مختصر خطبتي الحرمين 9 جمادى الآخرة 1437هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

تشتدُّ الحاجةُ إلى الدعاء دائمًا خاصَّةً في هذا العصر، مع تظاهُر الفتن وكثرتها، وحُلول الكوارِث المُدمِّرة، ونزول الكُرُبات بالمُسلمين، وظهور الفِرَق المُبتدِعة التي تُفرِّقُ صفَّ المُسلمين، وتستحلُّ الدماءَ والأموالَ المعصومة، وتجفُو العلمَ وأهلَه، وتُفتِي بالجهل والضلال. ومع تمالُئِ أعداء الإسلام عليه، وتآمُرهم على أهل الإيمان، والتخاذُل والفُرقة والاختلاف بين المُسلمين، ومع الأضرار التي لحِقَت بكل فردٍ مُسلم أُخرِج من دياره بظُلمٍ ومسَّه الضُّرُّ، وتعسَّرت عليه حوائِجُه، وضاقَت عليه الأرضُ بما رحُبَت، تشتدُّ الحاجةُ إلى الدعاء في هذه الأحوال العَصيبة التي يصطلِي بنارها المُسلمون في بُلدانٍ شبَّت فيها الفتن.

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ سعود الشريم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "التحذير من العناد والاستكبار"، والتي تحدَّث فيها عن التحذير من خُلُقٍ سيِّئٍ هو من أسوأ الأخلاق وأشنَع الطِّباع، ألا وهو العِنادُ والاستِكبار، مُبيِّنًا أن من سلَكَ هذا السُّلوك فإنه يقتدِي بأول المُعانِدين إبليس - عليه لعائِنُ الله -، ومن تبِعَه من الكفار والمُجرمين، مثل: فرعون وأبي لهب وغيرهما.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: إن تقوَى الله هي خيرُ الزاد، وهي الأُنسُ في الدنيا والفوزُ يوم المعاد، (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة: 100].

 

وأضاف الشيخ: إن البشرَ كلَّهم خطَّاؤون، وإن الكمالَ لله - جلَّ شأنُه -، والعصمةَ لأنبيائِه ورُسُله - صلواتُ الله وسلامُه عليهم -، وإن بشرًا يُخطِئون ويُذنِبون لما يخرُجوا عما جبلَهم الله عليه. غيرَ أن الإصرارَ على الخطأ والتمادِي فيه، وخلقَ المعاذير والمُسوِّغات للبقاءِ عليه، وعدم الرُّجوع عنه إلى الحقِّ لهُو الخُلُق المَشين، والخَلَّةُ المنبُوذَة التي يلفِظُها ذوو الحِجَى والمروءَات، ولا يُسمِّي عامَّةُ العُقلاء ذلكم إلا عنادًا واستِكبارًا، كيف لا، والمُخطِئُ الذي يعلمُ خطأَه، ويظهرُ الحقُّ له، ثم لا يتغيَّر شيءٌ من حالِه إنما منعَه طبعٌ فيه لُؤمٌ وأنَفَة لا يكسِرُهما حقٌّ ظاهرٌ، ولا موعظةٌ حسنةٌ.

 

وقال حفظه الله: فإن لم يكُن المُصرُّ على الخطأ مُعانِدًا، فمن هو المُعانِدُ إذًا؟! وإن لم يكُن مُستكبِرًا، فمن هو المُستكبِرُ إذًا؟! (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [لقمان: 7]. وقد جاء في الحديث: أن رجُلاً أكلَ عند رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- بشِماله، فقال: «كُل بيَمينِك». قال: لا أستطيع، قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا استَطعتَ، ما منعَه إلا الكِبرُ». قال: فما رفعَها إلى فيهِ (رواه مسلم).

 

وأكَّد الشيخ أن: العناد - عباد الله - طبعُ اللئيم، لا ترونَه في سمتِ امرئٍ ملأَ الله قلبَه إيمانًا وحكمةً وعلمًا. العنادُ والاستِكبارُ لا يقعُ فيه إلا القلوبُ المُستكبِرة والحاسِدة والمُستنكِفة، قلوبٌ لا تعترِفُ بالخطأ، ولا يُرضِيها الحقُّ؛ بل ترَى في الرُّجوع إليه ذلَّةً ومهانةً وقُصورًا. ألا في الذلَّة والمهانة والقُصور وقعَ المُعانِدون، وإن زخرَفوا من القول ما زخرَفُوا، وزوَّرُوا من الفعل ما زوَّرُوا، (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) [البقرة: 204- 206].

 

وأشار الشيخ إلى أنه ما من مُعاندٍ مُستكبِرٍ إلا كان قائدَه في العناد والاستِكبار إبليسُ - عليه لعائِنُ الله -؛ فإنه أولُ من عانَدَ وهو يعلمُ الحقَّ، قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ) [ص: 75]. إنه العلوُّ والاستِكبارُ اللذَان لا يجتمِعان مع الحقِّ ألبتَّة.

 

وبيَّن فضيلته أن العناد حالةٌ من التعبير عن الرفضِ للقيامِ بعملٍ ما، حتى لو كان واجِبًا، أو الانتِهاءِ عن عملٍ ما حتى ولو كان مُحرَّمًا، مع الإصرارِ على ذلكم وعدم التراجُع. ومن هنا، جاء معنى اللُّؤم في العِناد؛ لأن فيه مخالفةً للطبيعة البشريَّة السوِيَّة، المُؤيَّدة بالشِّرعة السَّمحَة، لذلك لما ملأَ العنادُ والاستِكبار أعداءَ الملَّة، صارُوا به ألأَمَ الناسِ، وأشدَّهم استِكبارًا. لا يستسلِمون للحُجَج والبراهِين، ولا تُرقِّقُهم المواعِظُ، ولا الترغيبُ والترهيبُ؛ لأن العِناد عدوُّ ذلكم كلَّه، (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا) [النمل: 14].

 

وقال وفقه الله: ومهما تكاثَرَت الحُجَج وتنوَّعَت، فالمُعانِدُ هو المُعانِد، والعنادُ هو العنادُ. حتى ولو قرأتَ عليه القرآن، أو وعظَه لُقمان؛ لأنه أغلفُ القلب، بيزنطيُّ المنطِق. وأمثالُ هؤلاء - عباد الله - هم السُّوسُ في مُجتمعات المُسلمين، لا يقَعون على شيءٍ إلا نخَرُوه وأفسَدوه، فيجمعُون بعِنادهم ثلاثَ خطايا: خطيئة الغلَط، وخطيئة الإصرار عليه، وخطيئة إيذاء الأمة بالغلَط والإصرار. فيا حسرةً على هؤلاء، وقد عناهُم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بقولِه: «ويلٌ للمُصرِّين الذين يُصِرُّون على ما فعلُوا وهم يعلَمون» (رواه أحمد وغيرُه).

 

وحذر الشيخ من تربية الأبناء على العناد فقال: وقد يكونُ العِنادُ جُزءً من حياةٍ مُبكِّرة من حياةِ الطفل، لضعفِ تفكيرِه، لكنَّه إذا لم يُزَح عنه بالتربية والتعليمِ الصالِحَين اجتالَه العنادُ بقيَّةَ حياتِه، فينعكِسُ عِنادُه على ما يكونُ له من مُستقبَل، إن كان عالِمًا أو حاكمًا أو طبيبًا أو سياسيًّا أو غيرَ ذلكم.

 

وأكَّد الشيخ أنه ما من مُدلهِمَّةٍ ولا خطبٍ يُصيبُ الأمَّة إلا والعِنادُ جُزءٌ من فَتيلِه، حتى في حياةِ المرء اليومية، في بيتِه وسُوقِه وعملِه، لكن المُوفَّق من وفَّقه الله، ووسِعَه ما وسِعَ أهلَ العلم والإيمان والعقولَ السويَّة. تمسَّك بجماعتِهم وعضَّ على تمسُّكِه بالنواجِذ، يُخطِئُ فيعتذِر، ويُذنِبُ فيتوب، يُوقِنُ أن اعترافَه بالحقِّ خيرٌ من تمادِيه في الباطِل. يعلمُ أن من سبقَه من أئمة الدينِ والعلمِ والدعوةِ من الأئمة الأربعَة وغيرِهم، كلٌّ منهم كان يبرَؤُ من خطئِه، ويأمر غيرَه بردِّ ما لم يُوافِق هديَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، لإدراكِهم جميعًا أن الإصرارَ على الخطيئة إنما هي عناد، وأن العِنادَ عدوُّ السماحَة، فليس المُعانِدُ سمحًا، ولا السَّمحُ مُعانِدًا، فالسَّمحُ مرحُوم، والمُعانِدُ مذمُوم.

 

واستشهد الشيخ على مدح التسامح وترك العناد بقول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «رحِم الله رجُلاً سمحًا إذا باعَ، وإذا اشترَى، وإذا اقتضَى» (رواه البخاري).  هذا في أمور الدنيا. وفي أمور الأخرى، فقد قال الله - جل وعلا -: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران: 135].

 

وختم الشيخ خطبته بالتحذير من العناد والإصرار الدائم على الانتصار للنفس فقال: إنكم لترَون - عباد الله - العنادَ ضارِبًا بأطنابِه في قلوبِ كثيرٍ من الناسِ يرَون في العِناد نشوةً وزهوًا، غايتُهم الانتِصارُ للنفس لا للحقِّ، تطفَحُ بأمثالِهم وسائلُ التواصُل المقروءة والمسمُوعة، يهدِمون بالعِناد ولا يبنُون، ويُبعِّدون به ولا يُقرِّبُون، ويُفرِّقون ولا يجمَعون.

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: " الدعاء .. فضائل وآداب وأحكام"، والتي تحدَّث فيها عن فضائل الدعاء، مشيرًا إلى آثار الدعاء وبركاته وخيراته ونتائجه العجيبة، ونوَّه إلى آداب وشروط الدعاء وذكر بعض أسباب إجابة الدعاء وبعض آداب الدعاء وشروط قبوله.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتقوا الله حقَّ تقواه؛ فمن تمسَّك بالتقوى جمع الله له الخيرَ في دُنياه وأُخراه، ومن جانبَ التقوى شقِيَ في عواقِب أموره وإن أقبلَت عليه دُنياه.

 

وأضاف الشيخ: لقد قدَّر الله أسبابَ كل خيرٍ وسعادةٍ في الدنيا والآخرة، وقدَّر أسبابَ كل شرٍّ في الدارَين، فمن أخذ بأسباب الخير والفلاح، ضمِنَ الله له صلاحَ دُنياه، ومن عمِل بأسباب الشرِّ، حصدَ جزاءَ عمله شرًّا في حياته وبعد مماته، وإن من أسباب الصلاح والإصلاح والفلاح، وتتابُع الخيرات، وصرف النوازِل والعقوبات، ورفع المصائِب الواقعة والكُرُبات: الدعاءَ بإخلاصٍ، وحضور قلبٍ، وإلحاح، فالربُّ - جل وعلا - يُحبُّ الدعاء ويأمر به.

 

وقال حفظه الله: والدعاءُ ينفع مما نزل ومما لم ينزِل، والدعاءُ هو العبادة، وليس شيءٌ أكرمَ على الله من الدعاء، والدعاءُ مُرغَّبٌ فيه في كل وقتٍ، فهو عبادةٌ يُثيبُ عليها الربُّ أعظمَ الثواب، وهو مُحقِّقٌ للمطالِبِ كلِّها الخاصَّة والعامَّة، الدينية والدنيوية، في الحياة وبعد الممات. ولمنافِع الدعاء العظيمة شرعَه الله في العبادات المفروضة وجوبًا أو استِحبابًا، رحمةً من ربِّنا - سبحانه -، وتكرُّمًا وتفضُّلاً لنعمل بهذا السبب الذي علَّمَنا الله إياه، ولو لم يُعلِّمنا الدعاءَ لم نهتَدِ إليه بعقولنا، فلله الحمدُ حمدًا كثيرًا طيبًا مُبارَكًا فيه، كما يُحبُّ ربُّنا ويرضَى.

 

وقال وفقه الله: وتشتدُّ الحاجةُ إلى الدعاء دائمًا خاصَّةً في هذا العصر، مع تظاهُر الفتن وكثرتها، وحُلول الكوارِث المُدمِّرة، ونزول الكُرُبات بالمُسلمين، وظهور الفِرَق المُبتدِعة التي تُفرِّقُ صفَّ المُسلمين، وتستحلُّ الدماءَ والأموالَ المعصومة، وتجفُو العلمَ وأهلَه، وتُفتِي بالجهل والضلال. ومع تمالُئِ أعداء الإسلام عليه، وتآمُرهم على أهل الإيمان، والتخاذُل والفُرقة والاختلاف بين المُسلمين، ومع الأضرار التي لحِقَت بكل فردٍ مُسلم أُخرِج من دياره بظُلمٍ ومسَّه الضُّرُّ، وتعسَّرت عليه حوائِجُه، وضاقَت عليه الأرضُ بما رحُبَت، تشتدُّ الحاجةُ إلى الدعاء في هذه الأحوال العَصيبة التي يصطلِي بنارها المُسلمون في بُلدانٍ شبَّت فيها الفتن.

 

وأضاف الشيخ: ولقد أثنَى الله على الذين يدعُونه، ويتضرَّعون إليه - عز وجل - إذا نزلَت بهم الخُطوب والشدائِد، قال الله تعالى عن أبوَيْ البشر - عليهما الصلاة والسلام -: (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23].كما ذمَّ الله الذين يترُكون الدعاءَ عند نزول العقوبات، وتظاهُر الفتن والكُرُبات، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) [المؤمنون: 76]، وقال - عز وجل -: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 42، 43]. وتركُ الدعاء في الكُرُبات إصرارٌ على الذنوب، واستِخفافٌ ببطشِ الله الشديد، قال الله - سبحانه -: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) [البروج: 12].

 

وأكَّد الشيخ أن الدعاء سببٌ عظيمٌ لنزول الخيرات والبركات، ودفع الشرِّ أو رفعه عن الداعي. والداعي أقوى الأسباب للخروج من الشرِّ الذي وقع، والمكروه الذي حلَّ، قال الله تعالى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) [الأنبياء: 83، 84]، وقال تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) [النمل: 62]؛ أي: لا أحدَ يفعلُ ذلك إلا الله تعالى. وقال - سبحانه -: (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) [الأنعام: 63].

 

وأشار الشيخ إلى أن المُسلم عليه أن يرغبَ إلى الله في إصلاح شأنه كلِّه، وأن يرفعَ إلى ربِّه حوائِجَه كلَّها، ويسألَه كلَّ شيءٍ، وكم دعوةٍ غيَّرَت مجرَى التاريخ من شرٍّ إلى خير، ومن حسنٍ إلى أحسن، والدعاءُ بنصر الحقِّ ودحضِ الباطل نُصحٌ لله ولكتابه ولرسولِه ولأئمة المُسلمين وعامَّتهم، فلا يزهَدُ في الدعاء ولا يهجُرُه إلا من أضاعَ حظَّ نفسِه في الدنيا والآخرة، وأضاعَ ما يجبُ عليه للإسلام والمُسلمين، ولو تتبَّعنا آثارَ الدعاء وبركاته وخيراته ونتائجَه العجيبة الطيبة، لطال السَّرْدُ، وحسبُنا ما أشرنا إليه.

 

وبيَّن الشيخ أن للدعاءِ شُروطًا وآدابًا؛ فمن شروط الدعاء: أكلُ الحلال، ولُبس الحلال، ومن شروطه: التمسُّك بالسنَّة، والاستِجابةُ لله تعالى بفعلِ أوامره واجتِناب نواهِيه، وأما المظلُوم فيُستجابُ له ولو كان كافرًا أو مُبتدِعًا. ومن شرط الدعاء: الإخلاصُ وحُضور القلب، والإلحاحُ على الله، وصِدقُ الالتجاء إلى الربِّ تعالى،  ومن شروطه: ألا يدعُو بإثمٍ ولا قطيعة رحِم، وألا يعتدِيَ في الدعاء.

 

وأوضح الشيخ أن من أسباب إجابة الدعاء: الثناءُ على الله تعالى بأسمائِه الحُسنى وصفاته العُلى، والصلاةُ على النبي - عليه الصلاة والسلام -، ومن آداب الدعاء وشروط قبوله: ألا يستعجِل الإجابة، بل يصبِرُ ويُداوِمُ على الدعاء، وعلى المُسلم أن يتحرَّى أوقاتَ الإجابة، كجوف الليل الآخر، ودُبُر الصلوات المكتوبات، وبين الأذان، وفي السجود فأقربُ ما يكونُ العبدُ من ربِّه وهو ساجِد، وعند رؤية الكعبة، وعند نزول الغيث، وعند الاضطرار، وبعد خَتم القرآن، وبعد الصدقة.

 

 

وقال حفظه الله: فما أعظمَ سعادةَ وفلاحَ وأجرَ من عكَفَ قلبُه على الله –تعالى-، يدعُوه ويرجُوه ويتوكَّلُ عليه، ويستعينُ به، ويُلِحُّ الدعاءَ على الله، وما أشقَى وما أشدَّ شركَ وكُفرَ من يدعُو الأضرحة والقبور وأصحاب القبور، أو يستغيثُ بالأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -، أو الأولياء، أو يدعُوهم من دون الله تعالى، أو يرفع حاجاته لمَلَكٍ مُقرَّب، أو نبيٍّ مُرسَل. وفي الحديث: «من ماتَ وهو يدعُو من دون الله نِدًّا دخل النار» (رواه البخاري).

 

وأكَّد الشيخ أن كتاب الله تعالى، وأحاديث رسولِه - صلى الله عليه وسلم - تُبيِّنُ أن الدعاءَ هو العبادة، وأنه يختصُّ بالله - عز وجل -، وهو حقُّه على العباد، لا يُصرَفُ إلا لله؛ فمن أشركَ مع الله أحدًا في الدعاء فهو مُشرِكٌ شِركًا أكبر.

 

وختم الشيخ خطبته بالوصية بالإكثار من الدعاء والإلحاح على الله فيه، وتخير جوامع الأدعية فقال: كُونوا إلى الله راغِبين، ولدُعائِه مُداوِمين، فما خابَ من دعاه، ولا حُرِم من رَجاه، وكلُّ إنسانٍ له حاجاتٌ مُتجدِّدة، ومطالِبُ في كل وقتٍ مُتعدِّدة، فليسأَل كلُّ أحدٍ ربَّه ما يعلمُه خيرًا له، وليستعِذ بالله مما يعلمُه شرًّا. وأعظمُ سُؤلٍ هو رِضوانُ الله والجنة، وأعظمُ ما يُستعاذُ منه هو النار. وليُلِحَّ المُسلمُ على ربِّه في المطلَبِ الذي يهمُّه، فالله غنيٌّ حميدٌ كريم، جوادٌ عظيمٌ قادِر، ويُستحبُّ للمُسلم أن يتخيَّر جوامِع الدعاء الوارِد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ كقوله تعالى: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201]، وكان النبي يدعُو بها كثيرًا. ومثلُ: اللهم إني أسألُك الجنةَ وما قرَّبَ إليها من قولٍ أو عمل، وأعوذُ بك من النار وما قرَّب إليها من قولٍ أو عمل.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات