سؤال الأعرابي: متى الساعة؟

حمزة بن فايع آل فتحي

2022-10-09 - 1444/03/13
عناصر الخطبة
1/سؤال الأعرابي عن وقت قيام الساعة 2/ما يستفاد من جواب النبي عليه الصلاة والسلام له 3/وجوب الاستعداد لقيام الساعة.

اقتباس

الحديثَ معجزةٌ نبوية؛ فقد وقع ما حذّر منه -صلى الله عليه وسلم-, فقد شهدَ الناس قديما وحديثا رفع الجهلة والأشرار, وخفضَ المهرة والأخيار، وذلك من أشنع صور تضييع الأمانة؛ ولذا قال: وإضاعتها "إذا وُسد الأمرُ إلى غير أهله"؛ أي: أُسند وأضيف إلى من لا يستحق...

الْخُطبَةُ الْأُولَى:

 

الحمدُ لله رب العالمين, خالقِ الخلق أجمعين, وجامعِ الناس ليوم لا ريب فيه, أعز أهلَ طاعته, وأذل أهل معصيته, وجعل الجنةَ للمتقين، والنارَ دار الكافرين, نحمدُه ونشكره, ومن كل ذنب نستغفره, أشهد أن لا إلهَ الا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

 

إخوةَ الإيمان:‏ حدَثٌ عظيم يؤرقُ كلَّ مسلم, ويتهمم به كثيرا, من جراء الآيات والمواعظ, وقارعة المعاد والحساب, حتى إن الأعراب كانوا يسألونَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنه, وسأله جبريل كذلك في حديثه المشهور.

 

إنه حدثُ الساعةِ العظيم, وخَطبُ القيامةِ المَهول، واجتماعُ الناس لليوم الآتي الذي لا ريب فيه, قال -تعالى-: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا)[النازعات: 42], وجاء في صحيح البخاري -رحمه الله- من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: بينما النبي -صلى الله عليه وسلم- في مجلس يحدث القوم, جاءه أعرابيٌ, فقال: متى الساعة؟, فمضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحدث, فقال بعضُ القوم: سمعَ ما قال فكره ما قال, وقال بعضُهم: بل لم يسمع, حتى إذا قضى حديثه, قال: "أين أُراه السائلُ عن الساعة؟", قال: أنا يا رسولَ الله!, قال: "فإذا ضُيّعت الأمانةُ؛ فانتظرِ الساعة", قال كيف إضاعتُها؟, قال: "إذا وُسِّد الأمرُ إلى غير أهله؛ فانتظرِ الساعة".

 

ويسألونك عن خطبٍ وحاجاتِ *** وعن ملمة من أدهى الملماتِ

قيامةُ الكونِ قوموا فالمقامُ لها *** نهوضُ جدٍ وعزمٍ واستباقاتِ

وهنا قضايا -يا مسلمون-:

الأولى: أن سؤالَ الساعة مؤرقٌ لكثيرين, وهي أهلٌ لذلك, ولكننا قد لا نفكر فيها, ولا في حُسن الاستعداد لها؛ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[البقرة: 281], وقال عمر -رضي الله تعالى عنه-: "حاسبو أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا".

 

إنّ فقهَ الحياة الدنيا, وضرورةَ الإيمانِ بالله واليوم الآخر, يحتّم علينا مراقبةَ الله والمسارعة إلى طاعته، وهزيمةَ الشيطان والهوى، بالأعمال الصالحة, والاستقامةِ الدائمة؛ (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)[آل عمران: 133].

 

الثانية: ‏أهميةُ الأمانةِ والمحافظة عليها, وهي تعني سائرَ التكاليف الشرعية؛ كما قال الله: (وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)[الأحزاب: 72], فهي كما قال العلامةُ الطبري -رحمه الله-: "جميعُ معاني الأمانات في الدين, وأمانات الناس", ومن ذلك: وضعُ الأكفاء في المناصب والمراتب, ولا يصحُّ تصديرُ الجهلة، أو تمكينُ السفهاء على أهل الفضل والعلم والصلاح!.

 

ثالثًا: ‏أن الحديثَ معجزةٌ نبوية؛ فقد وقع ما حذّر منه -صلى الله عليه وسلم-, فقد شهدَ الناس قديما وحديثا رفع الجهلة والأشرار, وخفضَ المهرة والأخيار، وذلك من أشنع صور تضييع الأمانة؛ ولذا قال: وإضاعتها "إذا وُسد الأمرُ إلى غير أهله"؛ أي: أُسند وأضيف إلى من لا يستحق, وبانت سوأته، وعُرفت أخلاقه، والله المستعان! .

 

رابعاً: ضرورةُ الاتعاظ من علامات الساعة, والحذر من التمادي في الغفلات والركضُ وراء الشهوات, وقد تكشفتِ الأمور, واتضحت الحقائق!؛ فضياعُ الأمانة نذارةُ شر، ونافذةُ خطر، يجب علينا الانتباه لها, وإصلاح شؤوننا؛ (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ)[الحج: 78], (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)[آل عمران: 110].

 

خامسا: علمُ الساعة ووقتها غيبٌ استأثر الله بعلمه؛ (إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ)[فصلت: 47], (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ)[لقمان: 34].

 

وليس للعباد مصلحةٌ في علمها، والاشتغال به من سفه العقل؛ لأنه يتنافى مع حكمةِ الخلق والابتلاء, والمفيدُ النافع لنا معرفةُ علاماتها وأشراطها, والاستعدادُ لها جدا وأعمالًا< قال العلماء: "لم يثبتْ في حديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه حدد وقتَ الساعة بمدة محصورة، وإنما ذكر شيئًا من علاماتها وأشراطها وآماراتها", وما ورد من تحديد عُمر هذه الأمة, وعمر الدنيا، فكلها مكذوباتٌ لا تثبت!.   فجدّوا -عبادَ الله- في الطاعات, واستحضروا خطرَ الساعة، وخطرَ الموتِ الذي يتخطفُ الناس, فماذا ننتظر بعد؟!.   اللهم علّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا؛ إنك جواد كريم, أقولُ قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه.     الخظبة الثانية:   الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده, نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.   أيها الإخوة الكرام: قولُنا وقولُ الناس وقول العقلاء: متى الساعة؟, يوجبُ علينا التخوفَ والحذر, وحقيقةُ الحذر هنا حسنُ العمل، وعدمُ الاغترار بالحياة الدنيا، وفِي حديثٍ آخر في الصحيحين، لما سئل -عليه الصلاة والسلام-: متى الساعة؟. قال: "ماذا أعددتَ لها؟".

 

فماذا أعدَّ المتهممُ بالساعة والقيامة، والمتخوفُ من هول ذلك المصير؟ موتٌ وحساب, وشدائد ومشاق، ثم فريق في الجنة وفريق في السعير.

 

وأولى خُطوات الاستعداد: التفكيرُ فيها وفِي شدائدها, وعدمُ الاكتراث بالدنيا كثيرا؛ "كنْ في الدنيا كأنك غريبٌ, أو عابرُ سبيل".

 

وأيضا: عملٌ صالح يرفعك, وقرباتٌ تدنيك، وحسنات تصون عليك وقتك؛ كذكر الله، وما أسهله على النفوس الرضيات؛ "مثلُ الذي يذكر ربه والذي لا يذكره؛ كمثل الحي والميت".

 

ومن الاستعداد لها: ترقبُ الموت على كل حال؛ (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[الجمعة: 8], وتذكر أحوالِ الناجين, والعصاة الهالكين.

 

ومن الاستعداد: توبةٌ صادقة قبل الممات، وحسناتٌ مدخرات، وخروج عن مظالم الناس، فيا من اعتدى على أموال, أو اغتصب عقارًا: خفِ الله، وحاسب نفسك، وتحلل من ذلك, واختم الحياةَ بالتقوى والاستغفار, وقد كان -صلى الله عليه وسلم- دائمَ الذكر والاستغفار.

 

ومنها: التباعدُ عن مجالس اللغو واللهو، ومواطن الفتن والغي، فما نُسيت الساعةُ إلا بغفلةٍ جامحة، ولا ضُيعَ الاستعدادُ إلا بسبب الابتذال، فتخير ْمجالسك, وانتقِ خلانك؛ فالمرء على دين خليله .

 

وإن أعظمَ مؤثر الآن بعد وسائل الإعلام، هو الصديقُ المجالس، والزميلُ المؤانس, فتنبه وخذ الحذر .

 

 

المرفقات

سؤال الأعرابي متى الساعة؟

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات