مختصر خطبتي الحرمين غرة صفر 1437هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

لذا - عباد الله - كان واجِبًا على الأمة أفرادًا وشعوبًا، قادةً وعلماء، وآباء ومُعلِّمين، ونحوَهم، أن يعُوا خُطورةَ تفشِّي داء الإهمال بين ظهرانِيهم، فما سبَقَنا غيرُنا في دُنياهم إلا بمُدافعتهم له، وما تأخَّرنا في دُنيانا وأُخرانا إلا بتراخِينا معه. ولو أدركَت الأمةُ هذه الغاية لأبصَرَت عدوَّها من صديقِها، ونجاحَها من فشلِها، ولما استسمَنَت ذا ورَم، ولا حسِبَت كل سوداء فَحمة، ولا كل بيضاء شَحمة، ولانطلَقَت في ميادين الدنيا والدين تنهَلُ مما أفاءَ الله عليها منهما. فحرِيٌّ بتلك أن تكون أمةً قويةً لا ضعيفة، وصانِعةً لا مصنُوعة، إذا قالت فعلَت، وإذا فعلَت نجحَت، وإذا نجحَت وُفِّقَت.

 

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ سعود الشريم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "الإهمال وآثاره السلبية على الأمة"، والتي تحدَّث فيها عن الإهمال وما يُسبِّبه من آثارٍ سيئةٍ على الأفراد والمُجتمعات، مُبيِّنًا أن الإهمال قد جاء ذمُّه في الكتاب والسنة وأقوال العلماء والحكماء والشعراء، وذكر نموذجَين من ذمِّه في السنة على مُستوى الأفراد والمُجتمعات.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتَّقوا الله - عبادَ الله -، اتَّقوا الله حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقَى.

 

وأضاف الشيخ: النقصُ والتقصيرُ طبيعةٌ بشرية، فكلُّ ابن آدم خطَّاء وخيرُ الخطَّائين التوابون. وإن الكمالَ لله وحده، والعصمةَ لأنبيائِه ورُسُله. وإن نظرةً فاحصةً لواقع المُسلمين اليوم جُموعًا وأفرادًا، دُولاً ومُؤسَّساتٍ، لتُدرِكُ أن عالَمًا يهيجُ بتزاحُم مُتطلبَّاتٍ عمليةٍ دينية ودنيوية، لهو أحوَجُ ما يكونُ إلى ترتيب قائمة أولوياته، وعدم الخَلط بين مُهمِّها وأهمِّها، وفاضِلها ومفضُولها، وأحوَجُ ما يكونُ أيضًا إلى تحديد مُستوى كفاءَته، أو الرِّضا بالحال، أو الشعور بأن المُجتمع برُمَّته يُمكن أن يُصنَّف ضِمن المُجتمعات الإيجابية لا السلبية، والجادَّة لا المُهمِلة، والمُنجِزة لا المُسوِّفة.

 

وقال حفظه الله: ولا يُمكنُ لأي فئةٍ كانت أن تصِل إلى مثل تلكُم النتيجة إلا بصِدقِ نظرتها إلى مِعيارٍ رئيس، به يُعرفُ السَّلبُ والإيجاب، والإنجازُ والفشل. إنه "مِعيارُ الإهمال وجودًا وعدمًا"، وموقفُ الأمة منه أفرادًا وجماعات. نعم، إنه الإهمالُ الذي يُعدُّ قنطرةً إلى الفشل والضياع، والتسويف والتهوِين. الإهمالُ الذي ما تركَ بيتًا إلا دخلَه، ولا نفسًا إلا اعتراها، ولا مُجتمعًا إلا جثَمَ عليه، إلا من رحِم ربِّي، وقليلٌ ما هم.

 

وقال وفقه الله: نعم - عباد الله -، إنه الإهمالُ الذي هو رُقية النزول لا الصعود، والرجوع إلى الوراء لا السير قُدُمًا. إن الأمةَ الإسلامية تمتلِكُ طاقاتٍ وقُدراتٍ في بَنيها تُؤهِّلُهم جميعًا إلى مُنافسَة رُوَّاد الحضارة العالَميَّة، كما أنها تملِكُ بكل جدَارَة صناعةَ مُستقبلِها العالَميِّ بأيدي بَنيها، وعقول حُكمائِها، شريطةَ أن يُلقَى بالإهمال وراءَها ظهريًّا. فإن الحسرةَ كل الحسرة، والخجلَ كل الخجَل أن يُوجَد لدى الأمة الفِكرةُ والقُدرة ثم هي تفتقِرُ إلى الهمَّة، بعد أن يغتالَها الإهمال فيئِدَها وهي حيَّة، ولقد أحسنَ من قال:

ولم أرَ في عيوبِ الناسِ عيبًا *** كنقصِ القادِرين على التمامِ

 

وأضاف فضيلته: الإهمالُ سُلوكٌ سلبيٌّ، لا يسلَمُ منه مُجتمعٌ ولا يكاد، فمن مُقِلٍّ منهم ومن مُكثِر، ومن المُحالِ عادةً أن تنشُدَ الأمةُ تمامًا لا إهمالَ معه، كما أنه من الغَبن والدنيَّة أن تقعَ الأمةُ في إهمالٍ لا جِدَّ معه، وإنما في التسديد والمُقارَبة، بحيث لا يتجاوزُ المرءُ الطبيعةَ البشريةَ المُطبوعةَ بالنقص، ولا ينساقُ أيضًا مع الخُمول فلا يُعرفُ عنه الجِدُّ والوعي. فإن الإنسانَ من طبعه الظُلمُ والجهلُ، (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) [الأحزاب: 72].

 

وقال حفظه الله: لقد اجتمعَ في ذمِّ الإهمال - عباد الله - النصوصُ الشرعيَّة، والأدلةُ العقليَّة، وأقوالُ الحُكماء والشعراء، ولم يُمدح قطُّ إلا في قوامِيس الكُسالَى، ومعاجِم القَعَدة الخوالِف. فمنهم من أهملَ دينَه وجدَّ في دُنياه، ومنهم من أهملَ دُنياه وجدَّ في دُنياه، ومنهم من أهملَ الأمرَين معًا فخسِر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسرانُ المُبين.

 

وقال وفقه الله: إنه ما من مُصيبةٍ أو فشلٍ يحُلاَّن بالأمة أو بأحدٍ من أفرادها، إلا والإهمال ضارِبٌ بأوتاده فيهما، إما بإهمال غفلةٍ أو إهمال قصدٍ؛ إذ لا تُحيطُ بهم مثلُ هذه النوائِب إلا بإهمالهم، في إيجاد أسبابِ دفعِها قبل وقوعها، أو على أقل تقديرٍ في إيجاد أسباب رفعها بعد الوقوع. لكن النفسَ -عباد الله- إذا ألِفَت السكونُ والدَّعَة، توالَت عليها نوائِبُ النقص والمِحَن، حتى تستمرِئَها فتلَغَ في حمئِها وهي لا تشعُر، ثم لا يُخيفُها بعد ذلك أيُّ خَطبٍ، ولا تكترِثُ به.

 

وأضاف فضيلته: لذا - عباد الله - كان واجِبًا على الأمة أفرادًا وشعوبًا، قادةً وعلماء، وآباء ومُعلِّمين، ونحوَهم، أن يعُوا خُطورةَ تفشِّي داء الإهمال بين ظهرانِيهم، فما سبَقَنا غيرُنا في دُنياهم إلا بمُدافعتهم له، وما تأخَّرنا في دُنيانا وأُخرانا إلا بتراخِينا معه. ولو أدركَت الأمةُ هذه الغاية لأبصَرَت عدوَّها من صديقِها، ونجاحَها من فشلِها، ولما استسمَنَت ذا ورَم، ولا حسِبَت كل سوداء فَحمة، ولا كل بيضاء شَحمة، ولانطلَقَت في ميادين الدنيا والدين تنهَلُ مما أفاءَ الله عليها منهما. فحرِيٌّ بتلك أن تكون أمةً قويةً لا ضعيفة، وصانِعةً لا مصنُوعة، إذا قالت فعلَت، وإذا فعلَت نجحَت، وإذا نجحَت وُفِّقَت.

 

وقال حفظه الله: إن الإهمالَ والتفريطَ واللامُبالاة كلُّها تدلُّ على تضييع الأمور الصالِحة وتفويتها والزُّهد فيها، وما هذه من صفاتِ المُؤمنين الواعِين، فإن المُؤمن الواعِي هو من يُدرِك أنه مُحاسَبٌ على كل شيءٍ ضيَّعه مما لا يجِبُ أن يُضيَّع من دينِه ومصالِح دُنياه، مُجتمعًا كان أو مُؤسَّسةً أو فردًا، فإنهم في الحُكم سواء؛ لأن الوعيَ والعزيمةَ ينفِيان الإهمالَ والتفريطَ كما ينفِي الكِيرُ خبَثَ الحديد.

 

وقال وفقه الله: بالوعي والعزيمة - عباد الله - يفِرُّ المرءُ من داء الكمال الزائِف الذي يُغرِي المُصابين به بأن ليس ثمَّة دواعٍ إلى تصحيح الأخطاء، وثَلْم الثقوب. بالوعي والعزيمة اللَّذَين يدُلاَّن صاحبَهما على التمييز بين الأهم والمهم، والفاضِل والمفضُول. بالوعي والعزيمة القاضِيَين على التسويف القاتِل في تأجيل عمل اليوم إلى الغَد، فضلاً عن شِعار من جثَمَ الإهمالُ على أفئدتهم، فصارَ شِعارُهم: لا تُؤجِّل إلى الغَد ما تستطيعُ فعلَه بعد غدٍ!

 

وختم الشيخ خطبته بالتأكيد على أن الشريعةَ الإسلامية مليئةٌ بالنصوص الدالَّة على وجوب الجِدِّ والاجتهاد، والنهي عن الإهمال والتفريط والتسويف. وإن من أجمعها على مُستوى الأفراد: قولَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: «المُؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ من المُؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرِص على ما ينفعُك، واستعِن بالله ولا تعجَز، وإن أصابَك شيءٌ فلا تقُل: لو أني فعلتُ كان كذا وكذا، ولكن قُل: قدرُ الله وما شاء فعل، فإن (لو) تفتَحُ عملَ الشيطان» (رواه مسلم). ومن أجمَع الأحاديث - عباد الله - على مُستوى المجمُوع في الأمة: قولُ المُصطفى - صلى الله عليه وسلم -: «كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّته، الإمامُ راعٍ ومسؤولٌ عن رعيَّته، والرجلُ راعٍ في أهلِه وهو مسؤولٌ عن رعيَّته، والمرأةُ راعيةٌ في بيتِ زوجها ومسؤولةٌ عن رعيَّتها، والخادمُ راعٍ في مال سيِّده ومسؤولٌ عن رعيَّته، والرجلُ راعٍ في مالِ أبيه ومسؤولٌ عن رعيَّته، وكلُّكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيَّته» (رواه البخاري ومسلم).

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "الاستعاذة في الكتاب والسنة"، والتي تحدَّث فيها عن الاستعاذة كما وردَت في كتاب الله تعالى وسنة رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، من خلال استشهاده بكثيرٍ من الآيات والأحاديث التي وردَ فيها ذكرُ الاستعاذة، مُبيِّنًا عِظَمَ الاستعاذة، وأنها لا تكون إلا من الله تعالى وحده.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتَّقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقَى.

 

وأضاف الشيخ: العبدُ ضعيفٌ ولا غِنى له عن الله في كل حال، يسألُه الخيرَ ويستعيذُ به من الشر، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [فاطر: 15]. وهو - سبحانه - المدعُوُّ عند الشدائد، المرجُوُّ عند النوازِل، (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) [النمل: 62]. وهو الذي يمسُّ بالضُّرِّ وهو الذي يكشِفُه، قال - سبحانه -: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) [الأنعام: 17]. وأمرَ عبادَه بدعائِه وحدَه ووعدَهم الإجابة، وذلك من حقِّه الذي لا يشرَكُه فيه غيرُه.

 

وقال حفظه الله: ومن دُعائِه: الاستعاذةُ به من المخاوِف، فهي عبادةٌ من أجلِّ العبادات، يظهرُ فيها تعظيمُ الله وتعلُّق القلب به وإفرادُه بالطلب والافتِقار، وعلى قدرِ صِدق العبد ولجُوئِه إلى الله يتحقَّقُ مُبتغاه، قال الله في الحديث القُدسي إذا أحبَّ عبدَه: «وإن سألَني لأُعطينَّه، ولئن استعاذَني لأُعيذنَّه» (رواه البخاري). ومن كان لله أعظمَ عبوديةً كان أشدَّ استِعاذةً به ولجُوءًا إليه.

 

وقال وفقه الله: والرسلُ - عليهم السلام - كانوا يعوذون بالله في الكُروب ودفع المكارِه والشُّرور، لما نهَى الله نوحًا - عليه السلام - عن الدعاء لابنِه لكفره بالله، قال: (رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) [هود: 47]. ويوسف - عليه السلام - اعتصمَ بالله من الفتنة: (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ) [يوسف: 23]. وموسى - عليه السلام - لما توهَّم قومُه أنه يسخرُ بهم بأمره ونهيِه، قال: (أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) [البقرة: 67].

 

وأضاف فضيلته: ونبيُّنا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم- كان دائِمَ اللُّجوء إلى ربِّه مُقبِلاً عليه في كل أحواله؛ فيستعيذُ بالله إذا أصبحَ وإذا أمسَى، وإذا سافرَ وأقام، وفي السِّلم والحرب، وإذا أخذَ مضجعَه للنوم أو استيقظَ، وعند دخول الخلاء. وفي صلاتِه يُكثِرُ من التعوُّذات؛ ففي قيامِه في الصلاة إذا مرَّ بآية عذابٍ تعوَّذ، ويتعوَّذُ في سجوده وجُلوسه، وإذا رأى ما يكرَه لجأَ إلى الله واستعاذَ به، لا يدَعُ شرًّا إلا استعاذَ بالله منه، يستعيذُ بالله مما يُناقِضُ الإيمانَ وما يُنقِصُه، كان يقول: «وأعوذُ بك من الفقر، والكفر، والشرك، والنفاق، والسُّمعة، والرياء» (رواه ابن حبان). وكان يغرِسُ في النفوس عِظمَ شأن الاستِعاذة بالله؛ فيقول: «من استعاذَ بالله فأعيذُوه» (رواه أبو داود).

 

وقال حفظه الله: والشيطانُ هو العدوُّ المُبين، وأساسُ كل شرٍّ وبليَّة، يسعَى بكل سبيلٍ للضررِ بالعبدِ وشقائِه، ولا نجاةَ منه إلا بالله، وقد أنزلَ الله سورةً كاملةً في الاستِعاذة من شرِّه وشرِّ جنوده من الجنِّ والإنس: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) [الناس: 1]. ومن اعتصمَ بالله وأخلصَ له وتوكَّل عليه لا يقدِرُ على إغوائِه وإضلالِه: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [النحل: 99]. وأُمر المُسلم أن يستعيذَ من همَزَات الشياطين؛ أي: من نزغَاته ووساوسِه، (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ) [المؤمنون: 97]. وأعظمُ مقاصِد الشيطان: إغواءُ بني آدم وإضلالُهم: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [ص: 82].

 

وقال وفقه الله: وكلما كان العملُ أنفعَ للعبد وأحبَّ إلى الله كان اعتراضُ الشيطان له أشدُّ؛ ففي الصلاة يُوسوِسُ للمُصلِّي، قال - عليه الصلاة والسلام -: «ذاك شيطان يُقال له: خَنزَب، فإذا أحسستَه فتعوَّذ بالله منه واتفُل على يسارِك ثلاثًا» (رواه مسلم). وعند قراءة القرآن تُشرعُ الاستِعاذة منه، (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) [النحل: 98]. وأماكنُ الخلاء تكثُرُ فيها الشياطين، والعصمةُ منهم في الاستِعاذة بالله، يقول: «اللهم إني أعوذُ بك من الخُبث والخبائِث» - أي: من ذكور الشياطين وإناثهم–. (متفق عليه).

 

وأضاف فضيلته: وفي الصباح والمساء نتعوَّذُ بالله من شرِّ الشيطان، والشيطانُ لا يدَعُ أذيَّةَ الإنسان حتى في منامِه، ومن رأى في نومِه ما يكرَهُ فليستعِذ بالله منه، والغضبُ مركبُ الشيطان وهو جمرةٌ في القلب تحمِلُ على المعاصِي والآثام، وذهابُ ذلك بالاستِعاذة.

 

وقال حفظه الله: وجوارِحُ الإنسان تكتنِفُها الشهوات، وصلاحُها باستِعمالها في الطاعات والنأْيِ بها عن الشُّرور والسيئات، مع دوام الاستِعاذة بالله مما يكون منها من الآفات؛ علَّم النبي - صلى الله عليه وسلم - أحدَ أصحابِه أن يقول: «اللهم إني أعوذُ بك من شرِّ سمعي، ومن شرِّ بصري، ومن شرِّ لساني، ومن شرِّ قلبي، ومن شرِّ منيِّي» - يعني: فرْجَه - (رواه الترمذي). واستعاذَ - عليه الصلاة والسلام - من علمٍ لا ينفع، ومن قلبٍ لا يخشَع، ومن نفسٍ لا تشبَع، ومن دعوةٍ لا يُستجابُ لها.

 

وقال وفقه الله: والإسلامُ دينُ فرحٍ وسُرورٍ بما أنزل الله، وينهَى عن الأحزان والهُموم؛ لأنها تُضعِفُ العبدَ عن صلاح دينِه وبناءِ حياتِه، ومن دُعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم إني أعوذُ بك من الهمِّ والحَزَن» (متفق عليه). وإذا حلَّ داءٌ في الجسد فعند الله الشفاء. فاستعِذ بالله من شرِ ما تجِدُ، فمنه الخيرُ والعافية. شكا عُثمانُ بن أبي العاص - رضي الله عنه - إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وجعًا يجِدُه في جسده، فقال له - عليه الصلاة والسلام -: «ضَع يدَك على الذي تألَم من جسَدك وقُل: بسمِ الله ثلاثًا، وقُل سبعَ مراتٍ: أعوذُ بالله وقُدرته من شرِّ ما أجِد وأُحاذِر» (رواه مسلم).

 

وقال حفظه الله: والسحرُ والعينُ حقٌّ، ولا تُتَّقى آفاتُهما بمثلِ الاستِعاذة، فالمُعوِّذاتُ من أجمل الاستِعاذات وأنفَعها، وهي - بإذن الله - تدفعُ الشُّرورَ قبل وقوعها وترفعُها بعد حُدوثها، قال - عليه الصلاة والسلام - لعُقبة بن عامرٍ - رضي الله عنه -: «ألا أُخبرُك بأفضل ما تعوَّذَ به المُتعوِّذون؟ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) [الفلق: 1] و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) [الناس: 1]» (رواه أحمد).

 

وقال وفقه الله: والأمانُ من شرِّ الأعداء وشماتتهم بالاستِعاذة بالله منهم. وجِدالُ الكفار المُستكبِرين عن آيات الله تُورِثُ مكرَهم وكيدَهم، والنجاةُ في الاستِعاذة بالله. والمؤمنُ يستعيذُ بالله إن تغيَّر حالٌ في الكون؛ فالرِّيحُ منها الرحمةُ ومنها عُذِبَت أُمم، ومن عرفَ اللهَ أحبَّه وخافَ غضبَه وعقابَه؛ كان - عليه الصلاة والسلام - يدعُو في سجوده يقول: «اللهم أعوذُ برِضاك من سخَطك، وبمُعافاتِك من عقوبتِك، وأعوذُ بك منك لا أُحصِي ثناءً عليك، أنت كما أثنيتَ على نفسِك» (رواه مسلم). وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمرُ أصحابَه بالتعوُّذ من عذاب النار، يقول لهم: «تعوَّذُوا بالله من عذاب النار» (رواه مسلم).

 

وختم الشيخ خطبته بالتحذير من الاستعاذة بغير الله تعالى، فقال: فالمُستعاذُ به هو الله وحدَه، لا ربَّ لنا غيره، ولا معبودَ لنا سِواه، ولا ملجَأ ولا منجَا منَّا إلا إليه، ومن تعلَّق بالله وأنزلَ حوائِجَه به كفَاه ووقاه، وفرَّج كُروبَه ويسَّر عليه كلَ عسير. فعلى المُسلم أن يُعلِّق قلبَه بالله، ويلُوذَ به في كل صغيرةٍ وكبيرةٍ، ولا يملَّ من كثرة الاستِعاذة؛ فبها يعبُدُ ربَّه، ويعصِمُ نفسَه من السوء، وبذلك سعادتُه وعزُّه.

 

من تعلَّق بغير الله واستعاذَ به ولجَأَ إليه؛ وكلَه الله إلى ما تعلَّق به، وخُذل من جهة ما يتعلَّقُ به، وفاتَه تحصيلُ مقصوده من الله، بتعلُّقه بغيره، والتِفاته إلى ما سِواه. فلا على نصيبِه من الله حصَّل، ولا إلى ما أمَّله ممن تعلَّق به وصَل، ويوم القيامة يتبرَّأُ بعضُهم من بعضٍ، ومن لاذَ بغير الله من الجنِّ، أو استعانَ بالسَّحرة فلن يُحقِّق مقصودَه منهم، ولن يَزيدُوه إلا شرًّا وخوفًا وإرهابًا وذُعرًا وحيرةً، والسعيدُ من أنزلَ حاجاته بالربِّ العظيم مُفرِّج الكروب، ومُزيل الغُموم، سبحانه وتعالى عما يقولون علوًّا كبيرًا.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات