مختصر خطبتي الحرمين 2 من ذي الحجة 1435هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

إن الانتِصار هو انتِصارُ الدين، وليس انتِصار الأشخاص، انتِصارُ المبادئ والقِيَم والعقائِد الحقَّة، والحقائق الناصِعة.. انتِصارُ الإسلام في ظهور شعائِره؛ من توحيد الله وعبادته، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وعمارة المساجِد، ومظاهر الإحسان، والأمر بالمعروف، والنهي عن المُنكر، وعمارة الحرمين الشريفين.. أما تخلُّف السلطان المادي والقوة المادية عن أهل الحق، فلا يعنِي الهزيمةَ والضعفَ، ولا عدمَ الظهور؛ بل الظهورُ والغلَبَة والانتِصار هو للقضايا والمبادئ، وللصابرين وللشهداء.

 

 

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "مظاهر انتصار الأمة"، والتي تحدَّث فيها عن معاني النصر في كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ووجوب تأمُّلها والأخذ بها، مُبيِّنًا مظاهر انتصار الأمة التي إن عملَت بها كان النصرُ حليفَها، كما ذكر مظاهر الضعف والهوان وأسباب تأخر النصر.

 

وأوصى الشيخ المصلين قائلاً: اعلموا أن من حاسبَ نفسَه ربِح، ومن نظرَ في العواقِب نجَا، ومن اتَّبَع هواه ضلَّ، ومن خافَ سلِم، ومن حلُم غنِم.

 

وأضاف الشيخ: معاشر المسلمين.. حُجَّاج بيت الله: لا يخفَى ما تعيشُه الأمةُ من فتنٍ ومحَنٍ في كثيرٍ من دِيارِها .. سالَت فيها دماء، وشُرِّد فيها مُشرَّدون، وتكالَبَ عليها الأعداء.

 

والحديثُ - حفظكم الله - ليس حديثَ تلاوُمٍ ولا تشكِّي، ولا حديثَ يأسٍ وتخاذُل، ولقد قال - عز وجل - مُخاطِبًا أفضلَ رُسُله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين معه:  (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) [البقرة: 214].

 

والنبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال له أصحابُه وهم مُستضعَفون: ألا تستنصِرُ لنا؟ ألا تدعُو لنا؟ فقال - عليه الصلاة والسلام -: «كان الرجلُ فيمن قبلَكم يُحفَر له في الأرض فيُجعَل فيه، فيُجاءُ بالمِنشار فيُوضَعُ على رأسه فيُشقُّ باثنتَين، وما يصدُّه ذلك عن دينه. ويُمشَّطُ بأمشاط الحديد ما دون لحمِه من عظمٍ أو عصَبٍ، وما يصدُّه ذلك عن دينه» (أخرجه البخاري).

 

وأضاف الشيخ: لا مكان للقُنوطِ واليأسِ في زمان الاستِضعاف، ولا موضِع لفقدِ الأمل عند غِيابِ التمكين، ولكنَّه حديثُ انتِصار الإسلام وانتِشاره، وعزَّةُ الأمة وعلُوُّها، فقد قال - عزَّ شأنُه - وقولُه الحق -: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) [غافر: 51]، ويقول - جل وعلا -:  (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) [الصافات: 171- 173]..

 

وبيّن الشيخ أنه: في مثلِ هذه الظروف يحسُن التأمُّل في معاني النصر في كتابِ الله، والنظرُ في حقائقِ الانتِصار في دينِ الله؛ فخفاءُ ذلك والغفلةُ عنه قد يُوقِعُ في الاستِعجال، بل قد يُوقِعُ في التنازُل، وأشدُّ من ذلك أن يُوقِعَ في اليأس والقُنوطِ والعُزلَة.

 

بادِئَ ذي بدءٍ - حفظكم الله -، يجبُ التفريقُ بين انتِصار الدُّعاة والمُصلِحين، وبين ظُهور دين الله وانتِشار الإسلام؛ بل يُقال - بكل ثقةٍ وعزَّة - يجبُ عدمُ الربطِ بين ضعفِ الأمة واستِضعافِها، وبين انتِشار الدين وانتِصارِه..

 

ونوّه فضيلته إلى أن النصرَ ليس له صُورةٌ واحدةٌ، ولا مظهرٌ واحدٌ، كما دلَّ على ذلك كتابُ الله وسنةُ نبيِّه محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-.

 

وهذا -رعاكم الله- استِعراضٌ لبعض أنواع النصر، ومظاهر الانتِصار؛ ليقوم المسلمُ بمسؤوليَّته، وليخدم دينَه، ويحفَظ أمَّتَه، ويكون على بصيرةٍ من أمرِه، وبيِّنةٍ من مسيرته:

 

أولُ أنواع النصر ومظاهر الانتِصار: ما يعرِفُه الناس ولا يكادُون يعرِفون غيرَه، وهو: النصرُ بالغلَبَة وقهر الأعداء وظهورُ أهل الحق، ويكادُ يكون هذا النوعُ هو الذي ينتظِرُه الناس، ويتعلَّقُون به ويُحبُّونه، ويجعلُونَه مِقياسَ نجاح أعمالهم، وميزانَ ابتِلائِهم..

 

وأضاف الشيخ: ومن أنواع النصر ومظاهر الانتِصار - معاشر الأحبَّة -: إهلاكُ المُكذِّبين، ونجاةُ المُرسَلين والمؤمنين، كما نصرَ الله نبيَّه نوحًا - عليه السلام -، وهو الذي لبِثَ في قومِه ألفَ سنةٍ إلا خمسين عامًا.

 

ومن مظاهر الانتِصار - عباد الله -: النصرُ بالانتِقام من الأعداء المُكذِّبين بعد وفاة الأنبياء والدعاة المُصلِحين.

 

وأضاف الشيخ: ومن مظاهر النصر - حفظكم الله -: النصرُ بالحُجَّة وصحَّة الدليل والبُرهان، يقول الإمامُ ابن جرير - رحمه الله - في قوله - عزَّ شأنُه -: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ) [الصافات: 171]: "أي أن لهم النصر والغلَبَة بالحُجَج".

 

ومن أنواع النصر العجيبة، ومظاهره الغريبة: النصرُ بالهِجرة وتحمُّل الأذى والقتل، وكم قُتِل من الأنبياء والذين يأمُرون بالقِسطِ من الناس، ومنهم من طُرِد، ومنهم من هاجَرَ، ومنهم من لم يتَّبِعه أحد، ومنهم من تبِعَه الرجلُ والرجُلان.

 

فيحصُلُ بالهجرة والأذى والطرد، إما الشهادة، وإما ظُهورُ الدين؛ فالهِجرةُ والسحنُ والتعذيبُ، وأنواعُ الابتِلاء، كلُّها معالِمُ نصرٍ في علوِّ الذكر، وزيادة الأتبَاع، وكفِّ الأعداء، (وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)[المنافقون: 8].

 

وأضاف الشيخ: ومن مظاهر النصر وصور الانتِصار: الثبات، والصبرُ على المُخالِف، واحتِسابُ الأجر، وعِظمُ البلاء، وهل أعظمُ نصرًا وأحسنُ توفيقًا من أن يُسدِّدَ الله عبدَه ليعلُو على شهواته، ويجتازَ العقَبَات بشجاعةٍ وثباتٍ؟!.

 

وأشار الشيخ إلى أنه: لو تأمَّل المُتأمِّل هذه المظاهر والأنواع من النصر والانتِصار ومظاهره، لعلِمَ سعةَ فضل الله وحِكمته، وقد تجتمعُ هذه الأنواعُ لبعضِ عبادِه، كما اجتمعَت لنبيِّنا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد انتصرَ بظهور الدين وتمامه وكماله، وهلاك المُكذِّبين، وانتصرَ بالهِجرة والبُرهان والحُجَّة، وحفِظَه الله من أعدائِه. ومثلُه موسى -عليه السلام-.

 

أما إبراهيم - عليه السلام -، فقد انتصرَ بالحُجَّة والهِجرة. ونوحٌ، وهودٌ، وصالحٌ، ولوطٌ، وشُعيبٌ - عليهم السلام - فانتصَروا بالصبر والثبات وهلاكِ أعدائِهم، ونجاتهم ومن معهم، أما المُؤمنون معهم فقليل.

 

وأضاف الشيخ: معاشر المسلمين: إن مسؤوليَّة المسلم أن يتأكَّد أنه سائرٌ على الجادَّة، وعلى نهج المُصطفى – صلى الله عليه وسلم – الذي دلَّ عليه بقولِه: «من كان على مثلِ ما أنا عليه وأصحابِي»، وقولِه – عليه الصلاة والسلام -: «عليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين من بعدِي، عضُّوا عليها بالنواجِذ، وإياكم ومُحدثات الأمور».

 

ومن روائع كلام الشيخ –حفظه الله- قوله: فالأمرُ لله من قبلُ ومن بعد، ولسنا سوى عبيدِه - سبحانه -، نتقرَّبُ إلى الله بعبادتِه وخدمتِه، والزُّلفَى لديه مؤمنين مُوقِنين بأن الأمرَ كلَّه لله، يخفِضُ ويرفع، ويُعطِي ويمنَع، ويُعزُّ من يشاء، ويُذلُّ من يشاء، وينصُرُ من يشاء، وهو المُقدِّمُ والمُؤخِّرُ، لا إله إلا هو.

 

وإذا فقِه المسلمُ ذلك فإنه لن يستَكينَ أمام ضغوطِ الظالِمين، ومُساوماتهم، واستِعجال الأتباع وعدم صبرِهم، سعيًا للحصول على بعضِ المكاسِب، وهي ليست مكاسِب ولكنها أشبه بمُسكِّنات. ناهِيكم بما قد يُبتلَى به من بعضِ التنازُلات.

 

وأكد فضيلته: أن الانتِصار هو انتِصارُ الدين، وليس انتِصار الأشخاص، انتِصارُ المبادئ والقِيَم والعقائِد الحقَّة، والحقائق الناصِعة .. انتِصارُ الإسلام في ظهور شعائِره؛ من توحيد الله وعبادته، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وعمارة المساجِد، ومظاهر الإحسان، والأمر بالمعروف، والنهي عن المُنكر، وعمارة الحرمين الشريفين بالحُجَّاج والعُمَّار والزوَّار والطائفين والقائمين والرُّكَّع السجُود.

 

أما تخلُّف السلطان المادي والقوة المادية عن أهل الحق، فلا يعنِي الهزيمةَ والضعفَ، ولا عدمَ الظهور؛ بل الظهورُ والغلَبَة والانتِصار هو للقضايا والمبادئ، وللصابرين وللشهداء.

 

وأكد الشيخ في ختام خطبته على أن: طريقَ الإسلام إلى القلوب والعقول مفتوح، وعصرُكم هو عصرُ الاتصالات والمعلومات. فاستبشِروا وأبشِروا، وأرُوا اللهَ من أنفُسِكم خيرًا، فبهذا تُعقَدُ ألويةُ النصر وموعود الحق، والعزَّةُ لله ولرسوله وللمؤمنين، ولكنَّ المنافقين لا يعلمون.

 

ومع كل هذه البشائِر والحقائق، فلا ينبغي إغفالُ موانِع النصر؛ من الظلم، والمعاصِي، والرُّكون إلى الكفار والذين ظلَموا، والغفلة عن الأولويات.. فأولُ الأولويات: توحيدُ الله وتحقيقُ مُقتضياتِه، والبُعد عن التحزُّب، وتفريق المؤمنين، وتنافُر القلوب، والاستِعجال. ودينُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - هو الدينُ الخاتم المحفوظ المُنتصِر، الذي لن تستطيع قوةٌ في الأرض أن تنالَ منه.

 

 

المدينة النبوية:

 

من جانبه ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "الحج .. آداب وفضائل"، والتي تحدَّث فيها عن شعيرة الحج وما يجب على المسلم فيها من واجبات وشروط، وما ينبغي عليه أن يتحلَّى فيها من أخلاق، ويعرف من فضائل وآداب، وذكر بعضَ هذه الفضائل، كما بيَّن أعمال الحج يوم النَّحر على الترتيب.

 

وأوصى فضيلته المصلين بتقوى الله تعالى قائلاً: أما بعد: فاتقوا الله حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقَى. واذكُروا عظيمَ رحمة الله –تعالى- بكم؛ إذ علَّمَكم ما لم تكونوا تعلمون، ومنَّ عليكم بأنواعِ العبادات التي تُطهِّرُكم من الرذائِل والشُّرور، وتنالُون بكل عبادةٍ أعظم الأجور والمنافِع في دُنياكم وأُخراكم، ولم يُعلِّمنا الله تعالى ويهدِنا لكنَّا مُتلبِّسين بالقبائِح والمُنكرَات.

 

وأضاف فضيلته: الحجُّ -فريضةً أو تطوُّعًا- من أعظم العبادات، وأفضل القُرُبات، وجزاؤُه وثوابُه العظيمُ في الدَّارَين، ومنافعُه لا تتحقَّقُ ولا ينالُها إلا من أخلصَ في الحجِّ نيَّتَه لله، وبرَّ في حجِّه، واقتدَى في مناسِكِه بسُنَّة رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.

 

والحجُّ مجمعٌ كبيرٌ من مجامِع المُسلمين، يجتمعُ في العالِم والعامِّيُّ، والحاكمُ والرَّعيَّة، والذكرُ والأُنثَى، والصغيرُ والكبيرُ، والصحيحُ والمريضُ، والغنيُّ والفقيرُ.

 

وله أركانٌ وشروطٌ وواجِبات، وآداب وفضائل، وأخلاقٌ كريمات، من استكملَها غُفِرَت سيئاتُه، وتضاعَفَت حسناتُه، وارتفعَت في الجنات درجاتُه، قال - صلى الله عليه وسلم -: «من حجَّ فلم يرفُث ولم يفسُق رجعَ كيوم ولدَتْه أمُّه» (رواه البخاري ومسلم). وقال - صلى الله عليه وسلم -: «الحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة» (رواه البخاري ومسلم).

 

وأضاف فضيلته: والمسلمون في الحجِّ تجمعُهم أُخُوَّة الإسلام، يتراحَمون بينهم، ويتعاطَفون، ويتعاوَنون، ويتواصَلون، ويتباذَلون، قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10].

 

ونوّه الشيخ بفضل حسن الخلق في الحج وغيره قائلاً: ما أحسنَ الآداب والأخلاق والفضائل التي أُمِر المُسلمُ أن يتَّصِف بها، ويتخلَّق بها في الحجِّ وفي غير الحجِّ، ولكنها في الحجِّ آكَد وأعظم.

 

من تلك الآداب والأوامر: تركُ الجِدال والمِراء بغير حقٍّ؛ لأنه يُورِثُ الشحناء والتعصُّب، ويُوغِرُ الصدور. والحجُّ يجتمعُ فيه الناسُ من كل جنسٍ، وهو مظنَّةُ الجِدال، فنُهِيَ المسلمُ عن الجِدال في الحجِّ، قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) [البقرة: 197].

 

ومن تلك الفضائل: الصدقة، وبذلُ الطعام، وإفشاءُ السلام، ولِينُ الكلام؛ لأن الحجَّ موسِمُ إحسانٍ وصدقة، وصفاءٍ، وقد فُسِّر الحجُّ المبرورُ بذلك.

 

ومن تلك الأخلاق والآداب المأمور بها: اجتِنابُ المُحرَّمات والباطل من الأقوال، والإكثار من الذكر والتلبِية، وقراءة القرآن؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنما جُعل الطوافُ بالبيت وبالصفا والمروة ورميُ الجِمار لإقامة ذِكر الله»؛ رواه أحمد من حديث عائشة -رضي الله عنها-. وهذا يعُمُّ أعمالَ الحجِّ؛ فهي شُرِعَت لأجل إقامة ذِكر الله.

 

وبيّن فضيلته أن: من تلك الفضائل المأمور بها في الحج وغيره: سلامةُ الصدر للمُسلمين، والنُّصحُ لهم، وسلامةُ الصدر من أكبر نعَم الله على العبد، وقد وصفَ الله المؤمنين بسلامةِ الصدر، فقال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر: 10].

 

وأكّد فضيلته أن اجتماعَ الإخلاص والنُّصح لوُلاة الأمر، ولُزوم جماعة المُسلمين بعدم الخُروج عليهم تنفِي من القلبِ الغلَّ والحسَد، والحقدَ، والمكرَ، والغِشَّ، والخديعةَ والغَدر؛ لأن اجتماعَ هذه الخِصال الثلاث في المُسلم حافِظةٌ له من الشَّيطان، ويدخلُ بها المُسلم في دُعاء المُسلمين الذي ينالُ به النجاة والسعادة، ويُحفَظُ بهذه الخِصال في حِصن الإسلام.

 

وكلُّ مُسلمٍ يفرحُ باجتِماعِ المُسلمين في الحجِّ ووحدتهم، فمن استكمَلَ أعمالَ الحجِّ فقد أحسنَ إلى نفسه وإلى المسلمين، ومن سلِمَ له حجُّه سلِمَ له عُمرُه، ومن جاء إلى الحجِّ ليُؤذِيَ المُسلمين، أو جاء لمعصيةٍ، أو جعلَ الحجَّ وسيلةً إلى مقاصِد لا يُقرُّها الإسلام، أو أراد أن يُغيِّر تعاليمَ الحجِّ إلى مظاهر مُنحرِفة، أو إلى أهداف مُبتدِعة فقد ألحَدَ في بلد الله الحرام.

 

وحثَّ الشيخ جموع الحجيج التي تلتَفُّ حول الكعبةِ بأجسادِها، أن تنبُذ التفرُّق، وتتحد قائلاً: وهذا التجمُّع الإسلاميُّ الكبير في الحجِّ كلَّ عامٍ، وهذه الأُُخُوَّة الإسلاميةُ القويةُ الروابِط، وهذا التوحُّد في القيام بمناسِك الحجِّ يُذكِّرُ بمنافِع الحجِّ التي يشهَدُها المُسلِمون، فيتعلَّمُ الجاهلُ من العالِم، ويتعارَفُ المُسلِمون ويتعاضَدُون، ويُكمِّلُ بعضُهم بعضًا فيما قصَّروا فيه، ويجبُرون كسرَهم، ويتناصَرون في الدين، ويتعاوَنون على ما يصلُحُ لهم في دُنياهم، وينتفِعون بدُعائِهم المُستجاب في تلك الأماكِن المُقدَّسة، وينقلِبُون بحُسن العاقِبَة في الآخرة، ويشفَعون فيمن دعَوا له.

 

كما يُذكِّرُنا هذا المشهَدُ المُتوحِّد، والجمعُ المُبارَك، وتآلُف القلوبِ فيه من كل جنسٍ بما دبَّ إلى المُسلمين من الفُرقة والاختِلافِ والتدابُر والتنافُر، فيقولُ كلُّ مُسلم ناصِحٍ: ليتَ المُسلمين يتوحَّدون ويجتمِعون على الحقِّ كما يجتمِعون في الحجِّ..

 

وحثّ الشيخ المسلمين على أن يتدارَسُوا أسبابَ الخِلاف والفُرقة والتدابُر، وأسباب الانحِراف في الأفكار الضالَّة، واعمَلوا على القضاء على أسباب الانحِراف في الأفكار الضالَّة، فما من مُعضِلة إلا ولها حلٌّ في الإسلام في كتاب الله وسُنَّة رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فالأمةُ في أشدِّ كُرُباتها ومُعضِلاتها تنتظِرُ جهودَكم وأعمالَكم المُصلِحة الصالِحة.

 

وأوصى الشيخ الحجيج بأن: من وُفِّق منكم للحجِّ فليَعتَنِ بحجِّه أشدَّ العناية، وليقُم بأركانِه وواجِباتِه وشُروطِه، ولا يزهَدَنَّ في مُستحبَّاته، وأعظمُ أركانِه: الوقوفُ بعرفَة - ذلك اليوم المشهود -، وطوافُ الإفاضة، والسعي.

 

ومن أعظم واجِباته: المبيتُ بمُزدلِفة، والرميُ، والمبيتُ بمِنَى. وأعمالُ الحجِّ يوم النَّحر هي على الترتيب: الرميُ، ثم النَّحرُ، ثم الحلقُ، ثم طوافُ الزيارة، والسعي لمن لم يُقدِّمه، ولا حرجَ في تقديمِ بعضِها على بعضٍ، إلا السعي فيكونُ بعد الطواف.

 

وختم الشيخ خطبته بالتذكير باغتنام ما تبقى من عشر ذي الحجة قائلاً: فاستكثِروا في هذه العشر من الأعمال الصالِحة؛ عن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من أيامٍ أحبُّ إلى الله العملُ الصالحُ فيهنَّ منه في عشر ذي الحجة». قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلٌ خرجَ بنفسِه ومالِه فلم يرجِع من ذلك بشيءٍ».

 

فاستكثِروا فيها من الصدقة، والصيام، والذكرِ، والأعمال الصالِحة. وهنَّ الأيامُ المعلومات في القرآن، قال الله تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ)  [الحج: 28].

 

وكان ابن عُمر وأبو هريرة يخرُجان إلى السوق فيُكبِّران في هذه العشر، فيُكبِّرُ الناسُ بتكبيرهما. وفيها يومُ عرفة؛ فمن صامَه فهو يُكفِّر السنةَ الماضِية والآتية..

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات