العدل

سالم بن محمد الغيلي

2022-10-07 - 1444/03/11
عناصر الخطبة
1/فضائل العدل وأهميته 2/العدل مع الله والعدل مع الناس 3/من صور العدل الواجبة مع الأبناء والزوجات والغرباء 4/ هنيئًا للعادلين.

اقتباس

يأخذون حقوق الناس بالظلم والمحاباة وبسيف الحياء وبالعادات والتقاليد المخالفة لشرع الله، المرأة تجبر بسيف الحياء تتنازل، والبنت تسكت حياءً وربما تلحق مع أحد إخوتها والضعيف والعاجز من الرجال، الورثة تذهب حقوقهم هباءً، وهذا مُشاهَد عند الكثير.

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

 

عباد الله: اسم من أسماء الله الحسنى، وكل أسمائه حسنى، وصفة من صفات الله العلا، وكلّ صفاته علا، وأمرَ الله عباده بأن يتّصفوا به ويعملوا به، والله -عزَّ وجلَّ- يحب أهله والمتَّصفين به.

 

إنه العدل؛ وما قامت السماوات والأرض إلا بالعدل، والله -تعالى- هو العدل لا يظلم أحدًا، ولا يحابي أحدًا، ولا يجور على أحد، مع أنَّ الخلق خلقه، والأمر أمره، والملك ملكه ومع تلك العظمة والجبروت والسلطان اتَّصف بالعدل، فالله -تعالى- عَدْلٌ في أحكامه، عَدْلٌ في عطائه، عَدْلٌ في منعه، عَدْلٌ في دينه، عَدْلٌ في جزائه، ولا أعدل من الله، عَنِ النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-، فِيما رَوَى عَنِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أنَّهُ قالَ: "يا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا"(صحيح مسلم)، (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)[سورة الكهف:49].

 

والله -تعالى- يحكم بين عباده بالعدل؛ فيجازي صاحب الإحسان بالإحسان، ويجازي صاحب السوء بمثل عمله، والله -عز وجل- يحكم بين عباده يوم القيامة يوم الحساب يجمع الأولين والآخرين إِنسهم وجنّهم، مؤمنهم وكافرهم، والعجماوات معهم، ثم يقضي بينهم بالعدل، القاضي العادل يوم القيامة هو الله فقط، (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)[سورة الأنبياء:47].

 

وإننا مأمورون بالعدل: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ)[سورة النحل:90]، مأمورون بالعدل مع الله أولاً، والعدل مع الله بيننا وبين الله: ألَّا نشرك به شيئًا، هذا عدل أن نعبد الله ولا نشرك به شيئًا، لا ندعو الجن، ولا نذبح لشجرةٍ ولا لقبر ولا لصنم، ولا نستعين بساحر ولا كاهن ولا صحابي ولا وليّ، ولا نستغيث بميت ولا حيّ من الناس ولا نحلف بالنبي ولا بالشرف ولا بالطلاق ولا بالأمانة… فتحقيق التوحيد عدلٌ مع الله.

 

وإننا مأمورون بالعدل بين الناس: إذا حكمنا بين الناس أن نحكم بالعدل ولا نظلم حتى لو كان أحد المتخاصمين قريبًا أو حبيبًا أو مسؤولاً أو تاجرًا حتى ولو كان عدوًّا ومخاصمًا وكارهًا، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا)[سورة النساء:58]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[سورة المائدة:8]، (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[سورة الحجرات:9].

 

بين الناس فاعدل، ولا تخشى في الله لومة لائم، فالحكم بين الناس بالعدل أمان للضعفاء والفقراء، الحكم بالعدل يمنع الظلم والطمع والجشع، الحكم بالعدل يحي الحقوق.

 

وإن الله أمرنا بالعدل بين الورثة، الذين قسم الله -تعالى- بينهم الميراث، ونحن ننفِّذ قسمة الله، لا نجتهد ولا نبتدع ولا نحابي، وما أكثر مَن يظلم الورثة، ويحرم النساء خاصة والضعفاء من حقوقهم!

 

يأخذون حقوق الناس بالظلم والمحاباة وبسيف الحياء وبالعادات والتقاليد المخالفة لشرع الله، المرأة تجبر بسيف الحياء تتنازل، والبنت تسكت حياءً وربما تلحق مع أحد إخوتها والضعيف والعاجز من الرجال، الورثة تذهب حقوقهم هباءً، وهذا مُشاهَد عند الكثير.

 

وإن الله أمرنا أن نعدل بين الأولاد حتى لو كانوا مختلفين في البرّ والمحبة والأخلاق والقرب أو البعد منا، فلا محيد عن العدل في العطية في الهبة في الكلمة الطيبة في الابتسامة في المحاسبة في الأمر والنهي لا بد من العدل، قال -صلى الله عليه وسلم-: "اعدِلوا بين أولادكم في النِّحَلِ، كما تُحبّون أن يعدِلوا بينكم في البِرِّ والُّلطفِ" (صحيح الجامع للألباني).

 

قال النعمان بن بشير -رضي الله عنه-: "أَعْطَانِي أبِي عَطِيَّةً، فَقالَتْ عَمْرَةُ بنْتُ رَوَاحَةَ: لا أرْضَى حتَّى تُشْهِدَ رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فأتَى رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فَقالَ: إنِّي أعْطَيْتُ ابْنِي مِن عَمْرَةَ بنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فأمَرَتْنِي أنْ أُشْهِدَكَ يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: "أعْطَيْتَ سَائِرَ ولَدِكَ مِثْلَ هذا؟"، قالَ: لَا، قالَ: "فَاتَّقُوا اللَّهَ واعْدِلُوا بيْنَ أوْلَادِكُمْ"، قالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ"(صحيح البخاري).

 

بعض الناس أبناء هذه أكثر، ويميل معهم أكثر؛ هذا ظلمٌ وجَوْرٌ حتى لو كانت هناك زيادة في المحبة والرضى.

 

اللهم اجعلنا عادلين في توحيدنا وفي أحكامنا وفي قسمتنا وجميع أعمالنا. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يُحبّ ربنا ويرضى.

 

عباد الله: إن الله أمرنا بالعدل بين الزوجات حتى لو كانت إحداهما أحب من الأخرى؛ فلا بد من العدل، العدل في العطاء، العدل في النفقة، العدل في الصلة، العدل في الكلمة الطيبة، العدل في الأمر والنهي، العدل فيما يستطيع، والتجاوزات والتصرفات التي نسمعها عن بعض المعدِّدين يجب أن تغيب وتتلاشى في مجتمعنا، ومن لا يقدر على العدل بين الزوجات فلا يُعدِّد، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كانَ عندَ الرَّجلِ امرأَتانِ، فلم يَعدِلْ بينَهُما جاءَ يومَ القيامةِ وشِقُّهُ ساقطٌ"(صحيح الترمذي للألباني).

 

(فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ)[سورة النساء:129]، والزوجة العاملة مالها حرام إلا بإذنها وبرضاها، فإذا شاءت أعطت، وإذا شاءت منعت، ولكنَّ النفقة على الزوجة العاملة أقل بقليل من النفقة على الزوجة التي لا تعمل، وقد ذكر ذلك أهل العلم وفصَّلوه.

 

وإن الله أمرنا أن نعدل في المكيال والميزان (أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ * وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ * وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [سورة الشعراء:181-183].

 

لا نغشّ في السلع ونجعل الشَّيْن في الأسفل والزَّيْن في الأعلى، لا نطلب الزيادة من البائع بعد الكيل والوزن لا يجوز، لا نخلط الجيد بالرديء والقديم بالجديد.

 

وقوم شعيب عليه السلام كانوا غَشَشَة في الكيل والميزان كانوا يبخسون الناس أشياءهم، (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ * وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [سورة هود:84-85]، فما أطاعوه (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ) [سورة هود:94-95].

 

وإن الله أمرنا أن نعدل بين الناس في الوظائف والأعمال والمسؤوليات، فالموظف مسؤول أمام الله أن يعدل في وظيفته؛ فالمراجعون كلهم سواء القريب والبعيد، الغني والفقير، والمربي مسؤول أمام الله -تعالى- في العدل بين طلابه في كل المعاملات، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثٌ مُنجِياتٌ: خَشيةُ اللهِ -تعالى- في السِّرِّ والعلانِيَةِ، والعدلُ في الرِّضا والغضَبِ، والقصْدُ في الفقْرِ والغِنَى، وثلاثٌ مُهلِكاتٌ: هوًى مُتَّبَعٌ، وشُحٌّ مُطاعٌ، وإِعجابُ المرْءِ بنفْسِهِ"(حسّنه الألباني في صحيح الجامع).

 

(يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ)[سورة ص:26].

 

فهنيئًا لكم أيها العادلون، أبشروا برضى الله وفضله وكرمه، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ المُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ علَى مَنابِرَ مِن نُورٍ، عن يَمِينِ الرَّحْمَنِ -عز وجل-، وكِلْتا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ في حُكْمِهِمْ وأَهْلِيهِمْ وما وُلُّوا"(صحيح مسلم).

 

اللهم اجعلنا منهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

وصلوا وسلموا…

 

المرفقات

العدل

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات