مختصر خطبتي الحرمين 24 ربيع الآخر 1436هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

يا من أطغَتْه صحَّتُه فعصَى .. يا من أفسَدَه فراغُه فلهَى .. يا من فتَنَه مالُه فتردَّى .. يا من اتَّبعَ هواه فهوَى .. يا من غرَّه شبابُه فنسِيَ البِلَى. يا من جرَّأَه على ربِّه فُسحةُ الأجل .. وبلوغ الأمل .. حتى اختطفَه الموتُ .. فأنَّى له أن يرجِعَ إلى الدنيا.. أما آن لك - أيها الغافل المُعرِضُ العاصِي - أن تتوبَ إلى ربِّك وتُنيب؟! أما آن لك أن تستيقِظَ من هذه الغفلة المُطبِقة وتَستَجيب؟! ألا تعتبِرُ بالقرون الخالية والمساكِن الخاوِية .. كيف صارُوا بعد عينٍ أثرًا، وبعد عزٍّ خبرًا؟!

 

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "أحكام الولاية والإمامة"، والتي تحدَّث فيها عن الولاية والإمامة للإمام المسلم، مع بيان شروطها وأحكامها، كما بيَّن أهم واجباتها ومسؤولياتها وتبِعَاتها.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: أما بعد، فيا عباد الله: أُوصِيكم ونفسي بالازدِلافِ للمولَى -جل وعلا- بالشُّكر على ما هدَاكم للإسلام، وأولاكُم من الفضلِ والإنعام، فاتقوه -تبارك وتعالى- حقَّ التقوى في السرِّ والإعلان.

 

وأضاف الشيخ: لقد قصَدَت شريعتُنا الغرَّاء تحقيقَ أعظم المصالِح وأسنَى المقاصِد، وتزكِيةَ النفوسِ دون البوائِق والمفاسِد؛ فهي خاتمةُ الرسالات ومجمعُ لُبابِها، وأوعَبُها لقضايا الحياة وآرابِها؛ لأنها الرسالةُ المُبارَكةُ الميمونة التي انطَوَت التطوُّر والمُرونة، واتَّسَمَت بمُواكَبَة أحداث العُصور ومُستجِدَّاتها، واستِيعابِ القضايا ومُتغيِّراتها؛ يقول -سبحانه-: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)[النحل: 89].

 

وبيَّن سماحته: أن من عظيمِ محامِدِها: إدلاجَها في استِصلاحِ أحوال العباد في المعاشِ والمعاد، مُستجلِبةً لهم أكبرَ المصالِحَ والخيرات، وأعظمَ الهِدايات والمبرَّات، واهتِمامَها الحَثيث بتحصيلِ بوارِقِ الحقِّ الذي لا يبُور، ودفعِ المعرَّاتِ عنهم والشُّرور.

 

وأكد فضيلته: أن من القضايا الجوهريَّة - نضَّرَكم الله - التي أولاها التشريعُ الإسلاميُّ المنزلةَ السامِيةَ المنيعَة، وبوَّأَها من التحقيقِ الصدَارَةَ والطَّلِيعَة: قضيَّةَ الحُكم والإمامة، وسياسةَ الرعيَّة بالشريعةِ الماجِدة، ومنهَج الخلافةِ الراشِدة.

 

وأضاف الشيخ: لو لم يكن للناسِ إمامٌ مُطاع لانثَلَمَت شرائِعُ الإسلام، وتعطَّلَت الأحكام، وفسَدَ أمرُ الأنام، وضاعَت الأيتام، ولم يُحَجَّ البيتُ الحرام. يقول الإمام أحمد - رحمه الله -: "الفتنةُ إذا لم يكن ثمَّ إمامٌ يقومُ بأمر الناس". وقال الإمام الماورديُّ - رحمه الله -: "الإمامةُ أصلٌ، عليه استقرَّت قواعِدُ الملَّة، وانتَظَمَت به مصالِحُ الأمة، حتى استَتبَّت به الأمورُ العامَّةُ والخاصَّة".

 

وقال -حفظه الله-: من أجلِ ذلك - يا رعاكم الله - كانت قضيَّةُ الإمامة والولاية على رأسِ القضايا التي عُنِيَ بها هذا الدين، وأرسَى أُسُسَها سيِّدُ الأنبياء والمُرسَلين -عليه الصلاة والسلام-، وهو القائلُ - صلى الله عليه وسلم -: "إذا خرجَ ثلاثةٌ في سفَر فليُؤمِّرُوا أحدَهم"؛ (رواه أبو داود بسندٍ صحيحٍ). وقال ربُّنا - تبارك وتعالى - في مُحكَم التنزيل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء: 59].

 

وأضاف الشيخ: يقولُ الإمام ابن تيمية -رحمه الله-: "نزلَت هذه الآيةُ في الرعيَّة، عليهم أن يُطيعُوا أولِي الأمر إلا أن يأمُرُوا بمعصِيَةِ الله". وعلى هذا النَّهجِ القَويم سارَ الصحابةُ -رضي الله عنهم- بعد انتِقال النبي -صلى الله عليه وسلم- للرفيقِ الأعلى؛ حيث اجتَمَعوا في سَقيفَة بني ساعِدَة، وبايَعُوا أبا بكرٍ الصدِّيق - رضي الله عنه-، قبل تجهيزِ النبي -صلى الله عليه وسلم-. فلم يَبِيتُوا ليلتَهم مع جلَل المُصابِ وعِظَم الفادِحة إلا وفي أعناقِهم بَيعةٌ لإمام. واستخلَفَ الصدِّيقُ عُمرَ -رضي الله عنهما-، وجعلَها عُمرُ في ستَّةٍ من أصحابِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فبايعَت الأمةُ عُثمانَ بن عفَّان، ثم عليًّا بن أبي طالبٍ - رضي الله عنهم أجمعين -.

 

وأوضح الشيخ: أن بيعةَ الإمام تعنِي العهدَ على السمع والطاعةِ بالمعروف، في المنشَط والمكرَه، والعُسر واليُسر، وعدمِ مُنازعَة الأمر أهلَه. وهي واجبةٌ بالكتابِ والسنَّة وإجماعِ الأمة؛ قال - سبحانه -: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ) [الفتح: 10]، قال أهلُ العلم: "وهذه الآية وإن كانت نزلَت في بَيعَة الرسولِ - صلى الله عليه وسلم -، فإن البَيعَة لمن بعدَه من وُلاة أمر المُسلمين داخِلةٌ في عُمومِها؛ فالعِبرةُ بعُموم اللفظِ لا بخُصوصِ السبَب".

 

واستدل الشيخ بقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما أخرجَه مسلمٌ في "صحيحه": "من ماتَ وليس في عُنقِه بَيعَة ماتَ ميتةً جاهليَّة". وفي حديثِ عُبادة بن الصَّامِت - رضي الله عنه -: "بايَعنا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة، في عُسرِنا ويُسرِنا، ومنشطِنا ومكرَهِنا، وأثَرَةٍ علينا، وألا نُنازِعَ الأمرَ أهلَه"؛ خرَّجه مسلمٌ في "صحيحه". فالبَيعةُ قرَّرتها الشريعة، وأوجبَتها نصوصُ الكتاب والسنة؛ فهي أصلٌ من أصول الديانة، ومعلَمٌ من معالِم الملَّة، يُوجِبُ الشرعُ التِزامَها والوفاءَ بها؛ لأنها أصلٌ عقديٌّ، وواجبٌ شرعيٌّ.

 

وأضاف الشيخ أن من حقوق الحاكم: حِفظُ هَيبَة الأئمة ومكانتِهم؛ روى الترمذي وأبو داود بسندٍ صحيحٍ، من حديث أبي بَكرة - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أهانَ سُلطانَ الله في الأرض أهانَه الله". وقال - عليه الصلاة والسلام -: "إن من إجلالِ الله: إكرامَ ذي الشَّيبَة المُسلم، وحامِلَ القرآن غير الغالِي فيه والجافِي عنه، وإكرامِ ذي السُّلطان المُقسِط"؛ (خرَّجه أبو داود بسندٍ حسن).

 

وقال -وفقه الله-: وثالِثُها: المُناصَحَةُ بالضوابِط الشرعيَّة دون تشنِيع؛ في "الصحيحين" من حديث تميمٍ الداريِّ - رضي الله عنه -، أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "الدينُ النصيحة"، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله ولكتابِه ولرسولِه، ولأئمة المسلمين وعامَّتهم". قال الإمام الشوكانيُّ - رحمه الله -: "ينبغي لمن ظهرَ له غلَطُ الإمام في بعض المسائِل أن يُناصِحَه، ولا يُظهِرَ الشَّناعَةَ عليه على رُؤوسِ الأشهَاد؛ بل يأخُذُ بيدِه ويخلُو به، ويبذُلُ له النصيحة".

 

وحذر فضيلته من سوء فهم النصوص الشرعية فقال: ومن ظنَّ أن النقدَ لأهل الحلِّ والعقدِ، والعلماء والدعاة، ورِجال الخير والحِسبَة على هذا المِنوال، فقد جانَبَ الصوابَ، وأبعَدَ النُّجعَة، وعينُ النصيحة نبذُ الفضيحَة؛ لإفضائِها بتماسُكِ الأمة واجتِماعها وترابُطِها إلى يَبَابِ الفُرقَة والخِلاف، ورُعُونات الآراء والأهواء، ولخُلُوصِها إلى انتِقاصِ من جاءَ الشرعُ برعايَةِ حقوقِهم، وحفظِ هيبَتِهم. ومن نبَوَات الأفهام، وكبَوَات الأقدام في كثيرٍ من المُجتمعات، ولدَى كثيرٍ من الفِئامِ والأطياف: أن التغييرَ والإصلاحَ كامِنٌ في المُروقِ والإيجافِ، والصَّولَة والإرجاف، دون تبصُّرٍ في النتائِج، ونظرٍ في العواقِبِ، وتنوُّرٍ للمآلات بفهمٍ حصيفٍ ثاقِب.

 

وقال حفظه الله: ورابعها: الدعاءُ لهم. قال الإمامُ الطحاويُّ - رحمه الله - في حقِّ الأئمة: "وندعُو لهم بالصلاحِ والمُعافاة". وقال الإمامُ أحمدُ - رحمه الله -: "لو أن لي دعوةً مُستَجابَة لصرَفتُها للإمام".

 

وأضاف: وخامِسُها: التعاوُنُ معهم، وتأليفُ القلوبِ لهم، وعدمُ تأليبِ العامَّة عليهم؛ لتنتظِمَ مصالِحُ الدين والدنيا. ولا ريبَ أن عليهم تجاهَ شُعوبِهم ورعاياهُم أداءَ الأمانة، وإقامةَ العدل، وتحكيمَ الشرع، وتأمينَ الثُّغور، ورفعَ المظالِم، ونُصرةَ المظلُوم، ورعايةَ مصالِح المُسلمين، ودرءَ المفاسِد والأضرار عنهم.

 

ولفت الشيخ الأنظار إلى قضيَّة أوجبَ التذكيرَ بها ندُّ الفهم وغلَبَةُ الوَهن، واقتَضَت أُلفَةُ الجماعة سبرَ أغوارِها، وتجلِيَةَ أخبارِها، لاسيَّما في عالمٍ يمُوجُ بالتحديَّات والصِّراعات، ويعُجُّ بالمُشكِلات والأزمَات، وتعصِفُ به التيَّاراتُ والانتِماءاتُ والولاءاتُ لجِهاتٍ وتنظيماتٍ ضالَّة، تسلُكُ سبيلَ الغلُوِّ والعُنف والإرهاب، والتطرُّف والبغيِ والإرعاب، والظُّلم والطُّغيان.

 

وأضاف الشيخ: ألا ما أجدرَ الأمةَ الإسلاميَّةَ اليوم وهي تبحَثُ عن مخرَجٍ لما بُلِيَت به من فتن، وما مُنِيَت به من مِحَن، أن تترسَّمَ خُطَا رسولِها محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - في تطبيقِ هذا المبدَأ العظيم، في حُسن الولاء، وصِدقِ الانتِماء، وتُسارِعَ بمُبايَعَة إمامِها الحقِّ، على السمعِ والطاعةِ، في المنشَطِ والمكرَهِ، وألا تُنازِعَه الأمرَ الذي هو أهلُه وأحقُّ به. فلا غِنَى لأمة الإسلامِ في كل عصرٍ كان من إمامِ يذُبُّ عنها كلَّ ذي جُحُودِ، ويعتنِي بالشرعِ والحُدودِ.

 

وختم الشيخ خطبته بالتذكير بفضل الله على هذه البلاد وأهلها فقال: وإن من شُكر النَّعماء، والتحدُّث بالآلاء: ما تعيشُه هذه البلادُ المُبارَكة، لا تزالُ بحراسَةِ الله مُسوَّرة، وبالإسلام والشريعةِ مُنوَّرة، من التِئام سُلطان الشرع والعلم والكِياسَة، بسُلطان الحُكم والمُلك والسياسة. في مظهرٍ فريدٍ، ونَسيجٍ مُتميِّز، ومنظومةٍ مُتألِّقةٍ، من اجتِماع الكلمة، ووحدة الصفِّ، والتِفافِ الأمة حول قيادتِها، ومُبادَرةٍ للبَيعَة الشرعيَّة على الكتابِ والسنَّة بسَلاسَةٍ وانسِيابيَّة، ويُسرٍ وتلقائيَّة، قلَّ أن يشهَدَ لها التأريخُ المُعاصِرُ مثيلاً.

 

 

المدينة النبوية:

 

ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: " الحذر من الاغترار بالدنيا"، والتي تحدَّث فيها عن التفكُّر في قِصر مدَّة الدنيا وحياة المرء فيها، وعدم اغتِراره بها؛ بل يعمل الصالحات، ويبتعد عن المعاصِي والمخالفات؛ ليسعَد في الدنيا والآخرة.

 

واستهل الشيخ خطبته بالوصية بتقوى الله تعالى فقال: فاتقوا الله تعالى وأطيعُوه؛ فإن طاعتَه أقومُ وأقوى، وتزوَّدوا لآخرتكم فإن خيرَ الزاد التقوى.

 

وأضاف الشيخ: تفكَّروا في مُدَّة الدنيا القصيرة، وزينتها الحقيرة، وتقلُّب أحوالها الكثيرة؛ تُدرِكوا قدرَها، وتعلَموا سرَّها. فمن وثِقَ بها فهو مغرور، ومن ركَنَ إليها فهو مثبُور. فقِصَرُ مُدَّة الدنيا بقِصَر عُمر الإنسان فيها، وعُمرُ الفرد يبدأُ بساعات، ويتبَعُ الساعات ساعات، وبعدَها الأيام، وبعد الأيام الشهور، وبعد الشهور العام، وبعد العام أعوام، ثم ينقضِي عُمر الإنسان على التمام، ولا يدرِي ماذا يجري بعد موتِه من الأمورِ العِظام.

وقال وفقه الله: وهل عُمرُ من بعدَك - أيها الإنسان - عُمرٌ لك؟! فعُمرُ المخلوق لحظةٌ في عُمر الأجيال، بل الدنيا متاع، قال الله تعالى: (إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) [غافر: 39]، وقال تعالى: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا) [الكهف: 45].

 

وأضاف فضيلته: وأخبرَنا ربُّنا عن قِصَر مُدَّة لُبث الناس في قُبورهم إلى يوم بعثِهم للحساب، بأن هذه المُدَّة الطويلة كساعة، قال الله –تعالى-: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ) [يونس: 45]، وقال –جل وعلا-: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ) [الروم: 55]، وقال –سبحانه-: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ) [الأحقاف: 35].

 

وقال الشيخ: فما عُمرُك - أيها الإنسان - في ساعة؟! وما نصيبُك من هذه الساعة؟! فطُوبَى لمن فعل الأعمال الصالحات، وهجَرَ المُحرَّمات، ففازَ برِضوان الله في نعيم الجنات. وويلٌ لمن اتَّبعَ الشهوات، وأضاعَ الصلوات والواجِبات، فهلَكَ في الدَّرَكات.

 

وأضاف الشيخ: يا من أطغَتْه صحَّتُه فعصَى .. يا من أفسَدَه فراغُه فلهَى .. يا من فتَنَه مالُه فتردَّى .. يا من اتَّبعَ هواه فهوَى .. يا من غرَّه شبابُه فنسِيَ البِلَى. يا من جرَّأَه على ربِّه فُسحةُ الأجل .. وبلوغ الأمل .. حتى اختطفَه الموتُ .. فأنَّى له أن يرجِعَ إلى الدنيا. وفي الحديث: "اذكُروا هاذِمَ اللذَّات؛ فإنه ما ذُكِر في كثيرٍ إلا قلَّله، ولا في قليلٍ إلا كثَّرَه"، وفي الحديث أيضًا: "كفَى بالموت واعِظًا".

 

وحث الشيخ على التوبة فقال: أما آن لك - أيها الغافل المُعرِضُ العاصِي - أن تتوبَ إلى ربِّك وتُنيب؟! أما آن لك أن تستيقِظَ من هذه الغفلة المُطبِقة وتَستَجيب؟! ألا تعتبِرُ بالقرون الخالية والمساكِن الخاوِية .. كيف صارُوا بعد عينٍ أثرًا، وبعد عزٍّ خبرًا؟!

 

وأضاف: إن في إقبالِ عامٍ وإدبارِ عامٍ عِبَرًا .. فيومٌ تُخلِّفُه، ويوم تستقبِلُه، حتى ينقضِيَ الأجل، وينقطِعَ الأمل، قال الله تعالى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى * وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى) [النجم: 39- 42].

 فاعمَل لدار الخُلد التي لا يفنَى نعيمُها ولا ينقُص ولا يَبيد، قال الله فيها: (ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) [ق: 34، 35].

 

وأضاف وفقه الله:  واتَّقوا النارَ التي لا يُفتَّرُ عن أهلها العذاب، بامتِثال أمر الله الأكيد، واتِّقاءِ غضبِه الشديد، (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) [الحج: 19- 22]. قال الله تعالى: (وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [البقرة: 223].

 

وقال –حفظه الله-: إن الله قد فتَحَ لكم أبوابَ الرحمة بما شرعَ لكم من فعلِ الخيرات وتركِ المُنكَرات، فلا يُغلِق أحدٌ على نفسِه بابَ الرحمة بمُحاربَة الله بالذنوب، فقد قال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) [الأعراف: 156].

 

وختم الشيخ خطبته بالوصية باغتنام الأعمال، فقال: واغتنِم - أيها العبد - زمن العافية؛ فإن يومًا يمضِي لن يعودَ أبدًا. فاستودِع أيامَك بما تقِرُ عليه من الحسنات .. واحفَظ صحيفتَك من السيئات.

 

عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ".

 

وعن ابن عُمر - رضي الله عنهما -، قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابِرُ سبيل". وكان ابن عُمر - رضي الله عنهما - يقول: "إذا أصبحتَ فلا تنتظِر المساء، وإذا أمسَيتَ فلا تنتظِر الصباح، وخُذ من صحَّتك لمرضِك، ومن حياتِك لموتِك".

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات