وسوف تسألون

أحمد بن عبد العزيز الشاوي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/كل إنسان محاسَب على أعماله 2/أهمية الأسرة ونداء إلى القوّامين عليها 3/من أسباب اهتزاز القوامة وفساد الأسرة 4/شدة الهجمة على ثوابت المرأة المسلمة 5/من أبرز مظاهر اختلال مفهوم القوامة.

اقتباس

وَإِنَّهَا لَخِيَانَةٌ، وَتَضيِيعٌ لِلأَمَانَةِ، أَن يَهَبَ اللهُ الرَّجُلَ الذرية نَقِيًّة طَاهِرًة، قلوبهم صَفحَةٌ بَيضَاءُ، ثم يُلقِيَ بِهَذِهِ الصَّفحَةِ النَّقِيَّةِ في مَزَابِلِ الحَيَاةِ، فلا يَصُونَهَا، لا يَغرِسُ في قلوبهم حُبَّ اللهِ وَلا حُبَّ رَسُولِهِ، وَلا يَحفَظُ فِطرَتَهُم وَلا يَرعَاهَا، وَلا يَأمُرُهُم بِمَعرُوفٍ وَلا يَنهَاهُم عَن مُنكَرٍ، وَلا يَحُثُّهُم عَلَى صَلاةٍ وَلا يُنَشِّئُهُم عَلَى طَاعَةٍ، وَلا يَردَعُهُم عَن كَبِيرَةٍ...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله ذي المنّ والعطاء، المتفرّد بالألوهية والبقاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يسمع النداء ويجيب الدعاء، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير من علَّم وأرشد ولبَّى النداء، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه السادة النجباء وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد: فاتقوا الله معاشر المسلمين، واحمدوا الله على دوام النعم واستمرار العطاء.

 

موقف رهيب، ولحظات حرجة، ولقاء مهيب، ويوم عصيب.. ذلك يوم السؤال عن كل شيء، والحساب على كل شيء.. أمام ملك عدل لا يظلم الناس شيئًا، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، (وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)[الأنبياء:47].

 

سوف يُسْأَل الصادقون عن صِدْقهم، وليُسْأَلن الذين أرسل إليهم ولَيُسْأَلن المرسلون (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ)[الأعراف:6]، والسمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)[الإسراء:36]، و"إنَّ الله سائلٌ كلّ راعٍ عمَّا استرعاه؛ حفظ ذلك أم ضيّع"، و"كلكم راع ومسؤول عن رعيته".

 

إن هذا المصير المحتوم يحتّم على كل مَن ولي شيئًا أن يتقي الله فيما ولَّاه وما استرعاه، فالمسؤولية تكليف لا تشريف، وأمانة لا مكانة.

 

والأسرة هي المؤسسة الأولى في المجتمع فلا بد لها من قائد يتولى إدارتها، ويدير شؤونها، ويتحمّل مسؤولية الحفاظ عليها، فكانت القوامة للرجل؛ لأنه هو الذي يتولَّى الإنفاق عليها (وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)[النساء:34]، وهو الأقوى والأقدر على حمايتها (بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)[النساء:34].

 

هذا وإن النطاق الذي تشمله قوامة الرجل لا يمسّ حرمة كيان المرأة ولا كرامتها، فالقوامة ليست تسلطاً جبروتياً ولا استبداداً فردياً، ولكنها تعني في الإسلام تكليف الزوج بإدارة الأسرة إدارة لا تشذ عن الحق، ولا تميل مع الهوى، ولا تؤثر الحظ النفسي.

 

ثم إن هذه المسؤولية محكمة الجوانب محدودة المعالم؛ فإذا جاوزها القائم على الأسرة تلاشت سلطته وجُوبِهَ بالرفض كما لو أمر بمعصية؛ فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

 

وهذا يعني أن المرأة في ظل هذه القوامة لم يهضم حقها، ولم تَذُبْ شخصيتها، ولم يسقط اعتبارها كما يهذي بذلك الجاهلون، ولكن القوامة بَذْل وتضحية وتوجيه لقافلة الأسرة إلى المسار الصحيح.

 

إن الأسرة المسلمة اليوم تستهدفها تنظيمات نسوية مشبوهة تتصيد فتياتنا بشباك الحرية الزائفة لتلقي بهن في جنة الدجال، وهذا يؤكد عظم المسؤولية على الآباء والأمهات فـ"الرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها".

 

إن على كل أبٍ وكل أمّ أن يستشعرا هذه المسؤولية نحو الأسرة فهي القلعة الأخيرة التي إن خسرناها نكون قد أضعنا كرامتنا وديننا ومجتمعاتنا، ونحن نودّ ألا نلقي اللوم على الأعداء ونبرئ أنفسنا.

 

أيها الرجال -آباء وأزواجاً، وإخوة وأولياء-: لقد جعلكم العليم الخبير قوامين على النساء، ومن هو قائم على شيء فهو أفضل منه، ومن شأنه أن يكون مُطاعاً لا مطيعاً ومتبوعاً لا تابعاً.

 

تهتز القوامة وتفسد الأسرة بتسلط المرأة على التوجيه وإدارة البيت بسبب التقليد، وهو من أخطر الأمور وأكثرها إيذاءً، وإنه انتكاس للأمور يمكن أن يفهم من قوله -صلى الله عليه وسلم- في أشراط الساعة "أنْ تَلِدَ الأَمَة ربّتها"، وليس معنى هذا أن تلغى شخصية المرأة، وإنما هي القوامة، وإلغاء شخصية الرجل أكبر خطراً وأعظم أثراً.

 

تهتز القوامة بغلبة العاطفة حينما تطغى مشاعر الأبوة المشفقة الحانية وتتعدى حدودها؛ فتُنْسِي الأبَ مَهمته في التوجيه والتربية ليصبح مجرد منفِّذ لأوامر أطفال صغار، وإن كثيراً من أجيال المسلمين اليوم لم يجدوا في والديهم إلا الحنان المحض أو الإهمال الكامل، لذا تجد في صفات كثير من أبناء هذا اليوم الميوعة والضعف والانهزامية واللامبالاة.

 

وعندما كان الرجل في سابق الأيام مسيطراً على البيت كانت شدّته وصلابته تخفِّفان من لين الأم، أما بعد أن استنوق الجمل في كثير من الأوساط، وأصبح الرجل في بيوت هذه الأوساط لا مهمة له إلا القيام بالخدمات، وجلب الأغراض والحاجيات، ودفع الأموال والنفقات، ولم يعد يملك من أمر بيته إلا اليسير كان هذا الجيل المائع المنهار.

 

يخرم القوامة ذلك الشغل المتواصل من القوّام، حينما يجد رب الأسرة نفسه عاجزًا عن أن يجد الوقت الذي يجتمع فيه بنفسه أو بأفراد أسرته يوجّههم ويحدّثهم ويستمع إليهم، وإذا كان هذا الوضع مستكثرًا صدوره من عامة الناس؛ فإنه من المتدينين أشد واللوم لهم أكثر حتى ولو كان الشغل في دعوة وإصلاح فإن نداء القرآن يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)[التحريم:6]، (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)[طه:132]، و"إن لأهلك عليك حقًّا".

 

إنَّ هؤلاء الذين يُشْغَلُونَ عن أهليهم يجنون بعد حين المُرّ والعلقم ويتجرّعون غصص العناء والشقاء، والحياة اليوم معقَّدة الجوانب مترعة بأسباب التأثير، وإن الأسرة هي القلعة الأخيرة التي ينبغي أن نقف حياتنا وإمكانياتنا لحمايتها وحفظها؛ فوالله سوف تسألون.

 

"إنَّ الله سائل كلّ راعٍ عمَّا استرعاه؛ أحفظ ذلك أم ضيّع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته"، وإن أحوال أغلب النساء اليوم تعكس مدى تفريط الرجال في أداء حق هذه الرعاية التي جعلها الله واجباً حتماً في أعناقهم.

 

فأعدوا للسؤال جواباً وللجواب صواباً، واستغفروا ربكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

أيها الرجال: وأمام ما تتعرض له نساؤنا اليوم من حملات تستهدف النيل من كرامتهن، ونزع حجابهن، وسلب حيائهن، فإن مسؤوليتنا تعظم وتكبر.

 

إذا كان الأعداء يشوّهون موقف الإسلام من المرأة، وينشرون لها حقوقاً أجنبية لا تلائم طبيعتها وفطرتها؛ فإن من الواجب عليكم توعية نسائكم بحقيقة موقف الإسلام وأهداف حقوقه، وإن من واجبكم تحصين نسائكم ضد هذه الأفكار العفنة، فمن الضروري ألا تجهل المسلمة أوضاع المرأة الغربية والإسفاف النفسي الذي نزلت إليه، وينبغي تبصير المرأة المسلمة بحقيقة وَضْع المرأة في الغرب تلك الحقيقة التي يعتم عليها دعاة الانحلال، بل ويقلبون مفاسدها وانحرافها إلى فضائل وتكريم.

 

ينبغي أن تعلم المرأة حقوقها في الشريعة كما يجب أن تحرّر هذه الحقوق من العادات الاجتماعية المتوارثة التي قد تحرمها منها أو تشوّه نصاعتها وأحقيتها.

 

لا بد أن نسعى نحن الرجال إلى تطبيق هذه الحقوق المشروعة باعتبارها التزاماً وإلزاماً عملياً وسلوكاً وآداباً إسلامية حينها نبعد المرأة عن سلطان الفكر الغازي ودعاياته.

 

يا معشر الرجال: اعلموا أن الستر والصيانة هما أعظم عون على العفاف والحصانة، وأن احترام القيود التي شرعها الإسلام في علاقة الجنسين هو صمام الأمن من الفتنة والعار والفضيحة والخزي.

 

يا معشر الرجال: إن من أبرز مظاهر اختلال مفهوم القوامة، وأوضح صور ضعف الغيرة عند بعض الناس ما يشاهد في الأسواق والمطاعم والمقاهي، وفي شوارع محددة، وفي الهزيع الأخير من الليل من مشاهد مؤلمة وحركات جارحة ومظاهر من التبرج المقنع والتبرج الصريح. وتصرفات يستحي العفيف من وصفها.

 

إن واجب الديانة ثم مصلحة الأمّة يهيبان بكل مسؤول من أب أو غيره أن يضغطوا على كابح القاطرة قبل أن تصير إلى حافة الهاوية، وأين موضع هذا الكابح، إن لم يكن في التشريع الذي يفرض على المرأة أن تكفّ عن السباق المحرم الذي تمارسه في حلبة التقليد الأعمى.

 

إن الغيور ليتساءل: كيف لأبٍ أُنيطت به أمانة عظيمة ينام قرير العين، يكتحل بالنوم ملء جفنيه، وأبناؤه أو بناته خارج منزله، فقولوا لي بربكم: أيّ أبٍ هذا؟ وأي تربية تلك؟

 

وَإِنَّهَا لَخِيَانَةٌ، وَتَضيِيعٌ لِلأَمَانَةِ، أَن يَهَبَ اللهُ الرَّجُلَ الذرية نَقِيًّة طَاهِرًة، قلوبهم صَفحَةٌ بَيضَاءُ، ثم يُلقِيَ بِهَذِهِ الصَّفحَةِ النَّقِيَّةِ في مَزَابِلِ الحَيَاةِ، فلا يَصُونَهَا، لا يَغرِسُ في قلوبهم حُبَّ اللهِ وَلا حُبَّ رَسُولِهِ، وَلا يَحفَظُ فِطرَتَهُم وَلا يَرعَاهَا، وَلا يَأمُرُهُم بِمَعرُوفٍ وَلا يَنهَاهُم عَن مُنكَرٍ، وَلا يَحُثُّهُم عَلَى صَلاةٍ وَلا يُنَشِّئُهُم عَلَى طَاعَةٍ، وَلا يَردَعُهُم عَن كَبِيرَةٍ، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِن عَبدٍ يَستَرعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً فَلَم يُحِطْهَا بِنُصحِهِ إِلاَّ لم يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ"، وفي رِوَايَةِ "مَا مِن عَبدٍ يَستَرعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَومَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الجَنَّةَ".

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم:6].

 

وصلوا وسلموا..

 

المرفقات

وسوف تسألون

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات