الأنبياء والصلاة

الشيخ هلال الهاجري

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/مواقف الأنبياء مع الصلاة 2/فضائل الصلاة 3/صلاح صلاتك سر سعادتك.

اقتباس

هذه بعضُ مواقفِ الأنبياءِ مع الصَّلاةِ، لأنَّها عمودُ الدِّينِ، وقُرَّةُ العينِ، وأُنسُ القلبِ، وراحةُ النَّفسِ، هي مَفزعُ المحزونِ، وملجأُ الخائفِ، ودليلُ الحائرِ، بِها تُرفَعُ الدرجاتُ، وتُضاعَفُ الحسناتُ، وتُكفَّرُ السيئاتُ، فأخبرني عن صلاتِكَ، أُخبرُكَ عن سَعادتِكَ...

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ للهِ حَمداً كَثيراً طَيباً مُباركاً فيهِ، مِلءَ السَّماواتِ ومِلءَ الأرضِ ومِلءَ مَا شاءَ مِن شَيءٍ بَعدُ، الحمدُ للهِ على نِعمِهِ الكثيرةِ، وعَطائِه الجَزيلِ، وفَضلِهِ العَمِيمِ، أَحمَدُهُ -سُبحانَهُ- حَمداً يَليقُ بِعظَمَتِهِ، ويُوافِي جُودَهُ وكَرَمَهُ، وأشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وَحدَهُ لاَ شَريكَ لَه المتَفَرِّدُ بالعَطَاءِ والكَرَمِ، وأَشهَدُ أَنَّ محمَّداً عَبدُهُ ورَسُولُهُ خَيرُ مَن شَكرَ اللهَ -تعالى- علَى نِعَمِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وعلَى آلهِ وصَحبِهِ وسَلَّمَ تَسليماً كثيراً.

 

أمَّا بَعدُ: فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ، واشكُرُوهُ علَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، فمَنْ سِواهُ نَشْكُرُ، ومَن سِوَاهُ نَذكُرُ، ومَن سِواهُ نَتُوبُ إليهِ ونَستَغفِرُ، (أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)[النمل:63].

 

الموقفُ الأولُ: ها هي مريمُ تأتي إلى قومِها وهي تحملُ بينَ ذراعيها طِفلاً رَضيعاً في مَهدِه، (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ)، وها هي ترى في أَعينِ القومِ نظراتِ الاتِّهامِ، (قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا)[مريم:27-28].

 

وحيثُ إنَّ اللهَ -تعالى- أمرها بالسُّكوتِ، (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) [مريم:29]، فماذا قالَ عيسى -عليه السَّلامُ-: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا)[مريم:30-31]، هل لاحظتُم شيئاً عجيباً؟، (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ)، أوصاهُ اللهُ بالصَّلاةِ وهو في مَهدِهِ رَضيعاً، فما أعظَمها، ولا عَجبَ في ذلكَ.. إنَّها الصَّلاةُ.

 

الموقفُ الثاني: ها هو موسى -عليه السَّلامُ- يتركُ أهلَه ويقتربُ من النَّارِ لعلَّه يجدُ عندَها من يدلُّه على الطَّريقِ، أو يأخذُ قطعةً من النَّارِ ليستدفئوا بها في ليلةٍ باردةٍ، ولا يدري أنَّه على أعظمِ موعدٍ، (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى)[طه:11-13].

 

فاختارَه اللهُ -تعالى- نبيَّاً لتبليغِ رسالتِه، فماذا كانَ أولُ ما أوحيَ إليه؟، (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي)، التَّوحيدُ وما أدراكَ ما التَّوحيدُ، ثُمَّ ماذا بعدَ التَّوحيدِ؟، (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)[طه:14]، فلا شيءَ بعدَ توحيدِ اللهِ -تعالى- أعظمُ من الصَّلاةِ، ولا عجبَ في ذلكَ.. إنَّها الصَّلاةُ.

 

الموقفُ الثَّالثُ: ها هو شُعيبٌ -عليه السَّلامُ- يمشي في قَومِه ويقولُ لهم: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)، يدعوهم إلى توحيدِ اللهِ -تعالى- بالعبادةِ، (وَلا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ)[هود:84]، ويدعوهم إلى إصلاحِ الاقتصادِ، ويُذكِّرُهم بنِعمِ اللهِ –تعالى-: (إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ)، ويحذِّرُهم عذابَ الآخرةِ، (وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ)[هود:84].

 

فماذا أجابوه؟، (قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ)[هود:87]، وكأنَّهم عرفوا أنَّ الصَّلاةَ هي مصدرُ دعوتِه إلى التَّوحيدِ والإصلاحِ، وأنَّها تأمرُ صاحبَها بالمعروفِ وتنهاهُ عن المنكرِ، فقالوا: (أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ)، ولا عجبَ في ذلكَ .. إنَّها الصَّلاةُ.

 

الموقفُ الرَّابعُ: ها هو إبراهيمُ -عليه السَّلامُ- يأتي بهاجرَ وابنِها إلى مكانٍ ليسَ به زرعٌ ولا ماءٌ، وتركَهم لأمرِ اللهِ -تعالى-، ولكنَّه أوصاهم بما إذا أقاموها ففيها نجاتُهم من الهلاكِ، فقالَ: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)[إبراهيم:37]، فلمَّا أقاموا الصَّلاةَ، جعلَ اللهُ -تعالى- أفئدةَ النَّاسِ تهوي إليهم ببناءِ بيتِه هناكَ، ورزقَهم من الثَّمراتِ، وآمنَهم من الخوفِ، ولا عجبَ في ذلكَ .. إنَّها الصَّلاةُ.

 

الموقفُ الخامسُ: ها هو زكريا يُنادي ربَّه نداءً خفيَّاً؛ (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا)[مريم:4-6]، فجاءَته البُشرى مُباشرةً وهو في صلاتِه، (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ)[آل عمران:39]، فالصَّلاةُ هي مَصدرُ البُشاراتِ واستجابةُ الدَّعواتِ، ولا عجبَ في ذلكَ.. إنَّها الصَّلاةُ.

 

بارَكَ اللهُ لي ولكم في الكتابِ والسنةِ، ونفعنا بما فيهما من الآياتِ والحكمةِ، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولجميعِ المسلمينَ من جميعِ الذنوبِ، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنَّ ربي لغفورٌ رَحيمٌ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ له وَليُ الصالحينَ، وأَشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه إمامُ المتقينَ، صَلى اللهُ وسلمَ عليهِ وعلى آلِه وصحبِه ومن اهتدى بهديه إلى يومِ الدينِ، أَما بعدُ:

 

الموقفُ السَّادسُ: ها هو خيرُ الرُّسلِ ينطلقُ مع خيرِ الملائكةِ -عليهما الصَّلاةُ والسَّلامُ- حتى تجاوزَا السَّماواتِ السَّبعَ ووصلا إلى سِدرةِ المُنتهى، حتى سَمعَ صَريفَ الأقلامِ، فكلَّمَه ربُّه -عزَّ وجلَّ-، أتعرفونَ بماذا؟، قالَ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلَاةً"، فلماذا فُرضتْ الصَّلاةُ فوقَ سبعِ سماواتٍ، وفُرضَتْ مُباشرةٌ من اللهِ –تَعالى- إلى رسولِه -صَلَّى اللهُ عليه وسلمَ-، وفُرضَتْ خمسونَ صلاةً، ولا عجبَ في ذلكَ .. إنَّها الصَّلاةُ.

 

الموقفُ السَّابعُ: ها هو مَلكُ الموتِ -عليه السَّلامُ- يأتي لقبضِ أشرفِ نَفسٍ وأطهرِ روحٍ، فماذا أوصى النَّاصحُ الصَّادقُ الرَّؤوفُ الرَّحيمُ أُمتَّه في آخرِ لحظةٍ من حياتِه المليئةِ بالدَّعوةِ لكلِّ خيرٍ وصلاحٍ، ما هي النَّصيحةُ الأخيرةُ التي ختمَ بها حياةَ البذلِ والعطاءِ؟، تَقولُ أُمُّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهَا-: "كَانَ من آخِرِ وَصِيَّةِ رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلمَ-: الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ، وما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، حتى جَعَلَ نَبيُّ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلمَ- يُلَجْلِجُهَا في صَدْرِهِ، وما يَفِيضُ بها لِسَانُهُ"، فهذه آخرُ وصيةٍ من أعظمِ ناصحٍ، ولا عجبَ في ذلكَ .. إنَّها الصَّلاةُ.

 

أيُّها الأحبَّةُ: هذه بعضُ مواقفِ الأنبياءِ مع الصَّلاةِ، لأنَّها عمودُ الدِّينِ، وقُرَّةُ العينِ، وأُنسُ القلبِ، وراحةُ النَّفسِ، هي مَفزعُ المحزونِ، وملجأُ الخائفِ، ودليلُ الحائرِ، بِها تُرفَعُ الدرجاتُ، وتُضاعَفُ الحسناتُ، وتُكفَّرُ السيئاتُ، فأخبرني عن صلاتِكَ، أُخبرُكَ عن سَعادتِكَ، بل وأخبرُكَ عن البركةِ في حياتِكَ، فإنَّها الصَّلاةُ.

 

اللهمَّ اجعلنا من أهلِ الصَّلاةِ، ربنا اجعلنا مُقيمي الصَّلاةِ ومن ذرياتِنا، ربنا وتقبل دُعاءَنا، اللهم إنا نَسألُك أن تَغفرَ لنا ولإخوانِنا الذين سبقونا بالإيمانِ، ولا تجعلْ في قلوبِنا غِلاً للذين آمنوا.

 

اللهم اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتِنا وللمؤمنينَ يومَ يَقومُ الحسابُ، اللهمَّ أخرجنا من ذنوبِنا كيومِ ولدتنا أُمهاتُنا، اللهم إنا نَسألُك أن ترحمَ المسلمينَ المستضعفينَ.

 

اللهم إنا نَسألُك أن تجعلَ بلدَنا هذا آمناً مطمئنًا وسائرَ بلادِ المسلمينَ، اللهم من أرادَ ببلادِ المسلمينَ سوءً فاجعل كيدَه في نحرِه يا ربَّ العالمينَ، اللهم لا تفرّق هذا الجمعَ إلا بذنبٍ مغفورٍ وعملٍ مبرورٍ وسعيٍ متقبلٍ مشكورٍ.

 

آمنّا في الأوطانِ والدورِ، وأصلح الأئمةَ وولاةَ الأمورِ، واغفر لنا يا غفورُ، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات:180-182].

المرفقات

الأنبياء والصلاة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات