اقتباس
تأمَّلوا -رحمكم الله- في بعضِ المخذُولين ممن يُقابِلُ نعمةَ إدراك رمضان والتوفيق لصيامِه وقيامِه، ثم يرتكِبُ المعاصِي. ألا يخشَى أن يكون ممن بدَّل نعمةَ الله كُفرًا؟! مخذُولٌ من يُحدِّثُ نفسَه إذا خرجَ رمضان عصَى ربَّه، وعادَ إلى ما كان عليه من سُوء العمل.. رغِمَ أنفُ امرئٍ أدركَ رمضان فلم يُغفَر له، أين المُجِدُّ في شهره؟! .. وأين المُستعِدُّ ليوم حشرِه؟! .. وأين المُستدرِكُ لما فاتَ من نفَحَات دهره؟! .. يا تُرى هل تعودُ عليكم أيامُه أو لا تعود؟! ويا تُرى من هو المقبولُ ومن هو المردُود؟!..
مكة المكرمة:
ألقى فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "ليالي العشر وزكاة الفطر"، والتي تحدَّث فيها عن خواتيم شهر رمضان المُبارَك، وهي أيام العشر وليالِيه، وحثَّ فيها على المُبادرة إلى الأعمال الصالحة، واغتِنام كل وقتٍ فيها في الطاعات؛ رجاءَ رحمة الله تعالى، وإدراك ليلة القدر، لما في ذلك من خيرٍ عظيمٍ في الدنيا والآخرة، كما بيَّن أحكام زكاة الفطر، ثم بيَّن أن المُوفَّق هو من يُداومُ على الصالحات بعد شهر رمضان.
واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: أُوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله - رحمكم الله -، اتَّقُوا الله كما أمرَكم؛ يُنجِز لكم ما وعدَكم.
وأضاف الشيخ: ما أسرعَ مُرورَ الأيام وتعاقُبَها، وانقِضاءَ السنين وتلاحُقها! وابنُ آدم يُنذِره يومُه وأمسُه، ويتعاقَبُ عليه بالعِبَر قمرُه وشمسُه!! أين من كان معكم في العام الماضي؟! أصابَتهم سِهام المَنون المواضي.. ها هو الشهرُ الكريم تتصرَّمُ أيامُه، وينحلُّ عِقدُه ونظامُه .. قد آذَن بالارتِحال، ولم يبقَ منه إلا بِضعُ ليال .. وهكذا هي الأيامُ تفنَى، والأعمارُ تُطوَى، ولا يبقَى إلا وجهُ ذي العزَّة والجلال. فاغتنِموا - رحمكم الله - شريفَ هذه الأيام والليالي، وبادِروا بصالِح الأعمال قبل حُلول الآجال.
وقال حفظه الله: شهرُ كريمٌ مُبارَك، ما أطيبَ المُناجاةَ فيه في جوفِ الليل وعند السَّحَر، وما ألذَّ انشِغالَ القلوب فيه في تدبُّر الآيات وترتيل السور، وما أجملَ عِمارةَ المساجِد بالصلوات والتلاوات والذكر والمحامِد، مُنافسةً في المتجَر الرَّبيح، في الصدقات، والاعتِكاف، والتراويح. هل تأمَّلتُم من هو المُوفَّق الذي قام بحقوق هذا الشهر، وأحسن الاجتهادَ فيه، وأخلصَ لله في سِرِّه وعلَنِه؟! كرَّمه ربُّه، فقرَّبَه من بابِه، وشغلَه بذكرِه وتلاوةِ كتابِه.
وقال وفقه الله: وإن من لُطف الله - عز وجل -: أن خصَّ خواتيمَ الشهر بأعمالٍ جليلة، وأجورٍ جَزيلة، من أهمها وأظهرها: ما خصَّها به من عِظَم الرَّجاء في ليلة القدر؛ فمن أجلِّ الأعمال في هذه الليالي: تحرِّي هذه الليلة، لما عُلِم من فضلِها وشرفِها وعظيمِ قدرها ومنزلتها، ولهذا كان نبيُّنا محمدٌ - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم الصالِحون من بعده، يخصُّون هذه الليالي بمزيدٍ من الاجتِهاد، ويُولوُنها ما تستحقُّ من العناية، يرجُون أجرَها، ويتحرَّون فضلَها، "من قامَ ليلةَ القدر إيمانًا واحتِسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبِه".
وأضاف فضيلته: ومما يُعينُ على التوديعِ وحُسن الخِتام: أداءَ صدقة الفِطر؛ فهي واجبةٌ على الكبير والصغير، والذَّكر والأنثى من المُسلمين، يُخرِجها المُسلمُ من غالبِ قُوت البلد؛ تمرًا، أو بُرًّا، أو شعيرًا، أو غيرَها من الحبوب التي يقتاتُها أهلُ البلد، ومقدارُها صاعٌ عن كل مُسلم. ومن كان في بلدٍ وأهلُه في بلدٍ آخر، فإنه يُخرِج فِطرتَهم مع فِطرتِه في البلد الذي هو فيه، وإن وكَّلهم ليُخرِجوها عنه وعنهم أجزأَ ذلك، وإن خرجَ هو عن نفسِه في بلدِه وأخرجوا هم عن أنفسهم في بلدهم جازَ كذلك.
وقال حفظه الله: والتكبيرُ مشروعٌ للرجال والنساء من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد، يجهرُ به الرجالُ في المساجد والأسواق والبيوت، ويخرُج النساءُ لصلاة العيد غير مُتبرِّجاتٍ ولا مُتعطِّرات، يحضُرن الصلاةَ والذكرَ، ويشهَدن الخيرَ ودعوةَ المسلمين.
وقال وفقه الله: ومن علامات التوفيق والقبول: عزمُ النفس على المُداومة على العمل الصالح، واختيارُ الرُّفقة الصالحة ومُجالستهم، رُفقةٌ على الخير يُعينون، وعن الشرِّ يُبعِدون، وإلى الحقِّ يُقرِّبون، رُفقةٌ صالِحةٌ، وجُلساءُ أخيار يدلُّون على الحقِّ، ويُعينون عليه، ويُساعِدون على سُلوك مسالِك الصلاح.. وما قد يجري فيه الحديثُ بين الجُلساء، وسمر الأصدقاء، وتُغذِّيه أدواتُ التواصُل الاجتماعي ومواقعُه وتغريداتُه من أقاويل الإرجاف، والتهويل، وشائِعات التخويف، والتثبيط، وتعظيم كيد الأعداء، ومكر الماكرين. والمُؤمنُ مُطمئنٌّ في دينِه وفي حياتِه، مُطمئنٌّ غايةَ الاطمِئنان؛ لأنه يجمعُ بين الإيمان بالله والتوكُّل عليه والاعتِماد عليه، والأخذ بالأسباب.
وأضاف فضيلته: ها هو رمضان في تقويضِ خِيامه، فيا تُرى من سوف يُدرِكُه في القادم من أعوامِه؟! حقٌّ لهذا الشهر أن يُبكَى له وأن يُبكَى عليه؛ يبكِيه المؤمنُ لأن فيه تُفتحُ أبوابُ الجِنان، ويبكِيه المُقصِّر لأن فيه تُغلقُ أبوابُ النيران.
وختم الشيخ خطبته بالتحذير من مسالك العصاة فقال: تأمَّلوا - رحمكم الله - في بعضِ المخذُولين ممن يُقابِلُ نعمةَ إدراك رمضان والتوفيق لصيامِه وقيامِه، ثم يرتكِبُ المعاصِي. ألا يخشَى أن يكون ممن بدَّل نعمةَ الله كُفرًا؟! مخذُولٌ من يُحدِّثُ نفسَه إذا خرجَ رمضان عصَى ربَّه، وعادَ إلى ما كان عليه من سُوء العمل. رغِمَ أنفُ امرئٍ أدركَ رمضان فلم يُغفَر له، أين المُجِدُّ في شهره؟! .. وأين المُستعِدُّ ليوم حشرِه؟! .. وأين المُستدرِكُ لما فاتَ من نفَحَات دهره؟! .. يا تُرى هل تعودُ عليكم أيامُه أو لا تعود؟! ويا تُرى من هو المقبولُ ومن هو المردُود؟!
المدينة المنورة:
ألقى فضيلة الشيخ عبد البارئ بن عواض الثبيتي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "العشر الأواخر وعيد الفطر"، والتي تحدَّث فيها عن العشر الأواخر من شهر رمضان، وما خصَّنا الله فيها من الخيرات والبركات والأعمال الصالحات، وحضَّ على اغتنامها والعمل فيها ابتغاءَ وجه الله تعالى، طلبًا لمرضاته، وخوفًا من عقابِه، كما بيَّن آداب وأحكام عيد الفطر في سطورٍ.
واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: أُوصِيكم ونفسي بتقوى الله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
وأضاف الشيخ: موسِمُ المواسِم، وكنزُ الفضائل، وموئِلُ الغنائم: هذه العشرُ المُبارَكة التي نزلَت بنا، نفحَاتٌ تُلامِسُ النفوسَ الزكيَّة، وذُنوبٌ تتحاتَّ من الأجساد الخاضِعة الذليلة، دعواتٌ تصعَد، ورحماتٌ تنزِل، وجِنانٌ تتهيَّأُ للصالِحين. في هذه العشر سِباقٌ إلى رِضوان الله، وتسابُقٌ في ميادين الطاعة، والعُقلاءُ يعلَمون أن الأعمارَ قصيرة، والآجالُ غير معلُومة.
وقال حفظه الله: ومن سبقَ في الدنيا إلى الخيرات فهو السابِقُ في الآخرة إلى الجنَّات، ومن قصَّر في أول رمضان وأحسنَ في آخره، خيرٌ ممن أحسنَ في أوله وقصَّر في آخره؛ والعشرُ الأواخرُ من رمضان أفضلُ من العشرين مُجتمِعة؛ كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجتهِدُ في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهِدُ في غيرها، ويعتكِفُ فيها ويتحرَّى ليلةَ القدر.
وقال وفقه الله: قالت عائشةُ - رضي الله عنها -: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخلَ العشر شدَّ مِئزَرَه، وأحيَا ليلَه، وأيقظَ أهلَه"، ثلاثٌ جُمل قصيرة تُبيِّن الهديَ النبويَّ في هذه العشر أجملَ بيان؛ فمع مهامِّ نبيِّنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - ومسؤوليَّاته لأمه، وواجبات دينه، وحقوق أُسرته، له شأنٌ آخر في هذه العشر، فهو في قيامٍ وقعُود، وصلاةٍ وسُجود، وذِكرٍ وتسبيح، يفعلُ هذا وقد غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه وما تأخَّر. كان - صلى الله عليه وسلم - يُوقِظُ أهلَه، وهذه لفتةٌ تربويَّةٌ تقتضِي اهتِمامَ الآباء بشحذِ هِمَم أولادهم، وشحنِ عزائِم أُسرهم، فكما نحرِصُ على دُنياهم فالحِرصُ على أُخراهم أوجَبُ وأولَى.
وقال وفقه الله: وإن من الحِرمان والغفلَة: أن ينصرِف البعضُ عن أعظم مواسِم الخير والعبادة بالأسواق، واللهو، والنوم، وهذا من تلاعُب الشيطان وإغوائِه، قال الله تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا) [الإسراء: 65].
وأضاف فضيلته: في العشر الأواخر تحلُو المُناجاةُ الخفيَّةُ لله بعيدًا عن الأنظار والأسماع، في المُناجاة يُخلِصُ القلبُ لله مُتخلِّيًا عن كل ما سِواه، مُتحلِّيًا بذُلِّ العبوديَّة لله، مع الإلحاح في طلب العفو والمغفرة من العفوِّ الغفور، وبالطمع والرجاء في طلب الرحمة من الرحمن الرحيم. في المُناجاة يكونُ الحمدُ والثناءُ والشُّكرُ والدعاءُ والتقديسُ والإجلالُ لله.
وأضاف فضيلته: ولا يخفَى - عباد الله - أن أساسَ قبول الأعمال صلاحُ النيَّات، وإن العمل على تصحيح النيَّة وتنقيَتها من الشوائِب، خاصَّةً في هذه العشر، أمرٌ عظيمٌ، وله أثرٌ كبيرٌ، يرتقِي بالعمل مراتِب عُليا. النيَّةُ تقتضِي أن يكون فعلُ العبد وعملُه وصدقتُه وصلاتُه وقراءتُه خالصةً لوجه الله، من غير طلب مغنَمٍ أو جاهٍ أو سُمعةٍ أو غير ذلك من الأحوال الدنيويَّة، ولا يبقَى الله من العمل إلا ما كان خالصًا له وحدَه لا شريك له؛ قال الله تعالى: (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) [الزمر: 3].
وقال حفظه الله: بعد أيامٍ قلائِل تحتفِلُ الأمةُ بنعمةِ إتمام شهر رمضان، وتفرحُ بالعيد، الذي يُشرعُ فيه التكبيرُ من غروب شمس ليلةِ العيد إلى صلاة العيد. كان ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - يقول: "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد"، يُسنُّ جهرُ الرجال به في المساجد والأسواق والبيوت، إعلانًا بتعظيم الله وإظهارًا لعبادتِه وشُكره.
وقال وفقه الله: شرعَ الله لنا - عباد الله - زكاةَ الفطر، وهي طُهرةٌ للصائِم من اللغو والرَّفَث، وطُعمةٌ للمساكين، وتكونُ صاعًا من شَعيرٍ أو تمرٍ أو زَبيبٍ أو أرزٍ ونحوه من الطعام، عن الصغير والكبير، والذَّكر والأُنثى، والحرِّ والعبد من المُسلمين. والأفضلُ إخراجُها قبل صلاةِ العيد، ويجوزُ إخراجُها قبل صلاة العيد بيومٍ أو يومين.
وأضاف فضيلته: يُستحبُّ الاغتسالُ والتطيُّبُ للرجال قبل الخروج للصلاة؛ صحَّ عن سعيد بن جُبيرٍ - رضي الله عنه - أنه قال: "سُنَّةُ العيد ثلاث: المشيُ، والاغتِسال، والأكلُ قبل الخروج"، وكذا التجمُّل بأحسن الملابِس، وكان للنبي - صلى الله عليه وسلم - جُبَّةٌ يلبسُها في العيدين ويوم الجُمعة.
وقال وفقه الله: أما النساء فيبتعِدن عن الزِّينة إذا خرجنَ؛ لأنهنَّ منهيَّاتٌ عن إظهار الزِّينة للرِّجال الأجانِب، وكذا يحرُمُ على من أرادَت الخروجَ أن تمسَّ الطِّيبَ أو تتعرَّض للرِّجال بالفتنة. وكذا أكلُ تمراتٍ وِترًا قبل الذهابِ للمُصلَّى، وكان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لا يغدُو يوم الفِطر حتى يأكُل تمرات.
وختم الشيخ خطبته بالتنبيه على استحباب التهنئة بالعيد فقال: كما يُستحبُّ التهنئةُ بالعيد؛ لثبُوت ذلك عن الصحابة - رضي الله عنهم -، كقولك: "تقبَّل الله منا ومنكم"، وما أشبَه ذلك من عبارات التهنئة المُباحَة.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم