مختصر خطبتي الحرمين 13 صفر 1436هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

يعتقِدُ المُؤمن اعتِقادًا جازِمًا أن الله هو الحافظُ المُدبِّرُ المُتصرِّف، وهو الذي خلقَ الأسباب، وأذِنَ بفعلِها وتأثيرِها، والمُسلمُ يتَّخِذُ الأسبابَ لجلبِ النَّفعِ ودفعِ الضرِّ، مع اعتِقادِه أن الله - سبحانه - هو ربُّ الأرباب ومُسبِّبُ الأسباب يأذَنُ بتأثيرِها، ويمنَعُ من تأثيرِها، فهو المالِكُ المُتصرِّفُ - عزَّ شأنُه -. والمُؤمنُ يرُدُّ قدَرَ الله بقدَرِ الله. فالأمراضُ والأدويةُ والعلاجُ والشفاءُ كلُّها بقدَرِ الله وإذنِه ورحمتِه. وشرعُنا جمعَ بين التوكُّل والأخذ بالأسباب؛ فالتداوِي يدفعُ المرض - بإذن الله - كما يدفعُ الأكلُ الجوعَ، وكما يدفعُ الماءُ العطشَ، والحرُّ والبردُ تُدفعُ بأضدادها...

 

 

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "الأمراض المُعدية"، والتي تحدَّث فيها عن المسؤولية المُشتركة للحِفاظ على الإنسانيَّة، وحقيقة العدوى، وموقف المسلم من الأمراض المعدية، وذكر الأسباب العلاجِية والوِقائيَّة من هذه الأمراض، وأهمية الحَجر الصحِّيّ لأصحاب الأمراض الفتاكة، وعرّج على أسباب نشأة وانتِشار هذه الأوبئة الفتاكة.

 

وأوصى الشيخ المصلين بتقوى الله –سبحانه وتعالى-، فقال: فأُوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله - رحمكم الله -.. ما للعيونِ مع الوعيدِ جامِدة؟! .. وما للعقولِ مع المواعِظ سامِدة؟! .. هل أمِنَت الدوائِر .. أم نسِيَت ذنوبَها صغائِرها والكبائِر؟! .. كأن سِواها هو المطلوب .. وكأن غيرَها هو المُحاسَبُ والمسؤول.

 

وأضاف الشيخ: حفِظَ الإسلامُ الإنسانَ في دينِه ونفسِه وعقلِه ونسلِه ومالِه، وحفِظَ عليه عقيدتَه وعبادتَه، وصحَّتَه وعافيتَه. والبشرُ في ميزان الشرع مُتساوُون في أصل الكرامة الإنسانية، والحقوق والمسؤولية .. لا تفاضُل إلا بالتقوى.

 

ومن هنا، فلا صلاحَ ولا فلاحَ لهذا الإنسان إلا بالاستِقامة على شرع الله، ثم ما يُبدِيه البشرُ جميعًا من تعاوُنٍ وتآزُرٍ لإصلاحِ الأرض، وحُسن عمارتِها، وحِفظِ أهلِها، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) [الأنفال: 24]، ومن أعظم ما يُجسِّدُ المسؤولية المُشتركَة للحِفاظ على الإنسانيَّة في مسيرتها، والجماعةِ في مُكوِّناتها واستِقامتها على شرعِ الله.

 

وأضاف فضيلته: ومن هذا المُنطلَق -أيها المسلمون- اهتمَّ أهلُ العلم بكل ما يتعلَّقُ بأحوال الإنسان وحاجاتِه في غذائِه ودوائِه، وصحَّته وسلامتِه، في أحوال الاختِيار وأحوالِ الاضطِرار، أخذًا من نُصوص الشارِع وغاياتِه ومقاصِدِه وحِكَم تشريعِه.

 

ومن أعظم أوجُه التعاوُن وأوسَعِ أبوابِه - عباد الله -: ذلك الإحساسُ العميقُ والشعورُ النَّبيل بمن ابتُلُوا ببعضِ ابتلاءات الدنيا في أبدانِهم وأهلِيهم. تعاوُنٌ ينعَمُ فيه المُجتمع بكل فِئاتِه وأطيافِهن أصِحَّائِه ومرضاه، ينعَمون بهُدوءِ البال، وراحةِ النفس، ولتُظلِّلَهم فيه الحياةُ الهانِئة والعيشُ الكريم.

 

يتجلَّى ذلك - عباد الله - في استِعراضِ ما ينبغي من مواقِف وحُسن سُلُوك وتصرُّفٍ من بعض الأمراض التي يُبتلَى بها بعضُ العباد، وبخاصَّةٍ الأمراض المُعدِية - عفانا الله وإياكم، وشفَى مرضانا ومرضى المسلمين -.

 

ونوَّه الشيخ إلى أن: العدوَى حقٌّ، وهي تُعدِي - بإذن الله - وتقديرِه وجعلِه، ومعلومٌ طبعًا وواقعًا أن العدوَى تُصيبُ بعضَ الناس دون بعضٍ؛ فالعدوَى إذا أذِنَ الله أعدَت وسرَت، وإن لم يأذَن لم تُعدِ ولم تنتقِل، وبعضُ من يُخالِطُ المريضَ مُصاب، وآخرُ لا يُصاب، والجميعُ في مكانٍ واحدٍ.

 

ودخولُ المُعدِيات إلى البدَن لا يلزمُ منه حصولُ العدوَى، ومن هنا قال - عليه الصلاة والسلام -: «لا عدوَى ولا طِيَرَة، ولا هامَةَ ولا صفَر، وفِرَّ من المجذُوم فِرارَك من الأسَد»؛ (أخرجه البخاري تعليقًا، ووصلَه أبو نُعيم وابنُ خُزيمَة)، أي: أن المُخالطَة من الأسباب، والأسبابُ قد تُنتِجُ وقد لا تُنتِج. فالله - عزَّ شأنُه وتعالى سُلطانُه - هو ربُّ الأرباب، وهو مُسبِّبُ الأسباب، لا إله إلا هو، وقد قال - عزَّ شأنُه - في السِّحر: ( وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) [البقرة: 102].

 

وبيَّن فضيلته أن المُؤمن يعتقِدُ اعتِقادًا جازِمًا أن الله هو الحافظُ المُدبِّرُ المُتصرِّف، وهو الذي خلقَ الأسباب، وأذِنَ بفعلِها وتأثيرِها، والمُسلمُ يتَّخِذُ الأسبابَ لجلبِ النَّفعِ ودفعِ الضرِّ، مع اعتِقادِه أن الله - سبحانه - هو ربُّ الأرباب ومُسبِّبُ الأسباب يأذَنُ بتأثيرِها، ويمنَعُ من تأثيرِها، فهو المالِكُ المُتصرِّفُ - عزَّ شأنُه -.

 

والمُؤمنُ يرُدُّ قدَرَ الله بقدَرِ الله. فالأمراضُ والأدويةُ والعلاجُ والشفاءُ كلُّها بقدَرِ الله وإذنِه ورحمتِه. وشرعُنا جمعَ بين التوكُّل والأخذ بالأسباب؛ فالتداوِي يدفعُ المرض - بإذن الله - كما يدفعُ الأكلُ الجوعَ، وكما يدفعُ الماءُ العطشَ، والحرُّ والبردُ تُدفعُ بأضدادها.

 

وأضاف: ومن ابتُلِيَ بشيءٍ من هذه الأمراض المُعدِية فينبغي أن يبذُلَ من الأسباب ما يُؤدِّي إلى سلامتِه وسلامةِ نسلِه وأولادِه، باختِيارِ زوجٍ أو زوجةٍ لا يتأثَّرُ نسلُها بمرضِه، ويُراجِعُ في ذلك أهلَ الاختِصاص من الأطباء والخُبراء ليُرشِدوه إلى ما يُناسِبُ حالَه، مع ما ينبغي من الاهتِمام بالكشفِ الطبِّي قبل الزواج، والمصالِح الكبيرة المُترتِّبة عليه، وما لوليِّ الأمر من حقِّ الإلزام؛ إذ تصرُّفُه منُوطٌ بالمصلَحة العامَّة كما يُقرِّرُ أهلُ العلم.

 

وينبغي للخطِيبَين إخبارُ كل واحدٍ منهما صاحبَه بما يحمِلُه من مرضٍ ليكونَ على بيِّنةٍ، وليتَّخِذَ من الإجراءات والاحتِياطات التي تجلِبُ لهما السلامةَ - بإذن الله - ولذرِّيَّتهما، وتمنعُ انتِشارَ المرض فيهم وفي ذُرِّيَّتهم.

 

وبيّن الشيخ أن من الأسبابِ النافِعةِ - بإذن الله -: أخذُ اللِّقاحات والتطعيمَات؛ لما عُلِم من فائدتها وكبير أثرِها.

 

ومن الأسباب العلاجِية والوِقائيَّة: الطهارة والنظافة، وقد حضَّ دينُنا على الطهارة، وجعلَها من الإيمان؛ بل جعلَها شطرَ الإيمان في قولِه - صلى الله عليه وسلم -: «الطُّهور شطرُ الإيمان».

 

وأضاف الشيخ: ومن التوجيهات في ذلك: نظافةُ البيوت والأفنِية والطُّرق، وإماطةُ الأذى عن الطريق صدقةٌ، والنهيُ عن التبوُّل في المياه الراكِدة والدائِمة، وتلويثِ موارِد الناس وأماكِن استِظلالهم وتنزُّههم وجُلوسِهم ومرافِقِهم، بالبَول أو الغائِط أو غيرِها من المُلوِّثات، وإماطةُ كل ما يُؤذِي الناسَ ويُكدِّرُهم.

 

ومن النظافة: وضعُ اليَد والمِنديلِ ونحوِه على الفَم والأنفِ حين العِطاس والسُّعال وغيرِها. والمنعُ من التنفُّس في الإناء، وتجنُّب استِعمال أدواتِ المُصاب.

 

ونوّه فضيلته إلى أن من الجمعِ بين الأخذ بالأسبابِ واليقين وحُسن التوكُّل ما يُعرَفُ بـ "الحَجر الصحِّيّ"، وهو عزلُ المُصابين عن الأصِحَّاء، وفي ذلك جاء التوجيهُ النبويُّ: «لا يُورَدُ مُمرِضٌ على مُصِحٍّ» (أخرجه البخاري).

 

وما جاء في "الصحاح" و"السنن" أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «إن هذا الطاعُون رِجزٌ وبقيةُ عذابٍ، عُذِّبَ به أناسٌ قبلَكم، فإذا كان بأرضٍ وأنتم فيها فلا تخرُجوا منها، وإذا بلغَكم أنه بأرضٍ فلا تدخُلُوها». والمُرادُ بالطاعُون: كلُّ مرضٍ يعُمُّ ويسرِي وينتقِل.

 

وحذر الشيخ من مخالطة أصحاب الأمراض المعدية فقال: ومما ذكرَ أهلُ العلم في ذلك: أن المُصابَ لا يحضُرُ مجامِعَ الناس إذا كان مرضُهُ ينتقِلُ بالمُخالطَة من مُجالسَةٍ أو مُلامَسَةٍ أو تنفُّسٍ، فلا يحضُرُ الجُمعةَ ولا الجماعةَ، ومثلُ ذلك: السفرُ إلى الحجِّ والعُمرة والزيارة؛ لما يحصُلُ بذلك من الضرر والأذى. قالوا - أهلُ العلم - قالوا: "وهو أشدُّ من أذى الثُّوم والبصَل والكُرَّاث".

 

وليعلَم المريضُ الذي منعَه المرضُ - شفَاه الله وعافاه -، ليعلَمَ أن ثوابَ هذه الأعمال الصالِحة من جُمعةٍ وجماعةٍ، وحجٍّ وعُمرةٍ، وغيرها له كاملةٌ - إن شاء الله - إذا علِمَ الله صدقَ نيَّته وحِرصَه ولكن أقعدَه المرضُ، سواءٌ أقعَدَه لمصلَحة نفسِه أو لمصلَحة إخوانِه؛ لعُموم حديثِ: «إذا مرِضَ العبدُ أو سافرَ كُتِبَ له ما كان يعملُ صحيحًا مُقيمًا» (رواه البخاري).

 

وأضاف فضيلته: ومما ينبغي الالتِفاتُ إليه: بذلُ العنايةِ الخاصَّةِ بالمُصابين - بأهل الأمراض - عافاهم الله وعجَّل شفاءَهم -، وحُسن رعايتهم الرعايةَ الخاصَّة والمُعاملة التي تتطلَّبُها مثلُ هذه الأمراض، ولاسيَّما الأطفال في حضانتهم ورضاعِهم ورعايتهم.

 

مع ما يجبُ التنبيهُ إليه من حفظِ كرامةِ هؤلاء المُبتلَين، وعدم التطاوُل عليهم بلفظٍ أو إشارةٍ أو تندُّرٍ أو شماتةٍ أو استِهزاءٍ أو الازدِراءِ بأيِّ صُورةٍ من الصُّور، ناهِيكم بقذفِه - عياذًا بالله - في عِرضِه. وحينئذٍ يجبُ اتخاذُ الجزاء الرادِع في حقِّ هذا المُتجاوِز، وقد يكونُ بإقامةِ حدِّ القذفِ عليه.

 

وختم الشيخ خطبته بالتذكير بأن الذنوب والمعاصي من أهم أسباب انتشار الأوبئة والأمراض المعدية فقال: لقد نبَّه أهلُ العلم أنه عند حُصولِ وباءٍ عامٍّ أن يُبادِرَ المُسلِمون بالتضرُّع إلى الله، واللُّجوءِ إليه بالدعاء والاستِغفار؛ فالدعاءُ لرفعِ الوباء مشروعٌ، وقد دعا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يرفعَ الوباءَ عن المدينة حين هاجَرَ إليها، دعا أن يرفعَ وباءَها إلى مهيَعَة. وقد وردَ أن الطَّاعُون وخزٌ من الشيطان، فإذا أكثرَ العبدُ من ذكرِ الله ابتعَدَ الشيطان.

 

ولم تُرفَع المصائِب والابتِلاءات بمثلِ اللُّجوءِ إلى الله، والتعلُّق به، والذِّكر والاستِغفار، (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) [هود: 52]، (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) [هود: 3].

 

ولاسيَّما - حفظكم الله - أن سببَ انتِشار هذه الأمراض ونُشوئِها: التهاوُن في اقتِرافِ الفواحِش، والإسرافُ في المُحرَّم من الملذَّات، وإطلاقُ العنان للمنوعِ من الشَّهَوات، والعُهرُ والمُجونُ والشُّذوذُ الجنسيُّ والزِّنا، والإحصاءات العالميةُ في ذلك مُخيفةٌ ومُقلِقةٌ ومُؤذِنةٌ بهلاكٍ ودمارٍ، ناهِيكم بأن من تعمَّد نشرَ الأمراض المُعدِية فهو مُفسِدٌ يستوجِبُ العقوبةَ الرَّادِعة.

 

المدينة النبوية:

 

من جانبه ألقى فضيلة الشيخ عبدالمحسن القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: " المدينة .. فضائلها وآداب زيارتها"، والتي تحدَّث فيها عن فضائل المدينة النبوية، وثواب عمارتها والإقامة بها، وفضل الموت بها، وأشار إلى عِظَم بركات المدينة وأفضل أماكنها، وأجر زيارة المدينة النبوية.

 

واستهل فضيلته خطبته بنصح المصلين بتقوى الله قائلاً: أما بعد: فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، وراقِبُوه في السرِّ والنجوى.

 

وأضاف الشيخ: من كمال حِكمةِ الله وعلمِه الدالَّة على ربوبيَّته ووحدانيَّته: اختيارُ رُسُلِه وملائكتِه والصالِحين؛ فلا شريكَ له يخلُقُ كخلقِه ويختارُ كاختِياره، قال - سبحانه -: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [القصص: 68].

 

فبحكمتِه - سبحانه - فضَّل أيامًا وشهورًا، وبعلمِه اختارَ بِقاعًا بارَكَ فيها؛ فاختارَ مكَّة وجعلَ فيها بيتَه الحرام، واصطفَى الأرضَ المُقدَّسةَ وجعلَ فيها المسجِدَ الأقصَى، وشرَّف مدينةَ رسولِه - صلى الله عليه وسلم - وخصَّها بفضائل ليست في غيرِها.

 

وبيّن الشيخ أن: المدينة هي مهد الإسلام هي موطِنُه، وكما خرجَ منها الإيمانُ سيعودُ إليها، قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن الإيمانَ ليأرِزُ إلى المدينةِ - أي: يرجعُ إليها - كما تأرِزُ الحيَّةُ إلى جُحرِها» (متفق عليه).

 

وصفَها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بأنها تأكلُ القُرَى؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «أُمِرتُ بقريةٍ - أي: بالهِجرةِ إلى قريةٍ - تأكلُ القُرى - أي: تكونُ الغلَبَةُ لها على القُرى -، يقولون: يثرِب، وهي المدينة» (متفق عليه).

 

مدينةٌ تحُطُّ الذنوبَ والخطايا؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «إنها طَيبةُ تنفِي الذنوبَ كما تنفِي النارُ خبَثَ الفضَّة» (رواه البخاري).

 

وتنفِي منها الخبيثَ من الناس؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «تنفِي الناسَ - أي: خبيثَهم - كما ينفِي الكِيرُ خبَثَ الحديد» (متفق عليه).

 

وشبَّه النبي - صلى الله عليه وسلم - قوَّةَ تطهيرِها بالكِير، فقال: «المدينةُ كالكِير تنفِي خبَثَها» (متفق عليه).

 

وحذر فضيلته من أن من أرادَ مدينةَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسُوءٍ أهلكَه الله؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «من أرادَها بسُوءٍ أذابَه الله كما يذوبُ المِلحُ في الماء» (رواه أحمد).

 

ومن مكَرَ بأهلها أهلكَه الله ولم يُمهِله؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «لا يَكيدُ أهلَ المدينة أحدٌ إلا انمَاعَ كما ينمَاعُ المِلحُ في الماء» (رواه البخاري).

 

ومن أرادَ أهلَها بسُوءٍ توعَّدَه الله بالعذابِ الشديدِ في النار؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «ولا يُريدُ أحدٌ أهلَ المدينة بسُوءٍ إلا أذابَه الله في النار ذوبَ الرَّصاص أو ذوبَ المِلحِ في الماء» (رواه مسلم).

 

ومن أخافَ ساكِنَها أخافَه الله وتوعَّدَه باللعنة؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «من أخافَ أهلَ المدينة ظالِمًا لهم أخافَه الله، وكانت عليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين، لا يُقبَلُ منه صرفٌ - أي: فريضةٌ -، ولا عدلٌ - أي: نافِلة -» (رواه النسائي).

 

ونبَّه الشيخ أنه لا ينبغي أن يُحمَلُ في المدينة سلاحٌ لقتالٍ، ولا يُهراقُ فيها دمٌ إلا لإقامةِ القِصاص والحُدود، وصيدُها آمِن، وشجرُها لا يُقطَع، ومن أحدثَ فيها حدَثًا في الدين أو آوَى جانِيًا فعليه لعنةُ الله؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «من أحدثَ فيها حدَثًا أو آوَى مُحدِثًا فعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين، لا يُقبَلُ منه يوم القيامة صرفٌ ولا عدلٌ» (متفق عليه).

 

وبيّن فضيلته أن الله صانَها من مرضٍ مُهلِكٍ؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «على أنقابِ المدينةِ ملائكةٌ لا يدخلُها الطَّاعُون ولا الدجَّال»(متفق عليه).

ودعَا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ألا يكونَ فيها أيُّ وباءٍ، فقال: «اللهم صحِّحها»(رواه أحمد).

 

وأكَّد الشيخ أن: السُّكنَى فيها أفضلُ من السُّكنَى في غيرِها ولو كان غيرُها أرغَدَ عيشٍ منها؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «يأتي على الناسِ زمانٌ يدعُو الرجلُ ابنَ عمِّه وقريبَه: هلُمَّ إلى الرخاء! هلُمَّ إلى الرخاء! والمدينةُ خيرٌ لهم لو كانوا يعلَمون»(رواه مسلم).

 

ولطِيبِها ينصَعُ ذِكرُ ساكنِها من أهل الإيمان؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «وينصَعُ طيِّبُها»(رواه البخاري).

وكذا الأعمالُ الصالحةُ فيها تنصَعُ وتظهرُ في الآفاق. والمُسلمُ إن صبرَ على شدائِدِها نالَ شفاعةَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أو شهادتَه، ومن ماتَ بها وهو مؤمنٌ كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - شفيعًا له يوم القيامة؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «من استطاعَ منكم أن يموتَ بالمدينة فليمُتْ بها؛ فإني أشفعُ له أو أشهدُ له» (رواه النسائي).

 

مدينةٌ مُباركةٌ بدعوةِ النبي - صلى الله عليه وسلم - لها؛ بل البركةُ مُضاعفةٌ مرتين عما في مكَّة؛ بل دعا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن تكونَ مع كل بركةٍ بركتَين، فقال: «اللهم اجعَل مع البركة بركتَين». وطعامُها وشرابُها أيضًا مُبارَكٌ؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «اللهم بارِك لنا في صاعِنا، اللهم بارِك لنا في مُدِّنا»(رواه مسلم).

 

وأضاف الشيخ مستعرضًا فضائل المدينة وذكر أن ثِمار المدينة مُباركةٌ؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «اللهم بارِك لنا في ثَمَرِنا»(رواه مسلم)، وتمرُ عجوة عالِيَتها شِفاءٌ، والعجوةُ فيها من غير العالِيَة تمنعُ السُّمَّ والسِّحر، وأيُّ تمرٍ فيها غير العجوة يمنَعُ السُّمَّ - بإذن الله -.

 

ونوّه إلى أن فيها مسجِدُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولُ مسجِدٍ أُسِّس على التقوى، وهو أحدُ المساجِد الثلاثة التي بنَاها أنبياءُ الله - عليهم السلام -، وتُشدُّ إليها الرِّحال، الصلاةُ فيه خيرٌ من ألفِ صلاةٍ فيما سِواه إلا المسجِد الحرام.

 

وأضاف: في المدينةِ مسجِدُ قُباء، أُسِّس على التقوى من أول يوم، كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يزورُه كل يومِ سبتٍ ماشيًا وراكِبًا، «ومن تطهَّر في بيتِه ثم أتَى مسجِد قُباء فصلَّى فيه صلاةً كانت له كأجرِ عُمرة»(رواه ابن ماجه).

 

وفيها جبلُ أُحُدٍ يحبُّ المسلمين ويحبُّونَه؛ قال - عليه الصلاة والسلام - عنه: «هذا جبلٌ يُحبُّنا ونُحبُّه»(متفق عليه).

 

ولعظيمِ فضلِ المدينةِ أحبَّها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حبًّا جمًّا، ودعَا أن يكون حبُّه لها كحُبِّه مكَّة أو أشدَّ؛ فكان يقول: «اللهم حبِّب إلينا المدينةَ كحُبِّنا مكة أو أشدَّ»(رواه البخاري). وكان إذا فارقَهَا لسفَرٍ ثم قدِمَ إليها ورأى بيوتَها أسرعَ في المشيِ إليها محبَّةً لها.

 

وأوصى الشيخ في ختام خطبته المصلين بالحرص على زيارة المدينة وحسن عمارتها، فقال: زيارةُ المدينة منَّةٌ من الله عظيمة؛ فكم من مُسلمٍ تعذَّر عليه زيارتُها أو ماتَ قبل تحقيقِ مُناهُ برُؤيتها، ومن منَحَه الله زيارةَ المدينة فليتذكَّر منزلتَها وفضلَها عند الله، وليعمُر وقتَه بالأعمال الصالِحة من صلاةٍ، وتلاوةِ قُرآنٍ، وذِكرٍ، وغير ذلك.

 

وليجعَل من حبِّه لها باعِثًا للاقتِداء بخيرِ البريَّة في كل أحوالِه، مع الحذَرِ من الوقوعِ في البِدَع والمعاصِي فيها أو بعد فِراقِها، وأن يُعامِلَ أهلَها بأحسَن خُلُق.

 

ومن رزَقَه الله سُكنَى المدينة فليكُن قُدوةً صالحةً لزُوَّارها، وأن يُرِيَهم من نفسِه صالِحًا بحبِّ الخير، وكرمِ النفس، والقولِ والفعلِ الحسنِ معهم؛ مُتأسِّيًا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات