ما من صاحب ذهب ولا فضة

حمزة بن فايع آل فتحي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/بخل الأغنياء عن أداء الزكاة 2/قتال الصديق لمانعي الزكاة 3/عقوبة مانع الزكاة يوم القيامة 4/من ثمرات الزكاة وبركاتها 5/من حكم تشريع الزكاة.

اقتباس

واستنبتِ البركةَ في مالك وعقارك, التي افتقدها كثيرٌ منا، وأضحى الناس يصيحون: أين البركة؛ قلّت البركة؟!, ومالٌ كثير لا ندري أين يذهب؟!؛ وإنما يُذهبه تضييعُ الزكاة، وإهمال الشرائع, والضنّ بالصدقات، واحتقار الفقراء والمساكين...

الْخُطبَةُ الْأُولَى:

 

الحمدُ لله الواحدِ الديان, الكريمِ المنان، أفاض الأموال، وبسط الأفضال؛ (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)[النحل: 18], نحمده حمدًا كثيرًا, ونشكره شكرا وفيرا, كتبَ في أموالنا الزكوات, وحذرنا البخلَ والغفلات, ونشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبه أجمعين.

 

أمًا بعد: فاتقوا الله -يا مؤمنون- وتفقدوا أحوالَكم، واعلموا أن تقوى الله نورٌ وثبات، وعزٌ ومنجاة؛ (إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)[الأنفال: 29].

 

معاشرَ المسلمين: إنْ تَعجبوا من شيء فاعجبوا من أناس، وسّعَ الله عليهم, وبسط عليهم رزقَه, وأعطاهم خيرا عظيمًا, ورزقا كريما, ثم تناسَوا حق الله في الزكاة، فلم يزكّوا أموالهم, ولا هذّبوا نفوسهم, ولا شعروا بفقرائهم, فهل يليقُ ذلك؟!.

 

ونسيت أن اللهَ أورقَ خيرَكم *** وأمدكم من فضله المدرارِ

 

وهل يصحُ إسلامُ من لا يزكي ماله, ولا يؤدي حقَّ الله فيم افترض عليه؟؛ (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)[البقرة: 43], وقاتل أبو بكر -رضي الله عنه- مانعي الزكاة, وقال: "وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِى عَنَاقًا, كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-؛ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا", فإن الزكاةَ حق المال, وهي أختُ الصلاة وقرينتها في كتاب الله.

 

فلنتقِ اللهَ -عباد الله-, ولنراجعْ ديننا وأنفسنا, ولنعتقد أن الزكاة فرضٌ محتّم, وليست سنةً مستحبة, قال -تعالى-: (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ)[النور: 33], وقد جاء في صحيح المسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ، وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا؛ إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ، وَجَبِينُهُ، وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ؛ فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ", قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَالْإِبِلُ؟ قَالَ: "وَلَا صَاحِبُ إِبِلٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، وَمِنْ حَقِّهَا حَلَبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا؛ إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ -أي مكاناً مستويا- أَوْفَرَ مَا كَانَتْ, لَا يَفْقِدُ مِنْهَا فَصِيلًا وَاحِدًا, تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا، وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا؛ رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا, فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ؛ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ", قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَالْبَقَرُ، وَالْغَنَمُ ؟ قَالَ: "وَلَا صَاحِبُ بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ، لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا؛ إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ, بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، لَا يَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئًا، لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ -أي ملتوية القرن-, وَلَا جَلْحَاءُ -أي بلا قرن-, وَلَا عَضْبَاءُ -أي: المشقوقة الأذن-, تَنْطِحُهُ بِقُرُونِهَا، وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا -أي حوافرها- كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا؛ رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا, فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ؛ فَيُرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ".

 

‏فتأملوا واتعظوا -يا مسلمون-, هذا مالُك الذي جمعته, وحرَصت عليه ونافست من أجله, يبوء عليك بالأذى والعقوبة في الآخرة!, نعم تمتعتَ به في الحياة الدنيا, ولكن بات عدوًا لك في الآخرة؛ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[البقرة: 281].

 

لن تُخلَّدَ ولن تدوم لك الأموال الطائلة, ولا النعم الفاخرة، وستخرج من الدنيا وحيدًا فريدا, والملتقى الله, والموعدُ القيامة, ثم تذكر واستشعر حُسنَ عاقبة الزكاة, في أموالك وأبنائك وحياتك؛ يَصلحُ الأبناء, ويباركُ المال, وتنشرحُ النفس ويبتهجُ القلب, قال -تعالى-: (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ)[الروم: 39], وصحّ قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ما نقصت صدقةٌ من مال".

 

اللهم بارك لنا في أموالنا, وألّف بين قلوبنا، واجعلنا من عبادك الرحماء, أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؛ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أيها الإخوة: الحمدً لله وكفى، وسلامًا على عباده الذين اصطفى، وعلى نبينا محمد خير رسول مقتفى.

 

أيها الإخوة الفضلاء: في الزكاة بركةٌ وبر، وتقوى ومراقبة، ورباطٌ وتكافل، وإخوةٌ واعتناء، وشفاء ورحمة؛ "ارْحَمُوا مَنْ فِى الأَرْضِ؛ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِى السَّمَاءِ".

 

وتذكروا أن المالَ مالُ الله، استأمنكم عليه، وهو حق للفقراء, يسدون به حاجتهم، ويقضون مصالحهم, ويحفظُ عليهم دينهم وأخلاقهم, قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)[المعارج: 24، 25], وقال -سبحانه-: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)[الذاريات: 19].

 

فأعط زكاتك عن رضًا وتقى, طيبةً بها نفسُك، نديةً بها يدُك, متاجرا بها مع الله، مسارعا بها في الخيرات؛ "ولا تُحصي فيحصيَ الله عليك، ولا توكي فيوكَى عليك".

 

واستنبتِ البركةَ في مالك وعقارك, التي افتقدها كثيرٌ منا، وأضحى الناس يصيحون: أين البركة؛ قلّت البركة؟!, ومالٌ كثير لا ندري أين يذهب؟!؛ وإنما يُذهبه تضييعُ الزكاة، وإهمال الشرائع, والضنّ بالصدقات، واحتقار الفقراء والمساكين, عافانا الله وإياكم من ذلك!.

 

إِذا المالُ لم يُرزق خلاصاً من الأَذى *** فلا الحمدُ مكسوباً ولا المالُ باقِيا

‏ولِلنفسِ أخلاقٌ تدُلُّ على الفَتى *** أكان سخَاءً ما أتى أم تساخِيا؟!

 

 

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم؛ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وَقَالَ -‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِم).

 

المرفقات

ما من صاحب ذهب ولا فضة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات