مختصر خطبتي الحرمين 15 صفر 1437هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

والعاقلُ هو الذي قد غلبَ حلمُه غضبَه، وعدلُه ظُلمَه، وتواضُعُه تكبُّرَه، وإنصافُه بغيَه وإجحافَه، وتثبُّتُه تسرُّعَه، وأناتُه وتروِّيه عجلَتَه وطيشَه، وصبرُه جزعَه، ووقارُه حُمقَه، ومُشاورتُه للعُقلاء استِبدادَه برأيه، وحُسن تدبيره واقتِصادُه في معاشِه تفريطَه وتضييعَه، ومروءتُه وترفُّعُه حِرصَه على الشرف والجاه. فكم أذلَّ الحرصُ والطمع أعناق الرجال؟! وهو يُجِلُّ الكبير ويرحمُ الصغير، ويبرُّ والدَيه، ويعطِفُ على أهله وعِياله، ويُكرِم جارَه وضيفَه، ويصِلُ أرحامَه، ويهتمُّ بأمر المُسلمين، ويُعينُ على نوائِب الدهر. وبكل حالٍ فهو إلى كل خيرٍ أسرَع، وعن كل زلَّةٍ وخطأٍ يُنيبُ ويرجِع. فلله ما أهنأَ عيشَه! وأطيبَ حياته! وأسعدَ نفسَه! وأشرحَ قلبَه وصدرَه!..

 

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ خالد الغامدي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "فضائل العقل ومزاياه"، والتي تحدَّث فيها عن العقل وأنه من أجلِّ النعم التي وهبَها الله لعباده بعد الإيمان به - سبحانه -، وبيَّن أهميته وفضائلَه ومزاياه، كما ذكر استعمالاته الخاطِئة عند بعض الناس.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: أما بعد: فأُوصيكم ونفسي - عباد الله - بتقوى الله في السرِّ والعلانية؛ فإنها أعظمُ الكرامة.

 

وأضاف الشيخ: ليس هناك نعمةٌ إلهيةٌ بعد الإيمان أجلَّ ولا أعظمَ أثرًا من نعمة العقل، تلك الكرامةُ الربانيَّة التي هي من أكبر بدائِع صُنع الله الذي أتقنَ كلَّ شيء، وكل الدلائل والحقائق والبراهين تشهَدُ أن البشرية جمعاء شهِدَت الوفاقَ التامَّ بين منهَج الله ووحيِه، وبين العقل البشريِّ حينما جاء النبيُ محمدٌ - صلى الله عليه وآله وسلم - بهذا الدين الكامل الهادي.

 

وأكد فضيلته أنه قد تكاثَرَت النصوصُ الشرعيَّةُ على ضرورة إعمال العقل واستِخدامه في التفكُّر والتذكُّر والنظر والتبصُّر والاعتبار، والاهتداء من أقرب الطرق وأصحِّها إلى معرفة الله وتوحيده، والتعرُّف على أسرار التشريع والخلق والكون، وبدائِع أقدار الله وحِكَمه، والإفادة من ذلك كلِّه فيما يعودُ بالنفع والخير على العبد في دينِه ودُنياه وآخرتِه.

 

وقال حفظه الله: وأناطَت الشريعةُ قيامَ التكليف بتوافُر العقل، وضرورة حفظِه مما يُفسِدُه ويُغيِّرُه ويُعطِّلُ ملكَتَه ويطمِسُ نورَه، وجعلَت ذلك من الضرورات الخمس التي لا صلاحَ للعالَم إلا بالقيام بها والحِفاظ عليها. وأصبحَ التكامُل بين الوحي والعقل عنوان الشريعة، فلا تعارُض بين صحيح المنقول وصريح المعقول.

 

وأضاف فضيلته: إن العقلَ الصحيحَ عُدَّةُ المرء في النوائِب، وجُنَّتُه في النوازِل، وقائدُه إلى الخيرات ودفع المضرَّات في العاجِل والآجِل، وإذا تمَّ العقلُ تم معه كلُّ شيء، وإذا فسدَ وذهبَ صارَ أمرُ العبد فُرُطًا، ولا تجمُلُ الحياةُ ولا يُستطابُ العيشُ إلا به، فهو يُعينُ العبدَ على معرفة طرق الصواب والرَّشَد فيسلُكُها، ويَستبينُ سُبُل الخطأ والغوايةِ فيجتنبُها. والعقلُ والدينُ صِنوانِ لا ينفكَّان؛ فلا يتمُّ دينُ المرء حتى يتمَّ عقلُه، والعقلُ بلا دينٍ ضلالٌ وانفلاتٌ وغواية، والتديُّن بلا عقلٍ بريدُ الفهم المنكوس والسُّلوك المَشين، وضيق العطَن. وكم في ذلك من إساءةٍ إلى النفس والناس، وتشويهٍ لصفاء الإسلام ونقائِه.

وأكد فضيلته: أن العقلَ الذي مدحَته الشريعة ورفعَت من شأن صاحبِه، وحثَّ القرآنُ في خطاباته على استِدعائِه لإعماله والإفادة منه؛ ليس هو العقلُ الغريزيُّ فحسب؛ بل هو الفهمُ عن الله وعن رسولِه - صلى الله عليه وآله وسلم -، العقلُ الذي يحجُزُ صاحبَه عن خوارِم المروءة وقوادِح الشرف، وسِفساف الأمور، ويحمِلُه على معالي الأخلاق وكرائِم الصفات. العقلُ الذي يرفعُ الأفرادَ والأُمم لتصلُح للاستِخلاف في الأرض فتعمُرَها حضارةً وتقدُّمًا ورُقيًّا. هذا هو العقلُ الممدوحُ في الشريعة الذي أراد الله من خلقِه أن يتَّصّفُوا به، ويتحلَّوا بزينتِه، ويستثمِروه في كل نافعٍ ومُفيد.

 

وقال وفقه الله: إن معرفة حقيقة العقل الممدُوح في الشريعة، وضرورة حِفظِه فيما يُرضِي الله - سبحانه وتعالى - يُصحِّحُ عند الناس مفهوماتٍ خاطئةً في كيفية استِعماله؛ حيث وظَّف بعضُهم ملكَة ذكائِهم وعقولَهم في نشر الأفكار والآراء الضالَّة، وتوليد الشُّبَه والأهواء المُضِلَّة، والحِجاج لها لإضلال الناس. وتفنَّن فِئامٌ في أساليب المكر والدهاء والحِيلة والخِداع، وإلحاق الضرَر والأذَى بالناس في دمائِهم وأموالِهم وأعراضِهم ومكانتِهم، وعند أمةٍ من الناس غلبَت المعرفةُ بزينة الحياة الدنيا وشهواتها، والمُنافسةُ فيها على المعرفة بأمور دينهم وآخرتهم، وظنَّ أولئك كلُّهم أن ذلك هو العقلُ كلَّ العقل. إن هذا العقلَ المعيشيَ المصلَحيَّ الذي يُفكِّرُ به البعضُ لهو سببُ كثيرٍ من المُشكِلات الحضاريَّة والأمراض النفسية والسلوكية والتربوية والاجتماعية، وعلَّةُ عِلل الكثيرين الراضِين بالتخلُّف مع الخوالِف الذين كرِه الله انبِعاثَهم فثبَّطهم وخذلَهم فقعدوا مع القاعِدين.

 

وأضاف الشيخ: إن العقلَ هو آلةُ الفهم والوعي والإدراك، وهو يعملُ بكل كفاءةٍ واقتِدارٍ إذا استنارَ بنور الوحي وآداب النبُوَّة، واستفادَ من تجارب الناس، واعتبرَ بأحداث الحياة والتاريخ وتقلُّب الأيام وتبدُّل الأحوال، ومصارِع الغابرين. فإذن كل ذلك يزيدُ من عقله الغريزيِّ ويُوسِّعُه ويُنمِّيه، ويُكسِبُه عقلاً واعيًا سديدًا مُجرِّبًا. ويظهرُ عقلُ العاقل المُهتدِي بنور الله، المُجرِّب الواعي في مواطِن كثيرة؛ فهو لا يُقدِّم على أمر الله وأمر رسولِه - صلى الله عليه وآله وسلم - شهوةً ولا شُبهةً ولا قولاً ولا رأيًا، وإذا اجتنبَ عليه أمران اجتنبَ أقربَهما إلى الهوى، وهو دائِمُ التفكُّر والتذكُّر والاعتِبار بالمآلات والأحوال، والمُحاسَبة للنفس، مما يُعينُه على حسم الداء قبل أن يقعَ فيه، وتقديم العافية على البلاء، فإذا ابتُلِي رضِيَ وصبَر.

 

وأكد الشيخ أنه: ليس هناك أحرصَ من العاقل على جمع الكلمة والوحدة، والأُلفة، والتغافُل عن الهفَوات والزلاَّت، ونبذ التفرُّق والنزاعات والخُصومات، والتحريش الشيطاني. وزينةُ العاقل التواضُع للناس كافَّة، وإنزالُهم منازِلهم، ومُعاملتهم بظواهِرهم، وتركُ سرائِرهم إلى ربِّهم. وهو لجَودة عقله لا يحسُد أحدًا، ولا يحتقِرُ، ولا يحمِلُ الحقدَ من تعلُو به الرُّتَبُ، ولا يستخِفُّ بأحد، فإن من احتقرَ العلماء والأتقياء أهلكَ دينَه، ومن استخفَّ بالسلطان واستهزأَ به أفنَى دُنياه وأهانَ نفسَه، ومن تتبَّع عوراتِ إخوانه خرمَ مروءَته وأزرَى بنفسِه. وحُسن السَّمت، وطُولُ الصمت، والرَّزانةُ من دلائل عقل العاقل الذي لا تستفِزُّه الأحداث، ولا يستخِفُّه الذين لا يُوقِنون، ولا تستجِرُّه الأهواءُ، ولا تطيشُ به النَّزَوات.

 

وأضاف الشيخ: والعاقلُ هو الذي قد غلبَ حلمُه غضبَه، وعدلُه ظُلمَه، وتواضُعُه تكبُّرَه، وإنصافُه بغيَه وإجحافَه، وتثبُّتُه تسرُّعَه، وأناتُه وتروِّيه عجلَتَه وطيشَه، وصبرُه جزعَه، ووقارُه حُمقَه، ومُشاورتُه للعُقلاء استِبدادَه برأيه، وحُسن تدبيره واقتِصادُه في معاشِه تفريطَه وتضييعَه، ومروءتُه وترفُّعُه حِرصَه على الشرف والجاه. فكم أذلَّ الحرصُ والطمع أعناق الرجال؟! وهو يُجِلُّ الكبير ويرحمُ الصغير، ويبرُّ والدَيه، ويعطِفُ على أهله وعِياله، ويُكرِم جارَه وضيفَه، ويصِلُ أرحامَه، ويهتمُّ بأمر المُسلمين، ويُعينُ على نوائِب الدهر. وبكل حالٍ فهو إلى كل خيرٍ أسرَع، وعن كل زلَّةٍ وخطأٍ يُنيبُ ويرجِع. فلله ما أهنأَ عيشَه! وأطيبَ حياته! وأسعدَ نفسَه! وأشرحَ قلبَه وصدرَه! وتلك جنَّةٌ مُعجَّلةٌ في الدنيا، لا يدخلُها إلا المُوفَّقون المُسدَّدون الذين عقَلوا عن الله وعن رسولِه - صلى الله عليه وآله وسلم -.

 

وختم الشيخ خطبته بالتحذير من فهم سيئ لنقص عقل المرأة فقال: النساءُ شقائِقُ الرجال، ولهن في كل ما ذُكِر نصيبٌ وافِر، وكم من نساء المُسلمين من كان لها في الماضِي والحاضِر مواقِفُ العُقلاء، ومروءةُ النُّبلاء. ونُقصانُ عقل المرأة إنما هو في أن شهادةَ رجلٍ تعدِلُ شهادةَ امرأتَين ليس إلا، كما بيَّن ذلك النبيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -. فكفُّوا - أيها الناس - عن تعيير المرأة بذلك، بعد بيان رسولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -.

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "كيف يكون قلبك سليمًا؟"، والتي تحدَّث فيها عن القلوب وأعمالها، وكيف يصِل العبدُ إلى سلامة الصدر وصحَّة القلب، وما الدلائل على ذلك، كما حذَّر من الأشياء التي تُنافِي صحَّة القلب وسلامته.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: أما بعد: فاتقوا الله يُدخِلكم في رحمته، ويُعافِكم من غضبِه وعقوبتِه؛ فقد فازَ من اتَّقى، وخابَ من افترَى وبغَى.

 

وأضاف الشيخ:  كلٌّ يعملُ ويسعَى لسعادةٍ أبديَّة، وحياةٍ مرضيَّة؛ فمن الناس من يُوفَّقُ لذلك فيُعطيه الله السعادةَ الأبديَّة، والحياةَ الدنيا المرضيَّة، ومنهم من يكون همُّه وغايتُه الدنيا وينسَى الآخرةَ، فيُعطَى من الدنيا ما كتبَ الله له، وليس له في الآخرة من نصيب، وما نالَ من الدنيا لا يصفُو له بلا كدَرٍ ومُنغِّصات، وشُرور ومُهلِكات. وإذا كان الحالُ كذلك، وهو أن كلاًّ يسعَى لسعادته الدنيوية، ويسعَى لحياةٍ أبديَّة أُخرويَّة أحسن حياة، وأفضل نعيم، فإن هذه السعادة الدنيوية الطيبة، والسعادة الأبديَّة في الآخرة لا تكونُ إلا بسلامة القلب، وطِيبة الصدر.

 

وقال حفظه الله: القلبُ السليمُ قريبٌ من كل خير، بعيدٌ من كل شرٍّ. القلبُ السليمُ تجتمعُ فيه الأخلاقُ الفاضلةُ كما يجتمعُ الماءُ إلى المُطمئنِّ من الأرض، وينفِي الأخلاقَ السيئةَ عنه كما ينفِي الكِيرُ خبَثَ الذهب والفضَّة. القلبُ السليمُ محفوفٌ صاحبُه برحمة الله وعنايته، وحفظِه وتوفيقه، قال الله تعالى: (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ)، والإخباتُ أعظمُ صفات القلب السليم، والإخباتُ فُسِّر بالتواضُع لله - عز وجل -، والاطمئنان إلى تشريعه ووحيِه، والسُّكون إلى العمل الصالح، والرِّضا والفرح به.

 

وأشار الشيخ إلى أن القلب السليم له صفاتٌ وأحوال، فأفضلُ أحواله وأحسنُ صفاته سلامتُه من الشرك الأكبر والأصغر، وسلامتُه من النفاق وشُعبه، وصحَّتُه ومُعافاتُه من كبائر الذنوب والآثام، وتطهُّره من الصفات الذميمة والخِصال الرذِيلة؛ كالبُخل والشُّحِّ، والحسد، والغلِّ، والكِبر، والغشِّ، والغدر، والخيانة، والمكر، والكذِب، وغير ذلك من أعمال القلوب المُنكَرة، مع قيام صاحبِه بالفرائض والواجِبات، واستِكثاره من المُستحبَّات، وتوقِّيه المكرُوهات.

 

وأكد الشيخ أن أحسن أحوال القلوب السليمة وأفضلُها وأعلى درجات سلامتها قد اتَّصف بها الأنبياءُ - عليهم الصلاة والسلام -. ودون أفضل أحوال القلوب وأكملها وأعلى درجات سلامتها، وطِيبها وكمال صحَّتها درجات، ومن اجتهَد في الاقتِداء بالأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - نالَ من صفات القلب السليم بقدر اجتِهاده، ومن اتبَع هديَ النبي - صلى الله عليه وسلم - وتمسَّك بسُنَّته الغرَّاء، فقد وُفِّق لأحسن الهدي وخير العمل والاعتقاد، ورغَّبه الله سلامة الصدر كما منَّ الله بسلامة القلوب على الصحابة المُتَّبعين سيرة نبيِّهم محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، المُتمسِّكين بهديِه.

 

وأضاف الشيخ: وسلامةُ الصدر والقلب ثوابُها الجنة، وعافيةُ البدن في الدنيا؛ وإذا جاهدَ المُسلمُ نفسَه على كسب وتحصيل أسباب سلامة القلب، ونالَ هذه المنزلةَ العاليةَ فقد أفلحَ وأنجَح، وعاشَ في الدنيا في عافية، وضمِن الله له في الأُخرى الدرجةَ العاليةَ، فوُفِّق من ربِّه للنُّصح، وبرِئَ من الغشِّ، فنصحَ لله تعالى ولكتابه ولرسولِه ولأئمة المُسلمين وعامَّتهم.

 

وقال وفقه الله: ومن تمَّت سلامةُ قلبه أحبَّ للمُسلمين ما يُحبُّ لنفسه، ووُقِيَ شُحَّ نفسه، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يُؤمنُ أحدُكم حتى يُحبَّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسِه» (رواه البخاري ومسلم من حديث أنس). قال ابن رجب: "في هذا الحديث يدلُّ على أن المُؤمن يسرُّه ما يسرُّ أخاه المُؤمن، ويُريدُ لأخيه المُؤمن ما يُريدُ لنفسه من الخير. وهذا كلُّه إنما يأتي من كمال سلامة الصدر من الغلِّ والغشِّ والحسَد؛ فإن الحسَد يقتضِي أن يكرَه الحاسِدُ أن يفوقَه أحدٌ في خيرٍ أو يُساوِيَه فيه؛ لأنه يُحبُّ أن يمتازَ على الناس بفضائلِه، وينفرِد بها عنهم، والإيمانُ يقتضِي خلافَ ذلك، وهو أن يشركَه المُؤمنون كلُّهم فيما أعطاه الله من الخير، من أن غير أن ينقُص عليه منه شيء". اهـ كلامُه.

 

وأشار الشيخ إلى أن من أهم آثار سلامة القلب: التسامُح، والحلمُ، والصبرُ، والاحتِمال، والتجاوُز والعفوُ، والشَّفقةُ والرحمةُ للمُسلمين. وقد مدحَ النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا ضمضمٍ على ذلك؛ حيث كان إذا أصبح - رضي الله عنه - قال: اللهم إنه لا مالَ لي أتصدَّقُ به على الناس، وقد تصدَّقتُ عليهم بشَتمِ عِرضي، فمن شتمَني أو قذفَني فهو في حِلٍّ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من يستطيعُ منكم أن يكون كأبي ضمضم؟» (رواه الحاكم وابن عبد البر والبزار، وهو حديثٌ حسن). قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "وهذا لا يكونُ إلا مع سلامة الصدر، والبراءة من الغلِّ والحِقد والحسَد".

 

 

وأضاف الشيخ: ويُقابلُ القلبَ السليم القلبُ المريض، بالخِصال الممقُوتة الذَّميمة، ومن أعظم أمراض القلب: مرضُ الشُّحِّ، وقد حذَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - أمَّتَه من ذلك، فقال: «إياكم والظلم، فإن الظلمَ ظُلماتٌ يوم القيامة، واتَّقوا الشُّحَّ فإن الشُّحَّ أهلكَ من كان قبلَكم، حملَهم على أن سفَكوا دماءَهم، واستحلُّوا محارِمهم»؛ رواه مسلم من حديث جابر بن عبد الله. وإذا تأمَّل العاقلُ الفتنَ العامَّة والخاصَّة في العالَم، وجدَ أن من أعظم أسبابها الشُّحَّ والطمع. فالشُّحُّ يندرِجُ تحت البُخل، وهو منعُ الحقوق الواجِبة، وهو من أقبَح الصفات المذمومة، فالشُّحُّ أشدُّ من البُخل، وهو من أسباب قطيعة الأرحام، ومن أسباب الاعتِداء على الحقوق والدماء، ومنع الواجِبات عن مُستحقِّيها.

 

وحذر الشيخ من أعظم أمراض القلوب: الكِبر؛ فإن النبي - عليه الصلاة والسلام - يقول: «لا يدخلُ الجنةَ من كان في قلبِه مِثقالُ ذرَّةٍ من كِبر» (رواه مسلم).

 

وأضاف الشيخ: إن صحة القلوب وسلامتها بالصبر واليقين؛ فالصبر عن المُحرَّمات، والصبرُ على الفرائض والواجِبات، والاستِكثارُ من المُستحبَّات، والصبرُ على النوازِل والمُقدَّرات. واليقينُ يُقوِّي القلوب، ويدفعُ الشُّبهات، قال الله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) [السجدة: 24]. وأمراضُ القلوب تكونُ بالشُّبُهات وأنواع النفاق والشهوات، ومن استولَت على قلبِه الشُّبُهات أو الشهوات حتى مات شقِيَ الشقاءَ الأعظم، قال الله تعالى: (وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [المائدة: 41].

 

وختم الشيخ خطبته ببيان أهمية الوقوف عند الأمر والنهي لصلاح القلب، فقال: وفعلُ كل ما أمرَ الله به طهارةٌ وزكاةٌ للقلوب، وكل ما نهَى الله عنه حمايةٌ للقلوب من الأمراض. فاطلُب - أيها المسلم - سلامةَ قلبك وصحَّته في فعل الأوامر وترك الخِصال الذَّميمة، التي تُميتُ القلب أو تُمرِضُه. ولو لم يكُن في قُدرة العبد فعلُ الأمر، وتركُ ما نهَى عنه ربُّه لما كلَّفَك الله بذلك؛ فالربُّ لا يُكلِّف نفسًا إلا وُسعَها. وفي الحديث: «لا تحاسَدوا، ولا تدابَروا، ولا تباغَضوا» (رواه مسلم من حديث أبي هريرة).

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات