الأَضحى إِرث إبراهيم (خطبة عيد الأضحى)

الشيخ د محمود بن أحمد الدوسري

2022-10-08 - 1444/03/12
عناصر الخطبة
1/فضائل يوم عيد الأضحى 2/دروس في التضحية والوفاء 3/يوم الأضحى أفضلُ أيام العام وأعظمُها 4/من جوانب الاقتداء بأبي الأنبياء

اقتباس

ضَحُّوا لله -تعالى-، ليس فقط بالشَّاءِ والبعير، وإنما أيضاً ضَحُّوا بشهواتكم ورغباتكم، فاجعلوها مُنقادَةً لله -تعالى-، وطَهِّروا قلوبَكم وأنفسَكم، وجَدِّدوا العهدَ مع الله -تعالى- على الإيمانِ والتوحيدِ والطاعة، وأَصْلِحوا ما بينكم وبين الله...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

وبعد: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلاَّ الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد. الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً. الله أكبر ما لبَّى المُلبُّون.. الله أكبر ما سَجَدَ السَّاجدون.. الله أكبر ما ضَحَّى المُضحُّون.

 

عباد الله: ها قد أظلَّكم الأضحى بِظِلاله، إنه عِيدُ المسلمين الأكبر، إنه يوم الفِداء، يوم التَّضحية، يوم الإخلاصِ لله -تعالى-، فيه تخليدٌ لِذِكْرِ أبينا إبراهيمَ -عليه السلام-، وفيه المُضِيُّ على سُنَّتِه وهديه؛ لذا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كُونُوا عَلَى مَشَاعِرِكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ عَلَى إِرْثٍ مِنْ إِرْثِ إِبْرَاهِيمَ"(رواه الترمذي وابن ماجه والنسائي).

 

والمشاعر: جَمْعُ مَشْعَر، وهو مَواضِعُ النُّسُك، سُمِّيَتْ بذلك لأنَّها مَعَالِمُ العِبادات، أي: اثْبُتُوا في مَواضِعِ النُّسُك؛ فإنَّ موقِفَكم بعرفةَ هو نفسُه موقف إبراهيم، وَرِثْتُموه منه، ولم تُخْطِئوا. وفي ذلك دليلٌ على أنَّ الوقوف بعرفة وَرِثَه المسلمون عن أبيهم، وكذا بقية النُّسك في الحج، ومن ذلك: التَّقرُّب إلى الله -تعالى- بِذَبْحِ الأُضحية؛ فإنه من إِرْثِ إبراهيم -عليه السلام- فداوِموا عليه واثْبُتوا.

 

الأضحى من الأُضحية، ومن التَّضحية، فيه الانقيادُ لأمرِ الله -تعالى-، والإِذعانُ والخُضوعُ لِمُرادِ اللهِ -سبحانه-، انقادَ فيه إبراهيمُ لأمر ربِّه (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى)، وانقادَ فيه إسماعيلُ إلى أمر ربِّه (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ)[الصافات:102]. فكان الجزاءُ من جِنْسِ العمل: (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)[الصافات:107]. فصار عِيداً للمسلمين، وصارت سُنَّةً في كلِّ عام؛ أنْ يُضَحِّي المُضَحُّون بذبح، كلٌّ على قَدْرِ استطاعته.

 

الأضحى المبارك عِيدُ للمسلمين، عِيدٌ لانتصارِ الإنسان على نفسِه، وتقديم أمر ربِّه، فبَيَّنَ لنا أنَّ الفَرَح الحقيقي والعِيدَ الحقيقي هو في طاعةِ اللهِ -تعالى-، وتنفيذِ أوامرِه.

 

الأضحى -أيها الإخوة- تطهيرٌ وتزكية؛ تطهيرٌ للنفس من مُتَعَلَّقاتِها، وتزكيةٌ لها بِحُبِّ الله -عزَّ وجلَّ-، واتِّباعِ أوامره، وتقديمِها على كلِّ أمر، فإبراهيمُ -عليه السلام- بَلَغَ من العمر مَبْلَغاً، ثم رَزَقَه اللهُ بولد، ويكبر الغُلام، -وعاطفة الأُبوة من أقوى العواطِفِ البشرية-، ورغم ذلك يَقْدُمُ على قَتْلِه؛ حُبًّا لربِّه، وتنفيذاً لأوامره، هكذا القلبُ السَّليم، مُمتلِئٌ بِحُبِّ الله -تعالى-، فاستحقَّ ثَنَاءَ اللهِ عليه: (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى)[النجم:37]، وقال -تعالى-: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ)[النحل:120]، استَحَقَّ أنْ يُذْكَرَ اسمُه في كلِّ صلاة؛ في تَشَهُّدِ المسلمين: "كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ"(رواه البخاري).

 

الأضحى شُكرٌ ووفاء، وعِرفانٌ بفضلِ اللهِ على المسلمين، ولنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أُسوةٌ حَسَنة، قال -تعالى-: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)[الكوثر:1-2]. لقد أنْعَمَ اللهُ -تعالى- على نبيه؛ فأعطاه نهراً عظيماً من أنهار الجنة، يُسمَّى الكوثر، وهذه نِعمةٌ عظيمة، أنعَمَ اللهُ بها على نبيه، وكلُّ نعمةٍ تستوجب شُكراً لله -تعالى-، فأمَرَ اللهُ -تعالى- نبيَّه -صلى الله عليه وسلم- بالصلاةِ والنَّحْر.

 

الأضحى -أيها الكرام- يُذَكِّرُنا بِشُكْرِ نِعَمِ اللهِ التي لا تُحْصَى ولا تُعَدّ، والشُّكر كما يكون باللِّسان؛ يكون بالفِعل، وما أجمل أنْ يقترن القولُ مع الفِعل، فنشكر اللهَ على نِعَمِه باللِّسانِ تارة، وبالطاعةِ تارة، وبالصَّدقة، ومن مظاهر هذا الشُّكر الأضحية، فكان الأضحى لِشُكْرِ اللهِ -تعالى- على نِعَمِه وآلائِه.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله...

 

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلاَّ الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.

 

أيها المسلمون: اتَّخِذوا من أبيكم إبراهيمَ قُدوةً وأسوة، فأنتم أَولى الناس بإبراهيم، فضَحُّوا لله -تعالى-، ليس فقط بالشَّاءِ والبعير، وإنما أيضاً ضَحُّوا بشهواتكم ورغباتكم، فاجعلوها مُنقادَةً لله -تعالى-، وطَهِّروا قلوبَكم وأنفسَكم، وجَدِّدوا العهدَ مع الله -تعالى- على الإيمانِ والتوحيدِ والطاعة، وأَصْلِحوا ما بينكم وبين الله، ولْيَكُنْ الأضحى بدايةَ عهدٍ جديدٍ بالتوبةِ والاستغفار، والعودةِ إلى -سبحانه وتعالى-.

 

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلاَّ الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.

 

عباد الله: الأضحى أفضلُ أيامِ العام وأعظمُها؛ لقول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ أَعْظَمَ الأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَوْمُ النَّحْرِ"(رواه أبو داود). هو يومُ فَرَحٍ وسُرور (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس:58].

 

فأكثروا فيه من الذِّكرِ والشُّكرِ والطاعات؛ شُكراً لله -تعالى- على ما أنْعَمَ به علينا من نِعَمِه العظيمة، أعادَهُ اللهُ علينا وعلى المسلمين بالأمنِ والإيمان، والعَفْوِ والعافية، وتقبَّلَ اللهُ مِنَّا ومنكم صالِحَ الأعمال.

 

المرفقات

الأَضحى إِرث إبراهيم (خطبة عيد الأضحى)

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات