مختصر خطبتي الحرمين 28 جمادى الآخرة 1436هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

إن "عاصفة الحزم" قرارٌ تأريخيٌّ، جاء في وقتِه وحينِه، بل إنه ضرورةٌ شرعيَّة، ومصلحةٌ وطنيَّة، وحاجةٌ إقليميَّة، وموقِفٌ شُجاع، ورمزٌ وحدةٍ وتكاتُفٍ وعزَّةٍ وإخاء، وتحالُفٍ وشُموخٍ وإباء، ونُصرةٍ وتعاوُنٍ ووفاء، وحزمٍ أتى بعد أن استنفَدَ الحليمُ جميعَ أغراضِه وطُرقِه السِّلميَّة. والحزمُ في موضعِه عينُ الحكمة والصواب، غيرَ أن من الأهمية بمكانٍ تأصيلَ هذه القضية بالرؤية الشرعيَّة، التي تُبيِّنُ الأُسس والمُنطلَقات التي ترتكِزُ عليها، من النصوص والقواعِد والمقاصِد الشرعيَّة، لقد جاء هذا القرارُ الشُّجاعُ العظيمُ درءًا للمفاسِد الكُبرى، وتحقيقًا للمصالِح العُليا، ودفعًا للباغِي الغادِر الصائِل، ورفعًا للضرَر والعُدوان الحاصِل؛ مُراعِيًا مقاصِد الشريعَة في حفظِ الضرورات الخمس: الدين، والنفس، والعقل، والمالِ والعِرض. وتحقيقِ الأمنِ والاستِقرار....

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "التأصيل الشرعي لأحداث اليمَن"، والتي تحدَّث فيها عن التأصيل الشرعيِّ لما يقعُ في اليمَن الشقيقِ من أحداثٍ، والثناء على مواقف قادة التحالُف ضدَّ الأعداء، كما وجَّه النصائِح والإرشادات للحُكَّام والمحكومين، والعلماء، ورجال الإعلام، وشباب الأمة بضرورة فهم ما يُرادُ لهم وما يُكادُ لأمَّتهم، ووجوب إعداد العُدَّة لمُلاقاة الأعداء والمُخرِّبين،كلٌّ في مكانِه وفيما يُحسِنُه.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: أُوصِيكم بتقوَى الله -جل جلالُه - فقد عزَّ من اتَّقاه، وذلَّ من خالفَه وعصَاه.

 

وأضاف الشيخ: في ظلِّ الأحداثِ الراهِنة التي رفعَت فيها الفتنةُ في اليمَن الشقيقِ؛ ظُلمٌ تراكَمَت مظالِمُه وظُلَمُه، واتَّصَلَت غمائِمُه وغُمَمُه، وعانَى منه أشِقَّاؤُنا في اليمَن العزيز علينا أشدَّ المُعاناة، بين قتلٍ وترهيبٍ، واعتِداءٍ أثيمٍ وتخريبٍ، أدَّى إلى الهِجرة والتغريب. فالأعراضُ بينهم منهُوكة، والأستارُ مهتُوكة، والدماءُ مسفُوكة، والأموالُ مُجتاحَة، والديارُ مُستباحَة، ومعالِمُ الحقِّ قد دُرِسَت، وألسِنَةُ العدلِ قد خُرِسَت، ورياحُ القتل والنَّهبِ هبَّت فلا ترقُد، وأشخاصُ الظُّلم والإثمِ مثُلَت فلا تقعُد. جعَلُوا يُغيرُون ويُبِيرُون، ويُثيرُون من الفتن ما يُثيرُون، لا عن الدماء كفُّوا، ولا عن الأعراضِ عفُّوا.

 

وقال حفظه الله: ولم تكُن بلادُ الحرمين الشريفين - حرسَها الله -، والعهدُ بها كذلك - بمعزِلٍ عن هذا كلِّه، بل كانت تُسدِّد وتُقارِب، وتُحاولُ جهدَها رأبَ الصدع، وجبرَ الكسر، ولمَّ الشمل، من خلا الحلول السِّلمية، والمساعِي الحوارية، لعلَّ هؤلاء القوم يرتدِعُون، وعن ظُلمهم وعُدوانهم يكفُّون.

 

وقال وفقه الله: إن "عاصفة الحزم" قرارٌ تأريخيٌّ، جاء في وقتِه وحينِه، بل إنه ضرورةٌ شرعيَّة، ومصلحةٌ وطنيَّة، وحاجةٌ إقليميَّة، وموقِفٌ شُجاع، ورمزٌ وحدةٍ وتكاتُفٍ وعزَّةٍ وإخاء، وتحالُفٍ وشُموخٍ وإباء، ونُصرةٍ وتعاوُنٍ ووفاء، وحزمٍ أتى بعد أن استنفَدَ الحليمُ جميعَ أغراضِه وطُرقِه السِّلميَّة. والحزمُ في موضعِه عينُ الحكمة والصواب.

 

وبيّن فضيلته: أن من الأهمية بمكانٍ تأصيلَ هذه القضية بالرؤية الشرعيَّة، التي تُبيِّنُ الأُسس والمُنطلَقات التي ترتكِزُ عليها، من النصوص والقواعِد والمقاصِد الشرعيَّة:

لقد جاء هذا القرارُ الشُّجاعُ العظيمُ درءًا للمفاسِد الكُبرى، وتحقيقًا للمصالِح العُليا، ودفعًا للباغِي الغادِر الصائِل، ورفعًا للضرَر والعُدوان الحاصِل؛ مُراعِيًا مقاصِد الشريعَة في حفظِ الضرورات الخمس: الدين، والنفس، والعقل، والمالِ والعِرض. وتحقيقِ الأمنِ والاستِقرار.

 

جاء لنُصرةِ جارٍ مضُوم، وشعبٍ مكلُوم، وشرعيَّةٍ مسلُوبة، ومُقدَّراتٍ منهُوبة، وردعٍ للانقلابيِّين الإرهابيِّين،وصدٍّ للظالِمين المُعتَدين، المدعُومين من أجندَاتٍ خارِجيَّة، وأطماعٍ عُدوانيَّةٍ في المنطِقة بأسْرِها.

 

وقال وفقه الله: لقد بادَرت المملكةُ المحروسةُ مُبادرةً تأريخية، سيكتُبُها التأريخُ بمِدادٍ من ذهب؛ لنُصرة المظلُوم والأخذ على يدِ الظالِم حتى يكُفَّ عن ظُلمه ويرتدِع، ولقد كان من أهمِّ مُنطلَقَاتِ هذا القرارِ الحكيم المُوفَّق: مدُّ يدِ العون والغوثِ لإخواننا في يمَن الإيمان والحِكمة، الذين طلبُوا العونَ والمُساعَدَة من إخوانهم وأشقَّائِهم، وتحقيقًا لواجِبِ الأُخُوَّة والنُّصرة، (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) [الأنفال: 72].

 

وأكد الشيخ أن: من ثوابِتِ بلاد الحرمين المحروسة: أنها لا تدعُو إلى الحرب والاعتِداء، ولا تنطلِقُ من طائفيَّةٍ وأهواء؛ بل تقِفُ مواقِفَ الحكمة والحلمِ، وتسعَى إلى تعزيزِ الأمنِ والسِّلمِ الدوليَّيْن، وحينما يأتي دورُ العَزْم والحَزْم والجَزْم والحَسْم، فغنها تُبادِرُ لإغاثة الملهُوفين، ورفع الظُّلم عن المظلُومين، وردِّ البُغاة الظالِمين المُعتَدين، مما يُوجِبُ على الجميع دعمُها، ومُؤازرَتُها وتأييدُها.

 

وأضاف الشيخ: إن من بشائرِ النصر - بحمدِ الله -: ما تحقَّق من وحدة الصفِّ والقوةِ في الحقِّ، والتحالُف والتوافُق. فالحمدُ لله أن جمعَ لنا العقيدةَ والتوحيد، والحرمين والسنَّة، والأمنَ والمنَعَة. وواجِبُنا جميعًا في مواقِف الفتن والنوازِل، ووسط هذه العواصِف القواصِف، أن نزرعَ الثقةَ في أنفُسنا تجاهَ مواقِف وُلاة أمرِنا وعلمائِنا، وأن يكون الجميعُ يدًا واحدةً وفي خندقٍ واحدٍ، لخدمةِ الدين ثم الوطن والأُخُوَّة الإسلامية في كل مكانٍ؛ لنُفوِّتَ الفرصةَ على العدوِّ الذي يتربَّصُ بنا الدوائِر.

 

وأوصى الشيخ في ختام خطبته بالاعتصام والوحدة والحذر من الشائعات، فقال: اللهَ اللهَ في الاتحاد واجتِماع الكلمة، ووحدة الصفِّ، وتفويتِ الفُرصة على الأعداء المُتربِّصين، والانقلابيِّين الإرهابيِّين. التفُّوا حولَ قادتِكم وعلمائِكم، وأعِدُّوا العُدَّة للذَّود عن عقيدتِكم وأوطانِكم، واحذَروا الأراجِيفَ والشائِعات؛ فغنها بلايا تجتذِبُ المنيَّات، ويا رِجال الإعلام: اللهَ اللهَ في صدقِ الكلمة، وتحرِّي الحقيقة؛ فالحاجةُ ماسَّةٌ مع كثرةِ الإعلام المأجُور إلى وضعِ ميثاقِ شرفٍ عالميٍّ، يُضبَطُ فيه مسارُ الإعلام الجديد، لمُواجَهة الشائِعات المُغرِضات، ودحضِ الأكاذِيب والافتِراءات. والأمةُ جميعًا مُطالبةٌ بالعودة إلى الله والتوبة إليه، ونُصرة دينِه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7].

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "من فضائل الجهاد في سبيل الله"، والتي تحدَّث فيها عن بعض فضائل الجهاد في سبيل الله، وهي: حفظُ الدين، والذَّود عن بلاد المُسلمين ومُقدَّراتهم، وحماية أعراضِهم وأموالِهم، كما نبَّه على إخلاص النيَّة في الدخول في الجهادِ ضدَّ أعداء الله تعالى.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوثقَى.

 

وأضاف الشيخ: لا قِوامَ للحياة الطيبةِ إلا بعبادة الله وحدَه واتِّباع سُنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، وتوحيدُ الله أساسُ الأمن في المُجتمعات؛ والإيمانُ هو الجالِبُ للأمنِ، وكلاهما ضرورةٌ في كل شأنٍ، فبِهما تزدهِرُ الحياةُ، وتُغدَقُ الأرزاقُ، وتتوثَّقُ الروابِطُ بين أفرادِ المُجتمع، وتجتمعُ الكلمةُ، ويأنَسُ الجميع، وتُقامُ الشريعةُ بطُمأنينةٍ، وتُتلقَّى العُلوم من منابِعِها الصافِية، ويتحقَّقُ العزُّ والتمكين.

 

وقال حفظه الله: وإذا فُقِد التوحيدُ حلَّ الخوفُ بدلَ الأمن، فتختلُّ المعايِشُ، وتُفارَقُ الأوطانُ، وتتفرَّقُ الأُسَر، وتتبدَّلُ طِباعُ الخلق، ويذوقُ أهلُها لباسَ الفقر والجُوع. ولن تجِد مُجتمعًا ناهِضًا وحبالُ الخوف تهُزُّ كيانَه. ومن حفِظ حدودَ الله، فامتثَلَ أوامِرَه، واجتنَبَ نواهِيَه؛ حفِظَ الله له دُنياه في بدنِه وولدِه وأهلِه ومالِه، وحفِظَ له دينَه من الشُّبُهات المُضِلَّة، ومن الشهواتِ المُحرَّمة.

 

قال حفظه الله: وصلاحُ الأرض بالعبادة، وأعظمُ فسادٍ فيها: الشركُ بالله وظُلم العباد؛ كقتل النفس المُحرَّمة بغير حقٍّ، واستِباحة الأعراض، وترويع الآمِنين، ونكثِ العهود والمواثِيق. وقد نفَى الله الفلاحَ والسيادةَ عن الظالِمين، فقال: (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [الأنعام: 21]. وسُنَّةُ الله في الأولين والآخرين هلاكُ الظالمين.

 

وأضاف فضيلته: وقد أمرَ الله بزجرِ الظالِمين وردعِهم عن طُغيانهم، وكفِّ بلائِهم وشرِّهم عمَّن تحتَهم؛ وأمرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المؤمنين بنُصرة المظلُومين، وهذا من حقِّ الأُخُوَّة في الدين؛ وإغاثةُ المظلُومين من شِيَم الرجال ومن أفعال العُظماء. وبذلك عُرِف نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - قبل بِعثته؛ قالت خديجةُ - رضي الله عنها - له: "فوالله لا يُخزِيك الله أبدًا، إنك لتصِلُ الرَّحِمَ، وتصدُقُ الحديثَ، وتحمِلُ الكلَّ وتقرِي الضَّيفَ، وتُعينُ على نوائِبِ الحقِّ"؛ متفق عليه.

 

وقال وفقه الله: وقد تحالَفَت بُطونُ قريشٍ زمنَ الجاهليَّة في حِلفِ الفضول، وتعاهَدُوا بالله ليكونُنَّ يدًا واحدةً مع المظلُوم على الظالِم حتى يُؤدَّى إليه حقُّه. قال ابن كثيرٍ - رحمه الله -: "وكان أكرمَ حِلفٍ سُمِع به وأشرفَه في العرب".  وبمثلِه يندفعُ الباطلُ ويقِلُّ الفسادُ في الأرض، وبفضلِ الله وعزَّته استجابَ قادةُ هذه البلاد لغَوث المظلُومين ي اليمَن، فعصَفَت رياحُ الحَزم والقوة على أهل الظُّلم والجَور، وتكاتَفَت الرعيَّةُ مع إمامها، فلاحَ النصرُ واستبشَرَ المظلُوم والعُقلاء.

 

وقال حفظه الله: وتمامُ النصر وكمالُه وجمالُه بالفزَع إلى الله وحدَه. قال ابن القيِّم - رحمه الله -: "ما دُفِعَت شدائِدُ الدنيا بمثلِ التوحيد"، والطاعاتُ تُعجِّلُ بالنصر؛ قال تعالى: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ) [محمد: 7]، والدعاءُ مفتاحُه قال - سبحانه -: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ) [الأنفال: 9].

 

وأضاف الشيخ: والمؤمنُ مُتعلِّقٌ بربِّه، حذِرٌ من العُجبِ بنفسِه أو قوَّته أو كثرتِه؛ والمُسلمُ راجِحُ العقل يتثبَّتُ فيما يسمعُه، ويحذَرُ شائِعاتِ الأعداء؛ فبِئسَ مطيَّة الرجُل: زعمُوا! قال - عليه الصلاة والسلام -: "كفَى بالمرءِ كذِبَا أن يُحدِّثَ بكل ما سمِع"؛ (رواه مسلم).

 

وأضاف فضيلته: وعلى من يُؤدِّي هذه العبادة العظيمة أن يُخلِصَ نيَّتَه فيها لله؛ سُئِلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجُلِ يُقاتِلُ شجاعةً، ويُقاتِلُ حميَّةً، ويُقاتِلُ رياءً: أيُّ ذلك في سبيلِ الله؟ فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قاتلَ لتكون كلمةُ الله هي العُليا فهو في سبيلِ الله"؛ متفق عليه. والمُرابِطُ موعودٌ بالأجرِ العظيم؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: "رِباطُ يومٍ في سبيلِ الله خيرٌ من الدنيا وما عليها"؛ (رواه مسلم).

 

وختم الشيخ خطبته منوهًا بشرف بلاد الحرمين ومكانتهما، فقال: شرَّف الله هذه البلادَ بقِبلة المُسلمين بيتِ الله الحرام، وبمسجِد رسولِ الله - عليه الصلاة والسلام -، وقد قامَت - بحمد الله - على الكتاب والسنَّة، ورسالتُها حفظُ الدين ونشرُه، والعدلُ وإقامتُه، وملُ رايةِ المُسلمين في الآفاق، والذبُّ عنهم. وبهذا تحقَّقَت لها الريادة، وحفِظَها الله بقوَّته ونصرَها، وأحلَّ فيها الأمنَ والإيمانَ والخيرَ والرخاء، وجعلَ قلوبَ المُسلمين أينما كانوا معها، وأذلَّ لها آراء الأعداء. وهذا من منَّة الله وفضلِه عليها، فله الحمدُ في الأولى والآخرة.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات