اقتباس
وحذّر فضيلته من انسياق الإنسان وراء نفسه مع الاغترار بقوته وإعجابه بمكره وبطشه الذي يوهمه الشيطان بأنه فتوة، فيظلم ويتكبر ويطغى، فلا يرى حرمة لأحد، ولا يحفظ لسانه عن عرض، ولا يده عن بطش، وينسى أن الله عزيز ذو انتقام، وأنه يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.
أوضح إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور سعود الشريم أن الشريعة الإسلامية الغراء شريعة متكاملة تدل على كل خير وتحذر من كل شر، وأن من الخير الذي يتقى به الشر الحذر والحيطة اللذين علمنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- كيفية الأخذ بهما حتى في حياتنا الاعتيادية، باعتبارهما عملاً وقائيًا تدفع به الشرور والآفات، فهو القائل -صلى الله عليه وسلم-: "اعقلها وتوكل"، وهو الذي أمرنا بإطفاء السرج عند النوم وربط الأسقية حفاظًا عليها ونفض الفرش قبل النوم عليها، وغير ذلكم كثير.
وأفاد أن من أعظم الحذر، الحذر من مكر الله سبحانه؛ لأن من أمن مكر الله هلك وخسر، وإذا غفل الناس وقعوا في الخطأ فاستمرؤوه، ثم يلغون في غيره حتى تصيبهم قارعة أو تحل قريبًا من دارهم.
وشرح فضيلته في خطبة الجمعة اليوم في المسجد الحرام بمكة المكرمة أن الدنيا ملهية غرارة يتقلب المرء فيها بين خير وشر وفرح وترح وغنى وفقر ونصر وهزيمة، أيامها دول، ولياليها حبلى بما لا يدري ما الله كاتب فيها، إن سره زمن فيها ساءته أزمان أخرى، يوم له ويوم عليه، (وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ).
وقال فضيلته: لأجل ذلكم كله كان لزامًا على المرء باعتباره فردًا من المجتمع وعلى المجتمع باعتباره جزءًا من الأمة المسلمة وعلى الأمة باعتبارها شامة بين الأمم، كان لزامًا على هؤلاء جميعًا أن يوطنوا أنفسهم على اليقظة واستصحاب الحذر ما دامت لهم عين تطرف وقلب ينبض، فالحذر سياج آمن، وحبل ممتد، يتمسك به الفرد والمجتمع والأمة ليقوم كل واحد منهم بما أوجب الله عليه تحت ظل وارف من أمنه الشخصي والفكري والصحي والغذائي دون إفراط ولا تفريط.
وأضاف: كما أن المرء ينعم بالخيرات بلا حدود يتفضل بها عليه خالقه ومولاه فإنه كذلك معرض للنكبات، والحذر هو بذل الحيطة والتأهب الدائم للأمور قبل وقوعها، وهو ظاهرة صحية مادامت في إطارها المعقول؛ لأنها وقاية تغني عن العلاج، وهي دفع أبلغ وأنجع من الرفع، ومن كان حذرًا قلّت زلاته وصار صوابه أكثر من خطئه، وليس بلازم أن يكون الحذر من كل ما هو مخيف، فقد يكون أحيانًا لاتقاء نزاعات لا تنتهي إلى صلح ودرءًا لمصالح صغرى في مقابل تحصيل ما هو أكبر منها.
وبيّن فضيلته أن سبب الحذر مشروع؛ ذلك أنه عندما يربي المرء نفسه على الحذر المشروع فإنه سيتقي كثيرًا من الأخطاء والهفوات والنزعات والغدر والخيانة والكيد، وسيدرك باستحضار الحذر أنه ليس كل بيضاء شحمة، ولا كل سوداء فحمة، ولا كل لامع ذهبًا، وأن الأمور تبدو مع الحذر لا كما تبدو مع الغفلة، فالحذر علامة وعي، فالناس ليسوا على قلب رجل واحد، فلربما دلك الحذر على أن تتقي عدوك مرة واحدة، وتتقي صديقك ألف مرة لأنه أدرى بمضرتك من عدوك.
ورأى فضيلة الشيخ الشريم، أنه لا غنى لأحد من أمة الإسلام عن الحذر، مسؤولين وعلماء ومفكرين وشعوبًا، بل الواجب علينا جميعًا ألا نكون مغفلين يقلبنا الخداع حيث شاء أهله ابتداءً من نفس الإنسان الأمارة بالسوء وانتهاءً بالأمة في مجموعها.
وحذّر فضيلته من انسياق الإنسان وراء نفسه مع الاغترار بقوته وإعجابه بمكره وبطشه الذي يوهمه الشيطان بأنه فتوة، فيظلم ويتكبر ويطغى، فلا يرى حرمة لأحد، ولا يحفظ لسانه عن عرض، ولا يده عن بطش، وينسى أن الله عزيز ذو انتقام، وأنه يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.
المدينة النبوية:
من جانبه أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ صلاح البدير في خطبة الجمعة اليوم المسلمين بتقوى الله -عز وجل-، مستدلاً بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
وتحدّث فضيلته في خطبته عن التصوير وقال: إن التصوير الحديث من أشد ما صنع الإنسان وأبدع خطرًا وأثرًا، يلتقط الحاضر ويحتفظ بالماضي ويعيد الأحداث كما وقعت، وقد ثبت في السنة تحريم تصوير كل ذي روح، آدمياً كان أم غير آدمي، وثبت الأمر بطمس الصور ولعن المصورين، وأنهم أشد الناس عذابًا يوم القيامه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ".
وبيّن الشيخ البدير أن مما يجمع العلماء على تحريمه ويعدونه من أكبر المظالم وأقبح الجرائم على اختلافهم فيما يدخل في هذه النصوص من أنواع التصوير وما لا يدخل استخدام التصوير في انتهاك الحدود والحقوق والأعراض والأعراف والآداب، واستعماله في أهداف خبيثة وأغراض قذرة لا تمت للأمانة والخلق بصلة، مما لايفعله إلا خسيس الطبع وعديم الأمانة وخبيث السلوك.
وأضاف أنه من الأفعال المجرمة والمحرمة نشر المقاطع والصور الإباحية وتبادلها وتسهيل تناولها والوصول اليها، والتقاط مقاطع لأشخاص خلسة دون علمهم ورضاهم، ونشرها عبر الشبكة العنكبوتية بقصد الإساءة لهم وتشويه سمعتهم وعرضهم، أو بقصد تهديدهم وابتزازهم أو السخرية بالمصور أو نشر مقاطع صوتيه بقصد بث روح الكراهية والبغضاء، وإذكاء النعرات القبلية والجاهلية في المجتمع، أو بقصد إثارة الغوغاء والدهماء والسفهاء ضد أمن البلد المسلم واستقراره.
ومضى فضيلته إلى القول: إن من أقبح هذه الجرائم تصوير النساء والفتيات والعورات في الأعراس والحفلات والمناسبات، ونشر صورهن بين العامة تفترسهن الأعين وتلوكهن الألسن, مؤكدًا أن من المصائب العظمى تساهل بعض الفتيات والنساء في إرسال صورهن لصديقة أو قريبة أو خاطب ربما خطبها لنفسها دون علم أهلها، مخاطرة بشرفها وعفتها وسمعتها وكرامتها.
ودعا فضيلته كل من نشر هذه الصور والقبائح والفضائح والفساد إلى التوبة، أو انتظار نقمة تقعده، أو عذاب يسحته، أو سخط يهلكه, مذكرًا بأن الله بالمرصاد لا يفوته أحد ولا يعجزه أحد.
وفي ختام خطبته حثّ فضيلة وإمام المسجد النبوي الشريف المؤسسات المسئولة عن الرقابة إلى فرض رقابة صارمة وسن قوانين لتجريم مثل هذه التصرفات وإنزال العقوبات بهم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم