جوانب من عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم

محمد ابراهيم السبر

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/سيرة النبيّ العطرة وشمائله الشريفة 2/الأخلاق الحميدة والسمعة الزكية 3/جدير بكلّ تبجيل وتوقير واحترام 4/وجوب احترام الأنبياء وتحريم التطاول عليهم.

اقتباس

وقف الكُتَّاب والمفكرون والمثقفون من الشرق والغرب، من مختلف التخصصات والاتجاهات، على شاطئ سجاياه، مأسورين بقيمه وأخلاقه، منبهرين بعظمة دينه، وحكمته وتواضعه ورحمته وتسامحه، وما أحدثه في العالم من رقيّ حضاريّ ونهضة كبرى، لا يُضاهيه في ذلك أحدٌ...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله العظيم الحليم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين وخاتم النبيين وقائد الغرّ المحجلين؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

 

معاشر المؤمنين والمؤمنات: يقول الله -تبارك وتعالى- في كتابه المجيد: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[التوبة:128].

 

يقف البيان حائراً أمام عظمة الرَّسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، وتصطفُّ الكلمات في حياء، وهي تتناول بعض جوانب إشراقات عظمة جنابه الشريف، ماذا نقول، وماذا نخطب، في حقّ أشرف الخلق، ورسول الحقّ، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، محمد بن عبد الله، الذي اصطفاه الله ليكون رسول الله وخاتم النبيين ورحمة الله للعالمين، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ويهديهم -بإذن ربهم- إلى صراط مستقيم. من اتبعه وأطاعه رشد، فهو إمامنا وشفيعنا يوم القيامة وقائدنا -بإذن الله- إلى رضاه والجنة.

 

إنَّ الحديث عن سيرته العطرة وشمائله الشريفة، حديث يأسر القلوب، ويهزّ الوجدان، فهي سيرة مشرقة خالدة، ومدرسة محمدية رائدة، يجتمع على مائدتها المحبّون من كل أصقاع الأرض، لينهلوا من سيرة هذا الرسول العظيم، ويتنسَّموا عبق خصاله الزكية، فالمسلمون يؤمنون به ويوقّرونه ويبجّلونه، وغير المسلمين يحترمونه ويقدّرونه وينصفونه.

 

وجوانب العظمة في سيرته -صلى الله عليه وسلم- كثيرة متنوعة الجوانب، فعن أنس -رضي الله عنه- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أُتِيَ بالبراق ليلة أسري به ملجماً مسرجاً، فاستصعب عليه، فقال له جبريل: أبمحمد تفعل هذا؟ فما ركبك أحد أكرم على الله منه"(رواه الترمذي).

 

فما حملتْ من ناقة فوق ظهرها *** أبرّ وأوفى ذمة من محمد

 

وفي ولادته وجميع أطواره عظمة؛ فقد وُلد يتيماً، فكان قدوة للأنام، وترعرع على الأخلاق الحميدة والسُّمعة الزكية، وتربَّى شابّاً على الجد والعمل، والصدق والأمانة، فكان قدوة للشباب في العفة، وعُرِفَ بين قومه بالصادق الأمين، وكان موضع ثقتهم وإشادتهم.

 

يا جاهلين على الهادي ودعوته*** هل تجهلون مكان الصادق العلم

لقّبتموه أمين القوم في صغر *** وما الأمين على قول بمتّهم

 

وفي بعثته عظمة فقد بعثه الله هادياً، يدعو للارتقاء بالعقول والنفوس، في سماء التفكّر والتدبر، وتحريرها من أغلال الشهوات والشبهات، داعياً إلى أرقى القِيَم التي تغرس في المجتمع الرحمة والتكافل والعطاء، ومحبَّة الخير للناس، وحسن معاملتهم.

 

وفي صدعه وجهره بدعوته عظمة، وأيّ عظمة؛ فبكل صدق وإخلاص وعزيمة وقف أمام الجميع ليُظْهِر الحق، ويبطل الباطل ولو كره الكافرون. ووقف أمام جهالات قريش وكفرها العنيد وأمام الأصنام وعبادة الكواكب والأوثان؛ وقف يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونَبْذ كلّ ما سواه، وهكذا قامت دعوته على التوحيد الخالص والعقيدة الصحيحة.

 

وكان -عليه الصلاة والسلام- عظيمًا في صبره وحلمه، لقي من قومه ما لقي من الأذى والسخرية، فصبر واحتسب، وقابل رغبتهم في إيذائه، برغبته في هدايتهم وإسعادهم، وعندما ذهب إلى الطائف آذوه وأدموه، فعاد حزيناً مهموماً، فأرسل الله إليه مَلَك الجبال، يستأذنه في أن ينتقم منهم، فكان العفو شيمته، والأمل سجيته، والرحمة طبعه، والحكمة مسلكه، وحبّ الخير منهجه، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم مَن يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئاً".

 

وإذا رحمتَ فأنتَ أمّ أو أبٌ *** هذان في الدنيا هما الرحماء

 

وفي هجرته وعهده المدني عظمة؛ فلما هاجر إلى المدينة، بنى مجتمعاً راقياً، أُسِّس على التقوى ببناء المسجد والصلة بالله ، مجتمع يعيش فيه الجميع على اختلاف أديانهم في أمن وسلام واستقرار، متمتعين بحقوقهم وحرياتهم، يتشاركون في بناء المجتمع، فكانت المدينة شعاع نور يبثّ للعالم قِيَم التسامح والتعاون والعيش المشترك.

 

ونزع -عليه الصلاة والسلام-، فتيل الصراع والنزاع بين الناس، بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ، فأعلى صرح الوحدة والاجتماع، وأرسى بينهم دعائم المواطنة الصالحة، وتصدَّى لمسببات الفتنة والنزاع، بين الأوس والخزرج وبين المهاجرين والأنصار، وتعامل بحكمة وهدوء مع المنافقين ودسائسهم.

 

وفي حال قدرته وانتصاره عظمة، وأيّ عظمة فكان -عليه الصلاة والسلام-، نبراساً في العفو والتسامح، فلما قدّر على قومه عام الفتح، لم يبطش ولم ينتقم، فعلى الرغم مما لقي منهم من صنوف الأذى والمحاربة، فلما تمكَّن منهم، غمرهم بالعفو والصفح، فبدَّدت أنوار تسامحه ما بقي في قلوبهم من كراهية، فانقلبت عداوتهم محبة غامرة، وإيماناً صادقاً، ودفاعاً عنه بالنفس والروح، فكان -عليه الصلاة والسلام- عظيماً في عفوّه وتسامحه وصفحه، عظيماً في تأثيره، عظيماً في رحمته وشفقته وإرادته الخير للبشرية.

 

إنه بحقّ لجدير بكل تبجيل وتوقير واحترام ليس فقط من أتباعه، بل من كل منصف وعاقل ومحايد. ومن هنا وقف الكُتَّاب والمفكرون والمثقفون من الشرق والغرب، من مختلف التخصصات والاتجاهات، على شاطئ سجاياه، مأسورين بقيمه وأخلاقه، منبهرين بعظمة دينه، وحكمته وتواضعه ورحمته وتسامحه، وما أحدثه في العالم من رقيّ حضاريّ ونهضة كبرى، لا يُضاهيه في ذلك أحدٌ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد، فاتقوا الله عباد الله حق التقوى.

 

عباد الله: إن التطاول على خاتم النبيين وأشرف المرسلين -عليهم السلام-، بالإضافة إلى كونه أمراً شنيعاً، فهو يؤجّج نيران الكراهية والأحقاد، ويغذِّي التطرّف والإرهاب، ويؤذي مشاعر أتباعه المسلمين، ورضي الله عن حسان بن ثابت، القائل في الذَّبّ عن نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام-:

 

هجوتَ محمداً برّاً حنيفاً *** رسولَ الله شيمتُه الوفاءُ

فإنَّ أبي ووالده وعرضي *** لعرض محمدٍ منكم وقاءُ

 

ومن الواجب على المسلمين -دولاً وحكومات وشعوبًا- توقير الأنبياء والرسل، وحفظ مكانتهم، والسعي لسنّ الأنظمة التي تحظر التطاول على أحد منهم وتجرّم السخرية أو المساس بهم، توقيراً لهؤلاء المصطفين الأخيار، وإرساء لدعائم الأمن والاستقرار في المجتمعات.

 

وصلوا وسلموا.....

المرفقات

جوانب من عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات