الذوق العام

عبدالله البرح - عضو الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/حقيقة الذوق ومعناه 2/مظاهر الذوق وصوره 3/قوادح الذوق العام.

اقتباس

ومن مظاهر الذوق: حسن الهيئة ولبس الألبسة التي تليق في الأماكن العامة؛ كالأسواق والمنتزهات والطرقات؛ فالله -تعالى- جميل يحب الجمال؛ كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم -رحمه الله-: "إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ .. ويستقبح في الأماكن العامة لبس ثياب النوم أو لبس ما لا يليق كالثياب المتسخ أو المستقذر لدى عامة الناس..

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71]، أما بعد:

 

معاشر المسلمين: لا سبيل لنمو الحضارات وسموها إلا بمعالي الأخلاق الفاضلة والقيم السامية؛ حيث أنها المقياس لرقي الشعوب والأمم؛ فإما أن يرتفعوا بها منزلة عالية أو أنها تهوي بهم في هاوية، وصدق القائل:

وإذا المعلم لم يكن عدلا مشى *** روح العدالة في الشباب ضئيلا

وإذا أصيب القوم في أخلاقهم *** فأقم عليهم مأتما وعويلا

 

ومن تأمل في أهمية التحلي بالأخلاق الطيبة أدرك أن الشاعر لم يكن مبالغًا حينما قصر نهضة الأمم وازدهارها وقوتها على الأخلاق ومنظومة القيم:

الصّدق أرفعُ ما اعْتَزّ الرّجالُ به *** وخيرُ ما عوَّدَ ابْنًا في الحياةِ أبُ

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

 

إخوة الإيمان: ولأهمية التحلي بالأخلاق الحسنة أرشد الإسلام أتباعه إلى التخلق بكل خلق مليح وترك كل قبيح، وإن من تلك الأخلاق التي دعا إليها ديننا الحنيف؛ خلق الذوق والمراد بالذوق كما عرفه أهل العالم فقالوا هو:  كل كلمة تحمل في طياتها معاني اللطف وكمال التهذيب وحسن القول والمظهر والسلوك وتجنب ما يمنع من الإحراج وجرح الإحساسات بقول أو فعل أو إِشارة.

 

وقيل أن المراد بالذوق: كل ما يستحسن أو يستقبح دينًا وفطرة من الأفعال والسلوك والأخلاق.

 

عباد الله: وحتى نتحلى بخلق الذوق الرفيع ونتمثله في حياتنا لا بد أن نعرف صوره ومظاهره؛ ألا وإن من أشكاله والأمثلة عليه ما يلي:

الذوق مع الوالدين، ونجد التوجيه الرباني لذلك في قول الحق -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ)[النور:58].

وروى البيهقي -رحمه الله- أن رجلا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: يا رسول الله، أستأذن على أمي؟ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-نعم، قال الرجل: يا رسول الله، أستأذن على أمي؟ قال: "نعم"، قال للمرة الثالثة: يا رسول الله، أستأذن على أمي؟ فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أتحب أن تراها عارية؟"، قال: لا يا رسول الله، فقال -صلى الله عليه وسلم- "فاستأذن على أمك".

 

ومن مظاهر الذوق وصوره: الاستئذان عند دخول بيوت الآخرين؛ كما في قوله -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)[النور:27 - 28].

 

ومن مظاهره كذلك: البشاشة عند مقابلة الناس؛ كما جاء في حديث أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعروفِ شيئًا، ولو أنْ تَلْقى أخاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ"(أخرجه مسلم)، ويدخل في ذلك حسن المصافحة وآدابها؛ فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: "أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم-كانَ إذا صافَحَ الرَّجلَ لم ينزِعْ يدَهُ من يدِهِ حتّى يَكونَ هوَ الَّذي ينزعُ يدَهُ، ولا يَصرِفُ وجهَهُ عن وجهِهِ حتّى يَكونَ هوَ الَّذي يصرِفُ وجهَهُ ولم يُرَ مقدِّمًا رُكْبتيهِ بينَ يدي جليسٍ لَهُ".

 

ومن مظاهره أيضا: ما يتعلق في إجابة الدعوات؛ قال -تعالى-: (إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ)[الأحزاب: 53].

 

ومن صور الذوق: خفض الصوت في الحديث؛ قال -تعالى-: (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)[لقمان: 19]، وتكون الحاجة إلى هذا الذوق أشد وأوجب حين يكون الحديث مع النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ سواء في مخاطبته أو عند سماع أقواله؛ قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ)[الحجرات: 2].

 

ومن مظاهر الذوق: إماطة الأذى عن الطريق؛ وقد ورد في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم-قال: "الإيمانُ بِضْعٌ وسَبعونَ، أفضَلُها قولُ: لا إلهَ إلّا اللهُ، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطَّريقِ، والحياءُ شُعْبةٌ مِن الإيمانِ"(أخرجه مسلم).

 

ومن مظاهر الذوق وأشكاله: لبس أحسن الثياب عند القيام للصلاة والذهاب إلى المساجد؛ قال -تعالى-: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)[الأعراف: 31]؛ وكذلك في الأماكن العامة؛ كالأسواق والمنتزهات والطرقات وعند مقابلة الناس؛ فالله -تعالى- جميل يحب الجمال؛ كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم -رحمه الله-: "إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ".

ويستقبح في الأماكن العامة لبس ثياب النوم أو لبس ما لا يليق كالثياب المتسخ أو المستقذر لدى عامة الناس.

 

أيها المسلمون: ذلكم هو خلق الذوق وبعض مظاهره فتخلقوا به في أقوالكم وأفعالكم وسلوكياتكم لينعم الجميع في مجتمع راق نظيف.

 

بارك الله لي ولكم ....

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعده:

 

عباد الله: الحديث عن الذوق العام يطول لأنه خلق ينبغي تفعليه في شؤون الحياة كلها مع النفس ومع الآخرين في البيت وفي الطرقات في الأقوال والأعمال والسلوكيات، ولكن حسبنا أن نضيف إلى ما تحدثنا عنه في الخطبة الأولى أن نشير إلى قوادح هذا الخلق الكريم التي تخدش الحياء وتفسد مكارم الأخلاق؛ ألا وإن من القوادح لخلق الذوق العام ما يلي:

رفع أصوات الموسيقى داخل الأحياء وما يترتب على ذلك من المجاهرة بسماعها وإيذاء الناس في بيوتهم وإقلاق السكينة العامة، ولا شك أن هذا التصرف من جملة الإيذاء الذي حرمه الله وتوعد أهله؛ فقال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)[الأحزاب: 58]، ويدخل في الإيذاء المنهي عنه: استخدام الاضاءات المؤذية ك (الليزر) وإشعال النار في الحدائق العامة وتصوير الأشخاص دون إذنهم.

 

ومن قوادح الذوق -أيها الكرام- البصق على الجدران والأماكن العامة وإلقاء النفايات في غير أماكنها المخصصة لها؛ وهذا مناف لكمال الإيمان الذي أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-أن أحد شعبه إماطة الأذى عن الطريق؛ كما جاء في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ، شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، وأَدْناها إماطَةُ الأذى عَنِ الطَّرِيقِ"(رواه مسلم).

 

ومن ذلك: إشغال مرافق كبار السنة وذوي الاحتياجات الخاصة؛ وهذا يتقاطع مع أخلاق الإسلام الذي حث على توقير الضعفة وذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن؛ فعن عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن -صلى الله عليه وسلم-قال: "من لم يرحمْ صغيرَنا ويعرفْ حقَّ كبيرِنا فليس مِنّا"(أخرجه أحمد)،  وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "جاء شيخٌ يريدُ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم-فأبطأَ القومُ عنهُ أن يوسِّعوا له فقال -صلى الله عليه وسلم-"ليسَ منّا مَن لم يَرحَم صغيرَنا ولم يوقِّر كَبيرَنا"(رواه الترمذي).

 

ومن الأمور التي تخل بالذوق العام: الكتابة على الجدران وتخطي طوابير الانتظار في المرافق العامة والأسواق والطرقات.

 

أيها المسلمون: لنتمسك بالأخلاق الفاضلة في أقوالنا وأفعالنا وتصرفاتنا استجابة لأوامر الكريم اللطيف واقتداء بالنبي الرؤوف وامتثالا لدعوة ديننا الحنيف؛ فديننا دين الأخلاق والجمال.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واخذل أعداءك أعداء الدين.

 

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة.

 

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، واجمع على الحق كلمتهم.

 

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا ووالدينا عذاب القبر والنار.

 

هذا وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير والشافع يوم المصير؛ حيث أمركم بذلك العليم الخبير؛ فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].

 

المرفقات

الذوق العام

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات