.
وقال وفقه الله: العلمُ ترِكَةُ الأنبياء، ورِثَه الصحابةُ - رضوانُ الله عليهم -، ثم ورِثَه من بعد التابِعون، وهكذا جيلاً بعد جيل، إلى أن يشاءُ الله قبضَه. ولهذا يقول عبدُ الرحمن بن مهديُّ -رحمه الله-: "كان الرجلُ من أهل العلم إذا لقِيَ من هو فوقَه في العلم فهو يوم غنيمة، سألَه وتعلَّم منه، وإذا لقِيَ من هو دونَه علَّمه وتواضَعَ له، وإذا لقِيَ من هو مثلُه في العلم ذاكرَه ودارسَه". وإن من الجفاءِ أن يموتَ العالِم ولم يُؤخَذ عنه العلمُ ولم يُورَث.
وأكد الشيخ أن من علامات توفيقِ الله: حبَّ أهل العلم، وذكرَهم بالجميل، ودفعَ قالَة السوء عنهم، وتوقيرَهم من غير ادِّعاء عصمَتهم، أو عدم الردِّ عليهم عند أخطائِهم. حبٌّ من غير تعصُّبٍ ولا تعسُّف، ولا يصُدَّنَّك حبُّهم أن ترى الحقَّ عند من خالفَهم؛ فحبُّهم من أجل ما خصَّهم به مولاهم من علمٍ وصلاحٍ وتقوى، وبما منحَهم ربُّهم من فضلٍ واستقامةٍ، أما الحقُّ فخُذه أنَّى وجدتَّه.
وبيَّن الشيخ أن من أعظم حقوقِ أهل العلم: حفظُ الألسِنة عن الوقيعَة بهم أو النَّيل منهم بالسيِّئ من القول أو العمل؛ فالنَّيلُ منهم مما هم منه براء أمرٌ عظيم، ونهشُ أعراضِهم بالزُّور والافتِراء مرتَعٌ وخيم. يقول الحافظُ ابن عساكر - رحمه الله -: "العلَم - وفَّقني الله وإياك لمرضاته، وجعلَني وإياك ممن يتَّقِيه حقَّ تُقاته - أن لحومَ العلماء مسمُومة، وعادةَ الله في هَتكِ من ناوءَهم معلُومة، وقلَّ من اشتغلَ في العلماء بالثَّلبِ إلا عُوقِبَ قبل موتِه بموتِ القلبِ"؛ نسألُ الله السلامة.
وذكرَ الثعلبيُّ عن عليٍّ - رضي الله عنه -: "من استخفَّ بالعلماء ذهبَت آخرتُه".
وأشار الشيخ إلى أن أغلب ما يقودُ إلى الوقيعَة في أهل العلم: الغَيرة، والحسَد، والهوى، والتعصُّب، والتعالُم، وناهِيكم بخُطط الأعداء. بل إنه لا يقعُ في أعراضِ العلماء إلا ضالٌّ أو جاهلٌ أو مُغرِضٌ أو مُتعصِّب، وإن إضعافَ دور أهل العلم يُؤدِّي إلى عواقِبَ خطيرةٍ في حاضِر الأمة ومُستقبلِها، وبخاصَّةٍ مع هذه التطوُّرات المُعاصِرة في وسائل اتصالاتها وتواصُلها، وما تموجُ به من تياراتٍ مُضلَّة، وعقائِد مُنحرِفة.
وأكد الشيخ أن بناء المُجتمع يعتمِدُ - بعد الله - على علماء الشرع ومُشاركتهم، والرجوع إليهم، واحترامهم، وتقديرهم، وحفظ مكانتهم. وإضعافُ دورهم إضعافٌ للمُجتمع، إضعافٌ لمُقاومته أمام معاوِل الفساد والإفساد والانحِراف وأوحال الثقافة، مما يُؤدِّي إلى الضياع، وفُقدان الهويَّة، وتصدُّر الجُهَّال.
وقال حفظه الله: إنه إذا ما حِيلَ بين العلماء وبين الأمة هلكَت الأمة، وخلا الجوُّ للأعداء والمُتربِّصين. الناسُ من غير العلماء جُهَّالٌ تتخطَّفُهم شياطينُ الإنس والجنِّ، وتعصِفُ بهم الضلالات والأهواء، لا يقِفُ في وجوهِ الزنادِقة والمُنافقين إلا أهلُ العلم الأثبَات. ومن يسعَى في إضعافِ أهل العلم وتقليصِ دورهم فهو ساعٍ في انحِراف الشباب وإيقاعهم في التيارات الفِكريَّة المُتطرِّفة، والواقعُ خيرُ شاهِدٍ.
وحذر الشيخ من الطعن في العلماء فقال: إن أهل العلم يتعرَّضُون لحَمَلات تشوِيه وموجات استِهزاء، من الملاحِدة والماجِنين، في مقالاتٍ ورُسوماتٍ، وتغريداتٍ ساخِرة، ومواقِف تمثيليَّةٍ مُهينة. أيُّ تأثيرٍ سيبقَى للعالِم في نظر الناس؟! وأيُّ تقديرٍ واحترامٍ لعلمِهم وفتاواهم وأحكامهم إذا شغَّبَت عليهم السُّفهاء، وتطاولَ عليهم من لا خلاقَ له؟! إن هدمَ هيبَة العالِم، وإضعافَ مكانته كسرٌ لبابٍ عظيمٍ يحولُ بين الناسِ وبين الفتنةِ والفساد. إن محاولةَ الوقيعَة بين العلماء والأمة، والفصل بين الأمة وعلمائِها هو من أعظم خُطط الأعداء في الداخل والخارِج.
وقال وفقه الله: ففي كثيرٍ من بلاد الإسلام ما غابَ أهلُ العلم ولكن غُيِّبُوا، وما قصَّروا ولكن حُجِبُوا، وتصدَّر الجُهَّال بل قد صُدِّروا. وأشدُّ من ذلك: أن يتصدَّر المُجتمعات أصحابُ اللهو والمُجُون وأضرابُهم من أصحابِ الأفكار الصغيرة، والكلمات الضعيفة، واللقَطَات السريعة في أدوات التواصُل الاجتماعيِّ؛ ليكونوا رموزًا، ولتُصنَع منهم قُدوات. العلماءُ ليس فيهم معصُوم، ولا من الخطأ سالِم، ويرُدُّ عليهم أخطاءَهم أمثالُهم ونُظراؤُهم من أهل العلم، وليس كلُّ من عرفَ القراءة والكتابةَ تجرَّد وخطَّأ وصوَّب.
وأوضح الشيخ أن الخلاف بين أهل العلم سُنَّةٌ من سُنن الله، فلا يجوزُ أن يُتَّخذَ سبيلاً للحطِّ من مكانتهم، أو الانتِقاص من قَدرهم، مع ما يجبُ من التثبُّت في صحَّة ما يُنسَبُ إلى العالِم ومُرادِه ومقصَدِه. وليُعلَم أن هناك فرقًا كبيرًا بين تخطِئة العالِم والردِّ عليه، وبين تجريحِه والحطِّ من منزلتِه. والإنصافُ عزيز.
وختم الشيخ خطبته محذرًا من مسالك تصنيف العلماء، فقال: نعوذُ بالله ممن ابتُلِي بتصيُّد العثَرَات، وتتبُّع الزلاَّت. يُدخِلون أهل العلم في مسالِك التصنيف، سِيماهم التغريدُ من أحل التغرير. ومن ابتُلِيَ بتتبُّع الزلاَّت، ودخلَ في التصنيفات قسَا قلبُه، وجانَبَ العدلَ والإنصافَ مسلكُه، وقلَّ ما يُكتَبُ له التوفيق. فاحذَر - حفِظَك الله - أن تكون ممن يفرحُ أو يتلذَّذُ حين يسمعُ خطأَ عالِمٍ في فُتيا، أو زلَّةً في فهم، أو غلطًا في حُكم، فضلاً عن أن تُبتلَى بنشر ذلك، والتفكُّه به في المجالِس، أو التزيُّن به في المُجتمعات والمجموعات، أو تبُثَّه في التغريدات. نسألُ السلامة، ونعوذُ بالله من الخُذلان.
المدينة المنورة:
ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "خطورة الاعتداء على الميراث"، والتي تحدَّث فيها عن تحريم أكل مال الميراث، وخطورة ذلك، لاسيَّما من حذَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - من أكل مالِهما: اليتيم والمرأة، مُبيِّنًا شناعةَ هذا الفعل وعقوبتَه في الآخرة.
واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: اتقوا الله في الوُرود والصَّدَر، وراقِبوه فيما بطَنَ من الأمور وظهَر، واعبُدوه حقَّ عبادته في الآصالِ والبُكَر، (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) [البقرة: 194].
وأضاف الشيخ: الدنيا متاع، من اشتدَّ عليها حرصُه أوشكَ فيها وقصُه، ومن مدَّ عينيه إلى ما ليس في يدَيه؛ أسرعَت الخيبةُ إليه، وعكفَت الحُزونَةُ عليه. والآخرةُ عند أهل الإيمان خيرٌ من كل عِلقٍ نفيس، وأجلُّ من كل مُستعاضٍ، وأعظمُ من كل مُستطرَف.
وقال حفظه الله: قِسمةُ الترِكات شريعةٌ نازِلة، وفريضةٌ عادلة، ومن بطلَت أمانتُه، وظهرَت خيانتُه، ونغِلَت دِخلَتُه، وبانَ خَتْرُه، ولاحَ غدرُه ومكرُه؛ أساءَ القسمةَ، وخانَ الشريكَ وأكلَ سهمَه، ولم يترُك لشريكِه قِيدَ فِتْر، ولا قِيسَ شِبر، ولا عتَبًا ولا رتَبًا، ولا مقعَدًا ولا مصعَدًا، ولا مَقيلاً ولا سبيلاً، ولا مجالاً ولا مالاً. إن نُوقِشَ حقَد، وإن حُوسِبَ شرَد، وإن طُلِبَ مرَد، ولم يرَه أحد.
وبيَّن الشيخ أن شرَّ الناسِ من إذا طمِع سرَق، وإذا شبِع فسَق، وإذا احتاجَ نهَش، وإذا استغنَى فحَش. ومن الغَور في الجَور أكلُ الميراث على الوُرَّاث.
وأكَّد الشيخ أن من احتالَ على إسقاط الفرائِض والمقادير، وتغيير الأنصِباء والسِّهام، وأجحفَ في تقسيمِه، وحافَ في توزيعِه، وقطعَ وارِثًا من ميراثِه، وحبسَ مالَ التَّرِكة، أخفَى أصولَها وأعيانَها، وغيَّبَ إثباتَها وإسنادَها، واستأثرَ بالتصرُّف فيها، وماطلَ في قسمتِها، ورام استِغلالها، وألجأَ الوارِثَ إلى التنازُل عن سَهمه، والرِضا بجُزءٍ من قَسمه؛ فقد تعدَّى حُكمَ الله وفريضتَه وقسمتَه وحُدودَه.
وأضاف الشيخ: وفي العدلِ وصلٌ ومودَّةٌ واجتماعٌ، وفي الظُّلم اختلافٌ وفِرقٌ وأزاع، وتباغُضٌ وتشاجُرٌ ونِزاع على متاعٍ قليلٍ وأطماع. والخَؤُونُ الظِّلِّيم يتحفَّز ويتوفَّز إلى حقِّ المرأة واليتيم في الميراث، ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اللهم إني أُحرِّجُ حقَّ الضعيفَين: اليتيم والمرأة» ومعنى «أُحرِّج»: أُضيِّقُ على الناس في تضييع حقِّها، وأُشدِّدُ في ذلك، وأُحذِّرُ وأُلحِقُ الحرجَ والإثمَ بمن أضاعَ حقَّ اليتيم والمرأة.
وحذر الشيخ المتكالبين على المواريث فقال: فيا مَن وجدَ مالَ الترِكَة سهلاً! مهلاً .. يا من استولَى على ميراث الإناث، وأغراهُ ضعفُهنَّ وسُكوتُهنَّ وحياؤُهنَّ .. يا من استولَى على ميراثِ الأيامَى واليتامَى، وغرَّه صِغَرُهم وعجزُهم وانقِطاعُهم .. تبَّت يداكَ، وخابَ مسعاك، ودامَ شقاك. كيف طابَت نفسُك أن تستولِيَ على المال والبلاد والضِّياع، وتُسنِدَ إخوتَك وقرابتَك إلى الفقر والعَجز والضَّياع؟! كيف طابَت نفسُك أن تحوزَ الرَّيعَ والثمرةَ والأجرةَ والعقارَ، وتُقابلَ إخوتكَ وقرابتَك بالهُجر والنُّكر والازدِراء والاحتِقار؟!
وأضاف الشيخ: من الذي أباحَ لك الأمور عدقَها ونقضَها، وإبرامَها وإصدارَها؟! من الذي أباحَ لك أموالَ الترِكة إمساكَها وإطلاقَها، حظرَها وإنفاقَها؟! ويلٌ لك وويلٌ عليك، فما أنت إلا شريكٌ من الشُّركاء، ووارِثٌ من الوُرَّاث، لك ما لَهم، وعليك ما عليهم. فاتَّقِ الله مولاك قبل أن يحِلَّ بك الخِزْيُ والهلاك، وخُذ الأمرَ بزِمامه وخِطامه، ولِزامِه ونِظامِه، وأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه ومُستحقَّه، ولا تُدافِع بالعِدَة وضرب الآجال، ولا تظلِم بالتلكُّؤ والتسويفِ والمِطال، واحذَر الرَّيثَ والإبطاءَ والإنظارَ والإمهال؛ فإن الآفات تعرِض، والموانِع تمنَع، والموتُ يأتي بغتَة.
وقال حفظه الله: يا من احتكَرَ الحُبُسَ والأوقافَ والغِلال .. يا من تولَّى قسمةَ الصدقات والزكوات والترِكات والأموال .. يا من يمضِي عليه الشهرُ والشهر والحِقبةُ من الدَّهر والمالُ في حَوزَته وقبضَته وذِمَّته! لماذا تُمسِكُه في يدِك وتُبقِيه؟! فرِّقه اليوم على مُستحقِّيه، إن كنت ممن يخشَى الله ويتَّقِيه؛ فإنك موقوفٌ بين يدَيه ومُلاقِيه.
وختم الشيخ خطبته بذكر تحذير النبي قبل وفاته من بعض المال القليل، فاستشهد الشيخ بعمل نبوي عظيم، فعن عُقبة بن الحارِث - رضي الله عنه -، قال: صلَّيتُ وراءَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة العصر، فسلَّم ثم قام مُسرِعًا فتخطَّى رِقابَ الناس إلى بعضِ حُجَر نسائِه، ففزِعَ الناسُ من سُرعته، فخرجَ عليهم فرأى أنهم قد عجِبُوا من سُرعته، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «ذَكرتُ شيئًا من تِبرٍ عندنا، فكرِهتُ أن يحبِسَني، فأمرتُ بتقسيمِه» (أخرجه البخاري).
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: اشتدَّ وجعُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وعنده سبعةُ دنانير أو تسعة، فقال: «يا عائشة! ما فعلَت تلك الذَّهَب؟». فقلتُ: هي عندي، قال: «تصدَّقِي بها». قالت: فشُغِلتُ به، ثم قال: «يا عائشة! ما فعلَت تلك الذَّهب؟». فقلتُ: هي عندي، فقال: «ائتِني بها». قالت: فجِئتُه بها، فوضعَها في كفِّه ثم قال: «ما ظنُّ محمدٍ بالله أن لو لقِيَ اللهَ وهذه عنده؟!»؛ أخرجه أحمد.
وعن أم سلَمة - رضي الله عنها - قالت: دخلَ عليَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ساهِمُ الوجه، فحسِبتُ أن ذلك من وجَع، فقلتُ: يا نبيَّ الله! ما لك ساهِمَ الوجه؟ فقال: «من أجل الدنانير السبعة التي أتَتنا بالأمس فلم نقسِمها، أمسَينا وهي في خُصم الفراش» (أخرجه أحمد وابن حبَّان). سبعةُ دنانير يتغيَّرُ وجهُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه مضَى عليها يومٌ ولم يقسِمها. فاتَّقوا الله - أيها المسلمون -، واعمِدوا إلى ما هو أخلَصُ للذمَّة، وأبعَدُ عن المَطل، وأرضَى للربِّ، وأمحَى للذنبِ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم