وأنذرهم يوم الحسرة

أحمد شريف النعسان

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/إعذار الله وإنذاره لعباده قبل نزول العذاب 2/المقصود بيوم الحسرة وبعض أهواله 3/بعض تمنيات وأمنيات المجرمين يوم الحسرة 4/تحمل الظالم لظلمه للآخرين يوم الحسرة 5/تمني المجرم يوم الحسرة لو أنه اتبع النبي -صلى الله عليه وسلم- 6/تبرؤ المجرمين من بعضهم البعض يوم الحسرة 7/الحسرة الفادحة يوم الحسرة

اقتباس

إن يوم الحسرة هو يوم القيامة, وحياة العبد في الدنيا لها بداية ولها نهاية, وأعمارهم فيها قصيرة, والقليل منهم من يتجاوز السبعين, أما عمر العباد في الآخرة فله بداية وليس له نهاية, فلتكن حياتك في الآخرة حياة السعداء, ولا تجعل يوم القيامة...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد:

 

فأستفتح بالذي هو خير، يقول الله -تبارك وتعالى- آمراً سيدنا محمداً -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)[مريم: 39].

 

والإنذار هو الوعيد بالعقاب قبل نزوله, وهذا من رحمة الله -عز وجل- بخلقه, ومن مظاهر هذه الرحمة: إرسال الرسل مبشِّرين ومنذرين للعباد؛ لأن منهم من استجاب لأمر الله -تعالى-, ومنهم من أعرض, والله -تعالى- ما أرسل الرسل مبشرين ومنذرين إلا ليسلم العباد من نار جهنم؛ لأن الله -تعالى- لا يريد أن يعذِّب خلقه, قال تعالى: (مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا)[النساء: 147].

 

يا عباد الله: لقد أمر الله -تعالى- حبيبه -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- بقوله تعالى: (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)[مريم: 39].

 

وأنا امتثالاً لأمر سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- القائل: "بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً"(رواه البخاري) أبلِّغ قول الله -تعالى-: (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُون)[مريم: 39] لكلِّ فاسد ومفسد, ولكلِّ طاغ ومتجبِّر, ولكلِّ من عاث في الأرض فساداً من الحكومة والشعب, ولكلِّ آكل رباً, بل لكلِّ مؤكل له, ولكلِّ مرتش, بل ولكلِّ راشٍ ورائش, ولكلِّ شارب خمر, بل ولكلِّ من أذن ببيع الخمر, ولكلِّ سافرة, بل ولكلِّ من أمر بالسفور, ولكلِّ من سفك الدماء, بل ولكلِّ من كان سبباً في سفك الدماء.

 

أقول لكلِّ هؤلاء, ولكلِّ من عاث في الأرض فساداً من الحكومة والشعب: يا هذا إن من ورائك يومَ حسرة حيث لا تنفعك الحسرة, فكن عاقلاً, وبادر بالتوبة لله -عز وجل- من كلِّ فساد وإفساد, واحفظ قول الله -تعالى-: (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)[مريم: 39].

 

علينا البلاغ, ووالله لا خير فينا إذا لم نبلِّغ, ولا خير في الحكومة ولا في الشعب إذا لم يسمع كلام الله -تعالى-, فيا من عاث في الأرض فساداً, ويا من كان وسيكون سبباً لدمار الأمة؛ كما قال تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)[الإسراء: 16].

 

يا من كان فاسقاً, يا من كان فاجراً: اعلم أن وراءك يوم الحسرة.

 

ما هو يوم الحسرة؟

 

يا عباد الله: إن يوم الحسرة هو يوم القيامة, وحياة العبد في الدنيا لها بداية ولها نهاية, وأعمارهم فيها قصيرة, والقليل منهم من يتجاوز السبعين, أما عمر العباد في الآخرة فله بداية وليس له نهاية, فلتكن حياتك في الآخرة حياة السعداء, ولا تجعل يوم القيامة يوم حسرة وشؤم عليك.

 

اسمع إلى حديث سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- وهو يحدِّثك عن يوم الحسرة, أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ, فَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ, فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ, فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ, وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ, ثُمَّ يُنَادِي: يَا أَهْلَ النَّارِ, فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ, فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ, وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ, فَيُذْبَحُ, ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلا مَوْتَ, وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلا مَوْتَ, ثُمَّ قَرَأَ: (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)[مريم: 39]، وَهَؤُلاءِ فِي غَفْلَةٍ أَهْلُ الدُّنْيَا: (وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)" أيُّ حسرة أعظم من فوات رضى الله وجنَّته؟ وأيُّ حسرة أعظم إذا حل سخط الله -تعالى- على عبده, وجعله ربُّنا -عز وجل- من الخالدين في نار جهنم, على وجه لا يتمكن من الرجوع إلى الدنيا ليستأنف العمل؟ قال تعالى: (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ)[الزمر: 15 - 16].

 

أنت عبد فاسمع وصية سيدك، اسمع -أيها الفاسد المفسد المتكبر المعاند-: أنت عبد لله -عز وجل- رغماً عن أنفك مهما كنت, إن كنت كبيراً أو صغيراً, قوياً أو ضعيفاً, غنياً أو فقيراً, حاكماً أو محكوماً, واسمع إلى بيان الله -تعالى- الذي ليس بوسعك أن تنكره, قال تعالى: (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا)[مريم: 93 - 95].

 

اسمع -أيها الفاسد المفسد من الحكومة أو من الشعب-: أنت آتٍ مولاك فرداً, لوحدك لا نصير لك, تنظر أيمن منك فلا ترى إلا ما قدَّمت, وتنظر أشأم منك فلا ترى إلا ما قدمت, وتنظر تلقاء وجهك فلا ترى إلا النار, فاحذرها بصدق توبتك لله -عز وجل-, واسمع إلى وصية مولاك وسيدك إذ يقول آمر خلقه جميعاً: (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُون * أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِين * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِين * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِين * بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِين * وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ)[الزمر: 54 - 60].

 

أيها الإخوة الكرام: إني أتوجَّه إلى كلِّ فاسد لأقول له: يا هذا إن من ورائك يوم حسرة, حيث يتمنى العبد الفاسد فيه أن يفدي نفسه من العذاب بماله وأصوله وفروعه وزوجه, بل بمن في الأرض جميعاً, قال تعالى: (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيه * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويه * وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيه * كَلَّا إِنَّهَا لَظَى)[المعارج: 11 - 15].

 

نعم إنه يوم حسرة وندم, حيث يتمنى الفاسد أن يفدي نفسه من عذاب الله -تعالى- في ذاك اليوم بكلِّ شيء, وهو في الحقيقة طلب منه في الدنيا أقل من ذلك بكثير، روى البخاري عن سيدنا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "يَقُولُ اللَّهُ -تعالى- لأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ, أَكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ, فَيَقُولُ: أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ, أَنْ لا تُشْرِكَ بِي شَيْئًا, فَأَبَيْتَ إِلا أَنْ تُشْرِكَ بِي".

 

تفكَّر -أيها العبد الفاسد المفسد- في هذا الحديث الشريف, إذا كان أهون الناس عذاباً يتمنى هذا, فكيف إذا كان العذاب مضاعفاً؟

 

لماذا أنت معرض عن دين الله -تعالى-؟ لماذا لا تحلُّ الحلال وتحرم الحرام؟ لماذا لا تعطي صاحب الحق حقه؟ لماذا الظلم؟ لماذا الاحتكام لغير ما أنزل الله -تعالى-؟ (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ)[النساء: 66].

 

يا عباد الله: إني أتوجَّه إلى العبد الفاسد الذي ما زال في الحياة الدنيا, التي هي دار عمل, قبل أن ينتقل إلى دار الجزاء, لأقول له: إن من ورائك يوم حسرة, عندما يؤتى بجهنم إلى أرض المحشر, فسوف تتمنى أنك لو قدَّمت عملاً صالحاً لذاك اليوم, قال تعالى: (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)[الفجر: 21 - 24].

 

ندمك لا ينفعك في يوم الحسرة, وأنت ترى جهنم وهي تُجرُّ إلى أرض المحشر؛ كما جاء في الحديث الشريف: "يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ, مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا"(رواه مسلم).

 

أيها الفاسد المفسد: والله إن ظلمك للآخرين هو في الحقيقة ظلم لنفسك؛ لأنه بظلمك للآخرين رفعتهم عند الله -عز وجل-, وعرَّضت نفسك لسخط الله -تعالى-, حيث أصبحت في ظلمات يوم القيامة؛ كما جاء في الحديث الشريف: "الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(رواه البخاري ومسلم).

 

والله -تبارك وتعالى- ليس بغافل عنك يمهلك ولا يهملك, قال تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ)[إبراهيم: 42] فظلمك للآخرين مردُّه عليك, قال تعالى: (إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا)[الإسراء: 7].

 

يا عباد الله: والله كونوا على ثقة بأن العبد الفاسد المفسد المجرم الذي يعيث في الأرض فساداً, وسلك طريقاً غير طريق النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-, سوف يندم يوم الحسرة ويعض على يديه، ويقول: (يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا)[الفرقان: 27 - 29].

 

يا هذا! إن أردت عزاً لا يزول, فعليك بالاتباع لسيد الخلق وحبيب الحق سيدنا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-؛ لأن الصادق المصدوق -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- قال لعمِّه أبي طالب: "يَا عَمِّ أُرِيدُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ وَتُؤَدِّي الْعَجَمُ إِلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ؟" [رواه الإمام أحمد والترمذي عن ابن عباس -رضي الله عنهما-].

 

أيها الفاسد المفسد: عزُّك في الدنيا وفي الآخرة كامنٌ في الاتباع لسيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-, وإلا فالذلُّ ينتظرك عاجلاً أم آجلاً.

 

أيها الإخوة الكرام: كونوا على يقين بأن العبد الفاسد المفسد المتبوع سوف يتبرَّأ من أتباعه الفاسدين يوم الحسرة, ويلعن بعضهم بعضاً, قال تعالى: (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ)[البقرة: 166 - 167].

 

وقال جلَّت قدرته: (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا)[الأحزاب: 66 - 68].

 

معشر المسلمين: إني أتوجَّه إلى كلِّ فاسد ومفسد في هذه الحياة الدنيا, سواء كان من الحكومة أو من الشعب لأقول له: والله أنا ناصح لك, لا تغترَّ بجاه, ولا مال, ولا قوة, ولا عشيرة, ولا أتباع, ولا برياسة وريادة وسيادة؛ لأن وراءك يوم حسرة, فكن على حذر من شياطين الإنس والجن؛ لأن مولاك قال: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ)[يــس: 60].

 

ففي يوم الحسرة سيقف الشيطان خطيباً في أتباعه في نار جهنم قائلاً: (إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[إبراهيم: 22].

 

لعلك أن تسمع هذه الخطبة في دار العمل قبل أن تسمعها -لا قدر الله- في دار الجزاء في يوم الحسرة في نار جهنم.

 

أيها الإخوة الكرام: عوداً على بدء, أقول لكلِّ فاسد ومفسد: إن من ورائك يوم الحسرة, وقد أمر الله -تعالى- سيدنا محمداً -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- أن ينذرك هذا اليوم, فقال: (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)[مريم: 39] وقد وصلك إنذار يوم الحسرة, فهل أنت تائب إلى الله -تعالى-؟

 

اللهمَّ وفِّقنا للتوبة الصادقة النصوح، آمين.

 

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

المرفقات

وأنذرهم يوم الحسرة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات