مختصر خطبتي الحرمين 18 شعبان 1436هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

ولدُك لك، ما تألَّفتَه وصاحبتَه ولايَنتَه، وبالحبِّ غمَرتَه، وبالعطاءِ وصَلتَه، وبالشَّفَقَة نصَحتَه، وهو لعدُوِّك ما صغَّرتَه وحقَّرتَه وأهَنتَه وأبعَدتَه. فكُن لحديثِه مُستمِعًا، ولكلامِه مُنصِتًا، وعلِّمه إذا أتاك مُستفهِمًا، وقابِله حين يقصِدُك مُستعلِمًا، وأفِض عليه من تجاربِك حين يأتيكَ مُستلهِمًا. ولا تكُن ممن إذا سُئِل طاشا، وصدَّرَ الإبلِ عِطاشا .. ولا تكُن كالرِّيح العاصِفة، والزَّلزلَة الراجِفة، تتحطَّم غضبًا، وتتوقَّدُ لهبًا، وكلمةُ الحبِّ أصفَى، وحديثُ الحكمة أشفَى، وحوارُ العقل أوفَى...

 

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "داعش بين الإفساد وخدمة مصالح الأعداء"، والتي تحدَّث فيها عن هذه الجماعة التي اشتُهرت باسم داعش، مُنبِّهًا على ما تكتنِفُها من شُبُهاتٍ، وما نشؤوا عليه من غلُوٍّ وتطرُّفٍ، مُحذِّرًا من سُلوك هذا السبيل؛ لمخالفته للمنهج الصحيح، ومُندِّدًا بما حدثَ في المنطقة الشرقية في الأيام السابِقة من اعتِداءاتٍ على المُصلِّين، وما فيه من سفكٍ للدماء المعصُومة.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: إن خيرَ الوصايا: الوصيةُ بتقوى الله تعالى؛ فاتَّقوا الله وأصلِحوا العمل، فمن اتَّقى الله كفاه، ومن اتَّقى الناسَ فلن يُغنُوا عنه من الله شيئًا.

 

وأضاف الشيخ: لما بزغَ نورُ الإسلام، ووردَت هداياتُه على نفوس أتباعه، أُشرِبَت قلوبُهم محبَّتَه، وتعلَّقَت أفئِدتُهم بخدمته. فتعلَّموه وعلَّموه، وامتثَلُوه ونصرُوه، وبذلُوا لأجلِه مُهجَهم وأرواحَهم، وهجَروا في سبيلِه الأوطانَ، ساحُوا به وله في أرضِ الله. فكانت التضحياتُ والفِداءُ سِمةً بارِزةً في الجيل الأول من عصر الإسلام، وكذلك كانت في أتباعِهم بعد ذلك. وكان الجهادُ الذي يحمِلُ رجالُه هذه المعاني هو السَّيلُ الذي لا يُوقِفُه سدٌّ، والنازِلةُ التي لا تنتهِي عند حدٍّ.

 

وقال حفظه الله: وكان جِهادُهم هدايةً ورحمةً وعدلاً، وطبَّقوا شريعةَ الإسلام بعبادة الله حقًّا، وبتحقيق المصالِح وتكثيرِها، ودرءِ المفاسِد وتقليلِها، وحفظِ الضرورات للإنسان؛ بحماية دينِه، ونفسِه، وعِرضِه، وعقلِه، ومالِه. وهذه أصولٌ ومُسلَّماتٌ لا مِراءَ فيها.

 

وقال وفقه الله: ولما كان الجهادُ والفِداءُ هو عزُّ الأمة وذُلُّ أعدائِها، ولما أعجزَت الأعداءُ الحيلةَ في مواجهته من الخارِج، لم يكُن بُدٌّ من التسلُّل إليه في الداخل. فاندسَّ في مراحِل من التاريخ بين صُفوف المُسلمين جماعاتٌ من أعدائِه، فاستطاعُوا حرفَ بعض مساراته، والتأثيرَ على مآلاتِه.

 

وأضاف فضيلته: ولما كان التسلُّل بين مجموعاتٍ قامَت في أصلِها لنُصرة الدين، لُعبةً أتقنَها الأعداءُ ونجَحُوا، فقد انتقَلُوا للُعبةٍ أكبر، ومشروعٍ أخطَر، وهو: إقامةُ كِيانٍ أُسِّس في أصلِه لاستِئصال شأفَة المُسلمين، وهدم ما تبقَّى من دُولهم، ولمُواجهة كل مُحاولةٍ لتحرُّر المُضامِين ممن ضامَهم، ولاستِقطابِ مُحبِّي نُصرة الدين، وحرقِهم في معارِك عبَثِيَّة.

 

وأضاف الشيخ: إن عصابات "داعش"، التي نشأَت في الشام وفي العراق، قادتُها ومُؤسِّسُوها مجاهِيل، ومن عُرِف منهم باسمِه، فإنه لا يُعرفُ بسابِقةٍ في الإسلام، والشُّكوكُ والشُّبُهات قائمةٌ حول أدوارِهم وعمالاتهم. وإن شاؤُوا عصابات "داعش" هي النُّقلة الكُبرى لأعداء المُسلمين وأعداء العرب، من التسلُّل للجماعات المُسلمة، إلى إنشاء كِيانٍ خالصٍ مُستقلٍّ، مصنوعٍ على أعينهم، لعِبَت في إنشائِه مُخابراتٌ إقليميَّةٌ وعالميَّة، وتكوَّنَت مجاميعُه من ثلاثة أصناف: القادةُ والمُحرِّكون، وهم أعداءُ خالِصون. والثاني: خوارِجُ مارِقون مُغفَّلون. والثالث - وهم الوقود -: مُستغفَلون انتهَضُوا لنُصرة الدين، سُفهاءُ الأحلام، حُدثاءُ الأسنان، خالُون من العلم الشرعيِّ والإدراك السياسيِّ.

 

وبين الشيخ أن: من مكائِد "داعش" المكشُوفة والمُتكرِّرة: استِقطابُ الصادقين المُتحمِّسين من شباب المُسلمين في كل مكان؛ ليكُونوا هم مِحراثَ النار، الذي يُحرِّكون بهم جمرَهم الذي أوقَدُوه، ثم إذا كثُر عددُهم تخلَّصُوا من بعضهم، بإقحامِهم في معارِك يائِسة لا غايةَ عُليا تستحِقُّ تلك التضحيات، كما فعلُوا في معركة "عين العرب - كوباني".

 

وقال حفظه الله: إنه لا مصلحةَ للإسلام ولا للمُسلمين، أفرادًا ودُولاً من الإساءة أو الاعتِداء على أيَّة طائفةٍ أخرى، ولم تأمُر به شريعةُ الإسلام، وإنه في اعتِقاد المُسلمين أن مُجرَّد اختلافِ الدين - فضلاً عن المذهب والمنهج - لا يُبيحُ الاعتِداء أو الإساءة، ولقد ساكنَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - اليهودَ في المدينة، وجاورَهم حتى مات.

 

وأضاف سماحته: وما الأفعالُ الإجراميَّةُ التي حدثَت في شرق المملكة في الأسبوعين الماضِيَين، وذهبَ فيها ضحايا، إلا واحدةٌ من سلسلة اعتِداءاتٍ حدثَت في بلادِنا، نتيجتُها الوحيدةُ مُحاولةُ الإخلال بأمن هذه البلاد، ورغبةُ إلحاقِها برَكبِ الدُّول المُضطربةِ حولَنا؛ لتزهَقَ الأنفسُ بمئاتِ الأُلوف، ويكون التهجيرُ بالملايِين.

 

وقال وفقه الله: أيُّ جهادٍ في تفجير النفسِ في جمعٍ من المُصلِّين، داخل مسجدٍ وهم يُصلُّون الجُمعة، وقد وردَ النهيُ عن قتلِ الرّهبان في الكنائِس. فكيف بقتلِ المُصلِّين في المساجِد؟! وبيوتُ الله –تعالى- محلُّ الأمن لا الخوف. وفي "فتح مكة" قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ومن دخلَ المسجِد فهو آمِن" (رواه أبو داود).

 

وحذر فضيلته من المستغلين فقال: وقد استغلَّ أقوامٌ مثلَ هذه الأحداث، ليجلِدوا ذواتِهم، ويتَّهِموا أقوامَهم، ويُدينُوا مناهِج التعليم! ونقولُ لأولئك: إن بلادَنا كما خرجَ فيها من تطرَّف وتشدَّد، فقد خرجَ فيها من انحرفَ فِكريًّا، وتمرَّد على بعضِ أحكام الدين. فهل كان أولئك أيضًا نَتاجُ مناهِجنا وخِطابِنا الدينيِّ؟! ولماذا أُهدِرَت الغالبيةُ العُظمى من مُواطِنينا، الذين يعيشُون وسطيَّةً في الدين، وسُلوكَ سبيل المُؤمنين، ويرفُضُون الغُلُوَّ والجفاء؟!

 

وأضاف الشيخ: إن على المُسلمين عامَّةً أن يُدرِكوا أبعادَ المُؤامرة على بلادهم، وخاصَّةً المملكة بلاد الحرمين، وحاضِنة السنَّة، وداعيةَ السلام. فإن المملكة العربية السعودية بثُقلها وتأثيرِها مُستهدَفةٌ من أي تنظيمٍ مُستغَلٌّ، يُمارِسُ العُنفَ والتطرُّف، أو من أي دولةٍ تتَّسِمُ بالعُدوانيَّة والثوريَّة، وتصدير الطائفيَّة والإرهاب، أو من دُول التسلُّط.

 

وأضاف فضيلته إن: من أعظم نِعَم الله علينا في هذه البلاد: نعمةُ الأمن، واجتماعُ الكلمة، والتفريطُ في المُحافظة عليها خطرٌ يُهدِّد الجميعَ بلا استِثناء. وحدتُنا في هذه البلاد لم تقُم على أساسٍ طائفيٍّ، ولا على إقليمٍ جُغرافيٍّ؛ بل قامَت على العقيدة والشريعة، والمُحافظةُ عليهما سبيلُ ديمُومة هذه الوحدة وتماسُكها. ومن يُعرِّضُ وحدةَ صفِّنا، واجتماع كلمتِنا للخطَر أيًّا كان مذهبُه فهو عدوٌّ للأمة يجبُ الأخذ على يدَيه، والوقوفُ ضدَّه بحزمٍ وحسمٍ.

 

وختم الشيخ خطبته بالتحذير من استغلا المصائب للنيل من دين الأمة والتشكيك في مناهجها فقال: ومن الفُجور في الخُصومة: أن يستغِلَّ أهلُ الأهواء الحدثَ للنَّيل من عقيدة الأمة وثوابتِها، ومناهِجها، ونظامِها الأساس للحُكم. لا بُدَّ من العدل والإنصاف والوسطيَّة لدى العلماء والدعاة، وأرباب الأقلام والإعلام، والمُفكِّرين عند تقييم الأحداث، والخروجُ عن سُنَّة الوسط في الخِطاب مدحًا أو ذمًّا، مُخالفةً أو تأييدًا، يدفعُ أطرافًا نحو الغُلُوِّ، (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء: 36].

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "ولتستبين سبيلُ المُجرمين"، والتي تحدَّث فيها عن منهج الحقِّ منهج السلَف الصالِح، والذي يبرأ من التفجير والقتل والخروج عن الجماعة، وأوصى الآباء برعاية أبنائهم، وبيّن أسباب زوال النعم عن البلاد والعباد.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: أيها المسلمون: فازَ من يتَّبِعُ ويتَّقي، ومن الكتاب والسنَّة يستَقِي، (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأنعام: 155].

 

وأضاف الشيخ: اذكُروا نعمةَ الله عليكم إذ كنتُم في تفرُّقٍ وشَتات، وضغائِن وعداوات، وحروبٍ وغارات. فهداكم بعد ميلَة، وأغنَاكم بعد عَيلة، وجمعَكم في دولة، هي المملكة العربية السعودية، وطنُ الإسلام ودوحةُ السلام، ووطنٌ وحَّد الآباءُ والأسلافُ، بعد التفرُّق والتمزُّق والاختلاف، وحياة الخوف والجُوع والجَفاف، والسِّنين المُضنِيَة العِجاف.

 

لن يسمَح وُلاتُه وبُناتُه، وأبناؤُه وبناتُه، وجُنودُه وحُماتُه لخائنٍ عِبِّيث، ومارِقٍ خبيث أن يجعلَه ساحةً للثَّارات العمياء، والصِّراعات الهَوجاء، ومسرحًا لعبَثِ الغَوغَاء والسُّفهَاء، ولن يُسمَح لمارِقٍ مُفارِقٍ اعتقَدَ باطِلاً ونُكرًا، وتبنَّى منهجًا فاسِدًا وفِكرًا، وخطَّط شرًّا ومكرًا، أن يهدِم البناءَ المعمُور، أو يُنجِّس الماءَ الطَّهور، أو ينشُر الفوضَى والشُّرور.

 

وقال حفظه الله: يا من يسيرُ في فلاةٍ غَطشاء، بعينٍ عمشاء .. يا من يقطعُ أرضًا يَهماء، بلا زادٍ ولا ماء .. أقصِر وأبصِر، وانظُر واعتبِر. فكم من نفسٍ نديَّة، ورُوحٍ زكيَّة، وقعَت بحُسن نيَّة أسيرةً لتنظيماتٍ سريَّة، وجماعاتٍ إرهابيَّة، وعاشَت معهَا في بليَّة، ثم صارَت لها ضحيَّة!! يا من سلَكتَ منهجَ الزَّلَق، وتبِعتَ الأحزابَ والفِرَق، وهي أخربُ من جوفِ حِمارٍ خَلَق، اعتِزِل تلك الفِرَق، اعتِزِل تلك الفِرَق، اعتِزِل تلك الفِرَق التي صمَّت عن الحق أسماعَها، وأضاعَت أتباعَها، وأهلكَت أشياعَها، وقرَّرَت الانفِصال، وباشَرَت الاعتِزال، وسكَنَت رُؤوسَ الجبال، وواصَلَت الخروجَ والقِتال سِنين طِوال. فماذا أثمرَت، وماذا حقَّقت؟!

 

وقال وفقه الله: يا من يرجُو لنفسِه النجاة .. احذَر فريقَهم، وجانِب طريقَهم، ولا تكُن يومًا رفيقَهم، ولا تستفتِ فقيهَهم، فلا للفقهِ عرفوا، ولا من العلم اغترَفُوا، ولكن ضلُّوا وزاغُوا وانحرَفُوا. وما هذه التفجيراتُ الأخيرةُ إلا مُحاولةً يائِسةً لجرِّ بلادِنا إلى فتنةٍ طائفيَّة، وحربٍ أهليَّةٍ وفوضًى أمنيَّة. ولكن هيهات هيهات! فشعبُ المملكة العربية السعودية على وعيٍ بأهدافِ هذه المُؤامرة الدَّنيئة، التي ستتحطَّمُ خُططُها وأهدافُها بحولِ الله وقوَّته أمام تلاحُم شعبِنا، وعزمِ وُلاتِنا، ونُصحِ علمائِنا، وقوَّةِ أمنِنا، وصحوَة جُندِنا.

 

وأوصى الشيخ الآباء وصية بالغة فقال: أيها الآباء والأولياء! خُذوا العبرةَ والعِظَة، وكُونوا الرُّعاةَ الحفَظَة، وأديمُوا الحذَرَ واليقَظَة، وحاذِرُوا المُتسلِّل الخطَّاف، الذي حامَ حولَ بيوتِكم وطافَ. حاذِروا الخدَّاع المكَّار الذي يصنعُ الأوكار، ويُسمِّمُ الأفكار، ويُغرِّرُ بالصِّغار، ويخطَفُ الأغرار. ومتى أيفعَ الغُلام، وشارَفَ الاحتِلام، وجبَ إعطاؤُه مزيدًا من الرعاية والاهتِمام. وولدُك لك، ما تألَّفتَه وصاحبتَه ولايَنتَه، وبالحبِّ غمَرتَه، وبالعطاءِ وصَلتَه، وبالشَّفَقَة نصَحتَه، وهو لعدُوِّك ما صغَّرتَه وحقَّرتَه وأهَنتَه وأبعَدتَه. فكُن لحديثِه مُستمِعًا، ولكلامِه مُنصِتًا، وعلِّمه إذا أتاك مُستفهِمًا، وقابِله حين يقصِدُك مُستعلِمًا، وأفِض عليه من تجاربِك حين يأتيكَ مُستلهِمًا. ولا تكُن ممن إذا سُئِل طاشا، وصدَّرَ الإبلِ عِطاشا .. ولا تكُن كالرِّيح العاصِفة، والزَّلزلَة الراجِفة، تتحطَّم غضبًا، وتتوقَّدُ لهبًا، وكلمةُ الحبِّ أصفَى، وحديثُ الحكمة أشفَى، وحوارُ العقل أوفَى.

 

وختم الشيخ خطبته بالحث على الحفاظ على النعم وشكرها، فقال: ما أدبرَت نعمةٌ بعدما أقبلَت، ولا رُفِعَت منَّةٌ بعدما نزلَت، ولا سُلِبَت كرامةٌ بعدما مُنِحَت، إلا لكونها عطايا ما شُكِرت، أو بسبب خطايا فُعِلَت. والنِّعمُ إذا شُكِرَت قرَّت، وإذا كُفِرَت فرَّت.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات