مختصر خطبتي الحرمين 29 جمادى الأولى 1436هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

لا حصانَة للنفس ولا حِفظَ للمُجتمع أعظمُ وأنجَعُ وأسرعُ من الإيمانِ بالله والسَّير على هُدى الله؛ الإيمانُ ينشُرُ الأمان، ويبعثُ الأمل، والأملُ يبعثُ السَّكينة، والسَّكينةُ تُورِثُ السعادة. فلا سعادةَ بلا سَكينة، ولا سَكينةَ بلا إيمان، فالإيمانُ هو الغذاءُ، وهو الدواء، وهو الضياء. صاحبُ الإيمان راسِخُ العقيدة، حسنُ العبادة، جميلُ التوكُّل، كثيرُ التبتُّل، عظيمُ الخُضوع، طويلُ الخُشوع، مُديمُ الذِّكر، عميقُ الفِكر، مُلازِمٌ للعمل الصالِح، واسِعُ الصدر، عظيمُ الأمل، كثيرُ التفاؤُل. لا يتحسَّرُ على ماضِيه باكِيًا، ولا يعيشُ حاضِرَه ساخِطًا، ولا ينتظِرُ مُستقبَلَه خائِفًا قلِقًا...

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "علاج القلق والهموم"، والتي تحدَّث فيها عن القلق والأرق والهموم والغموم، وكيف عالجَها الإسلام، مُبيِّنًا وجوبَ الالتِجاء إلى الله تعالى والتضرُّع إليه والتوكُّل عليه، فبذلك تنكشِفُ تلك الهموم، وتزول هذه الغُموم.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: اتَّقُوه ما استَطعتُم؛ فقد أفاضَ عليكم من نعمِه وفضلِه ما عن شُكرِه قد عجَزتُم، وجاءَكم النذير، وأبلغَ في إنذارِه لو سمِعتُم.

 

وأضاف الشيخ: خلقَ اللهُ الناسَ من نفسٍ واحدة، واعتنَى القرآنُ الكريمُ بهذه النفسِ الإنسانيَّة غايةَ العناية؛ لأن الإنسانَ هو محلُّ التكليف، وهو المقصودُ بالهدايةِ والتوجيهِ والإصلاحِ. ومن شرحَ اللهُ صدرَه للإسلام، وعمَرَ قلبَه بالإيمان اطمأنَّت نفسُه، وهدَأَت سريرتُه، وتنزَّلَت عليه السَّكينة، وامتلأَ بالرِّضا قلبُه.

 

وقال وفقه الله: كم من مُسلمٍ تكالَبَت عليه الهُموم، فتوضَّأ وتطهَّر، ثم قصَدَ إلى زاويةٍ من بيتِه، أو مشَى إلى مسجِده فتلا من كتابِ الله ما تيسَّر له، أو صلَّى ما كُتِبَ له فانزاحَت هُمومُه، وقامَ كأنَّما نشِطَ من عِقال؟! وكم من مُسلمٍ اضطجَعَ على جنبِه الأيمن في منامِه، وقرأ بعضَ آيات أو تلا بعضَ أوراد، فنامَ قريرَ العين محفوظًا بحِفظِ الله؟!

 

وكم من مُسلمٍ أصابَه قلقٌ أو وحشةٌ فاستأنَسَ بآياتٍ من كتابِ ربِّه، فوجدَه نعمَ الأنيس وخيرَ الجليس؟! وكم من مُسلمٍ نالَه فقرٌ أو مسَّه جوعٌ، فوجدَ في كتابِ الله شِبَعَه وغِناه؟! وكم من غنيٍّ كادَ أن يُطغِيَه غِناه، فأنقَذَه مولاه بآياتٍ من كتابِه، فانكشَفَ له السِّتار، وتذكَّر النِّعَم، وابتغَى ما عند الله؟! الصالِحون الطيِّبُون المُحسِنون، المشَّاؤُون للمساجِد هم المُطمئنُّون بذِكر الله، وهم الأقوَى والأقدرُ على مصائِبِ الحياة وتقلُّباتها، لا تُعكِّرُ التقلُّبات طُمأنينَتَهم، ولا تستثِيرُ المُنغِّصاتُ سكينتَهم.

 

وقال حفظه الله: هذا هو حالُ أهل الإيمان والصلاح، بينما يتعذَّبُ ملايين البشر اليوم يلهَثُون وراءَ المُسكِّنات والمُنوِّمات، والعيادات والمُستشفَيَات، ويبحَثُون في الكتب والمُؤلَّفات والمقالات. أقلقَهم القلق، وفقَدَت نفوسُهم الأمن، قلِقُون من الموت، يخافُون من الفشل، جزِعُون من الفقر، وجِلُون من المرض، إلى غير ذلك مما تجرِي به المقادِيرُ على جميع الخلائِق.

 

وحذر فضيلته من القلق، فقال: القلقُ - حفِظَكم الله وسلَّمكم - انفعالٌ واضطِرابٌ داخِلَ النفس يُعانِي منه الإنسانُ حين يشعُرُ بالخوف أو الخطَر من حاضِرٍ أو مُستقبَل. والإنسانُ القلِقُ يعيشُ حياةً مُظلِمة، مع سُوءِ الظنِّ بمن حولَه وبما حولَه. تغلُبُ عليه مشاعِرُ الضيق والتشاؤُم والتوتُّر والاضطِراب وعدم الثِّقة؛ بل يرَى الناسَ عُدوانيين حاقِدين حاسِدين، حتى قالوا: "إن وراءَ مُرتكِب الجريمة قلَقًا دفعَه إلى اقتِرافِها"، إما خوفٌ من موت، أو خوفٌ من جُوع، أو خوفٌ من فقر، أو خوفٌ من مرض، أو فشل، أو غير ذلك من الدوافِع والهواجِس التي تمتلِئُ بها هذه الحياة.

 

وقال سماحته: هذا القلِقُ المُضطرِبُ غلَبَت عليه الدنيا، فكانت أكبرَ همِّه فزادَ قلقُه، وطالَ أرَقُه، "ومن كانت الدنيا همَّه جعلَ الله فقرَه بين عينَيه، ولم يأتِه من الدنيا إلا ما كُتِب له". ثم تذكَّر - حفِظَكم الله ورحِمَكم - هذا الدعاء: "اللهم لا تجعَل الدنيا أكبرَ همِّنا". أين الراحة إذا كانت الدنيا هي مُنتهَى الأمل؟! وأين الطُّمأنينةُ إذا كانت الدنيا هي غايةَ السعي؟!

 

وأكد الشيخ أن: هدوء النفس وراحة البال - عباد الله - نعمةٌ عظيمةٌ لا يعرِفُ قيمتَها إلا من فقَدَها، ومن أصابَه الأرَق أو دبَّ إليه القلَق عرفَ معنى هذه النعمة، (وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ)،  من فقَدَ راحةَ البال تدلهِمُّ أمامَه الخُطُوب، وتجثُمُ على صدرِه الهُموم، فيتجافَى عنه النوم، ويفقِدُ الراحة، وتُظلِمُ الدنيا في عينَيه.

 

وأضاف الشيخ: مساكِينُ أهل هذا العصر حين يدرُسُون النفسَ الإنسانيَّة مقطوعة الصِّلة بالله خالِقِها ومُدبِّرها، ومُقدِّر أحوالِها وشُؤونِها، يتكلَّمون عن أثر البيئة، وعن أثر الأُسرة، وعن أثر الاقتِصاد، ولا يتكلَّمون عن الهُدى والضلال، والكُفر والإيمان، والطاعة والعبادة. فانقَلَبَت عندهم المعايِير، واضطرَبَت لديهم المقايِيس، وذهبَت الفضائِل، وضاعَت القِيَم، وانحلَّت الأخلاق، فلم تُفِد حلولُهم، ولن تُجدِي اختباراتُهم ولا مُختبراتُهم.

 

وأكد فضيلته أنه: لا حصانَة للنفس ولا حِفظَ للمُجتمع أعظمُ وأنجَعُ وأسرعُ من الإيمانِ بالله والسَّير على هُدى الله؛ الإيمانُ ينشُرُ الأمان، ويبعثُ الأمل، والأملُ يبعثُ السَّكينة، والسَّكينةُ تُورِثُ السعادة. فلا سعادةَ بلا سَكينة، ولا سَكينةَ بلا إيمان، فالإيمانُ هو الغذاءُ، وهو الدواء، وهو الضياء. صاحبُ الإيمان راسِخُ العقيدة، حسنُ العبادة، جميلُ التوكُّل، كثيرُ التبتُّل، عظيمُ الخُضوع، طويلُ الخُشوع، مُديمُ الذِّكر، عميقُ الفِكر، مُلازِمٌ للعمل الصالِح، واسِعُ الصدر، عظيمُ الأمل، كثيرُ التفاؤُل. لا يتحسَّرُ على ماضِيه باكِيًا، ولا يعيشُ حاضِرَه ساخِطًا، ولا ينتظِرُ مُستقبَلَه خائِفًا قلِقًا.

 

وأضاف الشيخ: المُؤمنُ مُؤمنٌ بأقدارِ الله ومقادِيرِه، فما شاءَ الله كان، وما لم يشَأ لم يكُن، والله هو الرزَّاق، ورِزقُ الله لا يجُرُّه حِرصُ حريص، ولا ترُدُّه كراهيةُ كارِه، والمُسلمُ يجمعُ بين التوكُّل والأخذ بالأسباب، المُؤمنُ يعيشُ وذِكرُ الله شِعارُه، والتوكُّلُ على الله دِثارُه، وما تلذَّذَ المُتلذِّذُون بمثلِ ذِكر الله. وعجَبًا لمن ابتُلِيَ بالغمِّ كيف ينسَى: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء: 87].

 

وقال وفقه الله: الالتِجاءُ إلى الله والتوكُّل عليه وحُسن الظنِّ به من أعظمِ مُفرِّجات الهُموم، وكاشِفات الكُروب، وطارِدات القلَق، (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) [الطلاق: 3]، والتعلُّقُ بالله ودُعاؤُه من أعظم السُّبُل يُعفِي القلق؛ كيف وقد كان نبيُّكم محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - إذا أكربَه أمرٌ قال: "يا حيُّ يا قيوم، برحمتِك أستغيث"؛ (رواه الترمذي).

 

وختم الشيخ خطبته موضحًا أنواع القلق وموقف المسلم منها، فقال: أما ما كان من القلَق حافِزًا إلى الخير، وباعِثًا على العمل، فهو قلقٌ محمود؛ بل هو خيرٌ وفضلٌ ونعمةٌ، اقرأُوا إن شِئتُم: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون: 60، 61]، فالمُحاسبةُ والقلقُ خشيةَ التقصير من صِفاتِ المُؤمنين المُخلِصين. أما عدمُ الاكتِراث والمُبالاة فمن صِفاتِ المُنافِقين. المُؤمنُ لا يخافُ إلا الله، يخافُ أن يكون فرَّط في حقِّه، ويخافُ أن يكون قد اعتَدَى على خلقِه، فاتَّقوا الله - رحمكم الله -، واعمَلوا مُشفِقين، وجِدُّوا حذِرِين، واستحضِرُوا مقالةَ عبادِه المُؤمنين: (إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ)[الطور: 26].

 

 

المدينة النبوية:

 

ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "الرحمة والشفقة في الإسلام"، والتي تحدَّث فيها عن الرحمة وفضلها وصورها، مع بيان رحمة أرحم الخلق نبيِّنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - والأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - في ضوء الكتاب والسنة.

 

واستهل الشيخ خطبته بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى؛ فالتقوى لا يقبلُ ربُّنا غيرَها، ولا يرحمُ إلا أهلَها.

 

وأضاف الشيخ: الدينُ قائمٌ على أداء حقوقِ الله وحقوقِ خلقِه؛ فحقُّ الله أن نعبُده ولا نُشرِك به شيئًا. وحقُّ المخلوقين الإحسانُ إليهم وحُسن الخُلُق معهم. وخصلةٌ عظيمةٌ جعلَها الله بين خلقِه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: "خلقَ الله مائةَ رحمةٍ، فوضعَ واحدةً بين خلقِه وخبَّأَ عنده مائةً إلا واحدة" (رواه مسلم).

 

وقال وفقه الله:  قدَّمها الله على نعمةِ العلم؛ (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا) [الكهف: 65]. وهو - سبحانه - يحبُّ من اتَّصفَ بها وأثنَى على عبادِه المُتواصِين بها؛ (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) [البلد: 17]. بها يقومُ أساسُ بُنيان القيام بحقوقِ العباد من الحقوق الواجِبة؛ كالزكاة، أو المُستحبَّة؛ كالعفو والصدقة.

 

وقال حفظه الله: وهي مِنحةٌ من الله يهَبُها لمن يشاءُ من عبادِه؛ قال - عليه الصلاة والسلام - لأعرابيٍّ جفَا عن رحمةِ أولادِه: "أوَأملِكُ لك أن نزعَ الله من قلبِك الرحمة؟!"(رواه البخاري). ومتى أراد الله بعبدِه خيرًا أنزلَ في قلبِه الرحمة؛ (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ) [الفتح: 4]، قال ابن عباسٍ: "أي: الرحمة (فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ)". ونصيبُ كل عبدٍ منها على قدرِ نصيبِه من الهُدى، فأكملُ المُؤمنين إيمانًا أعظمُهم رحمة؛ قال - سبحانه -: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) [الفتح: 29].

 

وأضاف الشيخ: وامتلاءُ القلبِ بها علامةُ السعادة، وهي سببُ نَيل رحمةِ الله؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: "الراحِمون يرحمُهم الرحمن، ارحَموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"؛ (رواه أبو داود). وممن يدخلُ الجنةَ أقوامٌ مُلِئَت قلوبُهم رحمةً ورِقَّةً مع الإيمان؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: "وأهلُ الجنةِ ثلاثة: ذو سُلطانٍ مُقسِطٌ مُتصدِّقٌ مُوفَّق، ورجلٌ رحيمٌ رقيقُ القلبِ لكل ذي قُربَى ومُسلِم، وعفيفٌ مُتعفِّفٌ ذو عِيال"؛ (رواه مسلم).

 

وأكد فضيلته أن: أولَى الناسِ بالرحمةِ الوالِدان؛ قال - سبحانه -: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) [الإسراء: 24]، وخيرُ الأولاد من كان أقربَ إلى رحمةِ والدَيه؛ (فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا) [الكهف: 81].

 

وأضاف الشيخ: والمُؤمنُ يرحمُ الكافِرَ لفقدِه الهِداية، ويُبغِضُه لعدمِ إيمانِه. ومن زلَّت قدمُه في المعاصِي يستحقُّ الرحمةَ بالنُّصح والدُّعاءِ له بالهداية، ولذا كان أشدُّ الخلقِ رحمةً هم رُسُلُ الله؛ سعَوا لهدايةِ الخلق، ودعَوا قومَهم بكل سبيلٍ لإنقاذِهم من الهلَكَة، وصبَرُوا على أذاهم، ولم يستعجِلُوا بطلبِ عذابِهم. فهذا نبيٌّ من الأنبياء ضربَه قومُه فأدمَوه، فهو يمسحُ الدمَ عن وجهِه ويقول: "ربِّ اغفِر لقومِي فإنهم لا يعلَمون"؛ (متفق عليه).

 

وقال حفظه الله: ونبيُّنا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - أرحمُ خلقِ الله، ومن أسمائِه: "نبيُّ الرحمة"؛ (رواه النسائي). ولما قيلَ له: ادعُ على المُشرِكين، قال: "إني لم أُبعَث لعَّانًا، وإنما بُعِثتُ رحمة"؛ (رواه مسلم). ولما آذاهُ قومُه ناداه ملَكُ الجِبال فسلَّم عليه، وقال: يا مُحمَّد! إن شِئتَ أن أُطبِقُ عليهم الأخشَبَين، فقال - عليه الصلاة والسلام -: "بل أرجُو أن يُخرِجَ الله من أصلابِهم من يعبُدُ اللهَ وحدَه لا يُشرِكُ به شيئًا"؛ (متفق عليه). بعثَه الله رحمةً للخلقِ عامَّةً، فقال: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107]. قال ابن القيم - رحمه الله -: "وهكذا الرجلُ كلما اتَّسعَ علمُه اتَّسَعَت رحمتُه". وأهلُ العلم والصلاح ذوو رحمةٍ يسعَون بالخير والهُدى للناس، ولا يظلِمُون من خالفَهم ولا يبغُون عليه.

 

وقال وفقه الله: يصفُو القلبُ من الكِبر واحتِقار الناس بتحقيق الرحمة، وهي وسطٌ بين القسوة والجفاء، وبين الضَّعفِ والخَوَر. والرأفة والرحمة يُحبُّهما الله ما لم تكُن مُضيِّعةً لدينِ الله؛ كدعوَى ترك الحُدود رحمةً بالعباد. وإذا سلِمَ العبدُ من فتنةَ الشُّبُهات والشهوات حصلَ له الهُدى والرحمة؛ قال الله إخبارًا عن أصحابِ الكهف: (فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا) [الكهف: 10].

 

وختم الشيخ خطبته بذكر الوسائل المعينة على التخلق بخلق الرحمة، فقال: ومن أسبابِ نوالِ الرحمة: برُّ الوالدَين، وصِلَةُ الرحِم، والصدقة، والإحسانُ للمكرُوبين والمرضَى، وزيارةُ الرِّجال للمقابِر، والإكثارُ من تلاوةِ القرآن العظيم وذِكر الله.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات