الرفق بالصغار

سالم بن محمد الغيلي

2022-10-10 - 1444/03/14
التصنيفات: أخلاق وحقوق
عناصر الخطبة
1/لطف الله ورحمته بخلقه 2/تنظيم الإسلام لحياة الناس وإعطائه لكل ذي حق حقه 3/الأولاد الصغار نعمة وبعض الأخطار المحدقة بهم 4/بعض صور التعامل السيء مع الأطفال الصغار 5/المنهج النبوي في التعامل مع الصغار 6/أساليب جميلة في التعامل مع الأطفال الصغار

اقتباس

أيها الناس: الحديث له شجون وله أصول وفروع وغصون، وخاصة في هذا الزمن الذي ذاق صغار السن فيه الويلات من القريب ومن البعيد! إن الصغار في خطر! إنهم يختطفون ويباعون ويشترون! تجار البشر يبيعون الأطفال يتاجرون في أعضائهم! رأينا وسمعنا من يفتك بهم خطفاً وقتلاً واغتصاباً وضرباً وإهانة! حتى...

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وحبيبنا وقدوتنا عبده ورسوله، عليه من الله أزكى صلاة وسلاماً ما تعاقبت الليالي والأيام، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)[الأحزاب: 70].

 

عباد الله: الله -جل في علاه- رحيم بعباده، لطيف بهم، عليم بهم، فهو سبحانه الرحمن الرحيم، الرحمن بكافة الخلق، برهم وفاجرهم، مؤمنهم وكافرهم، الرحيم بالمؤمنين رحمة خاصة بأوليائه ومُخلَصِيه، ومن رحمته سبحانه أرسل إلينا محمد -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)[الأنبياء: 107]، فهو الرحمة المهداة -صلى الله عليه وسلم- فما خلق الله الخلق عبثا، وما تركهم هملاً.

 

خلقنا سبحانه وجعل بيننا شرعةً توجه حياتنا ونتعامل بها بيننا، شرع لكلٍ حق، فلله -تعالى- علينا حقوق، وللنبي -صلى الله عليه وسلم- حقوق، وللصحابة -رضي الله عنهم- حقوق، وللوالدين حق، وللأرحام حق، وللولد حق، وللجار حق، وللمسلمين عامة حق، وللدواب العجماوات حق، حتى الطريق جعل له الله -تعالى- حقا: "إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فأعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ"، فأتَى النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فَذَكَرَ ذلكَ له، فَقَالَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "صَدَقَ سَلْمَانُ"(صحيح البخاري).

 

والحديث عنها يطول؛ لكننا في هذا اليوم نتحدث اجمالاً عن حقوق الأطفال عن حقوق الصغار، النعم الإلهية والمنح الربانية لتي يهبهم الله لمن يشاء ويمنعهم عمن يشاء: نعمة الصغار عرفها وشكرها العارفون، فأخرجوا لنا عباقرة ورجالاً يُشار إليهم في كل مجال، وتهاون بها الجاهلون، فأخرجوا لنا أجيالاً عالةً وخسارةً على أهلهم ومجتمعهم.

 

أيها الناس: الحديث له شجون وله أصول وفروع وغصون، وخاصة في هذا الزمن الذي ذاق صغار السن فيه الويلات من القريب ومن البعيد.

 

إن الصغار في خطر! إنهم يختطفون ويباعون ويشترون! تجار البشر يبيعون الأطفال يتاجرون في أعضائهم! رأينا وسمعنا من يفتك بهم خطفاً وقتلاً واغتصاباً وضرباً وإهانة! حتى بعض الوالدين، حتى بعض المربين كثير من الأطفال والصغار يعانون بين أيديهم من الضرب والشتم والتقبيح والتعيير!

 

بعض الآباء وبعض الأمهات وبعض المربين غير أمناء على الصغار!

بعض الآباء والأمهات يلعن الولد أو البنت بل يلعنه ويلعن أمه معه!

بعضهم يضرب ويجلد ويرجم بالحجارة!

 

إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مُروا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سنينَ واضربوهُم عليها وهمْ أبناءُ عشرٍ وفرِّقوا بينهُم في المضاجعِ"(صحيح أبي داود للألباني).

 

الصلاة ما أمرنا الله بضرب الصغار على التهاون فيها إلا في سن العاشرة، ونفهم من هذا أن ضرب الصغار قبل سن العاشرة إنما هو عبث وضياع وظلم وتعقيد وتحطيم، حتى ولو كان على الصلاة، فما بالك بأقل منها؟ والضرب بعد العاشرة للتأديب وليس للتعذيب والإهانة.

 

وبعض الآباء عندما يغضب على الصغار يخرجهم من البيت إلى الشارع إلى الضياع.

 

وبعضهم يحرمهم من النفقة والعطاء مما يجبرهم على السرقة ومد أيديهم إلى الناس.

 

وبعضهم بعض الآباء والأمهات عياراً بذيئاً يعيرهم بأبناء الجيران وبالأقارب ويُشعرهم بالنقص والفشل.

 

وبعضهم كل تعاملاته أوامر ونواهي؛ يأمر وينهى في كل صغيرة وكبيرة: لا تفعل، لا تعمل، لا تجلس، لا تتكلم، لا تضحك، لا تبك، لا.. لا.. لا..

 

وبعض الآباء والأمهات لا أمر ولا نهي ولا تفقد، انفلات وتسيب وضياع.

 

تعامل سيء، وأسلوب قاس، وعقد بلا عدد، لن يتخرج من تحت هذه الأساليب إلا الفشل والتعثر والانحراف والعقوق.

 

أين ذهبت الرحمة والشفقة والحرص على التربية الحسنة واتباع سنة النبي -صلى الله عليه وسم- في التربية وفي التعامل مع الصغار؟ أين التقبيل؟ أين التحفيز والتشجيع والجوائز والمكافآت والكُنى والألقاب الحسنة؟ أين غرس الثقة؟

 

"قَبَّلَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ وعِنْدَهُ الأقْرَعُ بنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا، فَقَالَ الأقْرَعُ: إنَّ لي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ ما قَبَّلْتُ منهمْ أحَدًا، فَنَظَرَ إلَيْهِ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ثُمَّ قَالَ: "مَن لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ"(صحيح البخاري).

 

إن الجفاء بين الأولاد والآباء والأمهات لا ينشأ إلا في أجواء العنف.

 

إن الانحراف في السلوك والتمرد والعقوق لا يأتي إلا من التمزق الأسري، وضياع القوامة، والاختلاف بين الزوجين.

 

خالف بعضنا سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في التعامل مع الصغار، وكم من القصص التي تُبكي العيون، وتحزن القلوب كلما سمعناها أو شاهدناها تذكرنا جاهلية ما قبل الإسلام، عن بُريدةَ قالَ: "خطبَنا رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- فأقبلَ الحسنُ، والحسينُ -رضيَ اللَّهُ عنْهما- عليْهما قَميصانِ أحمرانِ يعثُرانِ ويقومانِ، فنزلَ فأخذَهما، فصعِدَ بِهما المنبرَ، ثمَّ قالَ: "صدقَ اللَّهُ: (أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ) رأيتُ هذينِ فلم أصبِرْ" ثمَّ أخذَ في الخطبةِ"(صحيح أبي داود للألباني).

 

بل كان صلى الله عليه وسلم رحيم بالخشب والجمادات، فضلاً عن الأطفال والصغار، وفي الحديث: "أنَّ امْرَأَةً مِنَ الأنْصَارِ قالَتْ لِرَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: يا رَسولَ اللَّهِ ألَا أجْعَلُ لكَ شيئًا تَقْعُدُ عليه، فإنَّ لي غُلَامًا نَجَّارًا؟ قالَ: "إنْ شِئْتِ"، قالَ: فَعَمِلَتْ له المِنْبَرَ، فَلَمَّا كانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ قَعَدَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- علَى المِنْبَرِ الذي صُنِعَ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ الَّتي كانَ يَخْطُبُ عِنْدَهَا، حتَّى كَادَتْ تَنْشَقُّ، فَنَزَلَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- حتَّى أخَذَهَا، فَضَمَّهَا إلَيْهِ، فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أنِينَ الصَّبِيِّ الذي يُسَكَّتُ، حتَّى اسْتَقَرَّتْ…"(صحيح البخاري من حديث جابر -رضي الله عنه-).

 

فالله الله -أيها الناس- فيمن تحت أيديكم من الصغار، اتقوا الله فيهم، وعاملوهم بما يرضي الله وبما يوافق سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فالمحروم من حرم الرفق واللين والرحمة.

 

أقول ما تسمعون...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يُحب ربُنا ويرضى.

 

"يا عائِشَةُ إنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، ويُعْطِي علَى الرِّفْقِ ما لا يُعْطِي علَى العُنْفِ، وما لا يُعْطِي علَى ما سِواهُ"(أخرجه البخاري ومسلم واللفظ له من حديث عائشة -رضي الله عنها-)، وعنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ الرِّفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه"(رواه مسلم)، وعن جرير -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَن حُرِمَ الرِّفْقَ حُرِمَ الخَيْرَ، أوْ مَن يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الخَيْرَ"(صحيح مسلم).

 

هذا المنهج النبوي في التربية وفي التعامل مع الصغار، بل والكبار مع القريب والبعيد، والعجيب أنه صلَّى الله عليه وسلَّمَ كان إذا أمَّرَ أميرًا على جيشٍ أو سَريَّةٍ، أوصاه في خاصَّتِه بتقوَى اللهِ، ومن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: "اغْزُوا باسمِ اللهِ في سبيلِ اللهِ، قاتِلوا مَن كفَر باللهِ، اغزوا، ولا تَغُلُّوا، ولا تغدِروا، ولا تُمَثِّلوا، ولا تقتُلوا وليدًا"(رواه مسلم عن بريدة بن الحصيب الأسلمي)، "ولا تقتلوا وليداً" حتى ولو كان من أولاد الكفار المحاربين.

 

سمع عمر -رضي الله عنه-  بكاء صبي فتوجَّه نحوه، فقال لأمه: "اتَّق الله -تعالى- وأحسني إلى صبيك. ثم عاد إلى مكانه، فسمع بكاءه، فعاد إلى أمِّه فقال لها مثل ذلك، ثم عاد إلى مكانه، فلما كان آخر الليل سمع بكاء الصبي، فأتى إلى أمه فقال لها: ويحك، إنَّك أمُّ سوء، ما لي أرى ابنك لا يقرُّ منذ الليلة من البكاء؟! فقالت: يا عبد الله، إني أشغله عن الطعام فيأبى ذلك، قال: ولم؟ قالت: لأن عمر لا يفرض إلا للمفطوم. قال: وكم عمر ابنك هذا؟ قالت: كذا وكذا شهرًا، فقال: ويحك لا تعجليه عن الفطام. فلما صلى الصبح، وهو لا يستبين للناس قراءته من البكاء. قال: بؤسًا لعمر كم قتل من أولاد المسلمين؟ ثم أمر مناديه فنادى: لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام، فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام. وكتب بذلك إلى الآفاق".

 

ولعلنا -يا عباد الله- ارتكبنا أخطاءً في الماضي في التربية، ولكن ما يمنعنا من إصلاحها؟

 

إن العيب هو البقاء على الخطأ والاستمرار فيه.

 

إن طرق التعامل الحسن مع الصغار حثنا عليها صلى الله عليه وسلم فلنتبعها ولنتق الله في أولادنا في صغارنا.

 

إن هناك أساليب جميلة في التعامل معهم: أولها: الدعاء لهم وليس عليهم، "لا تدعوا على أبنائكم" احذروا احذروا، ادعوا لهم، واسمعوهم دعواتكم بالتوفيق والصلاح.

 

ثانيها: صلاحك أنت -أيها الأب وأيها المربي- في نفسك وتصرفاتك ينعكس على الصغار، فيقلدونك ويتأسون بك.

 

ثالثها: التشجيع والتحفيز حتى ولو على أتفه الأعمال، لا تحقره في شيء.

 

رابعها: اتقان فن التغافل، تغافلوا عن الصغار، فما أكثر أخطاؤهم، التغافل عن كثير مما يعملون ما دام ذلك لا يمس دينهم وأخلاقهم.

 

خامسها: اتقان فن الإقناع، أي أمر صغيراً أو كبيراً تريد من الصغار الإتيان به فأقنعهم، وتفنن في إقناعهم حتى يقتنعوا، حتى بأمور الدين بالصلاة؛ أقنعه لماذا يصلي؟ من الذي أمره بالصلاة؟ ما جزاء المصلي؟ ما عقوبة تارك الصلاة؟

بالإقناع أولاً قبل الأمر والنهي، وقد ذكر المربون أكثر من عشرين وسيلة واسلوباً للإقناع.

 

سادسها: ركز أولاً على الكبير من الأولاد، ابنه بناءً محكماً متقناً كما يحب الله، ثم كما تحب، وبعدها سيقود من بعده، ويكون لهم قدوة حسنةً.

 

سابعها: كن رقيباً بدقة، كن حارساً أميناً، كن عيناً ساهرة على صغارك لا تمضي ساعة ولا نصفها إلا وتعلم أين هم؟ وماذا يفعلون؟ لا تعطي فرصة لأحد أن يجور على صغارك، حتى لو كان أخوهم أو والدتهم أو معلمهم أو أصدقاؤهم أو زوجتك؛ فإن بعض الآباء يغفل عن زوجته وتصرفاتها وظلمها لبناته وأولاده الذين غابت أمهم أو ماتت.

 

وفقنا الله لتقواه، وجعل أعمالنا في رضاه، وأصلح منا ومنكم الباطن والظاهر، وحَفِظَ أولادنا وأولادكم من شرور الأشرار، وكيد الفجار، وشر طوارق الليل والنهار.

 

وصلوا وسلموا...

 

المرفقات

الرفق بالصغار

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات