مختصر خطبتي الحرمين 10 من ذي القعدة 1435هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

الحياةُ تمضِي بما يلقَى الإنسانُ من شدَّة ورخاء، وحِرمان وعطاء، ولا تتوقَّفُ الحياةُ على نَيل الإنسان حقوقَه الواجِبة له، وعند الله تجتمِعُ الخُصوم، فيُعطِي اللهُ المظلومَ حقَّه ممن ظلمَه وضيَّع حقَّه.. فإن ضيَّع المُكلَّف وترك حقوقَ الخلق الواجِبةَ فقد حرمَ نفسَه من الثواب في الدنيا والآخرة، وإن قصَّر في بعضِها فقد حُرِم من الخير بقدر ما نقصَ من القيام بحقوق الخلق.

 

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ أسامة بن عبد الله خياط - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "المسؤولية تجاه الأبناء في ضوء الكتاب والسنة"، والتي تحدَّث فيها عن المسؤولية تجاه الأولاد وما يجب نحوهم، مُبيِّنًا مظاهر الرحمة في التعامل معهم وفق نصوص الكتاب والسنة، مُشيرًا إلى بعض الأخطاء المنتشرة في تربية الأولاد.

 

وأوصى فضيلته المصلين بتقوى الله -عز وجل– لأن تقوى الله خيرُ زادٍ تقدُمون به على ربِّكم، وتطيبُ به حياتُكم، وتزكُو به أعمالُكم.

 

وأضاف الشيخ: إن بين ما يمُنُّ الله به على عباده من نعمٍ، وبين ما يُوجبُه عليهم إزاءَها من مسؤولية، رِباطًا وثيقًا يُوجبُ العنايةَ بها، وأداءَها على الوجه الذي يرضاهُ - سبحانه -، ويُثيبُ عليه أحسنَ الثواب، ويُفيضُ به الثناء ويُسبِغُ به النعماء.

 

ولذا جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - كلَّ المُكلَّفين رُعاةً لما تحت أيديهم، وما أُسنِد إليهم حفظُه، وحُمِّلوا أمانتَه، والقيامَ عليه بما يُصلِحُه، ويبلُغ به الغايةَ في استِدامة النعمة به، واستيفاء الفضل فيه، واستِبقاء الحمد عليه.

 

وأضاف فضيلته: ولئن كانت الأماناتُ ضروبًا وألوانًا كثيرة، فإن من أجلِّها منزلةً، وأعظمها مقامًا: أمانة الأولاد ذُكرانًا وإناثًا، فإن النعمةَ به من أطهر النِّعم؛ إذ هم ثِمارُ القلوب، ورياحينُ النفوس، وفلَذاتُ الأكباد، وزينةُ الحياة الدنيا وبهجتها.

 

وأضاف الشيخ: وكما أوجبَ الله الإحسانَ إلى الوالدَين ببرِّهما بكلِّ ألوانِ البرِّ، وقال - عزَّ من قائل -:  واعبدوا .. إحسانا ..  الآية. فكذلك أمرَ - سبحانه - الوالِدَ بإعانة ولده على برِّه، فلا يُكلِّفُه من الطاعة ما لا يُطيق، ولا يُرهِقُه من أمره عُسرًا، ولا يكون من أولئك الذين لا يعرِفون من الحقوق إلا ما كان لهم، ولا يأبَهون لما لغيرهم عليهم منها؛ فإن هذا من التطفيف في المعاملة، حرِيٌّ بالمؤمن أن يجتنِبَه كما يجتنِب التطفيفَ في الكَّيل والوزن.

 

وبيّن فضيلته أن في الطَّليعة من أسباب الإعانة على البرِّ: الرحمة بالأولاد ذُكورًا وإناثًا، والعطفَ عليهم، والتطلُّفَ بهم؛ تأسِّيًا بهذا النبي الكريم الرؤوف الرحيم، الذي جعل الله لنا فيه الأُسوةَ الحسنة، والقُدوةَ الصالحة.

 

فقد أبصرَه الأقرعُ بن حابِس يومًا يُقبِّلُ الحسنَ - رضي الله عنه -، فقال مُتعجِّبًا: إن لي عشرة من الولد، ما قبَّلتُ واحدًا منهم. فقال - صلى الله عليه وسلم -: «إنه من لا يرحَم لا يُرحَم». وفي لفظٍ آخر: «أوَأملِكُ لك أن كان الله قد نزعَ من قلبِك الرحمة»؛ أخرجه الشيخان في "صحيحيهما".

 

ولما مات إبراهيمُ ابنُه ذرفَت عيناه - صلوات الله وسلامُه عليه -، وقال: «إن العينَ لتدمَع، والقلبَ يحزَن، ولا نقولُ إلا ما يُرضِي الربَّ، وإنا بفِراقِك يا إبراهيمُ لمحزونون»؛ أخرجه البخاري في "صحيحه".

 

وأضاف الشيخ: ألا وإن من أصدقِ الشواهد على حبِّ الولد: العنايةَ بتعليمه وحُسن تربيته، بجعل عمادها وأساسها: الدلالة على الخير، والاستِمساك به، والمِران والدُّربة عليه.

 

ويتجلَّى ذلك في أن يُحبِّبَ إليه سلوك سبيل الطاعة، ويُبغِّضَ إليه المعصية؛ ببيان حُسن العاقبة في الأولى، وسوء المُنقلَب وقُبحه في الثانية، مع كمال الحِرص على مُطابقة الأقوال للأفعال، والحذرِ التامِّ من التعارُض والتناقُض بين البيان بالقول والبيان بالفعل؛ إذ لا ضرر أعظمُ من أن لا تُصدِّق الأفعالُ الأقوالَ، فإن من هذا يكون الهدمُ بعد البناء، والنقضُ بعد الإبرام.

 

وبيّن الشيخ أن من أوضح دلائل الحبِّ للأبناء والبنات أيضًا: تعهُّدهم في باب الصُّحبة والمُجالسة، بعرضِ هذا المثلِ النبوي البليغ: «مثلُ الجليس الصالِح والجليس السوء كحامل المِسك ونافِخ الكِير؛ فحاملُ المِسك إما أن يُحذِيَك، وإما أن تبتاعَ منه، وإما أن تجِدَ منه ريحًا طيبة، ونافِخُ الكِير إما أن يُحرِقَ ثيابَك، وإما أن تجِد منه ريحًا خبيثة»؛ أخرجه الشيخان في "صحيحيهما".

 

ومنه يُعلَم عِظَمُ شأن الجليس الصالِح وقوة تأثيره على جليسِه، وجميل العاقبة في مُجالسته، وقُبح حال الجليس السوء، وشدَّة ضرره على من جالسَه، وسوء مُنقلَبه الذي بلغ مبلغًا عظيمًا في أعقاب الزمن؛ حيث كثُرت ألويةُ الباطل، وتنوَّعت مسالِكُ الغواية، وتعدَّدت سُبُل الضلال، وقام دُعاةٌ على أبواب جهنَّم، من أجابَهم إليها قذفُوه فيها.

 

ونوّه فضيلته بقول بعض العلماء: "إن التربية تختلفُ باختلاف الأزمان والبُلدان، فما لا يصلُح من قومٍ قد يصلُح عند آخرين، وما يحسُنُ في بلدٍ قد لا يحسُنُ في بلدٍ آخر، والعاقلُ من كان عنده لكل مقامٍ مقال، ولكل آنٍ شأن".

 

وأكد الشيخ في ختام خطبته على أنه ليس من الرحمة ما يصنعُه بعضُ الآباء من تدليل أولادهم، ورفع المسؤولية عنهم، وترك الحبل لهم على الغارِب، يفعلون ما يشاءون، وينشأون كما يُريدون، وإنهم ليُلبِسونهم الذهب والحرير، ويُعدُّون لهم الفراشَ الوثير، ولا يرُدُّون لهم طلبًا، ولا يمنعونهم من شيءٍ وإن كان فقرُهم ظاهرًا، وبُؤسُهم مُشاهَدًا.

 

فينشأون مُترَفين لا يصبِرون على مكروه، ولا يثبُتون لحادثٍ، ولا يكتَفون بما تيسَّر، ولا يشكُرون على نعمة، إن اغتنَوا كانوا مُسرِفين، وإن افتقَروا كانوا بائسين مساكين. تخُور قواهم، وتضعُفُ عزائِمُهم لأدنَى مُصيبة، وتضيقُ صدورهم، وتفيضُ أعيُنهم بالدمع لو اتَّسَخت ثيابُهم، أو تأخَّر طعامُهم.. وما ذاك إلا نتيجةُ التربية السيئة، وعاقبة الحبِّ الكاذب، والرحمة الزائفة. وخيرُ الأمور أوساطها؛ فالذي لا يرحَمُ أولادَه لا يرحَمُ أحدًا بعدهم أبدًا.

 

 

المدينة النبوية:

 

من جانبه ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "الحقوق الواجبة على العباد"، والتي تحدَّث فيها عن الحقوق التي أوجبَها الشرعُ على العباد؛ من حقوق لله تعالى، وحقوقٍ للوالدَين، وغير ذلك، وأفاضَ في ذكر حقوق الوالدَين على الأبناء، مُبيِّنًا عِظَم ذلك في الكتاب والسنة.

 

وأوصى فضيلته المصلين قائلاً: فاتقوا الله فلا تُضيِّعوا فرائِضَه، ولا تعتَدوا على حُدوده؛ فقد فازَ من اتَّقى، وخابَ من اتَّبعَ الهوى.

 

وأضاف فضيلته: أن أعمال العباد لهم أو عليهم، لا ينفعُ اللهَ طاعةُ الطائعين، ولا تضُرُّه معصيةُ العاصِين، قال الله تعالى:  (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) [الجاثية: 15]، وقال تعالى: (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ)  [غافر: 40].

 

واستدل فضيلته بقول الله - عز وجل - في الحديث القُدسي: «يا عبادي! إنكم لن تبلغُوا ضرِّي فتضرُّوني، ولن تبلغُوا نفعِي فتنفَعوني . يا عبادي! إنما هي أعمالُكم أُحصيها لكم، ثم أُوفِّيكم إياها؛ فمن وجد خيرًا فليحمَد الله، ومن وجد غيرَ ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسَه»؛ رواه مسلم من حديث أبي ذرٍّ - رضي الله عنه -.

 

وبيّن الشيخ أن: أداء الحقوق الواجبة على العبد نفعُها في آخر الأمر وأوله يعودُ إلى المُكلَّف بالثواب في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى:  (فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ) [الأنبياء: 94]، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) [الكهف: 30].

 

وأضاف الشيخ أن: حقّ الربِّ الذي يجبُ حفظُه هو التوحيد، وقد وعدَ الله عليه أعظمَ الثواب، قال تعالى:  (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ) [ق: 31]، ومن ضيَّع حقَّ الله - عز وجل - بالشرك به، واتخاذ وسائط من دون الله يعبُدهم ويدعُوهم لكشف الضُّرِّ والكُربات، وقضاء الحاجات، ويتوكَّل عليهم، فقد خابَ وخسِرَ وأشركَ بربِّه، وضلَّ سعيُه، لا يقبلُ الله منه عدلاً ولا فِدية، ويُقال له: ادخل النار مع الداخلين، إلا أن يتوبَ من الشرك.

 

وأضاف الشيخ: وإن ضيَّع المُكلَّف وترك حقوقَ الخلق الواجِبةَ فقد حرمَ نفسَه من الثواب في الدنيا والآخرة، وإن قصَّر في بعضِها فقد حُرِم من الخير بقدر ما نقصَ من القيام بحقوق الخلق.

 

والحياةُ تمضِي بما يلقَى الإنسانُ من شدَّة ورخاء، وحِرمان وعطاء، ولا تتوقَّفُ الحياةُ على نَيل الإنسان حقوقَه الواجِبة له، وعند الله تجتمِعُ الخُصوم، فيُعطِي اللهُ المظلومَ حقَّه ممن ظلمَه وضيَّع حقَّه.

 

وأعظمُ الحقوق بعد حقِّ الله ورسوله: حقوقُ الوالدَين، ولعِظَم حقِّهما قرنَ الله حقَّه بحقِّهما، فقال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [لقمان: 14].

 

وأضاف فضيلته: وعظَّم الله حقَّ الوالدَين؛ لأنه أوجدَك وخلقَك بهما، والأمُّ وجدَت في مراحل الحمل أعظمَ المشقَّات، وأشرفَت في الوضع على الهلاك، قال الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا) [الأحقاف: 15]، ورَضاعُه آيةٌ من آيات الله، والأبُ يرعَى ويُربِّي، ويسعَى لرزقِ الولد، ويُعالِجان من الأمراض، ويسهرَ الوالِدان لينام الولد، ويتعبَان ليستريح، ويُضيِّقان على أنفسهما ليُوسِّعَا عليه، ويتحمَّلان قذَارَة الولد ليسعَد، ويُعلِّمانه ليكمُل ويستقيم، ويُحبَّان أن يكون أحسنَ منهما.

 

فلا تعجَب - أيها الولد - من كثرة الوصيَّة بالوالدَين، ولا تعجَب من كثرة الوعيد في عقوقهما.

 

وبين الشيخ أن: الوالِدين بابان من أبواب الجنة؛ من برَّهما دخل، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «رغِمَ أنفُه، رغِمَ أنفُه، رغِمَ أنفُه». قيل: من يا رسول الله؟ قال: «من أدركَ أبوَيه عند الكِبَر أو أحدَهما ثم لم يدخُل الجنة»؛ رواه مسلم.

 

وأضاف قائلاً: إذا رضِيَ عنك والِداك فالربُّ راضٍ عنك؛ عن عبد الله بن عُمر - رضي الله عنهما -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «رِضا الله في رِضا الوالِد، وسخَطُ الله في سخَط الوالِد». حديث صحيح؛ رواه الترمذي، والحاكم في "المستدرك"، وقال: "حديث صحيح".

 

وبيّن الشيخ أن: برّ الوالدَين هو طاعتُهما في غير معصية، وإنفاذُ أمرهما ووصيَّتهما، والرِّفقُ بهما، وإدخالُ السرور عليهما، والتوسِعةُ عليهما في النفقة، وبذلُ المال لهما، والشفقةُ والرحمةُ لهما، والحُزنُ لحُزنهما، وجلبُ الأُنس لهما، وبرُّ صديقهما، وصِلةُ وُدِّهما، وصِلةُ رحِمهما، وكفُّ جميع أنواع الأذى عنهما، والكفُّ عما نهيَا عنه، ومحبَّةُ طول حياتهما، وكثرةُ الاستغفار لهما في الحياة وبعد الموت. والعقوقُ ضدُّ ذلك كلِّه.

 

وأضاف الشيخ أن: من أعظم العقوق للوالدَين: تحويلُهما أو تحويلُ أحدهما إلى دار المُسنِّين، وإخراجُهما من رعاية الولد - والعياذ بالله -. وهذه ليست من أخلاق الإسلام، ولا من كرم الأخلاق، ولا من الشَّهامة والمُروءة.

                                    

ومن أعظم العقوق: التكبُّر على الوالدَين، والاعتداءُ عليهما بالضرب والإهانة، والشتم، والحِرمان؛ عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الجنةَ يُوجد ريحُها من مسيرة خمسمائة عام، ولا يجِدُ ريحَها عاقٌّ»؛ رواه الطبراني.

وختم الشيخ خطبته بالتذكير بمكارم الأخلاق قائلاً: إن حقوق الوالدَين مع ما في القيام بها من عظيم الأجور والبركة، فهي من مكارِم الأخلاق، وأكرم الخِصال التي يقوم بها من طابَت سريرتُه، وكرُم أصلُه، وزكَت أخلاقُه. وجزاءُ الإحسان الإحسان، والمعروف حقُّه الرعاية والوفاء، والجميلُ يُقابَلُ بالجميل، ولا يُنكِرُ المعروفَ والجميل إلا مُنحَطُّ الأخلاق، ساقطُ المُروءة، خبيثُ السريرة.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات