الآداب المرعية في التعامل مع الأوامر الشرعية

عبدالله البرح - عضو الفريق العلمي

2022-10-05 - 1444/03/09
عناصر الخطبة
1/وجوب طاعة الله ورسوله 2/آداب التعامل مع أوامر الشرع وواجب المسلم تجاهها.

اقتباس

فإن من أراد علو بنيانه؛ فعليه بتوثيق أساسه وإحكامه وشدة الاعتناء به؛ فإن علو البنيان على قدر توثيق الأساس وإحكامه؛ فالأعمال والدرجات بنيان وأساسها الإيمان، ومتى كان الأساس وثيقًا حمل البنيان واعتلى عليه، وإذا تهدم شيء من البنيان سهل تداركه، وإذا...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71]، أما بعد:

 

أيها المسلمون: لا سعادة للعباد إلا بطاعة من له الدنيا وإليه المعاد -سبحانه وتعالى-؛ ولن يتحقق  لهم ذلك إلا باستجابتهم المطلقة لشرع ربهم وقيامهم بأوامره واجتنابهم نواهيه؛ كما جاءت بذلك نصوص كتاب رب البرية والسنة النبوية؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ)[الأنفال: 20-21]، وقال -تعالى-: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)[النور: 54].

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: "ما نَهَيْتُكُمْ عنْه فاجْتَنِبُوهُ، وما أمَرْتُكُمْ به فافْعَلُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ"(رواه مسلم).

 

عباد الله: وحتى يقيم العبد أوامر ربه له فلابد أن يعرف الآداب والواجبات التي يجب عليه أن يراعيها في تعامله مع الأوامر الشرعية؛ ألا وإن من تلك الآداب والواجبات:

أن يتلقى أوامر ربه له بالرضا والقبول والانقياد والتسليم محبا لمولاه طامعا في عطاياه؛ وهذا بلا شك أنه أصل من أصول الإيمان؛ يقول الحق -تبارك و-تعالى-: (إِنَّما كانَ قَولَ المُؤمِنينَ إِذا دُعوا إِلَى اللَّهِ وَرَسولِهِ لِيَحكُمَ بَينَهُم أَن يَقولوا سَمِعنا وَأَطَعنا وَأُولئِكَ هُمُ المُفلِحونَ)[النور: ٥١]، وقال -تعالى-: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا استَجيبوا لِلَّهِ وَلِلرَّسولِ إِذا دَعاكُم لِما يُحييكُم وَاعلَموا أَنَّ اللَّهَ يَحولُ بَينَ المَرءِ وَقَلبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيهِ تُحشَرونَ )[الأنفال: ٢٤]، وقال -تعالى-: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنونَ حَتّى يُحَكِّموكَ فيما شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدوا في أَنفُسِهِم حَرَجًا مِمّا قَضَيتَ وَيُسَلِّموا تَسليمًا)[النساء: ٦٥]؛ "وفي هذه الآية العظيمة يقسم -سبحانه- بنفسه الكريمة أنهم لن يحققوا الإيمان حتى يحكموا رسوله صلى الله عليه وسلم في كل شيء يحصل فيه اختلاف، ثم لا يكفي هذا التحكيم حتى ينتفي الحرج من قلوبهم والضيق، وكونهم يحكمونه على وجه الإغماض، ثم لا يكفي ذلك حتى يسلموا لحكمه تسليمًا بانشراح صدر، وطمأنينة نفس، وانقياد بالظاهر والباطن، فالتحكيم في مقام الإسلام، وانتفاء الحرج في مقام الإيمان، والتسليم في مقام الإحسان"(السعدي).

وما أجمل ما قاله الإمام الشافعي -رحمه الله-:

أسلم إن أراد الله أمراً *** فاترك ما أريد لما يريد

وما لإرادتي وجه إذا ما *** أراد الله لي ما لا يريد

 

ومنها: معرفة العبد بأوامر الله معرفة كافية؛ فالأعمال كالبنيان، وأساسها العلم والإيمان؛ فمن أراد استقامة بنيانه فلابد أن يوثق الأساس وإحكامه؛ قال -تعالى-: (أَفَمَن أَسَّسَ بُنيانَهُ عَلى تَقوى مِنَ اللَّهِ وَرِضوانٍ خَيرٌ أَم مَن أَسَّسَ بُنيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانهارَ بِهِ في نارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهدِي القَومَ الظّالِمينَ)[التوبة: ١٠٩]؛ ولا يقوم هذا الأساس إلا بصحة المعرفة بالله وأمره وأسمائه وصفاته، وتجريد الانقياد له ولرسوله دون ما سواه؛ فهذا أوثق أساس أسس العبد عليه بنيانه وبحسبه يعتلي البناء ما شاء.

 

يقول ابن القيم -رحمه الله-: "من أراد علو بنيانه، فعليه بتوثيق أساسه وإحكامه وشدة الاعتناء به، فإن علو البنيان على قدر توثيق الأساس وإحكامه، فالأعمال والدرجات بنيان وأساسها الإيمان، ومتى كان الأساس وثيقًا حمل البنيان واعتلى عليه، وإذا تهدم شيء من البنيان سهل تداركه، وإذا كان الأساس غير وثيق لم يرتفع البنيان ولم يثبت، وإذا تهدم شيء من الأساس سقط البنيان أو كاد. فالعارف همته تصحيح الأساس، والجاهل يرفع في البناء من غير أساس، فلا يلبث بنيانه أن يسقط".

 

ومن الآداب والواجبات التي يجب مراعاتها عند سماع أوامر الله: العزم على العمل بها؛ فذلك من المعينات للعبد على قيامه بذلك؛ بل إنه يؤجر بالعزيمة الصادقة حتى ولو لم يفعلها بسبب موت أو حائل حال دون القيام بها؛ قال الله -تعالى-: (وَمَن يُهاجِر في سَبيلِ اللَّهِ يَجِد فِي الأَرضِ مُراغَمًا كَثيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخرُج مِن بَيتِهِ مُهاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسولِهِ ثُمَّ يُدرِكهُ المَوتُ فَقَد وَقَعَ أَجرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفورًا رَحيمًا)[النساء: ١٠٠].

 

ومنها: المسارعة إلى العمل بها، وذلك ثمرة معرفته بها وعلامة على صدق نيته وعزيمته، وشرط لفوزه وفلاحه وسلامته ونجاته؛ قال الله -تعالى-: (وَالعَصرِ * إِنَّ الإِنسانَ لَفي خُسر ٍ * إِلَّا الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَتَواصَوا بِالحَقِّ وَتَواصَوا بِالصَّبرِ)[العصر: ١-٣].

 

فالعاقل من سارع إلى القيام بما أمره الله قبل فوات الأوان، ولله در الشاعر؛ حين قال:

مضى أمسك الماضي شهيداً معدلاً *** واتبعه يوم عليك شهيد

فإن تك بالأمس اقترفت إساءة *** فبادر بإحسان وأنت حميد

ولا تبق فعل الصالحات إلى غدٍ*** لعل غداً يأتي وأنت فقيد

إذا ما المنايا أخطأتك وصادفت*** حميمك فاعلم أنها ستعود

 

ومما يجب على العبد مراعاته عند قيامه بأوامر ربه وخالقه: إخلاص النية لله -تعالى-؛ قال -تعالى-: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)[البينة: 5].

 

ومن ذلك: إتقان العمل حتى يرى الكريم -سبحانه- صدق العبد مع ربه وحسن إقامه لأوامره، قال الله -تعالى-: (وَقُلِ اعمَلوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُم وَرَسولُهُ وَالمُؤمِنونَ وَسَتُرَدّونَ إِلى عالِمِ الغَيبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِما كُنتُم تَعمَلونَ)[التوبة:١٠٥].

وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الله -تعالى- يحب من عبده أن يتقن ما يقوم به من عمل؛ فقال: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يُتقنه"(صححه الألباني).

 

ومن الآداب والواجبات التي ينبغي للعبد مراعاتها مع أوامر ربه: ألا يتبعها بفعل ما يبطلها؛ كما قال -سبحانه-: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تُبطِلوا صَدَقاتِكُم بِالمَنِّ وَالأَذى)[البقرة: ٢٦٤]؛ يقول السعدي -رحمه الله-: "ينهى عباده -تعالى- لطفا بهم ورحمة عن إبطال صدقاتهم بالمنّ والأذى ففيه أن المنّ والأذى يبطل الصدقة، ويستدل بهذا على أن الأعمال السيئة تبطل الأعمال الحسنة، وفيه الحث على تكميل الأعمال وحفظها من كل ما يفسدها لئلا يضيع العمل سدى؛ فإن المنة والأذى مبطلان لأعمالكم؛ لأن شرط العمل أن يكون لله وحده وهذا في الحقيقة عمل للناس لا لله، فأعماله باطلة وسعيه غير مشكور".

 

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم؛ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم؛  فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده والصلاة والسلامة على من لا نبي بعده، أما بعد:

 

أيها المؤمنون: وإن مما يجب على العبد تجاه أوامر الله -تعالى-: المداومة على أوامر ربه ومولاه؛ كما كان سيد الخلق -صلوات ربي وسلامه عليه-؛ حيث روت عائشة -رضي الله عنها- فقالت: "كانَ رَسولُ اللهِ إذا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ"(رواه مسلم)، وعنها -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: "أدومه وإن قلَّ"(رواه مسلم).

 

ومن الواجبات كذلك: دعوة العباد إلى ما أمره الله به ونشره وحث الناس على امتثاله؛ فلا عذر لأحد كل حسب معرفته وقدرته؛ عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "بلِّغوا عني ولو آية"(رواه البخاري)؛ يقول ابن عثيمين -رحمه الله-: "كل من علم سنة ينبغي أن يُبينها في كل مناسبة، ولا تقل أنا لست بعالم، نعم لست بعالم، لكن عندك علم".

 

ومن الواجبات التي تجب نحو أوامر الله: صبر العبد على ما يلقاه في ذلك؛ فيحتاج إلى أن يصبر على لزوم القيام بها، ويحتاج إلى أن يصبر في دعوة الناس إليها وتعليمهم لها؛ قال الله -تعالى-: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اصبِروا وَصابِروا وَرابِطوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُم تُفلِحونَ)[آل عمران: ٢٠٠].

 

وصدق القائل:

فصبراً فليسَ الأجرُ إِلا لصابرٍ *** على الدهرِ إِن الدهرَ لم يخلُ من خَطْبِ

 

اللهم اهدنا لطاعتك ورضاك ووفقنا لاستجابة لنداك.

 

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين.

 

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

 

وصلوا وسلموا على البشير النذير؛ حيث أمركم بذلك العليم الخبير؛ فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

المرفقات

الآداب المرعية في التعامل مع الأوامر الشرعية

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات