مختصر خطبتي الحرمين الجمعة 23 ربيع الأول 1435هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

"بسبب تحكيم العقل بل تحكيم الهوى ضعفت القيم وطغت النظرة المادية، بل برزت العنصريات وتجسدت العصبيات، وإنك لترى المنتسب للتقدم والعلم وهو يحمل التعصب المقيت للونه وقوميته رغم ما حققه من تقدم مادي، بل لقد حارب الدين والتدين حتى أصبح أسيرًا للماديات والمحسوسات، فحقق فيها نجاحاً لا ينكر، ولكنه فشل في الحفاظ على كرامة البشر من غير أجناسهم وقومياتهم

 

 

 

 

 

أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن حميد المسلمين بتقوى الله -عز وجل-.

 

وقال فضيلته في خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام: "اقتضت حكمة الله -عز شأنه- أن يجعل الإنسان في هذه الدنيا محور المسؤولية ومحل التكليف، وغاية الإنسان التي خلق من أجلها ويحيا في سبيلها هي غاية إيمانية وعقلية وفكرية، ولا تستقيم إنسانية الإنسان ولا تصلح حياته إلا بالإيمان والعمل الصالح، والإنسان إن تخلى عن ذلك فهو كمثل الحمار يحمل أسفارًا، وكمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث.

 

وواصل فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن حميد يقول: "بسبب تحكيم العقل بل تحكيم الهوى ضعفت القيم وطغت النظرة المادية، بل برزت العنصريات وتجسدت العصبيات، وإنك لترى المنتسب للتقدم والعلم وهو يحمل التعصب المقيت للونه وقوميته رغم ما حققه من تقدم مادي، بل لقد حارب الدين والتدين حتى أصبح أسيرًا للماديات والمحسوسات، فحقق فيها نجاحاً لا ينكر، ولكنه فشل في الحفاظ على كرامة البشر من غير أجناسهم وقومياتهم، بل لقد عولموا الحروب والصراعات والتظالم، ولسوف يكون الوضع أكثر حدة وأشد قسوة كلما تعاظمت وسائل قوته وأدواته في جشع المادة واستعظام القوة، ولقد تضاعفت أعداد الضعفاء والبؤساء من ملايين الثكلى والجوعى والعراة والمرضى والمعدمين، وإنك لترى المخترع في اختراعه، والمكتشف في اكتشافه، والصانع في صناعته، يهدف نفع الناس في ميادين الطعام والغذاء والكساء والدواء من أجل مزيد من الصحة والعافية والسلامة، غير أن معاملهم هذه ومختبراتهم ومصانعهم هي التي تنتج وبشكل أكبر وأفظع وأثرى تنتج الغازات السامة القاتلة والأسلحة الفتاكة المدمرة، وهي التي تهدد بالحروب الجرثومية والكيميائية والنووية وسباق التسلح لا سقف له ولا حدود".

 

وشدد فضيلته على أن العلم من غير دين فاقد البصيرة، بل هو وحش ضارٍ يهلك الحرث والنسل، وأن الإنسان من غير إيمان حيوان بهيم مفترس شرس، وأنه حين توجه العلم إلى هذا المسار المادي اتجهت نتائجه إلى هذا التوجه التخريبي الذي أرعب الإنسانية جمعاء في كلا مساريه العلمي والنظري، ومن هنا فإن كل قوانين البشر ومواثيقها واتفاقياتها سرعان ما تتلاشى وتظهر عيوبها وثغراتها وظلمها وانحيازها".

 

وقال إمام وخطيب المسجد الحرام: "ومما يجلي ذلك ويبرزه هذه المقارنة في قيمة من القيم كيف هي في الميزان الصحيح وكيف آلت إليه في هذا العصر، إنها قيمة الزواج وغايته، فالزواج في الميزان الصحيح ميثاق غليظ، نسب وصهر وبناء أسرة ورباط عشيرة وإمساك بمعروف وتحمل ومسؤولية، الأسرة مأوى ومدرسة وحضن دافئ ودار رعاية حانية، أما في هذا العصر وما يريده ماديو هذا العصر بقيمهم المادية ونظرتهم الأنانية والعنصرية فالزواج عقد باهت وارتباط مهزوز وعلاقة جامدة تفتقد كل وظائف الأسرة.

 

وأردف فضيلته يقول: "إنها سنة التدافع بين الحق والباطل والخير والشر والعدل والجور، ونحن –المسلمين- لسنا نشك لحظة واحدة بأن القادر على تخليص البشرية من شقوتها وتزويدها بمنهج الحياة الصالح هي هذه الأمة بدينها الحق، وأن الطريق واضح والنهج أبلج، إنه الاعتصام بحبل الله والتمسك بشرعه، والإيمان هو الآصرة التي تجمع القلوب، والأخوة الحقة هي الأخوة الإيمانية".

 

وأشار فضيلته إلى أنه يكفى المسلمين عزةً ما يحققه دين الإسلام من انتشار في كل أصقاع الدنيا، قويها وضعيفها، شمالها وجنوبها، رغم حملات التشويه والتجني، دين عظيم عزيز، إذا تطاولوا عليه اشتد، وإذا تركوه امتد، المسلمون حين يعودون إلى دينهم ويعتزون بقيمهم ويتمسكون بشريعتهم سوف لن ينقذوا أنفسهم وحدهم ولكنهم سوف ينقذون البشرية كلها التي تئن من وحشية الغاب وتعاظم الدمار والخراب، فديننا هدى للناس أجمعين، ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- هو رحمة الله للعالمين".

 

 

المدينة النبوية:

 

من جانبه أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالمحسن بن محمد القاسم المسلمين بتقوى الله، وأن خير الزاد ما صحبه التقوى، وخير العمل ما قارنه الإخلاص للمولى.

 

وحثّ فضيلته في خطبة الجمعة اليوم جموع المسلمين على الاستجابة والانقياد لأوامر الله -عز وجل-، ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، مذكراً أن الله تعالى أوجد الثقلين لعبادته وأمرهم بامتثال أوامره، وكتب السعادة لأهل طاعته، وأن عبادته سبحانه هي الحصن الذي من دخله كان من الآمنين، ومن أداها كان من الناجين، وأنها خيرٌ محضٌ لا ضرر فيها لقوله تعالى: (وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمْ اللَّه).

 

وأشار فضيلته إلى مواقف صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التي تؤكد على امتثالهم واستجابتهم لأوامره دون مراجعة أو تأخير، مبيناً أنهم نالوا الفضل لصحبتهم وإخلاصهم وسبقهم في الاستجابة لله ولرسوله، فزادت رفعتهم عند الله، ومن ذلك أن أمروا باستقبال الكعبة فحولوا وجهتهم من بيت المقدس إليها حينما سمعوا بتغييرها وهم في الصلاة ولم يؤخروا الامتثال إلى الصلاة التي تليها، ومن مواقف استجابتهم حينما ندب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الصدقة فبذلوا نفيس أموالهم، فأنفق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- نصف ماله، وأنفق أبو بكر الصديق ماله كله، وكذا حينما قال -عليه الصلاة والسلام- من جهّز جيش العسرة فله الجنة، فجهّزه عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، وعندما نزل قول الله: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)، فقام أبو طلحة إلى رسول الله -عليه السلام- وقال: "إن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله".

 

واستشهد إمام وخطيب المسجد النبوي بما ورد عن الرسل -عليهم السلام- ومبادرتهم إلى الإذعان والتسليم لله -عز وجل-، فجاء في قوله سبحانه لإبراهيم -عليه السلام-: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)، كما أمره بذبح ابنه الأوحد بيده، فتله للجبين لذبحه، فقال ابنه إسماعيل له: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)، كما سارع موسى -عليه السلام- لإرضاء ربه، كما جاء في الآية (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى).

 

وقال الشيخ عبدالمحسن القاسم: كف الصحابة عن كثير من الأقوال والأفعال حينما سمعوا النبي -صلى الله عليه وسلم- ينهى عنها ولم يراجعوه فيها استجابة له، ومن ذلك، حينما طبخوا في يوم مجاعة طعاماً فتركوه، لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه، وفي يوم خيبر كانت الحمر الأهلية مباحاً فطبخوها، فنادى منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال: إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر فإنها رجس من عمل الشيطان، قال أنس -رضي الله عنه-: "فأكفئت القدور بما فيها وإنها لتفور باللحم". متفق عليه.

 

وأضاف: كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يتأسون بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يلبسونه من غير أن يكلمهم بشيء، قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: "اصطنع النبي -صلى الله عليه وسلم- خاتماً من ذهب، وكان يلبسه ويجعل فصه في باطن كفه، فصنع الناس خواتيم، ثم إنه جلس على المنبر فنزعه، فقال: "إني كنت ألبس هذا الخاتم، وأجعل فصه من داخلٍ"، فرمى به، ثم قال: والله لا ألبسه أبداً، فنبذ الناس خواتيمهم. متفق عليه.

 

وواصل فضيلته يقول: إن الصحابة -رضوان الله عليهم- انقادوا لأوامر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حركاتهم وسكناتهم، وابتعدوا عما نهاهم عنه، واتبعوه في الأوامر والنواهي عن إيمان ويقين راسخ، وإن كان في ارتكاب النهي مصلحة ظاهرة لنصرة المسلمين، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لحذيفة في يوم الأحزاب: "قم -يا حذيفة- فائتني بخبر القوم، ولا تذعرهم عليَّ"، فلما أتيتهم رأيت أبا سفيان قريباً منه يصلي ظهره بالنار، فوضعت سهماً في كبد القوس فأردت أن أرميه، فذكرت قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ولا تذعرهم عليّ"، ولو رميته لأصبته. رواه مسلم.

 

وأكد الشيخ عبدالمحسن القاسم، أن طاعة الله ورسوله تحقيق للشهادتين، وكمال للعبودية، وزاد: "وإن طرق سمعك أمر، فسارع لامتثاله، وأنت فرح مسرور لعبادة ربك، وإن كان نهياً فاجتنبه وانْأ عنه موقناً بضرره، طالباً مرضاة خالقك، قال الحق -تبارك وتعالى-: (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ).

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات