تجارة رابحة لا تخسر أبدا

عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/شتان بين تجارة وتجارة 2/أربح التجارات وأفضلها 3/نماذج للتجارة الرابحة 4/الحثّ على الاجتهاد في الأعمال الصالحة.

اقتباس

من التجارة تجارة رابحة لا تخسر أبداً، وأرباحها عظيمة يجدها العبد أمامه في يوم هو أحوج ما يكون إليها، وفرحه بها أعظم من فرحه بتجارة دنيوية ربحها قليل وخسارتها كثيرة...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله؛ أمر عباده بالطاعات، ونهاهم عن السيئات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الكريم المنَّان الرحيم الرحمن، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبده ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

أمَّا بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[الحديد: 28].

 

عباد الله: من التجارة تجارة رابحة لا تخسر أبداً، وأرباحها عظيمة يجدها العبد أمامه في يوم هو أحوج ما يكون إليها، وفرحه بها أعظم من فرحه بتجارة دنيوية ربحها قليل وخسارتها كثيرة، أرأيتم ذلك الذي يسعى ويكدح لأجل ربحٍ يُحصِّله، وهو مأمور بذلك حتى ينفق على نفسه وعلى مَن تلزمه النفقة عليه، كيف يجتهد ويتعب ويقطع المفاوز والعقبات، وهو لا يعلم أيربح أم يخسر؟ فإذا ربح فرح، وإذا خسر حزن وندم، هذه هي تجارة الدنيا، إمَّا ربح أو خسارة.

 

أمَّا التجارة الرابحة دائماً، وتضاعف أرباحها، فما أكثر مَن يغفل عنها، ولا يلقي لها بالاً ولا اهتماماً، تطرق الأسماع ولا استماع، داعي الخير إليها قائم، والغافل على وجهه هائم، يحتاج إلى إيقاظٍ بموعظةٍ وتذكير، فلا تبخل يا عبد الله على مَن هذه حاله، أن تعظه وتُذكِّره، قال -تعالى-: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)[الذاريات:55]؛ فالمؤمن إذا ذُكِّر فإنَّ الذكرى تنفعه، فيعمل صالحاً، وينتهي عن المعاصي فيتوب إلى الله توبة نصوحاً.

 

عباد الله: تجارة رابحة أقل ما فيها من الربح أن تضاعف عشر مرات، قال -تعالى-: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[الأنعام:160].

 

وإنَّ من التجارة الرابحة: المسابقة إلى الصف الأول في المسجد؛ فعن العرباض بن سارية -رضي الله عنه-: "إنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يستغفر للصف المقدم ثلاثاً وللثاني مرة"(أخرجه ابن ماجه وصححه الألباني).

 

والصف المقدم هو الصف الأول الذي يلي الإمام؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ، لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ، لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا"(أخرجه الشيخان).

 

في هذا الحديث بيان فضل الأذان والصف الأول، وأنَّ الناس لو يعلمون ما فيهما من الفضل، لتزاحموا عليهما، واقترعوا بينهم أيُّهم يؤذن، وأيُّهم يصلي في الصف الأول، فأين أولئك الذين يزهدون في رفع الأذان حتى في البريَّة، ترى كثيراً من الناس عند الخروج إليها يتدافعون الأذان بينهم إن دخل وقت الصلاة!

 

وأين أولئك الذين يتركون الصف الأول في المسجد ولا يتزاحمون عليه، ترى بعضهم يأتي إلى المسجد فيختار الصف الثاني أو الثالث أو آخر الصفوف مع أنَّ في الصف الأول مكاناً!

 

ولو يعلم الناس ما في التهجير، وهو التبكير إلى الصلاة من الفضل والأجر، لدعاهم علمهم ذلك إلى أن يسابق بعضهم بعضاً، أيُّهم يحضر إلى المسجد قبل الآخر، ولو يعلمون ما في العتمة، وهي صلاة العشاء، والصبح وهي صلاة الفجر، لأتوا إليهما ولو بأن يمشي أحدهم على يديه وركبتيه واسته؛ لما فيهما من الأجر العظيم، فأينك أيُّها الصحيح المعافى، يا من لا تصلي العشاء والفجر في المسجد مع الجماعة، أيُّ كسلٍ وأيُّ غفلةٍ تعيشها، ألا تنفض غبار الكسل وتزيل أدران الغفلة لتحيا حياة السعداء.

 

عباد الله: ومن التجارة الرابحة: التبكير إلى صلاة الجمعة الذي زهد فيه كثير من الناس، فلا يأتي أحدهم إلا قبيل دخول الإمام أو في آخر الخطبة الثانية، ولو أنَّ أموالاً تُقَسَّم للمبكِّرين إليها، الأول فالأول، وابتدؤوا بتقسيم الأموال ابتداء بالصف الأول لامتلأ الجامع بالناس وازدحموا قبل دخول الإمام، ولتسابقوا للصف الأول واقترعوا عليه، للحصول على المال الذي هو زاد الدنيا، ولكن لمَّا كانت الحسنات زاداً للآخرة غفل عنها كثيرون، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ المَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ"(أخرجه الشيخان).

 

وتبدأ الساعات من طلوع شمس الجمعة إلى دخول وقت صلاة الجمعة. وغالب الناس لا يحضر إلا في الساعة الرابعة أو الخامسة. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ، كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ المَسْجِدِ المَلاَئِكَةُ، يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ، فَإِذَا جَلَسَ الإِمَامُ طَوَوُا الصُّحُفَ، وَجَاؤوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ"(أخرجه الشيخان).

 

عباد الله: ومن التجارة الرابحة: لمن صلى الفجر في جماعة أن يجلس حتى تطلع الشمس، حتى ترتفع قيد رمح ثم يصلي ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ"(أخرجه الترمذي وحسنه الألباني).

 

فاحرصوا يا عباد الله على كثرة الطاعات واجتهدوا في الأعمال الصالحات.

 

اللهم أعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

المرفقات

تجارة رابحة لا تخسر أبدا

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات