أهمية حلقات التحفيظ في الأحياء، والحث على الالتحاق بها

خالد بن عبدالله الشايع

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/فضائل القرآن العظيم 2/ثمرات الانشغال بالقرآن ومخاطر الإعراض عنه 3/مهام دور تحفيظ القرآن وواجبنا نحوها 4/فضائل أهل القرآن وصفاتهم 5/فضل صيام يوم عاشوراء.

اقتباس

إن الاشتغال بالقرآن بركةٌ للعبد ونور وهداية وثبات على الحق، وقد تكفَّل الله لمن قرأ القرآن وعمل به ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، ومن أعرض عنه فله عكس ذلك،.. وأخبر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أن خير الناس من قام على القرآن تعلمًا وتعليمًا،...

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

 

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

أما بعد: فيا أيها المؤمنون: إن القرآن هو كلام الله، تكلم الله به حقيقة على الكيف الذي شاء -سبحانه-، وسمعه منه جبريل بلا واسطة، فنزل به على قلب نبينا -صلى الله عليه وسلم- بإذن الله، حسب الحوادث منجَّمًا، خلال ثلاث وعشرين سنة، قال -سبحانه-: (وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا)[الإسراء:106]، وهو معجزة الرسول الخالدة، من الله بدا وإليه يعود؛ حيث يُرفَع في آخر الزمان من الصدور والسطور، عندما يزول الإيمان ولا يبقى إلا رعاع الناس وهمجهم، ولقد جعله الله دليلاً إليه، ودستورًا للخلق وحُجَّة عليهم، وحفظه من الزيادة والنقصان، أو التحريف والتبديل، كما قال -سبحانه-: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الحجر:9]، فلا تمتد له يد عابث إلا قصمها الله، وفضح أصحابها.

 

معاشر المؤمنين: إن الاشتغال بالقرآن بركةٌ للعبد ونور وهداية وثبات على الحق، وقد تكفَّل الله لمن قرأ القرآن وعمل به ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، ومن أعرض عنه فله عكس ذلك، قال -تعالى-: (فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)[طه:123-124].

 

أيها المؤمنون: أخبر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أن خير الناس من قام على القرآن تعلمًا وتعليمًا، كما أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عثمان قال -صلى الله عليه وسلم-: "خيركم مَن تعلّم القرآن وعلّمه"، فمن أراد الخيرية فعليه بالقرآن، يتعلمه تلاوة وحفظًا، ويقرؤه آناء الليل وأطراف النهار، ويعيش مع القرآن ليكون من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: "هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ"(أخرجه أحمد 11870، وابن ماجه 215)

 

قال المناوي -رحمه الله-: "أي: حفظة القرآن العاملون به هم أولياء الله المختصون به اختصاص أهل الإنسان به، سمُّوا بذلك تعظيمًا لهم كما يقال: "بيت الله". اهـ. فلنكن من أهل الله وخاصته الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

 

أيها المؤمنون: كثير منا يشغل وقته بأشياء قد تكون محرّمة أو مباحة، ولا يجد وقتًا لقراءة القرآن، ومثل هذا لو رمقت حياته، لوجدته مشتتًا، ضائع الوقت، مهوم الفؤاد، منزوع البركة، وفتّش من شئت منهم فستجده كذلك، وعلى العكس فيمن شغل وقته بالقرآن، وسلْ مَن شئت، ستجده منظّمًا، في وقته بركةٌ، مسرورَ النفس، مقبلاً على الله، وكيف لا يكون هذا، وهو يعيش مع القرآن.

 

فمن هذا المنطلق، فالواجب علينا جميعًا، أن يكون للقرآن في حياتنا نصيب، وألا نجعله وقت الفراغ فقط، بل يكون هو الأساس؛ حيث جعله الله هو الأساس في حياة المسلم.

 

علينا جميعا أن نجعل لنا وردًا من القرآن، حفظًا وتلاوةً، وعلينا أن نحرص على من ولانا الله أمره، فنجعلهم من أهل القرآن، لتنالهم البركة، ونسعد ببرهم، فمن تعلق بالقرآن وأهله، نال الأجر في ذلك، وأثَّر القرآن على سلوكه، وخُلقه، بل على منطقه وأسلوب حديثه، قال بعض السلف: "إن لنرى الشاب يذهب ويجيء، فيطلب العلم والقرآن فما نلبث أن نرى أثر ذلك على هديه ودلّه"، وكذلك يجب أن يكون أهل القرآن، أحسن الناس خلقًا، وأنفعهم للناس، كملت خصالهم لما صحبوا القرآن فصاروا من أهله.

 

اللهم اجعلنا من أهل القرآن يا رب العالمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

 

أما بعد فيا أيها الناس: لقد قيَّض الله لهذا القرآن حَفَظَة، بل قيَّض له دولاً تدعم الأنشطة والمسابقات التي تدعو الناس إلى حفظه وتعلُّمه، حتى من الدول الأعجمية الإسلامية، وإن مما منَّ الله به على دولتنا المباركة: حرصها على القرآن وإقامة المسابقات فيه، ونشر الدور والحلقات في المساجد، فالكل ينعم بحلقات قريبة من بيته، وبدور نسائية كذلك، فما على العبد إلا المسارعة ليكون من أهلها، فوالله إنها لنعمة عظيمة أن يكون نساؤك في دار تحفيظ، وكذا أبناؤك في حلقات تحفيظ، وأنت منشغل بالقرآن، فمن فقد هذه النعمة عرف قيمتها.

 

وعلى أهل الحي أن يتكاتفوا في دعم حلقات التحفيظ والدور النسائية، فلا قائمة لها إلا بذلك، وأولى من يدعمهم هم أهل الحي؛ لأنهم هم المنتفعون بها أولاً، وكذلك على القائمين على الدور، والحلقات، أن يحرصوا على أبناء المسلمين، وبناتهم، وأن يهتموا بتربيتهم التربية الإسلامية الصحيحة، وأن يشغلوهم بما ينفهم، وأن يحصنوهم عن كل ما يضرهم، وأن لا يشغلوهم بشيء غير القرآن وعلومه؛ فهذا عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- يأتيه اثنان من التابعين بصحيفة، يريدان منه أن يقرأها، ويقولان له: هذه صحيفة فيها كلام حَسَن، فقال: هاتها، يا جارية هاتي الطست، فاسكبي فيها الماء، فجعل يمحوها بيده، ويقول: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا القُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الغَافِلِينَ)[يوسف: 3]، فقلنا: انظر فيها؛ فإن فيها كلامًا عجبًا، فجعل يمحوها، ويقول: "إن هذه القلوب أوعية، فاشغلوها بالقرآن، ولا تشغلوها بغيره".

 

والقرآن -كما قال محمد بن واسع- بستان العارفين، فأينما حلُّوا منه، حلُّوا في نزهة. وأن يؤدبوهم بالآداب والأخلاق التي يتصف بها حامل القرآن، قال عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-: "ينبغي لحامل القرآن أن يُعرَف بليله إذا الناسُ نائمون، وبنهاره إذا الناسُ مُفطرون، وبوَرَعه إذا الناسُ يخلطون، وبتواضعه إذا الناسُ يختالون، وبحزنه إذا الناسُ يفرحون، وببكائه إذا الناسُ يضحكون، وبصمْتِه إذا الناسُ يخوضون".

 

ختامًا أيها الناس: أمامنا فرصة لمغفرة الذنوب، منحة ربانية يكفر الله بها ذنوب سنة كاملة ألا وهي صيام يوم عاشوراء، والسنة أن نصوم يومًا قبله، فمن عجز فلا يعجز عن اليوم العاشر، فصيامه منفردًا جائزٌ بلا كراهة، ويوافق يوم الاثنين القادم.

 

اللهم اهد شباب المسلمين …

 

 

المرفقات

أهمية حلقات التحفيظ في الأحياء، والحث على الالتحاق بها

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات