الأبرص والأقرع والأعمى

الشيخ عبدالله اليابس

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/قصة الأبرص والأقرع والأعمى الواردة في الحديث 2/من فوائد هذه القصة.

اقتباس

وَمِنْ فَوَائِدِ الحَدِيْثِ: أَهَمِّيَةُ شُكْرِ النِّعَمْ, فَلَمَّا شَكَرَ الأَعْمَى نِعْمَةَ رَبِّهِ عَلَيْهِ, وَأَدَّى شُكْرَهَا عَلَى الوَجْهِ المَطْلُوبِ, بَيْنَمَا أَنْكَرَ صَاحِبَاهُ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْهِمَا؛ قَالَ لَهُ المَلَكُ: "قَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ، وَسَخِطَ علَى صَاحِبَيْكَ", وَلَمَّا كَفَرَتْ سَبَأُ بِنَعْمَةِ اللهِ عَلَيْهَا اِنْتَقَلَتْ حَالُهُم مِنَ السَّعَةِ إِلَى الشِّدَّةِ...

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ.

 

الحَمْدُ للهِ عَمَّا كُـنْتُ أَعْلَمُهُ *** وَالحَمْدُ للهِ عَمَّا غَابَ عَنْ خَلَدِي

الحَمْدُ للهِ مَنْ عَمَّـتْ فَضَائِلُهُ *** وَأَنْعُمُ اللهِ أَعْيَتْ مَنْطِقَ العَدَدِ

فَالحَمْدُ للهِ ثُمَّ الشُكْرُ يَتبَعُهُ *** وَالحَمْدُ للهِ عَنْ شُكْرِي وَعَنْ حَمْدِي

 

وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ.

 

يَا مَنْ يَرَى مَا فِي الضَّمِيرِ وَيَسْمَعُ *** أَنْتَ المُعَدُّ لِكُلِّ مَا يُتَوَقَّعُ

يَا مَنْ يُرَجَّى لِلشَّدَائِدِ كُلِّهَا *** يَا مَنْ إِلَيْهِ المُشْتَكَى وَالمَفْزَعُ

يَا مَنْ خَزَائِنُ رِزْقِهِ فِي قَوْلِ (كُنْ) *** امْنُنْ؛ فَإِنَّ الخَيْرَ عِنْدَكَ أَجْمَعُ

 

وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ.

 

اللهُ عَظَّمَ قَدْرَ جَاهِ مُحَمَّدٍ *** وَأَنَالَهُ فَضْلاً لَدَيهِ عَظِيمًا

فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ قَالَ لِخَلْقِهِ: *** صَلُّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

 

فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّم عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعيِنَ, وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ, وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

 

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: قِصَّةٌ عَجِيبَةٌ, حَدَّثَ بِهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصْحَابَهُ يَوْمًا, هِيَ قِصَّةُ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ, تَقَلَّبَتْ بِهِمُ الدُّنْيَا بَيْنَ بَلَاءٍ بِالمَرَضِ, وَبَلَاءٍ بِالنَّعِيمِ, فَلْنَسْتَمِعْ سَوِيَّاً لِهَذِهِ القِصًّةِ المَاتِعَةِ:

 

رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيْحَيْهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ ثَلَاثَةً في بَنِي إِسْرَائِيلَ؛ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى، بَدَا لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا، فأتَى الأبْرَصَ، فَقالَ: أَيُّ شيءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ، وَجِلْدٌ حَسَنٌ؛ قدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عنْه، فَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا، وَجِلْدًا حَسَنًا، فَقالَ: أَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قالَ: الإبِلُ، -أَوْ قالَ: البَقَرُ, شك إِسْحَاق أحَدُ رُواةُ الحَدِيثِ-، فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ، فَقالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا, وَأَتَى الأقْرَعَ فَقالَ: أَيُّ شيءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قالَ شَعَرٌ حَسَنٌ، وَيَذْهَبُ عَنِّي هذا؛ قدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا، قالَ: فأيُّ المَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قالَ: البَقَرُ، قالَ: فأعْطَاهُ بَقَرَةً حَامِلًا، وَقالَ: يُبَارَكُ لكَ فِيهَا، وَأَتَى الأعْمَى فَقالَ: أَيُّ شيءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قالَ: يَرُدُّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي، فَأُبْصِرُ به النَّاسَ، قالَ: فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ، قالَ: فأيُّ المَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قالَ الغَنَمُ: فأعْطَاهُ شَاةً وَالِدًا، فَأُنْتِجَ هذانِ وَوَلَّدَ هذا، فَكانَ لِهذا وَادٍ مِن إِبِلٍ، وَلِهذا وَادٍ مِن بَقَرٍ، وَلِهذا وَادٍ مِن غَنَمٍ، ثُمَّ إنَّه أَتَى الأبْرَصَ في صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ -أَي أَنَّ المَلَكَ أتَى الأَبْرَصَ عَلَى صُورَةِ رَجُلٍ أَبْرَص-، فَقالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ، تَقَطَّعَتْ بيَ الحِبَالُ في سَفَرِي، فلا بَلَاغَ اليومَ إِلَّا باللَّهِ ثُمَّ بكَ، أَسْأَلُكَ بالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الحَسَنَ، وَالجِلْدَ الحَسَنَ، وَالمَالَ، بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عليه في سَفَرِي، فَقالَ له: إنَّ الحُقُوقَ كَثِيرَةٌ، فَقالَ له: كَأَنِّي أَعْرِفُكَ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ، فقِيرًا فأعْطَاكَ اللَّهُ؟ فَقالَ: لقَدْ وَرِثْتُ لِكَابِرٍ عن كَابِرٍ، فَقالَ: إنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إلى ما كُنْتَ، وَأَتَى الأقْرَعَ في صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقالَ له: مِثْلَ ما قالَ لِهذا، فَرَدَّ عليه مِثْلَ ما رَدَّ عليه هذا، فَقالَ: إنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إلى ما كُنْتَ، وَأَتَى الأعْمَى في صُورَتِهِ، فَقالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابنُ سَبِيلٍ وَتَقَطَّعَتْ بيَ الحِبَالُ في سَفَرِي، فلا بَلَاغَ اليومَ إِلَّا باللَّهِ ثُمَّ بكَ، أَسْأَلُكَ بالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بهَا في سَفَرِي، فَقالَ: قدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ بَصَرِي، وَفقِيرًا فقَدْ أَغْنَانِي، فَخُذْ ما شِئْتَ، فَوَاللَّهِ لا أَجْهَدُكَ اليومَ بشيءٍ أَخَذْتَهُ لِلَّهِ، فَقالَ: أَمْسِكْ مَالَكَ، فإنَّما ابْتُلِيتُمْ؛ فقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ، وَسَخِطَ علَى صَاحِبَيْكَ".

 

هَذِهِ القِصَّةُ العَجِيبَةُ, وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ المُنِيفَةُ, مَلِيْئَةٌ بِالدُّرُوسِ وَالعِبَرِ؛ فَمِنْ هَذِهِ الفَوَائِدِ:

إِثْبَاتُ المَلَائِكَةِ، وَالمَلَائِكَةُ عَالَمٌ غَيْبِيٌّ، خَلَقَهُمُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- مِنْ نُورٍ، وَجَعَلَ لَهُمْ قُوَّةً فِي تَنْفِيذِ أَمْرِهِ، وَجَعَلَ لَهُمْ إِرَادَةً فِي طَاعَةِ اللهِ، فَهُمْ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ، وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ، قَالَ -تَعَالَى-: (بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ)[الأنبياء: 26، 27].

 

وَفِي الحَدِيثِ: إِثْبَاتُ أَنَّ المَلَائِكَةَ قَدْ يَتَشَكَلُونَ عَلَى صُورَةِ بَنِي آَدَمَ؛ فَإِنَّ المَلَكَ أَتَى لِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ بِصُورَةِ إِنْسَانٍ, وَكَانَ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- يَأْتِي النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- عَلَى صُورَةِ دِحْيَةَ الكَلْبِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

 

وَمِنْ فَوَائِدِ الحَدِيْثِ: أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ اِبْتِلَاءٍ وَامْتِحَانٍ؛ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ اِبْتِلَاؤُهُم بِالمَرَضِ, وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ بِالفَقْرِ, وَآخَرُونَ يُبْلَونَ بِالصِّحَةِ وَالغِنَى أَوْ غَيْرِهَا, فَالبَلَاءُ لا يَكُونُ دَائِمًا بِالشِّدَةِ , بَلْ يَكُونُ فِي أَحْيَانٍ كَثِيرَةٍ بالرَّخَاءِ, (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)[الأنبياء: 35].

 

فَمَنْ يَتَأَمَلُ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَفَكَرَ فِي حَالِهِ, فَلَرُبَمَا كَانَ مُبْتَلَىً وَهُوَ لَا يَشْعُرُ, رُوِيَ فِي حَدِيْثٍ -وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا- أَنَّ اللهَ -تَعَالَى- يَقُولُ: "إِنَّ مِنْ عِبَادِيَ المُؤْمِنِينَ لَمَنْ لَا يُصْلِحُ إِيمَانَهُ إِلَّا الفَقْرُ, وَلَوْ أَغْنَيتُهُ لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ, وَإِنَّ مِنْ عِبَادِيَ المُؤْمِنِينَ لَمَنْ لَا يُصْلِحُ إِيمَانَهُ إِلَّا الصِّحَّةُ, وَلَو أَسْقَمْتُهُ لَأَفْسَدُهُ ذَلِكَ, وَإِنَّ مِنْ عِبَادِيَ المًؤْمِنِينَ لَمَنْ لَا يُصْلِحُ إِيمَانَهُ إِلَّا السَّقَمُ, وَلَو أَصْحَحْتُهُ لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ, إِنِّي أُدَبِّرُ عِبَادِي بِعِلْمِي بِقُلُوبِهِمْ, إِنِّي عَلِيمٌ خَبِيرٌ".

 

وَمِنَ العَجِيْبِ أَنَّ فِتَنَ السَّرَاءِ أَصْعَبَ فِيْ التَّوَقِيْ وَالتَّحَرُزِ مِنْ فِتَنِ الضَّرَاءِ عِنْدَ كَثِيْرٍ مِنَ النَّاسِ, قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "اِبْتُلِينَا بالضَّرَّاء فَصَبَرْنَا, وَاِبْتُلَيْنَا بالسَّرِاءِ فَلَمْ نَصْبَرْ".

 

وَمِنْ فَوَائِدِ الحَدِيْثِ: أَهَمِّيَةُ شُكْرِ النِّعَمْ, فَلَمَّا شَكَرَ الأَعْمَى نِعْمَةَ رَبِّهِ عَلَيْهِ, وَأَدَّى شُكْرَهَا عَلَى الوَجْهِ المَطْلُوبِ, بَيْنَمَا أَنْكَرَ صَاحِبَاهُ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْهِمَا؛ قَالَ لَهُ المَلَكُ: "قَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ، وَسَخِطَ علَى صَاحِبَيْكَ".

 

وَلَمَّا كَفَرَتْ سَبَأُ بِنَعْمَةِ اللهِ عَلَيْهَا اِنْتَقَلَتْ حَالُهُم مِنَ السَّعَةِ إِلَى الشِّدَّةِ, (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ)[سبأ: 16- 17].

 

فَلَوْ كَانَ يَسْتَغْنِي عَنِ الشُّكْرِ مَاجِدٌ *** لِعِزَّةِ مُلْكٍ أَوْ عُلُوِّ مَكَانِ

لَمَا أَمَرَ اللهُ العِبَادَ بِشُكْرِهِ *** فَقَالَ اشْكُرُوا لِي أَيُّهَا الثَّقَلَانِ

 

إِنَّ شُكْرَ اللهِ لَيْسَ قَوْلاً بِاللِّسَانِ فَحَسْبٍ, وَإِنَّمَا هُوَ أَدَاءٌ لِحَقِّ هَذِهِ النِّعَمِ بِالوُقُوفِ مَعَ مَنْ فَقَدَهَا, وَبِالتَّوَاضُعِ وَنِسْبَةِ الفَضْلِ لِصَاحِبِ الفَضْلِ -جَلَّ جَلَالُهُ-, وَعَدَمِ التَّكَبُرِ عَلَى مَنْ هُوَ دُونَكَ, رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "اُنْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ؛ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ".

 

لَا تَمْشِ فَوقَ الأَرْضِ إِلَّا تَوَاضُعًا *** فَكَمْ تَحْتَهَا قَوْمٌ هُمُ مِنْكَ أَرْفَعُ

فَإِنْ كُنْتَ فِي عِزٍّ وَخَيْرٍ وَمَنْعَةٍ *** فَكَمْ مَاتَ مِنْ قَومٍ هُمُ مِنْكَ أَوْضَعُ

 

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالقُرآَنِ العَظِيمِ, وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ, قَدْ قُلْتُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ؛ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ, وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ, وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَاشَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِيْ إِلَى رِضْوَانِهِ, صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلَى آَلِهِ وَإِخْوَانِهِ وَخِلَّانِهِ, وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ وَاِسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُم مُسْلِمُونَ.

 

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: فَمَا زِلْنَا مَعَ تَعْدَادِ فَوَائِدِ حَدِيْثِ الأَبْرَصِ وَالأَقْرَعِ وَالأَعْمَى, وَمِنْ فَوَائِدِ الحَدِيْثِ:

أَنَّ اللهَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- هُوَ الّذِي يُعْطِي وَيَمْنَعُ؛ فَالرِّزْقُ مِنْ عِنْدِهِ, وَالشِّفَاءُ مِنْهُ, وَالبَرَكَةُ مِنْ عِنْدِهِ, وَهِدَايَةُ الزَّوْجَةِ وَالوَلَدِ كُلُّهَا بِأَمْرِهِ, وَتَيْسِيرُ المُعَامَلَةِ الحُكُومِيَّةِ بِيَدِهِ, فَبِلَحْظَةٍ إِذَا أَرَادَ اللهُ -تَعَالَى- تَنْتَقِلُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ, (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)[يس: 82].

 

يَمْسَحُ المَلَكُ عَلَى الأَبْرَصِ فَيَرْجِعُ جِلْدُهُ صَحيحًا سَلِيْمًا, وَيْمسَحُ عَلَى الأَقْرَعِ فَيُصْبِحُ مِنْ سَاعَتِهِ ذَا شَعْرٍ يَرَاهُ النَّاسُ, وَيَمْسَحُ عَلَى الأَعْمَى فَيْفْتَحُ عَيْنَيْهِ لِيَرَى المَلَكَ وَهُوَ يَمْسَحُ, بِلَا عَمَلِيَاتٍ جِرَاحِيَةٍ, وَلَا أَدْوِيَةٍ وَمَرَاحِلَ عِلَاجِيَةٍ بَعْدَهَا, كُنْ فَيَكُونُ.

 

إِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَعَلَامَ تُعَلِّقُ آمَالَكَ بِالنَّاسِ, لَا مَانِعَ مِنْ بَذْلِ الأَسْبَابِ, لَكِنْ تَعَلَّقْ بِمُسَبِّبِ الأَسْبَابِ, قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ: "اِعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ".

 

سَأَلَ طَالِبٌ أُسْتَاذَهُ قَبْلَ عَرْضِ مَوْضُوعِهِ عَلَى مَجْلِسِ القِسْمِ: هَلْ تَنْصَحُنِي أَنْ أَعْرِضَ مَوْضُوعِي قَبْلَ الجلْسَةِ عَلَى أَحَدٍ مِمَنْ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي اِتِخَاذِ القَرَارِ؟ قَالَ: نَعَم, اِعْرِضْ مَوْضُوعَكَ عَلَى مَنْ بِيَدِه الأَمْرُ كُلُّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.

 

تَوَكَّلْ عَلَى الرَّحْمَنِ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ *** وَلا تَرْغَبَنْ فِي العَجْزِ يَوْمًا عَنِ الطَّلَبْ

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ لِمَرْيَمٍ *** وَهُزِّي إِلَيْكِ الجِذْعَ يَسَّاقَطِ الرُّطَبْ

وَلَوْ شَاءَ أَنْ تَجْنِيهِ مِنْ غَيْرِ هَزَّةٍ *** جَنَتْهُ وَلَكِنْ كُلُّ شَيْءٍ لَهُ سَبَبْ

 

أَيُّهَا الإِخْوَةُ: هَذِهِ نُتَفٌ يَسِيْرَةٌ مِنْ فَوَائِدِ هَذِهِ القِصَّةِ الجَلِيْلَةِ, أسْأَلُ اللهَ -تَعَالَى- أَنْ يَنْفَعَ بِهَا الجَمِيعَ إِنَّهُ سَمِيْعٌ قَرِيبٌ مُجِيبٌ.

 

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: اِعْلَمُوا أَنَّ اللهَ -تَعَالَى- قَدْ أَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ عَلَى نَبَيِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-, وَجَعَلَ لِلصَّلَاةِ عَلَيهِ فِي هَذَا اليَوْمِ وَالإِكْثَارِ مِنْهَا مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الأَيَّامِ, فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

 

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى, وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ, يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُم تَذَكَّرُونَ, فَاْذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ, وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُم, وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ, وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

المرفقات

الأبرص والأقرع والأعمى

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات