ظلم الزوجات

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ تحريم ظلم الزوجات 2/من صور ظلم الزوجات 3/عقوبة الظلم.

اقتباس

وَمِنْ صُوَرِ ظُلْمِ الزَّوْجَاتِ: الْقَسْوَةُ وَالشِّدَّةُ الزَّائِدَةُ فِي الْمُعَامَلَةِ، يَقْسُو عَلَيْهَا بِاللِّسَانِ أَحْيَانًا؛ كَسَبِّ الزَّوْجَةِ وَلَعْنِهَا أَوْ شَتْمِهَا، أَوْ تَعْيِيرِهَا بِأَخْطَائِهَا وَزَلَّاتِهَا، أَوْ رَمْيِهَا بِالْأَلْفَاظِ وَالْأَوْصَافِ الْقَبِيحَةِ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ...

الْخُطْبَةُ الْأُولَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّ رَابِطَةَ الزَّوَاجِ تَقُومُ عَلَى أَسَاسِ الْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ؛ كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم: 21]، وَتَكْدِيرُ هَذَا الزَّوَاجِ بِمَا يُخَالِفُ هَذِهِ الْمَوَدَّةِ مُخَالِفٌ لِلْحِكْمَةِ الَّتِي شُرِعَ الزَّوَاجُ لَهَا، وَإِنَّ مِمَّا يُعَكِّرُ صَفْوَ هَذِهِ الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ ظُلْمَ بَعْضِ الْأَزْوَاجِ لِزَوْجَاتِهِمْ. وَلِهَذَا الظُّلْمِ صُوَرٌ مُتَعَدِّدَةٌ مُنْتَشِرَةٌ؛ مِنْهَا:

أَخْذُ مَالِهَا بِغَيْرِ وَجْهِ حَقٍّ؛ فَكَثِيرٌ مِنَ النِّسَاءِ الْعَامِلَاتِ خَاصَّةً يَشْتَكِينَ اسْتِغْلَالَ أَزْوَاجِهِمْ لَهُنَّ؛ بِمَدِّ الْيَدِ إِلَى رَوَاتِبِهِنَّ، وَالتَّصَرُّفِ فِي مَالِهِنَّ؛ حَيْثُ يُجْبِرُهَا الزَّوْجُ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَى الْبَيْتِ وَالْأَوْلَادِ، وَيَأْخُذُ مِنْ مَالِهَا مَا يَشَاءُ، وَبَعْضُهُمْ يَبْقَى بِدُونَ عَمَلٍ، تُنْفِقُ عَلَيْهِ الزَّوْجَةُ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ"(رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ)، وَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ النَّفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ لَا عَلَى الزَّوْجَةِ؛ فَقَالَ -تَعَالَى-: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)[النساء: 34].

 

وَمِنْ صُوَرِ ظُلْمِ الزَّوْجَاتِ: الْقَسْوَةُ وَالشِّدَّةُ الزَّائِدَةُ فِي الْمُعَامَلَةِ، يَقْسُو عَلَيْهَا بِاللِّسَانِ أَحْيَانًا؛ كَسَبّهَا  وَلَعْنِهَا أَوْ شَتْمِهَا، أَوْ تَعْيِيرِهَا بِأَخْطَائِهَا وَزَلَّاتِهَا، أَوْ رَمْيِهَا بِالْأَلْفَاظِ وَالْأَوْصَافِ الْقَبِيحَةِ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَاللهُ -تَعَالَى- نَهَى عَنْ ذَلِكَ؛ فَقَالَ: (وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[الحجرات:11].

 

وَمِنَ الْقَسْوَةِ مَعَ الزَّوْجَةِ: ضَرْبُهَا وَإِهَانَتُهَا؛ فَيَتَعَدَّى عَلَيْهَا بِيَدِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَدْ يَسْتَدِلُّ بَعْضُ الْأَزْوَاجِ عَلَى فِعْلِهِ هَذَا بِقَوْلِ اللهِ -تَعَالَى-: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا)[النساء:34]، وَهَذَا لَيْسَ فِي حَقِّ كُلِّ زَوْجَةٍ، وَإِنَّمَا فِي الزَّوْجَةِ النَّاشِزِ؛ وَالْمَرْأَةُ النَّاشِزُ هِيَ الْمُرْتَفِعَةُ عَلَى زَوْجِهَا، التَّارِكَةُ لِأَمْرِهِ، وَالْمُعْرِضَةُ عَنْهُ، الْمُبْغِضَةُ لَهُ"(تَفْسِيرُ ابْنُ كَثِيرٍ)، كَمَا أَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ الضَّرْبَ هُنَا هُوَ الضَّرْبُ التَّأْدِيبِيُّ غَيْرُ الْمُبَرِّحُ، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: "يَعْنِي: غَيْرَ مُؤَثِّر"؛ فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّهْدِيدِ وَالزَّجْرِ وَالتَّأْدِيبِ لِمَنْ كَانَتْ عَاصِيَةً، لَا أَنْ يَكُونَ عَادَةً لَهُ لِفَرْطِ عَصَبِيَّتِهِ، أَوْ شِدَّةِ غَضَبِهِ، أَوْ سُوءِ خُلُقِهِ، فَمَنْ كَانَ هَذَا طَبْعَهُ؛ فَهُوَ أَوْلَى بِالتَّأْدِيبِ مِنْ زَوْجَتِهِ.

 

أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ: لَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ضَرْبِ النِّسَاءِ؛ كَمَا وَرَدَ أَن عَمَرَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: ذَئِرْنَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ -أَيِ: اجْتَرَأْنَ وَتَعَالَيْنَ عَلَى الرِّجَالِ-، فَرَخَّصَ فِي ضَرْبِهِنَّ؛ فَأَطَافَ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ، فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ، لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ). وَتَقُولُ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: "مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئاً قَطُّ بِيَدِهِ، وَلاَ امْرَأةً وَلاَ خَادِمًا، إِلاَّ أنْ يُجَاهِدَ فِي سَبيلِ اللهِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَيَقُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَلَا لِمَ يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ؟! وَلَعَلَّهُ يُضَاجِعُهَا فِي آخِرِ يَوْمِهِ"(رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

وَمِنْ صُوَرِ ظُلْمِ الزَّوْجَةِ: عَدَمُ الْعَدْلِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ لِمَنْ كَانَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ زَوْجَةٍ؛ فَقَدْ يَمِيلُ إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَيَذَرُ الْأُخْرَى مُهْمَلَةً، أَوْ يَنْقُصُ فِي نَفَقَتِهَا عَلَى مَا يُعْطِي زَوْجَتَهُ الْأُخْرَى، وَمَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مُتَوَعَّدٌ بِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا؛ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ)، وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيُّ: "وَشِقُّهُ سَاقِطٌ"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

وَلْنَعْلَمْ أَنَّ اللهَ -تَعَالَى- لَمَّا أَبَاحَ التَّعَدُّدَ فِي الزَّوَاجِ اشْتَرَطَ فِيهِ الْعَدْلَ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الرَّجُلِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْعَدْلِ فَيَكْتَفِي بِزَوْجَةٍ وَاحِدَةٍ؛ حَتَّى لَا يَظْلِمَ أَحَدَ زَوْجَاتِهِ؛ قَالَ -سُبْحَانَهُ-: (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا)[النساء:3].

 

وَمِنْ صُوَرِ ظُلْمِ الزَّوْجَاتِ: أَنْ يَمْنَعَ الزَّوْجُ زَوْجَهُ مِنْ زِيَارَةِ أَهْلِهَا وأرحامها؛ وَذَلِكَ بِسَبَبِ خُصُومَةٍ بَيْنَ الزَّوْجِ وَأَهْلِهَا مَثَلًا؛ فَتَبْقَى الْمَرْأَةُ حَيْرَى بَيْنَ زَوْجِهَا وَأَهْلِهَا لَا تَدْرِي إِلَى أَيْنَ تَتَّجِهُ! وَمَاذَا تَفْعَلُ!

 

فَلْيَتَّقِ اللهَ الْأَزْوَاجُ، وَلَا يُدْخِلُوا زَوْجَاتِهِمْ فِي خصومات مَعَ أُسْرَهِنَّ؛ فَلِلزَّوْجِ حُقُوقٌ، وَلِأَهْلِهَا حُقُوقٌ -أَيْضًا-، وَيَنْبَغِي لِلزَّوْجِ أَنْ يُعِينَ زَوْجَتَهُ عَلَى تَأْدِيَةِ حُقُوقِ أَهْلِهَا مَهْمَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مِنْ نُفْرَةٍ أَوْ خُصُومَةٍ، وَهَذَا يَزِيدُ حُبَّهَا لَهُ وَإِكْرَامَهُ وَتَقْدِيرَهُ.

 

وَمِنْ صُوَرِ ظُلْمِ الزَّوْجَةِ: التَّضْيِيقُ عَلَيْهَا فِي النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ، قَالَ -تَعَالَى-: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ)[الطلاق:6]؛ قَالَ السَّعْدِيُّ: "تَقَدَّمَ أَنَّ اللهَ نَهَى عَنْ إِخْرَاجِ الْمُطَلَّقَاتِ عَنْ الْبُيُوتِ، وَهُنَا أَمْرٌ بِإِسْكَانِهِنَّ، وَقُدِّرَ الْإِسْكَانُ بِالْمَعْرُوفِ، وَهُوَ الْبَيْتُ الَّذِي يَسْكُنُهُ مِثْلُهُ وَمِثْلُهَا، بِحَسَبِ وُجْدِ الزَّوْجِ وَعُسْرِه؛ (وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ)؛ أَيْ: لَا تُضَارُّوهُنَّ عِنْدَ سُكْنَاهُنَّ بِالْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ؛ لِأَجْلِ أَنْ يَمْلَلْنَ، فَيَخْرُجْنَ مِنَ الْبُيُوتِ قَبْلَ تَمَامِ الْعِدَّةِ؛ فَتَكُونُوا أَنْتُمُ الْمُخْرِجِينَ لَهُنَّ، وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّهُ نَهَى عَنْ إِخْرَاجِهِنَّ، وَنَهَاهُنَّ عَنِ الْخُرُوجِ، وَأَمَرَ بِسُكْنَاهُنَّ، عَلَى وَجْهٍ لَا يَحْصُلُ عَلَيْهِنَّ ضَرَرٌ وَلَا مَشَقَّةٌ".

 

وَمِنَ الظُّلْمِ -أَيْضًا-: مُكُوثُ بَعْضِ الْأَزْوَاجِ فَتَرَاتٍ طَوِيلَةً خَارِجَ الْبَيْتِ، يَأْنَسُ الرَّجُلُ مَعَ أَصْحَابِهِ، فَيَذَرُ زَوْجَتَهُ أَوْقَاتًا طَوِيلَةً وَحْدَهَا؛ فِي الصَّبَاحِ فِي عَمَلِهِ وَوَظِيفَتِهِ، وَفِي الْمَسَاءِ مَعَ أَصْحَابِهِ إِلَى أَوْقَاتٍ مُتَأَخِّرَةٍ، وَهَذَا تَفْرِيطٌ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ؛ إِذْ لَا شَكَّ أَنَّ الزَّوْجَةَ تُحِبُّ أَنْ يُجَالِسَهَا زَوْجُهَا وَتَأْنَسَ بِقُرْبِهِ وَحَدِيثِهِ، وَفِي الْحَدِيثِ: "وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا؛ فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).

وَمِنْ صُوَرِ الظُّلْمِ: إِهْمَالُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ، وَإِعْرَاضُهُ عَنْهَا، وَتَرْكُهَا مُعَلَّقَةً، وَهَذَا مِنْ سُوءِ الْخُلُقِ، وَلُؤْمِ الطَّبْعِ؛ فَحِينَ يَقَعُ بَيْنَ الزَّوْجِ وَزَوْجَتِهِ مُشْكِلَةٌ يَعْمَدُ بَعْضُ الْأَزْوَاجِ إِلَى تَرْكِ زَوْجَتِهِ فِي بَيْتِ أَهْلِهَا دُونَ سُؤَالٍ عَنْهَا، وَرُبَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ تَأْدِيبَهَا؛ فَيَهْجُرُهَا هَجْرًا طَوِيلًا لَا يَجُوزُ لَهُ، مُخَالِفًا بِذَلِكَ شَرْعَ اللهِ -تَعَالَى-؛ (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النساء: 19]، وَقَالَ: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)[البقرة: 229].

 

وَبَعْضُهُمْ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِتَدْفَعَ الزَّوْجَةُ لَهُ مَالًا مُقَابِلَ طَلَاقِهَا، أَوْ يَتْرُكُهَا مُعَلَّقَةً، وَاللهُ يَقُولُ: (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[البقرة: 226- 227]، وَمِنَ الْأَزْوَاجِ مَنْ يَضُرُّ بِزَوْجَتِهِ لِيَسْتَرْجِعَ مِنْهَا الْمَهْرَ الَّذِي دَفَعَهُ لَهَا، وَقَدْ نَهَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: (وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)[النساء:20].

 

وَمِنْ ذَلِكَ: مَنْعُ الزَّوْجَةِ مِنْ رُؤْيَةِ أَوْلَادِهَا؛ فَإِذَا طَلَّقَ بَعْضُ الرِّجَالِ سَاءَتْ أَخْلَاقُهُ، وَمَنَعَ الْمَرْأَةَ مِنْ رُؤْيَةِ أَبْنَائِهَا؛ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يُعَاقِبَهَا؛ فَتَصَوَّرْ مَعِي تِلْكَ الْأُمَّ الَّتِي حَمَلَتْ وَوَلَدَتْ، وَتَعِبَتْ فِي التَّرْبِيَةِ، تُمْنَعُ مِنْ أَوْلَادِهَا، وَتُحْرَمُ مِنْ رُؤْيَتِهِمْ! وَقَلْبُ الْأُمِّ قَلْبٌ رَحِيمٌ، يَتَعَلَّقُ بِأَبْنَائِهَا، وَهُوَ أَمْرٌ فُطِرَتْ عَلَيْهِ؛ فَتَأَمَّلْ حَجْمَ الْأَلَمِ وَالْمُعَانَاةِ الَّتِي تَعِيشُهَا كُلَّ يَوْمٍ بَلْ كُلَّ سَاعَةٍ، وَهِيَ بَعِيدَةٌ عَنْ أَوْلَادِهَا!.

 

وَصُوَرُ ظُلْمِ الزَّوْجَاتِ كَثِيرٌ، وَفِي الْمُحَصِّلَةِ كُلُّ مُخَالَفَةٍ شَرْعِيَّةٍ مِنَ الزَّوْجِ فِي التَّعَامُلِ مَعَ الزَّوْجَةِ هُوَ ظُلْمٌ لَهَا، وَكُلُّ نَقْصٍ فِي حُقُوقِهَا الزَّوْجِيَّةِ الْمَشْرُوعَةِ هُوَ ظُلْمٌ لَهَا.

 

فَلْنَلْتَزِمْ بِشَرْعِ اللهِ -تَعَالَى- فِي جَمِيعِ مُعَامَلَاتِنَا، خَاصَّةً مَعَ أَهْلِنَا وَأَزْوَاجِنَا، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ).

 

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ. أَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ وَكَفَى، وَصَلَاةً وَسَلَامًا عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى، وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَمَّا بَعْدُ:

 

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الظُّلْمَ شُؤْمٌ عَلَى صَاحِبِهِ، مَرْتَعٌ وَخِيمٌ، وَذَنْبٌ عَظِيمٌ، وَوَبَالٌ أَلِيمٌ؛ فَكَيْفَ حِينَ يَكُونُ الْمَظْلُومُ مَخْلُوقًا ضَعِيفًا لَا يَسْتَطِيعُ رَدَّ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا الِانْتِصَارَ لِحَقِّهِ، وَفِي الْحَدِيثِ: قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: "يَا عِبَادِي! إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا؛ فَلاَ تَظَالَمُوا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، يَقُولُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اتَّقُوا الظُّلْمَ؛ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَيَقُولُ الشَّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "بِئْسَ الزَّادُ إِلَى الْمَعَادِ الْعُدْوَانُ عَلَى الْعِبَادِ".

 

إِنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ يَسْتَجِيبُهَا اللهُ -تَعَالَى- عَاجِلاً أَمْ آجِلاً، وَالظَّالِمُ لَا يُفْلِتُ مِنْ عَذَابِ اللهِ -تَعَالَى-، وَفِي هَذَا يَقُولُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللهَ لَيُمْلِي للظَّالِمِ، حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ"، قَالَ: قَرَأَ: (وكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)[هود: 102]"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

فَاحْذَرْ -أَيُّهَا الزَّوْجُ- أَنْ تَظْلِمَ زَوْجَتَكَ، فَتَرْفَعَ يَدَهَا إِلَى الْحَكَمِ الْعَدْلِ؛ فَيَكُونَ بِذَلِكَ هَلَاكُكَ.

 

لَا تَظْلِمَنَّ إِذَا مَا كُنْتَ مُقْتَدِرًا *** فَالظُّلْمُ تَرْجِعُ عُقْبَاهُ إِلَى النَّدَمِ

تَنَامُ عَيْنَاكَ وَالْمَظْلُومُ مُنْتَبِهٌ *** يَدْعُو عَلَيْكَ وَعَيْنُ اللهِ لَمْ تَنَمِ

 

مَعْشَرَ الْأَزْوَاجِ: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)؛ تِلْكَ وَصِيَّةُ نَبِيِّكُمْ لَكُمْ؛ فَإِيَّاكُمْ وَمُخَالَفَةَ وَصِيَّةِ نَبِيِّكُمْ، وَتَرَفَّقُوا بِزَوْجَاتِكُمْ؛ فَخَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الرَّحْمَةِ الْمُهْدَاةِ، الَّذِي أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ؛ فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

المرفقات

ظلم الزوجات

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات