المحرومون والفائزون في رمضان

خالد بن عبدالله الشايع

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/شهر رمضان ميدان للمسابقة والاجتهاد 2/فضل إدراك شهر رمضان 3/مسالك المحرومين في شهر رمضان 4/أعمال الفائزين في شهر رمضان.

اقتباس

لا يتركون بابًا من أبواب الخير إلا طرقوه، ويسألون الله في كل حين أن يوفّقهم للعمل الصالح، ويقبل منهم، ليس بين أعينهم إلا أن يَعتقوا رقابهم من النار، ويرون الفرصة قريبة في رمضان، يعلمون أن الرحيل قريب، وأنهم سيغادرون هذه الدار قريبًا، فهم على عجل في جمع مرمة جهازهم، يتزودون ما يوصلهم للدار الآخرة..

الخطبة الأولى:

 

أما بعد: فيا أيها الناس: شهر رمضان ميدان للمسابقة، وهو ميدان اجتهد فيه أقوام فكانوا من الفائزين، وقصَّر فيه أقوام فكانوا من المحرومين، ما فاز من فاز منهم إلا بعمل وجد واجتهاد، وما خسر من خسر وحُرِمَ مَن حُرِمَ إلا بتفريط وتضييع وكسل، فعلى العبد الناصح لنفسه أن يتعرف على أسباب الحرمان ليحذر، وأسباب الفوز ليكون من أهله، سنمر -بإذن الله سريعًا- على الأعمال التي يفوز بها عاملها، ويحرم تاركها، بإذن الله.

 

فمن ذلك: إدارك شهر رمضان، فتلك فرصة للفوز ومغفرة الذنوب، فمن خرج منه ولم يغفر له فهو من المحرومين، أخرج الحاكم في مستدركه من حديث  كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "احْضُرُوا الْمِنْبَرَفَحَضَرْنَا، "فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ قَالَ: آمِينَ، ثُمَّ ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّانِيَةَ فَقَالَ: آمِينَ، ثُمَّ ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: آمِينَ، فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِقَالَ: فَقُلْنَا لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ سَمِعْنَا مِنْكَ الْيَوْمَ شَيْئًا مَا كُنَّا نَسْمَعُهُ؟ قَالَ: "إِنَّ جِبْرِيلَ عَرَضَ لِي فَقَالَ: بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَقُلْتُ: آمِينَ، فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّانِيَةَ قَالَ: بَعُدَ مَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّالِثَةَ قَالَ: بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ الْكِبَرُ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يُدْخِلاهُ الْجَنَّةَ، فَقُلْتُ: آمِينَ"، وعند الترمذي "رغم أنف امرئ أدرك رمضان ولم يغفر له".

 

عباد الله: إن مجرد إدراك رمضان فرصة ذهبية، ليس كل أحد ينالها، فمن نالها فقد تهيأت له الفرصة لمغفرة الذنوب، فإن فرَّط في أسبابها، كان من المحرومين، وأسباب المغفرة سهلة، فقط تصوم إيمانًا واحتسابًا، وتندم على ما فات من تفريطك، وتقلع عن الذنوب، وتعزم على عدم العودة لها، فيغفر الله لك.

 

ومن المحرومين -عباد الله- من صام عن الحلال وأفطر على الحرام، صام عن الأكل والشرب مما أحل الله لغير الصائم، ولم يصم عن الغيبة والنميمة والباطل والزور، فهذا من المحرومين، والعياذ بالله، أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن لم يَدَع قول الزور والعمل به والجهل؛ فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه".

 

أيها المسلمون: إن من المحرومين من يصوم وهو لا يصلي والعياذ بالله، فمثل هذا كمثل الذي يبني بيتًا على الماء، فكيف يقبل منه وهو لا يصلي، غير أن أمثال هؤلاء إنما يصومون مجاراةً للناس وحياء والعياذ بالله، (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا)[النساء:108].

 

ومن المحرومين كذلك: من يشعر أن رمضان شهر كَبْت الحريات، ومنع الشهوات، ويصوم على مَضَض، وهو كارِهٌ، ويتمنى لو انتهى شهر رمضان في أسرع وقت، فمثله لا يتلذذ بالعبادة ولا يطلب الأجر في فعلها، فحَرِيّ به أن يكون من المحرومين.

 

ومن المحرومين: من يقضي وقت الصوم بالنوم، وإذا أفطر جاب الشوارع والأسواق متسكعًا يبحث عن اللهو واللعب، وربما أزعج الخلق وآذاهم، حتى إذا طلعت الشمس رمى بنفسه كالجثة الهامدة حتى يؤذن المغرب، فلم يصلِّ مع الناس، ولم يتذوق طعم الصيام.

 

ومن المحرومين من إذا حضر رمضان سافر عن البلد ليفطر ويهرب من الصوم؛ فكل هؤلاء على خطر عظيم، ولم يعرفوا الحكمة من الصيام، ولم يتذوقوا نور الإيمان، ألا فلنحذر من أن نكون من هؤلاء المحرومين، والعياذ بالله.

 

اللهم حبِّب لنا الطاعة، وأذقنا لذتها، أقول قولي هذا...

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد: فيا أيها الناس: إن الفائزين في رمضان هم الذين عرفوا قيمته، وفضله، وأنه مضمار مسابقة، وأنه أيام معدودات، وأن الأجور فيه مضاعفة، والمغفرة سهلة المنال، فاجتهدوا بكل ما يستطيعون، وبذلوا ما بوسعهم، وهم خائفون وَجِلُون أن يفوتهم شيء أو يسبقهم أحدٌ، تراهم يحسنون صومهم، ويحافظون  على صلواتهم جماعة، بل تراهم يبكِّرون في الذهاب للمسجد، فهم أول الداخلين وآخر الخارجين، ويمكثون في المسجد وقتًا طويلاً للعبادة،  وتراهم يتصدقون ويتفقدون المحاويج، ويسعون على الأرامل واليتامى.

 

لا يتركون بابًا من أبواب الخير إلا طرقوه، ويسألون الله في كل حين أن يوفّقهم للعمل الصالح، ويقبل منهم، ليس بين أعينهم إلا أن يَعتقوا رقابهم من النار، ويرون الفرصة قريبة في رمضان، يعلمون أن الرحيل قريب، وأنهم سيغادرون هذه الدار قريبًا، فهم على عجل في جمع مرمة جهازهم، يتزودون ما يوصلهم للدار الآخرة، يعلمون أن هذه الحياة الدنيا لا تساوي شيئًا في قيمتها أمام الآخرة، وأنها لا تَزِن عند الله جناح بعوضة، وأن المدة التي يمكثونها في الدنيا لا تقارن بالمدة التي سيمكثونها في قبورهم، أو في الدار الآخرة.

 

فهم على وَجَل وشفقة كما قال -تعالى- عن أهل الجنة: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ)[الطور:25-28]، فهذه حال المؤمن في الدنيا خائف مشفق أن يسلب إيمانه أو أن يزيغ قلبه أو أن يُرَد عمله، يعمل ويسأل الله القبول، وقلبه معلّق بربه، وفي أوقات الخير ومواسم السباق، تجده يسابق، ويأمل الفوز، وشعاره "لن يسبقني إلى الله أحد"، وهجيراه "وعجلت إليك ربي لترضى"، فمن كان مثل هؤلاء فحَرِيّ به أن يكون مع الفائزين، بل هو منهم.

 

معاشر المسلمين: أكرموا ضيفكم بالعمل الصالح، وترفعوا عما لا يليق، فوالله ليندمن كل إنسان يوم القيامة، إن كان محسنًا أن لا يكون ازداد، وإن كان مسيئًا أن لا يكون استعتب.

 

اللهم وفقنا لهداك والعمل برضاك ………

 

المرفقات

المحرومون والفائزون في رمضان

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات