أقبل رمضان، فكيف نقبل عليه؟

عبدالله محمد الطوالة

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: رمضان
عناصر الخطبة
1/ رمضان عند أهل الإيمان 2/ البشارة بقدوم رمضان وبفضله 3/ الإقبال على رمضان بالعقل والقلب والجوارح 4/ التشمير لرمضان والتيقظ للساعين لإفساده

اقتباس

والسؤال الذي سيكون عليه مدار خطبتنا لهذا اليوم هو: كيفَ يكونُ قدومُ الإنسانِ إلى رمضانَ؟ وكيف يكون إقبالُهُ عليه؟ والسؤال بطريقة أخرى: ما هو القدوم والإقبال الذي يليق برمضان، والذي يجعل المؤمنَ يفوزُ فيه بأرفع الدرجات، وأعظم الأجور والخيرات؟.

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، الحمد لله قدَّر المقاديرَ فأحاطَ بها علمًا، وخلقَ الخلائقَ فأحكمَها خلقًا، (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا) [غافر:13].

 

لا إله إلا هو أماتَ وأحيَا، وأضحكَ وأبكَى، وأسعدَ وأشقَى، أشكرُه على نعمائِه ولا أُحصِي لها عدًّا، وأحمدُه على آلائِه ولا أقضِي له بالحمد حقًّا.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ حقٍّ ويقينٍ تعبُّدًا لله ورِقًّا، وأشهد أن نبيَّنا وإمامنا محمد بن عبد الله، الأخشَى لربِّه والأتقَى، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله الطيبين الأطهار، وأصحابِه الغُرِّ الميامين الأخيار، من حازُوا المكارِم شرفًا، ونالُوا العُلَا سبقًا، والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ ما بلغَ هذا الدينُ مبلغَ الليل والنهار، وما رفرفَت أعلامُه غربًا وشرقًا، وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، والآخرة خيرٌ وأبقى.

 

أما بعد: فأُوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله رحمكم الله؛ فالتقوى تقِي الهوى والعثرات، وتُوبوا إلى الله واستغفِروه؛ فكثرةُ الاستغفار تجلِبُ الخيرات، وإنما الرجاءُ في رحمةِ الحي القيوم، من ابتغَى العافية عافاه، ومن أوَى إليه آواه وكفاه، (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [العنكبوت:64].

 

عباد الله: الزمن يسير في اتجاه واحد لا يتوقف، الذاهب منه لا يُسترجع، والقادم منه لا يُستدفع، والناس في مدرسة الزمن بين غافل لا يرى للحياة معنى، لا يختلف أمسه عن يومه، ولا يومه عن غده؛ وآخرُ حيٌّ يقِظ، يشهد آثار الزمن في نفسه، وفي كل مظهر من مظاهر الحياة حوله، (تَبَارَكَ ٱلَّذِى جَعَلَ فِى ٱلسَّمَاء بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً * وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً لّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً) [الفرقان:61-62].

 

تعلمون -عباد الله- أن كل أرباب المواسم يستعدون لها قبل دخولها، فلا يُتصور تاجرٌ ناجحٌ يدخل عليه أكبر مواسم التجارة ومحله فارغٌ من البضائع، ولا يُتصور مزارعٌ مجتهدٌ يدخل عليه أهمّ مواسم الزراعة وهو بعدُ لم يحرث أرضه ولم يسمّدها، ولا يُتصور طالبٌ متفوقٌ يدخل عليه موسم الامتحانات النهائية وهو بعدُ لم يذاكر ولم يراجع. ومثلهم تماماً المؤمنُ التقي، فلا يُتصور مؤمنٌ تقيٌّ يدخل عليه أعظم مواسم الإيمان، أعني موسم رمضان، ثم هو لا يستعد له أكملَ الاستعداد، ولا يستثمره أفضلَ الاستثمار.

 

وموسم رمضان هو أعظمُ مواسمِ المؤمن، وذوو الألبابِ يعرفون لرمضان فضله، ويقدِرُونَ له قدرَه، يجلِّونَ زمانهُ ويعظِمونَ أيامهُ، يَفرَحُون بِهِ وَيُحِبُّون لقاءه، وَ"مَن أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ"، وهو عندهم موسمٌ جليل، ليس له مثيل، ومن ثمَّ فلا يجوز في حِسِهم إهدارُ ثانيةٍ منه في غير طاعةٍ، فضلاً أن تُرتكبَ فيها معصية.

 

والبعض -هدانا الله وإياهم- ربما ليس لديه من تداعياتِ هذا الأمر إلا (المعلومة) فقط! أما الإحساس، والشوق، والاستعداد، والعمل، والبذل، وغير ذلك من مظاهر الاستعداد والتهيؤِ للأمرٍ العظيم، فربما ليس لها عندهم نصيبٌ! وصدق من قال: همُّك على قدر ما أهمَّك.

 

أحبتي في الله: أبشركم بقدوم أشرف الشهور وأزكاها عند الله، أبشركم كما كان المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يبشر أصحابه فيقول: "أتاكم رمضانُ، شهرٌ مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم".

 

نعم، إنها بشرى عظيمة! وكيف لا يبشرُ المؤمن بشهر يفتح الله فيه أبواب الجنة؟ وكيف لا يبشرُ المذنبُ بشهر يغلق الله فيه أبواب النار؟ وكيف لا يبشرُ المسلم بوقت تغلُّ فيه الشياطين؟ وكيف لا يبشر العابد بليلة هي خيرٌ من ألف شهر؟.

 

لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبشرُ أصحابه بقدوم هذا الشهر المبارك فيقول: "أتاكُم شهرُ رمضان، شهرُ بركةٍ، يغشاكُمُ الله فيه برحمتِه، ويحُطُّ الخطايا، ويستجيبُ الدعاءَ، ينظرُ إلى تنافُسِكُم فيه، ويُباهي بِكُم ملائكتَه، فَأروا الله مِن أنفُسَكُم خيراً، فإن الشقيَّ من حُرِمَ رحمَة الله". وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".

 

وبهذه المناسبة الغالية المباركة : أدعوكم -أحبتي في الله، ونفسي- لأن نفتح صفحةً جديدةً مع الله، ولتكن صفحةً بيضاء مشرقة، نبدؤها بتوبةٍ صادقة، ونيةٍ جادةٍ عازمة، أن لا نتهاون في استثمار هذه الفرصة كما تهاونَّا في غيرها من الفرص السابقة، فرمضان شهرٌ عظيمٌ، وموسمٌ كريمٌ، شهرٌ مبارك، تضاعفُ فيه الحسنات، وتمحى فيه السيئات، وتقبلُ فيه التوبات. أخرج ابن ماجه بسند حسن عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلةٌ خير من ألف شهر، من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم".

 

فرحم الله عبداً سارع إلى طاعة مولاه، واطرح شهوته وغلب هواه؛ فكان له من عظيم الأجر ما تقر به عيناه، (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) [آل عمران:30].

والأمر جدٌ وهو غير مزاحِ *** فاعمل لنفسك صالحًا يا صاحِ

 

ولنكن صرحاء مع أنفسنا يا عباد الله، فطالما حدثْنا أنفسنا باهْتِبَال فرصة رمضان، ولطالما عاهدنا أنفسنا قبل دخوله بأَوْبةٍ حَقّةٍ، وتوبةٍ صادقةٍ، ولكم وكم سوفنا بذلك! وما إن تأتي الفرصة العظيمة، حتى يقضي الشيطانُ على الأمنية، وتنكثُ النفسُ الأمارةُ بالسوء عهدها!.

 

فحري بكل مسلم يقْدِر لرمضان قدْرَه، ويعرف شرفه وفضله، أن يستقبله أحسن استقبال، وأن يفرحَ بقدومه غاية الفرح، وأن يستعد له أحسن استعداد، وأن يُقبل عليه أفضل إقبال.

 

والسؤال الذي سيكون عليه مدار خطبتنا لهذا اليوم هو: كيفَ يكونُ قدومُ الإنسانِ إلى رمضانَ؟ وكيف يكون إقبالُهُ عليه؟ والسؤال بطريقة أخرى: ما هو القدوم والإقبال الذي يليق برمضان، والذي يجعل المؤمنَ يفوزُ فيه بأرفع الدرجات، وأعظم الأجور والخيرات؟.

 

أظنكم تتفقون معي أنه لا بد إن يكون قدوماً خاصاً وإقبالاً كاملاً، يشملُ العقل، والقلب، والجوارح. نعم، أحبتي في الله، فلكي يفوز المؤمن في رمضان بأرفع الدرجات وأعظم الأجور والخيرات، فلا بدّ له أن يقبل على رمضانَ بعقلِه، وبقلبِه، وبجوارحِه.

 

إنها ثلاثة أنواعٍ من الإقبال، ولكل نوعٍ منها سببان لتحصيله: فإقبال العقل يكون بالتعلُّمِ، والتخطيط. وإقبال القلب يكون: بالاستشعارِ، والتطهير. وإقبال الجوارح يكون: بالنصَبِ، والاستمرار. والمجموع: ستة أسباب سهلة، نفصل قليلا في كلِّ منها:

 

الأول: أن يقبل الإنسان بعقله على رمضان، وذلك بالتعلم والتخطيط. والتعلم، أن يبذلَ وُسعه في دراسة وتعلُّم ما يهمه من أحكام الشهر الكريم، وما يتعلق به من فضائل وآداب ومرغبات وحوافز، إلى غير ذلك من وجوهِ العلم المرتبطة برمضان، وسينشأ من هذه الدراسة والمعرفةِ تعلقٌ بهذا الشهر، وحبٌّ له، إضافة إلى ما في الفقه من خيرية مطلقة، جاء في الحديث: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين".

 

والأمر في غاية السهولة والبساطة، فشبكة النت والتسجيلات الإسلامية مليئة بالمواد المسموعة والمرئية، وفيها مئات الدروس والمحاضرات المتنوعة، كلها في متناول اليد، وبضغطة أزرار معدودة.

 

والسبب الثاني من أسباب الإقبال العقلي على رمضان: التخطيط الجاد، بأن تأخذ ورقة وقلماً وتخطِّطَ لعلاقتك مع هذا الشهر الكريم. أكتب: كيف ستغتنم أوقاته؟ وكيف سيكون برنامجك في نهار رمضان وليله؟ وبأكبر قدر من التفصيل. وما هي الوسائل التي ستضمن لك الجدية والانضباط؟ ما هي العبادات التي ستلتزم بها؟ وما هي المشاريع الخيرية التي ستساهم فيها؟. واعلم أن كتابة تفاصيل هذه العلاقة ترفع من نسبة تنفيذها عدة مرات بإذن الله.

 

أما كيف يُقبل الإنسان بقلبه على رمضان، فهو بحاجةٍ لسببين: الاستشعار، والتطهير. والمقصود بالاستشعار أن يستشعر القلب عظمة هذا الشهر وعِظمَ فضائله، أن نحوِّلَ المعلومات المتراكمة في أذهاننا عن رمضان إلى إحساس حيّ، إلى رغبةٍ جامحة تأسر الروح، وتوقظ القلب، وتحرك الجسد، وما أروع ما قاله الشيخ ابن باز -رحمه الله-: إذا كانت الروح هي التي تعمل، فإن الجسد لا يتعب!.

 

نعم يا عباد الله، ينبغي أن تتذوق قلوبنا طعم الفرح الحقيقيّ بهذا الشهر العظيم، وأن تستطعم بكل إحساسها لذة الأنس بالله، والتنعم بعبادته ومناجاته.

 

أما التطهيرُ  فحاصله التطبيق العمليّ لقوله تعالى: (إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:89]، والمقصود: تطهير القلوبِ من أمراضِ الغشِ، والحقدِ، والحسد، والكبر، وسوء الظن، والرياء، والعجب، وغيرها من أمراض القلوب، وهذا التطهير -يا عباد الله- من أعظم ما يلزم القلبَ ليقبل على رمضان الإقبال اللائق.

 

أما النوعُ الثالثُ فهو قدوم الجوارحِ، وله أيضاً سببان: النصَبُ، والاستمرار، لطالما قرأنا قوله -تعالى-: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) [الشرح:7-8].

 

أما تفسيرها، فيقول العلماء: إذا فرغتَ من طاعةٍ فانصب في أخرى، وفي هذا التفسير يندرج السببان: النصَبُ والاستمرار.

 

والمقصود بقدوم الجوارح -أيها الأحبة- أن جوارحنا لا بد أن تستعد وتتهيأ للتعب في طاعة الله، بل وتطلبه بلا كللِّ ولا مللٍ، وتيقن -وفقك الله- ووطن نفسك أن القدوم اللائق إلى رمضان، لن يكون إلا بنصبٍ وتعب.

 

وإذا كنتَ لا تريد أن توطن نفسك، على أنك ستتعب في التراويح، وعلى أنك ستمكث في المسجد أوقاتاً طويلة، وستقرأ أوراداً طويلةً من القرآن، وستذكر الله ذكراً كثيراً، وعلى أنك ستتحرك دائباً في خدمة الفقراء والمساكين، وأنك ستقلل كثيراً من القيل والقال ومجالسة كلِّ بطال، فضلاً عن أنك ستهجر الشاشات وتقاطعها نهائياً بكل ما فيها من غث وسمين، وإن لم توطن نفسك على النصَبِ والتعبِ في ذلك كله؛ فكيف إذن ستبرهنُ على صدق إقبالك على رمضان؟.

 

إنَّ المتأمل لسِيَرِ الصالحين يجدُ أنّهم يجعلون من برهان صدق توجههم إلى الله إنهاك أبدانهم في الطاعة والعبادة، فأَعْزِمُ عليك -أُخيّ في الله- أن تمتثل التوجِيه الرباني لحضرة النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ).

 

جرِّب أن تُتْعبَ نفسك في الطاعة قصداً، مع الإخلاص والمجاهدة في تحسين العمل لله، وأبشر وأهنأ بحلاوةٍ ستجدُها في قلبك، وبركةٍ ستحصِّلُها في عمرك، وانشراحٍ ستحسه في صدرك.

 

أما السبب الثاني من أسباب إقبال الجوارح على رمضان فهو الاستمرارية، أي: أن تنوي وتعزِمَ على الاستمرارِ والمداومةِ على الطاعة، والثبوتِ عليها قدرَ الوسعِ والطاقةِ، امتثالاً للتوجيه الرباني الحكيم: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر:99]، وتأسياً بالهدي النبويّ القويم: "أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ".

 

تلك -يا عباد الله- ستُّ أسبابٍ تجعلُ قدومنا إلى رمضانَ مشبعاً بالخيراتِ التي تكافئُ خيراتِ قدومِهِ علينا، وحينها يلتقي الخيرانِ على أمرٍ قد قُدر، فتتفتح أبواب الشهرِ بخير منهمر، وتتفجر القلوبُ تقوى وصلاحاً. فهل من مدَّكر؟...

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، فإن تقوى الله تقي مقته وعقابه، وتقوى الله تُكسِبُ حبه ومرضاته، وتقوى الله توفيق وتيسير ومغفرة ورزق وأجر كريم، (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق:2-3]، (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق:4]، (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) [الطلاق:5].

 

وتقوى الله أعظم ثمرات الصيام، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:183]. فجعلني الله وإياكم من المتقين.

 

عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أتاني جبريل فقال: يا محمد، مَن أدرك شهر رمضان فمات ولم يغفر له فأُدخل النار فأبعده الله، قل: آمين. فقلت: آمين".

 

رمضان -أحبتي في الله- فرصةٌ، وأيّ فرصة، زمانٌ لا يضاهيه زمان، وموسم لا يدانيه موسم، وهو يدعونا للجد والعمل، وترك التواني والكسل، إنه -كما قال الله تعالى-: (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ) [البقرة:184]. فجدوا في اغتنامها بالخيرات، وسارعوا في عمارتها بالصالحات، واحذروا أن تضيعوا شيئاً منها في التفاهات والترهات.

 

وهيا، لنأخذ عهداً على أنفسنا: فــــ لا لِلّغو والرفث في رمضان، و لا لقنوات اللهو والعبث في رمضان، و لا لضياع الأوقات سدى في رمضان.

 

نعم أحبابي في الله، لنتق الله في رمضان، وإن كان أعوان الشيطان قد استنفروا طاقاتهم واجلبوا بخيلهم ورجِلهم ليصدونا عن طاعة الله، وإذا كانوا قد نصبوا فخاخهم ليسرقوا قلوبنا وأوقاتنا في رمضان، فلندافعهم ولا نمكنهم مما يريدون، ولنستنفر نحن بدورنا كل طاقاتنا وقدراتنا، ولنستثمر كل أوقاتنا وإمكانياتنا، فيما يسعدنا ويرضي عنا ربنا، وعسى أن لا يكون آخر العهد برمضان،  فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بمحلوف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أتى على المسلمين شهر خير لهم من رمضان، ولا أتى على المنافقين شهرٌ شر لهم من رمضان، وذلك لما يُعِدُّ المؤمنون فيه من القوة للعبادة، وما يُعِدُّ فيه المنافقون من غَفلات الناس وعوراتهم، هو غنمٌ للمؤمن، ونقمةٌ للفاجر".

 

وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ وَالجَهْلَ، فَلَيْسَ لِلَّـهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

وَأَيُّ زُورٍ أَعْظَمُ مِنْ زُورِ قَنَوَاتٍ حَمَلَ أَصْحَابُهَا عَلَى عَوَاتِقِهِمْ صَرْفَ النَّاسِ عَنْ دِينِهِمْ، وَتَبْدِيلَ شَرْعِ رَبِّهِمْ، وَتَزْيِينَ أَنْوَاعِ المُنْكَرَاتِ لَهُمْ؟ (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) [النساء:27].

 

فَاتَّقُوا اللهَ عباد الله، وَأَطِيعُوهُ، وَاستَعِدُّوا لرمضان بِإِصلاحِ قُلُوبِكم وَتَنقِيَةِ سرائركمِ، وَاعقدُوا العَزمَ عَلَى التَّقَرُّبِ إِلى اللهِ وَالمُتَاجَرَةِ مَعَهُ بِأَحسَنِ مَا تَجِدُونَ. (إِنَّ الَّذِينَ يَتلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقنَاهُم سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرجُونَ تِجَارَةً لَن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُم أُجُورَهُم وَيَزِيدَهُم مِن فَضلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر:29-30].

 

فاستقبل -يا عبد الله- شهرك بتوبة خالصة، وعودة صادقة، ونية جازمة، ورغبة عازمة، أقبل على الطاعات، وأكثر من نوافل العبادات والصالحات، استروح روائح الجنان، وتعرض لنفحات الرحمن، وتزود بزاد التقوى والإيمان.

 

بلغني الله وإياك رمضان، وجعلنا فيه دوماً من أهل القرآن والإحسان.

 

يا بن آدم، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقة، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان، كما تدين تدان.

 

اللهم صلِّ على محمد...

 

المرفقات

أقبل رمضان، فكيف نقبل عليه؟

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات