مختصر خطبتي الحرمين 14 ربيع الأول 1437

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

إن الإنصافَ حِليةُ الشريعة وزينةُ الملَّة، وركيزةُ الإصلاح، وهو خُلُق الأنبياء والنُّبلاء، وواسِطةُ عِقد السعادة وصلاح الأحوال، وما تحلَّى به أحدٌ إلا دلَّ ذلك على سلامة صدره، وطهارة قلبه، وجودة عقله. وإذا ضيَّعَت الأمةُ الإنصاف، فلا تسَل عن فُشُوِّ الأنانية والأثَرة والإجحاف، وبخس الناس أشياءَهم، فتفتُرُ هِمَمُهم عن تحقيق الأمانة والجودة في الأعمال والمُنجَزات، ويذوقُ المُجتهدُ والناجِحُ والمُخلِصُ مرارةَ الجُحود والنُّكران، وإخفاء المحاسِن وإبراز المساوئ. مما يُضعِفُ في المُجتمع روحَ الجدَة والابتِكار، والعمل المُثمِر البنَّاء...

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ خالد الغامدي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: " العدل والإنصاف"، والتي تحدَّث فيها عن مكارم الأخلاق والتي جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ليُتمِّمها، ومن أهم ما يحتاجُه المُسلم هذه الأيام أن يكون عادلاً مُنصِفًا في كل أقواله وتصرُّفاته، مع القريب والبعيد، والمسلم وغير المُسلم، مُبيِّنًا أن هذا ديدَن تعامل النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام - رضي الله عنهم أجمعين -.

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتقوا الله - عباد الله -، وراقِبوه في السرِّ والعلانية.

 

وأضاف الشيخ: عالَمُنا اليوم تتجاوزُ فيه صورٌ من الظلم والجَور والعُدوان حدودَ الزمان والمكان، وتظهرُ فيه ألوانٌ من البغي وانتِقاص الحقوق الإنسانية المشروعة بدوافع عُنصرية، وموروثاتٍ طائفية، وخلَلٍ عقديٍّ وفكريٍّ. مما يُؤكِّدُ الحاجةَ الماسَّةَ إلى إصلاح النفوس والعقول، وتهذيبها بصالح الأخلاق ومكارِم الصفات التي جاء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لإكمالها ورعايتها، والتي تُقوِّمُ السلوك، وتُصلِحُ فسادَ القلوب. وإن من أعظم تلكم الأخلاق وأشملها لجميع نواحي الحياة: قيمةً إنسانيَّةً إسلاميَّةً كُبرى، ومبدأً رفيعًا بديعًا، غدَا مقصِدًا من أجلِّ مقاصِد الشريعة وكليَّاتها، ألا وهو: "الإنصافُ والعدل".

 

وقال حفظه الله: الإنصافُ والعدلُ الذي ما بعثَ الله الرسل وأنزل الكتب إلا من أجل تحقيقه في الأرض، (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) [الحديد: 25]. وأمر الله تعالى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأمَّته بالإنصاف والقسط، في الأقوال والأفعال والحُكم بين الناس، كما قال الله: (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) [الشورى: 15]، وامتثلَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أمرَ ربِّه وتوجيهه، وطبَّق العدل والإنصاف في كل أحواله وأيامه. وسُنَّتُه الشريفة وسيرتُه العطِرة خيرُ مِثالٍ وشاهِد، وتربيتُه - صلى الله عليه وآله وسلم - لأصحابه على الإنصاف والعدل مع المُوافق والمُخالف لا تُحصى شواهِدُه، ولا تُعدُّ نماذجُه.

 

وقال وفقه الله: مرَّ عُمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه وأرضاه - بشيخٍ كبيرٍ من أهل الذمَّة وهو يتكفَّفُ الناسَ ويسألُهم، فوقف عليه وقال مقولته الشهيرة: "ما أنصفناك، أن كنا أخذنا منك الجِزية في شَبيبَتك، ثم ضيَّعناك في شَيبَتك"، ثم أمر له برِزقٍ دائِمٍ. عدلٌ وإنصاف لا يقفُ عند حدودٍ وأعراف، يشملُ القريبَ والبعيدَ، والمُسلمَ والكافرَ.

 

وأضاف فضيلته: هذا العدلُ والإنصافُ هو الذي جعل شيخَ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - لما سعَى في فَكاك أسرى المُسلمين عند التَّتَر، وعلِم أنهم لن يُطلِقوا معهم أسرَى أهل الذمَّة، أصرَّ - رحمه الله - على إطلاق الأسرَى كلِّهم وقال - في سُمُوِّ نفسٍ وإنصافٍ لا نظيرَ له، قال -: "بل جميعُ من معك من اليهود والنصارى الذين هم أهلُ ذمَّتنا، فإنا نفُكُّهم ولا ندَعُ أسيرًا لا من أهل الملَّة ولا من أهل الذمَّة".

 

وأكد الشيخ أن الإنصافَ حِليةُ الشريعة وزينةُ الملَّة، وركيزةُ الإصلاح، وهو خُلُق الأنبياء والنُّبلاء، وواسِطةُ عِقد السعادة وصلاح الأحوال، وما تحلَّى به أحدٌ إلا دلَّ ذلك على سلامة صدره، وطهارة قلبه، وجودة عقله. وإذا ضيَّعَت الأمةُ الإنصاف، فلا تسَل عن فُشُوِّ الأنانية والأثَرة والإجحاف، وبخس الناس أشياءَهم، فتفتُرُ هِمَمُهم عن تحقيق الأمانة والجودة في الأعمال والمُنجَزات، ويذوقُ المُجتهدُ والناجِحُ والمُخلِصُ مرارةَ الجُحود والنُّكران، وإخفاء المحاسِن وإبراز المساوئ. مما يُضعِفُ في المُجتمع روحَ الجدَة والابتِكار، والعمل المُثمِر البنَّاء. إن الإنصافَ ثمرةُ العدل ورونَقُه وبهاؤُه، ولا يُمكن أن يستفيدَ العبدُ من علمِه بالحق حتى يُقيمَ العدل والإنصاف.

 

وأوضح الشيخ أن الواجب على العبد أن يزِن الأمورَ بميزان العدل والإنصاف، حتى يحيا حياةً كريمةً هانِئة؛ فإن لربِّه عليه حقًّا، ولوالدَيه عليه حقًّا، ولأهله عليه حقًّا، ولوُلاة أمره عليه حقًّا، ولإخوانه عليه حقًّا، والإنصافُ أن يُعطِي كل ذي حقٍّ حقَّه. و"إن المُقسِطين على منابِر من نورٍ عن يمين الرحمن، وكِلتا يدَيه يمين. الذين يعدِلون في حُكمهم وأهلِيهم وما وُلُّوا".

 

وأشار الشيخ إلى أننا في زمنٍ أحوَجُ ما نكون فيه إلى فهم حقيقة الإنصاف والتأدُّب بآدابه. فليس من الإنصاف في شيءٍ أن يُعامَل به قومٌ لمحبَّةٍ أو قرابة، ويُغضَّ الطرفُ عنه في مُعاملة قومٍ آخرين، وليس من الإنصاف أن تسُوءَ العلاقات الأُسرية والاجتماعية بمُجرَّد زلَّةٍ أو هفوَة؛ بل الواجبُ أن تُلتمسَ الأعذارُ، ويُغلَّبَ جانبُ المحاسِن الكثيرة، ويُقبَلَ العفوُ من أخلاق الناس.

 

وأضاف فضيلته: إن هذه النظرة المُتوازِنة الحكيمة يجبُ تطبيقُها في التعامُل مع الحُكَّام والوُلاة والعلماء وذوي الهيئات والشرف وسائر الناس، ومع المُخالفين كذلك، فيُعامَلون جميعًا بهذا الميزان النبوي الذي يحفظُ لهم حقوقَهم ومحاسنَهم، مع الإصلاح والتقويم والنصيحة لهم.

 

وأكد الشيخ أن من أبهَى صور الإنصاف ألا تفسُد علاقتُك بالمُسلمين بسبب اختلاف وجهات النظر، فهو لا يُفسِدُ الوُدَّ والمحبَّةَ عند التجرُّد والإنصاف، ولا تأخذهم بلازمِ قولهم، فهو ليس بلازمٍ لهم، وتُحسِنُ الظنَّ بهم، وتضعُ أمرَهم على أحسَنه ما لم يأتِك ما يغلِبُ ذلك، وإياك أن تظنَّ سُوءًا بكلمةٍ خرجَت من أخيك المُسلم وأنت تجِدُ لها في الخير محمَلاً ومخرَجًا.

 

وحذر الشيخ مما يخدِشُ الإنصافَ ويخرِمُه: كأن يتورَّط المرءُ في نشر أخطاء وزلاَّت مُسلمٍ ظاهر العدالة والسلامة، ويكتُمُ حسناته ومحاسِنَه، ولعلَّه قد حطَّ رحلَه في الجنة، والقادِحُ لا يشعُر. كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن حاطب بن أبي بلتعَة - رضي الله عنه -: «لعلَّ الله اطَّلع على أهل بدر، فقال: اعلموا ما شِئتُم فقد غفرتُ لكم». وإن المُنصِف إذا انتقَدَ فإنه ينقُدُ الأقوال لا القائلين، فيكونُ نقدُه للرأي والفعل هادفًا بنَّاءً، بنيَّةٍ طيبةٍ وأدبٍ حسنٍ، لا بقصد الإسقاط والتجريح والتوبيخ، والدخول في النيَّات والمقاصِد.

 

وأضاف الشيخ أن من أجلِّ عُرى الإنصاف: التثبُّت والتأنِّيَ في تصديق الأخبار وبناء الأحكام عليها، وما ثبتَ لمُسلمٍ من العدالة والفضائل فلا تُنفى عنه ولا تُزال إلا بيقينٍ مثله أو أقوَى منه، لا بالظنُون والشُّكوك، وزعموا، وقالوا، فبئسَ مطيَّة الرجل: زعموا، و(إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) [الحجرات: 12].

 

وأكد الشيخ وجوب أخذ الناس بظواهِرهم وترك سرائرهم إلى ربِّهم - سبحانه وتعالى -، وقبول الحقِّ من الحبيب والبغيض، والاعتراف بالخطأ، وكلامُ الأقران بعضهم في بعض يُطوَى ولا يُروَى ولا يُشاع، هو عينُ الإنصاف والتسامِي. ومُراعاةُ اختلاف علماء مذاهب المُسلمين المتبُوعة واجتهاداتهم السائغة، والإعذارُ لهم، وعدم التشنيع والذمِّ، والسعيُ في جمع الكلمة على وُلاة الأمور، ونبذُ الفُرقة والاختلاف المذمُوم. كلُّ ذلك من أهم الأُسس التي يُبنى عليها الإنصافُ والعدل، والتي تُشيع الأمن والاستقرار في المُجتمعات، وتبعثُ الطُّمأنينة وتُهيِّئُ النفوسَ والعقولَ للإنتاج والعمل المُثمِر البنَّاء.

 

وقال حفظه الله: الإنصافُ عزيز، وكلُّ الناس مُحتاجٌ إليه، وهو شاقٌّ على نفوس كثيرٍ من الناس، الذين تلبَّسُوا بآفاتٍ قلبيَّةٍ وسُلوكيَّةٍ منَعَتهم من التجرُّد لله والتحلِّي بحِلية الإنصاف العظيمة. ذلك أن كثيرًا من الناس يحمِلُهم هوى النفوس، والغضب، والغيرة، والحسد، والكِبر على عدم الإنصاف والتمادي في الإجحاف، وغمط الحق، وازدراء الناس وبخسِهم محاسِنَهم وكتمِها، وتمنِّي زوال النعمة عن إخوانهم حسدًا من عند أنفسهم.

وإن عينَ الرِّضا عن كل عيبٍ كليلةٌ *** ولكنَّ عينَ السُّخط تُبدِي المساوِيا

 

وبيَّن الشيخ أن من أكثر ما يمنعُ العبدَ من أن يكون مُنصِفًا عادلاً التعصُّب المقيتُ لغير الحق، والتحزُّب لغير الله ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، والاستِبدادُ بالرأي. هذا وإن الغلُوَّ والتطرُّف لا يمنعُ المرءَ من الإنصاف فحسب؛ بل يحمِلُه على سفك دماء المُسلمين وتكفيرهم وتفسيقهم بغير حقٍّ، واستِحلال دمائِهم وأموالهم وأعراضهم. إن كثيرًا من قضايا المُسلمين المُعاصِرة ومُشكلاتهم لا يُنظرُ إليها بعدلٍ وإنصاف، مما يزيدُ الجراحَ اتساعًا، والآلام إيلامًا، فتطولُ المحنةُ، وتتعاظَمُ المؤونةُ على بعض بلاد المُسلمين.

 

وختم الشيخ خطبته بالإشادة بمواقف المملكة من قضايا الأمة فقال: تتضافَرُ جهودُ المملكة وإخواننا المُسلمين في الدول الإسلامية لردِّ العُدوان ورفع الظُّلم الواقع على إخواننا في فلسطين وسوريا واليمن، ودحر أفكار التطرُّف والإرهاب بعاصفةٍ حزمٍ تارةً، وبتحالُفٍ إسلاميٍّ تارةً أخرى، وسعيٍ حثيثٍ لكشف المُعتدين والحاقِدين، وردِّ كيدهم، وإبطال مكرهم.

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "القرآن الكريم: فضله وفضل حملَته"، والتي تحدَّث فيها عن القرآن الكريم وأنه كلام الله تعالى، ثم شرعَ يُعدِّد بعضَ فضائله كما وردَت في كتاب الله تعالى وسُنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبعض آثار السلف الصالح في تأثُّرهم بالقرآن الكريم، كما حثَّ على الإكثار من قراءته والعناية به؛ لنَيل أجره وفضله.

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: أما بعد: فاتَّقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، وراقِبوه في السرِّ والنجوَى.

 

وأضاف الشيخ: ربُّنا -سبحانه- كاملٌ في ذاته وأسمائِه وصفاتِه، لا كُفؤ له ولا مثيل، وصفاتُه أكملُ الصفات وأحسنُها، ومن صفاته - سبحانه - الكلام، يتكلَّم متى شاء، إذا شاء، بما شاء، ولا مُنتهى لكلماته، كلامُه أحسنُ الكلام، وفضلُ كلامه على كلام الخلق كفضلِ الخالقِ على المخلُوق، وآلاؤُه - سبحانه - على العباد لا تُحصَى.

 

وقال حفظه الله: حمِدَ نفسَه - سبحانه - على إنزاله للقرآن فقال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا) [الكهف: 1]، وعظَّم ذاتَه العليَّة بإنزاله فقال: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) [الفرقان: 1]، وأقسمَ به فقال: (يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) [يس: 1، 2]، وهو مما أقسم عليه، (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) [الواقعة: 75، 76].

 

وبين الشيخ بعض فضائل القرآن فقال: مُصدِّقٌ لما بين يديه من الكُتب ومُهيمِنٌ عليها وناسِخٌ لها ومُؤتمنٌ على ما كان فيها.  بشَّرَت به الأنبياءُ قبل نزوله، (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) [الشعراء: 196]. قال ابن كثيرٍ - رحمه الله -: "ذكرُ هذا القرآن والتنويهُ به موجودٌ في كتب الأولين المأثُورة عن أنبيائِهم".

 

وأشار إلى عقيدة أهل السنة والجماعة في القرآن فقال: القرآنُ كلامُ ربِّ العالمين تكلَّم به حقيقةً بحرفٍ وصوتٍ مسمُوعَين، منه بدأ وإليه يعودُ في آخر الزمان، سمِعَه جبريلُ - عليه السلام - خيرُ الملائكة من الله، ونزل به على خير الرُّسُل في أشرف البِقاع، وفي خير شهرٍ، وفي خير الليالي ليلة القدر، لخير أمةٍ بأفضل لغةٍ وأجمعها.

 

وأضاف مبينًا فضل القرآن على الأمة: وهو روحُها لتوقُّف الحياة الحقيقية عليه، وإذا ابتعدَ المرءُ عنه كان حيًّا بلا حياة، قال - سبحانه -: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا) [الشورى: 52]. لو أنزلَه الله على جبلٍ لخشعَ وتصدَّع ذلاًّ لله وطاعة. لا يصحُّ إيمانٌ عبدٍ حتى يُؤمنَ به جُملةً وتفصيلاً، قال - سبحانه -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ) [النساء: 136].  وهو في السماء في صُحف مُكرَّمة، مرفوعةٍ مُطهَّرةٍ، بأيدي سفَرَة - وهم الملائكةُ -، كرامٍ برَرة. حفِظَه الله قبل إنزاله، فقال: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) [البروج: 21، 22].

 

وقال وفقه الله: كثُرَت أسماؤُه وتعدَّدت أوصافُه، جعلَه الله هُدًى وذكرَى للعالمين، عامٌّ للبشرية كلِّها كعُموم رسالة نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم -، فلا يختصُّ بأمةٍ دون أمة. يُشبِهُ بعضُه بعضًا، وتُصدِّقُ آياتُه آياتِه، مُستقيمٌ لم يجعل الله له عِوجًا، لا اختلاف فيه ولا تناقُض، هو أحسنُ الحديث وأفضلُه، وصفَه الله بالعظمة فقال: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) [الحجر: 87]. وكتبَ الله له العلُوَّ في ذاته وقدره، فقال: (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) [الزخرف: 4].

 

وأضاف الشيخ: عصمةٌ من الضلال لمن تمسَّك به،.. من تلاه وعمل به ونشرَه في الآفاق عزَ ونالَه الأمنُ والرخاء. قال ابن كثيرٍ - رحمه الله -: "لما كانت خلافةُ عُثمان بن عفَّان - رضي الله عنه - امتدَّت الممالك الإسلامية إلى أقصى مشارِق الأرض ومغارِبِها، وذلك ببركة تلاوته ودراسته وجمعه الأمة على حفظ القرآن".

 

وأكد الشيخ أن القرآن موعظةٌ وتثبيتٌ للقلب عند الفتن والمصائِب والمصاعِب، بالقرآن تجتمعُ كلمةُ الأمة وتزولُ خلافاتهم، وبه فصلُ الخلاف والنجاح، تحدَّى به الأولين والآخرين إنسَهم وجنَّهم، ما سمِعَه عاقلٌ إلا شهِدَ أنه حقٌّ، خيرُ الذكر وأفضلُه، تلاوتُه تزيدُ في الإيمان، آياتُه أبكَت العظماء، حوى من العلوم أجمعها، ومن المعارِف أنفعها، وأهلُه العارِفون بمعانيه هم العلماء حقًّا، ومُعلِّم القرآن ومُتعلِّمه هم خيرُ الناس، فيه من الأنباء أصدقُها، ومن البراهين والدلائل أظهرُها، ومن القصص أحسنُها، ومن الحِكَم أبلغُها، ومن البلاغة والفصاحَة أجملُها.

 

وأضاف الشيخ: قال شيخُ الإسلام - رحمه الله -: "نفسُ نظم القرآن وأسلوبُه عجيبٌ بديع، ليس من جِنس أساليب الكلام المعروفة، ولم يأتِ أحدٌ بنظير هذا الأسلوب، فإنه ليس من جنسِ الشعر ولا الرَّجَز ولا الخطابة ولا الرسائل، ولا نظمُه نظمُ شيءٍ من كلام الناس عربهم وعجَمهم". والإعجازُ في معناه أعظمُ وأكثرُ من الإعجاز في لفظه، كتابُ الله شاملٌ في أحكامه، عدلٌ في قضائِه، حكيمٌ في أمره ونهيه، عليه هيبةٌ وجلالٌ، وله قوةٌ وتأثيرٌ وجمال، مُعجِزٌ بأقل ألفاظه، هادٍ بأيسر دلائله، آيةٌ باهرةٌ ومُعجزةٌ ظاهرة.

 

وقال حفظه الله: حاملُ القرآن مُكرَمٌ في حياته وبعد مماته؛ وأهلُ القرآن خيرُ جليسٍ للمرء، وهو حُجَّةٌ لأهله يوم الدين وشافعٌ مُشفَّعٌ عند رب العالمين، وصاحبُ القرآن في أعلى درجات النعيم.

 

وأضاف: الفرحُ بالقرآن العظيم وتعليمه من أرفع مقامات الإيمان، ولا غِنى لأحدٍ عن كتاب الله، فنبيُّنا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - أكملُ الناس عقلاً، وكمالُ عقله لم يهدِه إلى الصواب، وإنما هدايتُه بالقرآن، وأسعدُ الناس أقربُهم من كتاب الله، وهو شرفُ وسُؤدَدُ المُسلمين، ورُقيُّ وفخرُ الأجيال، وهو أمانٌ للمُجتمع وبركةٌ عليه، وفيه الأُنسُ والرِّفعةُ ورِضا رب العالمين. من اتبَع القرآنَ نالَه الهُدى، ومن أعرضَ عنه ضلَّ في الرَّدَى، ولا طريقَ للهداية بدونه، ومن حُجِب قلبُه عن الانتفاع به فلن يهتدِيَ بغيره، وكما أن القرآن يرفعُ صاحبَه فإنه يضعُ من عاداه.

 

وختم الشيخ خطبته بالتحذير من تنقُّص القرآن فقال: وكلامُ الله عزيزٌ عظيم، من أنكرَ حرفًا منه أو هزلَ به كفر، ولم يسخَر أحدٌ بكتاب الله أو أهله أو تعليمه إلا أذلَّه الله.  فحقيقٌ بالمُسلم أن ينصُر كتابَ ربِّه ويعتزَّ به؛ لينالَ أعلى الدرجات.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات