مختصر خطبتي الحرمين 9 من ذي الحجة 1435هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

من سعَة عفوِ الله: تنوُّع مُكفِّرات الذنوب، ومن مُكفِّرات الذنوب: إسباغُ الوضوء، وذِكرُ الله عقِبَ الفرائِض، وكثرةُ الخُطا إلى المساجِد، وصيامُ رمضان، وصيامُ يوم عرفة، ويوم عاشُوراء، وقول: سبحان الله وبحمده مائة مرَّة، ودُعاء كفَّارة المجلِس، والعُمرةُ والحجُّ، وأداءُ الصلاة المفروضة، والصدقةُ، والصبرُ، وحضورُ مجالِس الذِّكر، والصلاةُ على النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ كلُّها من مُكفِّرات الذنوب.

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ سعود الشريم -حفظه الله- خطبة الجمعة بعنوان: " يوم عرفة .. فضائل وأحكام"، والتي تحدَّث فيها عن فضائل يوم عرفة، وأفضل الأعمال في هذا اليوم، وأهم ما ينبغي على الحجيج فعله من المناسك ليتم لهم حجهم.

 

وأوصى الشيخ المصلين بتقوى الله –سبحانه وتعالى- وخشيته في كل حال وحين.

 

وأضاف الشيخ: إنَّ من حِكمة اللهِ ورحمتهِ بعباده أن جعل لهم مواسم يتزودون فيها من التقوى والإنابة والقربِ منهُ سبحانه، فما تخرجُ الأمة من موسمِ عبادةٍ إلا وهيَ تستقبلُ موسمًا آخر؛ لتترادفَ صِلتُهُم بالله ينالونَ من نفحاتها، ويغنمون من بركاتِها، ويجعلونها سُلماً إلى رحمةِ اللهِ ورضوانه.

 

ولقد ملأ ربنا -جل شأنه- العشر من ذي الحِجة بفضائلَ من الطاعات والبركات، يشتركُ فيها الكبيرُ والصغير، والضعيفُ والقوي، والذكرُ والأنثى؛ صومٌ وذِكرٌ وتكبيرٌ وصدقةٌ وحجٌ إلى بيتهِ الحرام، خص فيها جمع عرفة حينَ يُباهي بِهم ملائكته فيشهدهم أنه قد غفر لهم.

 

وأضاف الشيخ: ومن كرم الله وإحسانه أنه لم يقصر المنفعة في هذا اليوم على الحاج فحسب، بل وسعت كل مَن لم يكتب لهُ قصد بيتِ الله الحرام أن يصومَ يومَ عرفة مُحتسباً ذالكَ عند الله فإنَّ فيهِ كفارة عامين عاماً مضى وعاماً يُستقبل، فقد قال صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه: "صيامُ يومِ عرفة أحتسبُ على الله أن يُكفّرَ السنةَ التي قبله والسنة التي بعده" رواه مُسلم.

 

وبيّن الشيخ بعضًا من مقاصد الحج قائلاً: إنَّ شيئاً قليلاً من التأمل في حجةِ النبي -صلى اللهُ عليهِ وسلم- يجعلُ كلّ ذي لبٍ وبصيرة يُدركُ البركةَ الكُبرى في شعيرةِ حجِ بيتِ اللهِ الحرام، ويلمسُ حسّاً ومعنَى ما في حجة الوداع التي حجها النبي -صلى اللهُ عليه وسلم- من عِبرَ وعظاتٍ وفقهٍ وحِكمٍ في السياسةِ الشرعية والاقتصاد والاجتماع والأسرة، وقبل ذالك كُلهِ عقيدة التوحيد التي لا يصح الإيمانُ إلا بها، فإنَّ اللهَ -جلَ شأنه- لم يأمرِ الخليلَ ببناء البيت إلا لإقامةِ التوحيد، ولم يشرعَ الحج إليه إلا لإقامة التوحيد.

 

ونوّه الشيخ لأهمية استشعار الأخوة والرابطة الإيمانية بين المسلمين فقال: انظروا إلى المشهدِ الرهيب والجمعِ الجليل على صعيدِ عرفات يجأرونَ فيهِ بلغاتٍ مُختلفة إلى ربٍ واحد، مُختلفةً ألوانُهم ولغاتهم، ولباسهم واحد، ونُسكهم واحد، لا فضلَ لأحدٍ على أحد في وقوفٍ أو رميٍ، أو مبيتٍ أو طوافٍ، أو سعي؛ إذ لا واسطة في القربِ إلى الله، ولا مُحاباةَ لأحدٍ فيما شرعهُ الله؛ كُلهم يُلبي تلبيةً واحدة: لبيكَ اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمدَ والنعمةَ لك والملك لا شريك لك.

 

وأوصى الشيخ الحجيج في ختام خطبته قائلاً: اعلموا حجاج بيتِ الله أنهُ يُشرعُ للحاجّ أن يتفرغ للدعاء عشية عرفة، يسأل الله فيهِ من خيري الدنيا والآخرة، ولا يدعو فيها بإثمٍ أو قطيعة رحِم، فإذا غربت الشمس من يومِ عرفة دفع الحاجُ منها إلى المزدلفة بسكينةٍ ووقار خاشعاً مُتذللا ً للهِ –سُبحانه-.

 

فإذا وصلَ المُزدلفة صلى بها المغربَ والعِشاء بأذانٍ وإقامتين، وجلسَ بها، فإذا صلى الفجر دعا الله -جل وعلا- حتى يُسفر، ثمّ يتوجهُ إلى مِنى وهو يُلبي حتى يرميَ جمرةَ العقبة، فإذا رماها بسبعِ حصياتٍ يكبّر مع كل حصاة حصل لهُ التحللُ الأول.

 

فإذا فرغَ من الرمي نحرَ هديه إن كان عليه هدي، ثم يحلقُ رأسه أو يُقصره، والحلقُ أفضل؛ لأن النبي -صلى اللهُ عليهِ وسلم- دعا بالرحمةِ للمحلقينَ ثلاثاً، وللمقصرينَ مرةً واحدة، هذا ما ينبغي للحاج فعله هذا اليوم، وصباحَ يومِ العيد، تقبلَ اللهُ من الحجاجِ حجهم، ومن الصائمينَ صومهم.

 

المدينة النبوية:

 

من جانبه ألقى فضيلة الشيخ عبدالباري الثبيتي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "مظاهر عفو الله تعالى عن عباده"، والتي تحدَّث فيها عن سعة رحمة الله تعالى بعباده، وعفوه عنهم، وكثرة مكفرات الذنوب، وحذر من الاغترار بهذا العفو حتى لا يقع العبد في الذنوب والعصيان، وحث على إظهار شعائر الإسلام في أيام العيد.

 

وأوصى فضيلته المصلين في بداية خطبته بتقوى الله تعالى.

 

وأضاف فضيلته: عفوُ الله كلمةٌ تبعثُ السَّكينةَ في النفس، والطُّمأنينةَ في القلب، والثقةَ فيما عند الله، (وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) [النساء: 99].. يعفُو عن المُذنِب، ويغفِرُ للمُسيء، ويتجاوزُ عن الخطَّائين، (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [الشورى: 25].. عفوُه - سبحانه - الذي وسِع الورَى، يُنبِئُ عن السَّتر، ويشملُ محوَ السيئات. عظيمُ عفو الله وحُسن تجاوُزه من كُنوز العرش.

 

وبيّن فضيلته سعة رحمة الله بعباده فقال: من جميل عفوِ الله - عباد الله-: أنه يحبُّ التوابين، ويفرَحُ بأوبَتهم إليه؛ فماذا يُريدُ العاصِي من ربِّه بعد ذلك؟! واستدل بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي قال فيه: «للهُ أشدُّ فرحًا بتوبة عبدِه المؤمن من رجُلٍ في أرضٍ دوِّيَّةٍ مهلِكة، معه راحلَتُه عليها طعامُه وشرابُه، فنامَ فاستيقظَ وقد ذهبَت، فطلبَها حتى أدركَه العطش، ثم قال: أرجعُ إلى مكاني الذي كنتُ فيه فأنامُ حتى أموت، فوضعَ رأسَه على ساعِدِه ليموت، فاستيقظَ وعنده راحِلتُه وعليها زادُه وطعامُه وشرابُه، فالله أشدُّ فرحًا بتوبة العبدِ المؤمن من هذا براحلتِه وزادِه».

 

وأضاف الشيخ: ومن سعَة عفوِ الله - عباد الله -: مُضاعفةُ الحسنات، والثوابُ على الهمِّ بها دون السيئات..، ومن جميل عفوِ الله: أن يُبدِّلُ السيئات حسنات، فإذا أقلَع العبدُ عن الحرام، وباشَرَ أسبابَ التوبة والطاعة؛ ازدادَ إيمانًا مع إيمانِه؛ فتقوَى شواهِدُ الإيمان في قلبِه، فيُكرِمُه الله بجميلِ عفوِه، قال الله تعالى: (لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الزمر: 35].

 

فما أوسعَ وأجملَ عفوه -سبحانه-، المرءُ يعصِي، ويُذنِب، ويسرِق، ومع ذلك يُبدِّل الله السيئات حسنات.. أيُّ كرمٍ هذا؟! وأيُّ فضلٍ أعظمُ من هذا الفضل؟! (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [الفرقان: 70].

 

وأضاف فضيلته: ومن سعَة عفوِ الله: أن رحمتَه تسبِقُ غضبَه، وعفوَه يسبِقُ عقابَه. أخرجه البخاريُّ من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الله لما قضَى الخلقَ، كتبَ عندَه فوقَ عرشِه: إن رحمتِي سبقَت غضبِي».

 

ونوّه الشيخ بفضيلة إمهال الله لعبادِه قبل مُؤاخَذَتهم؛ فهو -سبحانه- يُقابِلُ جهلَ العباد بالحِلمِ، والذنوبَ بالمغفرة، والمُجاهَرةَ بالسَّتر، والجُحودَ بالإنعام، كما في الحديث: «لا أحدَ أصبرُ على أذًى يسمعُه من الله -عز وجل-؛ إنه يُشرَكُ به، ويُجعلُ له الولد، ثم هو يُعافِيهم ويرزُقُهم».

 

وأضاف الشيخ أن: من سعَة عفوِ الله: تنوُّع مُكفِّرات الذنوب، ومن مُكفِّرات الذنوب: إسباغُ الوضوء، وذِكرُ الله عقِبَ الفرائِض، وكثرةُ الخُطا إلى المساجِد، وصيامُ رمضان، وصيامُ يوم عرفة، ويوم عاشُوراء، وقول: سبحان الله وبحمده مائة مرَّة، ودُعاء كفَّارة المجلِس، والعُمرةُ والحجُّ، وأداءُ الصلاة المفروضة، والصدقةُ، والصبرُ، وحضورُ مجالِس الذِّكر، والصلاةُ على النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ كلُّها من مُكفِّرات الذنوب.

 

ومن سعَة عفوِ الله: أن الشرَّ يخُصُّ صاحبَه، والخيرَ يعمُّ حاضِرَه، قال الله تعالى: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ) [العنكبوت: 40].

 

ومن كرمِه -سبحانه-: أن الرحمةَ تعمُّ كالمطر، وتشملُ جليسَ الأخيار، وإن لم يكُن منهم، «همُ القومُ لا يشقَى بهم جليسُهم».

 

ومن سعَة عفوِ الله: مُناداةُ الكافرين إلى التوبة، (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) [الأنفال: 38]، فإذا كان يُغفَرُ للكفار ما قد سلَف؛ فكيف بعُصاة المؤمنين إذا تابُوا؟!

 

وأضاف فضيلته: أن عفو الله -عباد الله- جلاءٌ للهُموم والغُموم؛ ففي غزوةِ أُحُد أصابَ الصحابةَ غمٌّ وحُزنٌ بعد مُخالفة الرُّماةِ لأمرِ النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال تعالى: (وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ)[آل عمران: 152]، عفا عنكم لكي لا تحزَنوا، ولتكون حلاوةُ عفوِه تُزيلُ عنكم ما فاتَكم من غمِّ القتل والجرحِ.

 

ومن هديِ النبي -صلى الله عليه وسلم-: الحِرصُ على طلبِ العفوِ والعافية، وكان يسألُ الله حين يُصبِحُ وحين يُمسِي: «اللهم إني أسألُك العفوَ والعافيةَ في ديني ودُنياي، وأهلي ومالي».

 

وحثَّ الشيخ المسلمين على طلب العفوِ في المواسِم الفاضِلة، ومواطِن الإجابة أولَى وأعظم، ونحن اليوم في موسِمٍ عظيم، ويومٍ مشهود؛ فعن عائشة -رضي الله عنها-، قالت: يا رسولَ الله! أرأيتَ إن علِمتُ أيُّ ليلةٍ ليلةُ القدر ما أقولُ فيها؟ قال: «قُولي: اللهم إنك عفوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنِّي».

 

وإذا أراد العبدُ أن ينالَ العفوَ فعليه بالصدقِ مع الله، مع الذين صدقَت نيَّاتُهم، واستقامَت قلوبُهم وأعمالُهم، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119]، ومن داومَ على طاعة الله فازَ بعفوِ الله.

 

وحذر الشيخ من إساءة فهم نصوص الرحمة والعفو فقال: ومع هذا الفضل العظيم والعفو الجَزيل؛ يحذرُ المرءُ من الاغتِرار بعفوِ الله وعظيم كرمِه، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) [الانفطار: 6]، وقد سُئِل الفُضيل بن عياض: يا فُضيل! لو وقفتَ بين يدَي مولاك -سبحانه-، وسألَك: عبدي! ما غرَّك بي؟ ماذا كنتَ تقول؟ قال: "أقولُ: غرَّتني سُتورُك المُرخاة"؛ أي: سترُك عليَّ غرَّني.

 

وختم الشيخ خطبته بالحث على إحياء المواسم الفاضلة بذكر الله -تعالى- قائلاً: وينبغي  في هذا الأيام إظهارُ شعائِر الإسلام، ومنها: التكبيرُ المُقيَّدُ عقِبَ الصلوات الفرائِض، الذي يبدأُ من فجرِ يوم عرفة إلى غُروبِ شمسِ آخر أيام التشريق.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات