مختصر خطبتي الحرمين 25 ذي الحجة 1436هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

ومن الكَيد: استِهدافُ الشباب، وإغواؤُهم بالكلمة والصورة والفِكرة، عبرَ وسائل الإعلام والاتصال. وهذه أشدُّ خطرًا من الجيوش الجبَّارة والأسلِحة الفتَّاكة، بنشر أفكار التطرُّف والغلُوِّ، لحساب أغراضٍ مشبُوهة، والاستيلاء على عقول الشباب، والفصل بينهم وبين علمائِهم، ليسهُل اصطِيادُهم، والتأثيرُ عليهم من نكِراتٍ لم يُعرَفوا بعملٍ ولا عمل...

 

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "وقفات مع نهاية العام الهجري"، والتي تحدَّث فيها عن انصِرام الأعوام، وانقِضاء الليالي والأيام، مُتمثِّلاً في انتِهاء العام الهجري بعد أيام، وما ينبغي على المُسلمين أن يقِفوا من وقفاتٍ للعبرة والعِظة، والتفكُّر فيما مضَى من أعمالٍ صالِحة وغير ذلك، وضرورة اغتنام الأوقات فيما ينفعُ دُنيا وأُخرى، كما لم ينسَ التذكيرَ بما يُعانيه إخواننا المسلمون في فلسطين والشام.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتقوا الله - عباد الله -؛ فالتقوى خيرُ زادٍ في المعاش والمعاد، (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة: 197].

 

وأضاف الشيخ: في هذا الأوان الذي جدَحَت فيه يدُ الإملاق كأسَ الفراق، وأوشكَ العامُ على التمام والإغلاق، والتحدياتُ المُحدِقةُ بالأمة عديدة، والأحوالُ أزماتُها شديدة، والأيامُ في لُبِّها بالأماني مُبديةٌ مُعيدة، لا بُدَّ لأهل الحِجَى من وقفات، للعِبرة ومُراجعة الذات، والتفكُّر فيما هو آتٍ. وهذا ديدَنُ المُسلم الأريبِ اللوذَعيِّ، ومنهجُ اللَّقِن الأحوَذيِّ، حتى لا ينعكِس الأمل، أو يستنوِقَ الجمل، فيُبصِرُ كل إنسانٍ وَسمَ قِدحه، فتترقَّى همَّتُه، وتصفُو نفسُه، وتحسُنُ سيرتُه وسريرتُه.

 

وقال حفظه الله: الوقفةُ الأولى: وقفةُ اعتبارٍ وعِظة، لما في مرور الأيام والليالي من عِبرةٍ وموعِظة، فكم من خُطواتٍ قُطِعت، وأوقاتٍ صُرِفت، والإحساسُ بمُضيِّها قليل، والتذكُّر والاعتبارُ بمُرورها ضئيل، مهما طالَت مُدَّتُها، وعظُمَت فترتُها، وربما دامَت بعد ذلك حسرتُها.

 

وقال وفقه الله: وليكُن منكم بحُسبانٍ - يا رعاكم الله -: أن الزمنَ أنفاسٌ لا تعُود، فمن غفلَ عنه تصرَّمَت أوقاتُه، وعظُم فواتُه، واشتدَّت حسراتُه، فإذا علِم حقيقةَ ما ضاع، طلبَ الرُّجعَى فحِيلَ بينَه وبين الاستِرجاع. ومن لم يتَّعِظ بزوال الأيام، ولم يعتبِر بتصرُّم الأعوام، فما تفكَّر في مصيره ولا أناب، ولا اتَّصَف بمكارِم أُولِي الألباب.

 

وأضاف فضيلته: فما أحوجَ أمَّتنا في هذه السانِحة البينيَّة أن تنعطِفَ حِيالَ أنوار البصيرة، فتستدرِك فرَطَاتها، وتنعتِقَ من ورطَاتها، وتُفعَمَ روحُها بمعاني التفاؤُل السنيَّة، والرجاءات الربانيَّة، والعزائِم العليَّة، وصوارِم الهِمَم الفتيَّة، كي تفِيءَ إلى مراسِي الاهتِداء والقِمَم، وبدائِع الخِلال والقِيَم، على ضوء المورِد المَعين، والنبع الإلهيِّ المُبين: هديِ الوحيين الشريفين، مُستمسِكةً بالتوحيد والسنَّة بمنهَج سلَف الأمة.

 

وقال حفظه الله: والوقفةُ الثانية: وقفةٌ لإلهاب الهمَّة في نفوس الأمة، كي تعتلِيَ الذُّرَى والقمَّة، وإذكاء جُذَى الأمل والتفاؤُل في أطواء الشباب، كي يستنفِرَ قُدراته وملَكَاته، وكفاءاته وانتِماءاته. فكم اتَّخذَت الأمةُ في عامها المُتصرِّم من قرارٍ عظيم، وكم حقَّقَت من نصرٍ مُبين تسنَّمها "عاصفةُ الحزم" الميمونة، التي جسَّدَت الوحدةَ والتلاحُم بين أبناء الأمة رُعاةً ورعيَّة، وحقَّقت النُّصرةَ لجارٍ مضُوم، وشعبٍ مكلُوم، وصدَّت الظالِمين المُعتَدين.

 

وقال وفقه الله: وجهود المملكة - حرسَها الله - لن تنسِفَها أقاويلُ المُبطِلين، الذين لا يُحسِنون إلا التشكيكَ والإرجاف، وهذه الحملةُ الإعلاميَّةُ المُمنهَجة القائمةُ على ترويجِ الأكاذِيب، واختِلاقُ الوقائِع، هي مُحاولةٌ يائِسة من فئةٍ بائِسة، للنَّيل من مكانتها. والخدماتُ الجُلَّى المُقدَّمة في الحجِّ هي أكبرُ ردٍّ عمليٍّ على هؤلاء المُشكِّكين، وجهودُ رجال الأمن وعطاؤُهم النادِر في خدمة الحَجيج خيرُ شاهِد. فالعملُ الكبيرُ الذي يقوم به رِجالُ أمننا، والعامِلون في خدمة الحَجيج بمُختلف قِطاعاتهم يندُرُ أن يوجد مثلُه في أنحاء العالَم.

 

وقال حفظه الله: غيرَ أن ذلك لا يُسوِّغُ أبدًا إلصاق تُهمة الإرهاب بالإسلام، مما يتطلَّبُ تحصينَ الشباب الأبِيِّ من الفِكرِ التكفيريِّ، وتنظيم "داعِش" الإرهابيِّ، وحنوِه من المناهِج الضالَّة، والمسالِك المُنحرِفة. وما يُقابِلُها من موجات التشكيك والإلحاد، وهزِّ الثوابِت والقِيَم، والنَّيل من المُحكَمات والمُسلَّمات.

 

وقال وفقه الله: هذه الأحداث المُلِمَّة، والفواجِع المُؤلِمة لا ينبغي أن تُنسِيَنا قضيَّتَنا الكُبرى قضيةَ فلسطين والأقصَى، وما يلُفُّها في هذه الآوِنة بالذات من مآسٍ مُتعدياتٍ وانتِهاكاتٍ، واستِطالةٍ سافِرة في الهَدمِ والحِصار والاقتِحامات والمُستوطنَات والاعتِداءات. ولا يُمكن أن ننسَى إخواننا في بلاد الشام، الذين طالَت مُعاناتُهم، ودخلَت عامَها الخامس دون تحرُّكٍ فاعلٍ لإنقاذِهم من آلة القتل والتدمير والتهجير، في أكبر كارِثةٍ إنسانيَّة يشهَدُها التأريخُ المُعاصِر.

 

وختم الشيخ خطبته بالدعوة للتفاؤل في زمن الشدائد، فقال: مع أن أمَّتنا لا تزالُ رهينةَ المآسِي والنَّكَبات، والشَّتات والمُلِمَّات، فلا بُدَّ من الادِّراع بالتفاؤُل والاستِبشار والأمل، فالأملُ يُخفِّف عناءَ العمل، ويذهبُ باليأس والقُنوط والملَل، وبعد حُلكة الليل الشديد تُشرِقُ شمسُ يومٍ جديد. بالتفاؤُل والأمل تتدفَّق روحُ العزيمة، وتتألَّقُ نسَمَاتُ النبُوغ، وتتأنَّقُ بواعِثُ الثقة والتحدِّي.

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ عبد البارئ بن عواض الثبيتي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "صفات أهل المكر والخيانة"، والتي تحدَّث فيها عن صفات أهل المكر والخيانة، مُحذِّرًا من سُلوك سبيلهم، ومُبيِّنًا عِظَم خطرهم على المسلمين أفرادًا وجماعات.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فأُوصِيكم ونفسي بتقوى الله، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

 

وأضاف الشيخ: خلقَ الله - تبارك وتعالى - أبانا آدم - عليه السلام -، وقام الشيطانُ بمُعاداته والمكر به لإغوائِه، تعرَّض الرُّسُل لأنواعٍ من المكر والكيد، ونُسِجَت لهم المُؤامرات. يُوسف - عليه السلام - مكرَ به إخوتُه، فصبرَ على أذاهم، فقال الله تعالى في حقِّه: (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [يوسف: 90].

وإبراهيمُ - عليه السلام - جُمِع له الحطب، وأُوقِدَت النار، فأُلقِيَ فيها، فكانت بردًا وسلامًا، وبطَلَ مكرُهم، (فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ) [الصافات: 98]، وأجمعَ الأعداءُ أمرَهم، ومكروا برسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان مكرُهم إلى زوال، قال الله تعالى: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال: 30].

 

وقال حفظه الله: من صفات أهل المكر: الغدرُ وخيانةُ العُهود؛ ففي بئر معُونة قُتل سبعون من خيار الصحابة.. وكان الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - يستعيذُ بالله من الخيانة، ويقول: "وأعوذُ بك من الخيانة؛ فإنها بِئسَت البِطانة".

 

وقال وفقه الله: والمُنافِقون كانوا مصدرَ أكبر كيدٍ عانَى منه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، بتلوُّن مواقفِهم، وتشكُّل أحوالهم، .. ومن صفات أهل المكر: الظهورُ في أوقات المِحَن والحوادِث، والفرحُ بمُصاب المُسلمين، فإذا أصابَ المُسلمين نصرٌ وتمكينٌ أصابَهم غيظٌ وهمٌّ وكربٌ، وإذا نزلَت بالمُسلمين نازِلةٌ، وحلَّ بهم بلاء، انتشَى الأعداءُ فرحًا واختيالاً،.. ومن صفات الماكِرين: تضخيمُ الأحداث، وتصيُّد الزلَّة والخطأ وإشاعتُه، وتجاهُل الإنجازات والإيجابيات، وهذا ديدَنُ الحاقِدين الحاسِدين.

 

وأضاف فضيلته: ومن الكَيد: استِهدافُ الشباب، وإغواؤُهم بالكلمة والصورة والفِكرة، عبرَ وسائل الإعلام والاتصال. وهذه أشدُّ خطرًا من الجيوش الجبَّارة والأسلِحة الفتَّاكة، بنشر أفكار التطرُّف والغلُوِّ، لحساب أغراضٍ مشبُوهة، والاستيلاء على عقول الشباب، والفصل بينهم وبين علمائِهم، ليسهُل اصطِيادُهم، والتأثيرُ عليهم.

 

وقال حفظه الله: ومن صُور المكر: اختِلاقُ الأكاذيب، ونشرُ الإشاعات المُغرِضة، وجاءَت الآياتُ البيِّنات لتُحذِّر من مُسايَرَة المُروِّجين، والتوجيهَ بتسديد القول وعدم إلقائِه على عواهِنِه بغير حكمةٍ وتبيُّن.

 

وقال وفقه الله: ومن المكر: بثُّ الشُّكوك بين المُسلمين في قيادتهم ووُلاة أمرهم، بتزييف الحقائق وتزويرها. ومن صُور التآمر: تصديرُ فتاوى الشُّبهات والفتنة، وهذا يُفضِي إلى شُيوع الباطل وإلباسِه لَبُوس الحقِّ. ومن العجب أن الفتاوى الغريبة شاعَت في زماننا، ولبَّسَت على العامَّة، وتسابقَ في بثِّها المُنساقُون إلى غريب الأقوال، وأحدثَت في الأمة آثارًا سليبَّة وأضرارًا بليغة.

 

وقال حفظه الله: من أساليب التآمُر: الصدُّ عن الحقِّ بإثارة الغرائِز والشهوات، وإغراق الشباب بالمُخدِّرات. ومن أعمال الماكِرين: إثارةُ الفوضَى والبلبلةِ والفِتَن، وتفريقُ صفِّ المُسلمين، وإشعالُ الأزمَات، كي تتعطَّلَ حركةُ البناء والتنمية والعطاء في بلاد المُسلمين، وتنصرِف إلى مُعالجَة آثار الفتن والعمل على إخماد نارها.

 

وقال وفقه الله: ومن مكر الماكرين: صناعةُ الإرجاف ببثِّ رُوح الضعف، والاستِكانة، والإحباط، والهزيمة النفسية، قال الله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) [آل عمران: 173]. هذا هو الحصنُ المنيعُ الذي يلجَأُ إليه المُؤمنون، عندما تُحيطُ بهم المصائِبُ والمِحَن، ومهما اشتدَّت الخُطوب، فإنها لا تزيدُهم إلا ثباتًا وإيمانًا وتسليمًا. فتاريخُ هذه الأمة المجيد يبعَثُ التفاؤُل، وهو تاريخُ السُّؤدَد والمجد والثقة بانتِقام الله ممن بغَى وطغَى، (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) [البروج: 12، 13].

 

وقال حفظه الله: من حفظِ الله للحقِّ وأهلِه: تحطُّم كل أنواع المكر والكيد على صخرة ثبات هذه الأمة، التي تحمِلُ ميراثَ النبوة، وإن ضعُفَت زمنًا فالصَّولةُ والعاقبةُ لها، والتمكينُ مصيرُها.. قد ينالُ المُسلمين بأسٌ من مكر الماكِرين، وأذًى من كيد الكائِدين، وذلك ليبتلِيَ الله المُؤمنين، ويكشِف المُنافقين، ويمتحِنَ ثباتَ المُسلمين.

 

وقال وفقه الله: ومهما بلغَ شأنُ المكر والكيد فهو مُقيَّدٌ بقدَر الله، ومُحاطٌ بمشيئته، والمكرُ السيئُ لا يرجِعُ إلا على فاعلِه، .. والأمةُ المُسلمةُ تجمعُ بين اتِّخاذ الأسباب والتوكُّل على الله - سبحانه -، ومن وكلَ أمرَه إلى الله وفوَّضَه كفاه ربُّه، وحفِظَه وحماه.

 

وختم الشيخ خطبته بالتشديد على أهمية أمن الحرمين الشريفين فقال: وإن أمنَ هذه البلاد بلاد الحرمين المملكة العربية السعودية، أساسُ أمن الأمة، وهي قلبُها النابِض، والإساءةُ إليها إساءةٌ لأمن الأمة، ولا يزالُ جسدُ الأمة بخيرٍ ما دامَ القلب ينبِض، فخيرُ هذه البلاد عَميم، وأعمالُها الخيّرةُ لا تنقطِع، واستِقرارُها وتحصينُها من مكر الماكرين وكيد الحاقِدين مطلبٌ شرعيٌّ، وواجبٌ دينيٌّ على كل مُسلم. وأبناؤُها العُقلاء يُدرِكون ذلك، ويُسهِمون بوعيِهم في إحباط مُؤامراتِ المُتربِّصين. ومن حاولَ الإضرارَ بأمن هذه البلاد فهو يخدمُ أعداءَ الملَّة والدين، وهي محفوظةٌ بحفظِ الله، قائمةٌ شامِخة.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات