حسن الخاتمة

الشيخ أ.د عبدالله بن محمد الطيار

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/حسن الخاتمة من علامات سعادة العبد 2/مبشرات تدل على حسن الخاتمة 3/من الأسباب المعينة على حسن الخاتمة.

اقتباس

عند نزولِ الموت تظهرُ الحقائقُ وتزدادُ الحسراتُ، ويَعضُّ المرءُ أناملَ الندمِ على التفريطِ في جنبِ اللهِ، ومخالفةِ أمرِهِ، والمجاهرةِ بمعصيتِهِ.. إنّ من علاماتِ سعادةِ العبدِ أنْ يوفقهُ اللهُ -جلَّ وعلَا- قبلَ موتِهِ لعملٍ صالحٍ، وتوبةٍ صادقةٍ،..

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ للهِ ربّ العالمين، الرّحمنِ الرّحيمِ، مالكِ يومِ الدّينِ والعاقبةُ للمتقينَ ولا عُدوانَ إِلّا على الظالمينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُالله وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاِتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا المُؤَمِّنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون)[الحشر:18].

 

عبادَ الله: إنّ من علاماتِ سعادةِ العبدِ أنْ يوفقهُ اللهُ -جلَّ وعلَا- قبلَ موتِهِ لعملٍ صالحٍ، وتوبةٍ صادقةٍ، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنّما الأعمالُ بخواتيمها"(رواه البخاري). وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إذَا أرادَ اللهُ بعبدِهِ خيرًا استعمله. قالوا: كيفَ يستعملُه؟ قال: يُوفقهُ لعملٍ صالحٍ قبلَ موتِهِ"(رواه أحمد والترمذي).

 

عند نزولِ الموت -أيّها المؤمنونَ- تظهرُ الحقائقُ وتزدادُ الحسراتُ، ويَعضُّ المرءُ أناملَ الندمِ على التفريطِ في جنبِ اللهِ، ومخالفةِ أمرِهِ، والمجاهرةِ بمعصيتِهِ.

 

وكمْ من شخصٍ أصرَّ على صغيرةٍ فألِفَها وهانَت عليهِ ولمْ يُفكّر يومًا في عظمة من عصاهُ، فكانت سببًا في سوءِ خاتمته، قالَ أنس -رضي اللهُ عنه-: "إنّكمْ لتعملونَ أعمالاً هي أدقُّ في أعينِكم من الشّعرِ كنّا نَعُدّهَا في عهدِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- منَ الموبقاتِ"، فماذا يقول -رضي الله عنه- إذا رأى حالنا؟!

 

ونبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- قد بيّنَ لنا أنّ هناكَ من يجتهد في العبادةِ ويبتعدُ عن المعاصي، وعندَ الوفاةِ يُفتنُ في دينِهِ بسببِ دسيسةٍ في نفسِهِ، أو شبهةٍ انساقَ وراءَهَا فحادتْ بهِ عن طريقِ ربّه، فكانَ ذلك سببًا في سوءِ خاتمتِهِ، قال -صلى الله عليه وسلم-: "وإنّ الرجلَ ليعملُ بعملِ أهلِ الجنّةِ حتى ما يكونُ بينَهُ وبينَها إلا ذراعٌ فيسبقُ عليهِ الكتابُ، فيعملُ بعملِ أهلِ النّارِ فيدخُلَهَا"(رواه البخاري).

 

عبادَ الله: ومن البشائرِ التي تدلُّ على حسنِ الخاتمةِ ما يلي:

أولاً: النُطقُ بكلمةِ التّوحيدِ قبلَ خروجِ الرّوحِ؛ فعن معاذٍ قال: قال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ كَانَ آَخرُ كَلَامِهِ: لَا إِلَهَ إِلّا اللهُ دَخَلَ الْجَنّةَ"(رواه الحاكم).

 

ثانياً: الموتُ شهيدًا في سبيلِ اللهِ، قال -تعالى-: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)[آل عمران: 171].

 

ثالثاً: الموتُ غازيًا في سبيلِ الله، أو مُحرِمًا بحج؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "منْ ماتَ في سبيلِ اللهِ فهو شهيدٌ"، وقال في المُحرِم الذي وقَصَته ناقتُهُ: "اغسِلوه بماءٍ وسِدر، وكفِّنوه في ثوبَيْه ولا تُخمِّروا رأسه، فإنه يُبعَثُ يوم القيامة مُلبِّيًا"(رواه البخاري ومسلم).

 

رابعاً: الموتُ صابرًا مُحتسِبًا بسببِ أحدِ الأمراضِ الوبائيةِ؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "الطّاعُونُ شهادةٌ لكلِّ مسلِمٍ"(رواه مسلم). وقالَ -صلى الله عليه وسلم-: "وَمَنْ مَاتَ في البَطْنِ فَهُوَ شَهِيدٌ"(رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "وصاحبُ ذاتِ الجنبِ شهيدٌ"(رواه النسائي)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "والمرأةُ يقتُلُها ولدُها جمعاءَ شهادة، يجرُّها ولدُها بسرره إلى الجنّةِ"(رواه أحمد)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "الشَّهداءُ خمسة؛ المطعونُ، والمبطونُ، والغرقُ، وصاحبُ الهدمِ، والشهيدُ في سبيلِ اللهِ -عزّ وجلّ-"(رواه البخاري).

 

خامساً: الموتُ ليلةَ الجمعةِ أو نهارهَا؛ فعن عبدِ اللهِ بنِ عمروٍ -رضي الله عنهما- عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَا مِن مُسلِمٍ يموتُ يومَ الجُمُعَةِ أوْ ليلةَ الجُمُعَةِ إلّا وَقَاهُ اللهُ فتنةَ القبرِ"(رواه أحمد).

 

سادساً: عَرَقُ الجبينِ عندَ الموتِ؛ فعن بريدةَ بن الحصينِ -رضي الله عنه- أنّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنّ المؤمنَ يموتُ بعرقِ الجبينِ"(رواه أحمد).

 

سابعاً: الموتُ على قولِ لا إلهَ إلّا اللُهُ: قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن قالَ: لَا إِلَهَ إِلّا اللهُ ابتغاءَ وجْهِ اللهِ خُتِمَ له بها دخلَ الجنةَ.."(رواه أحمد).

 

عباد الله: ومنَ الأسبابِ التي تعينُ على حسنِ الخاتمةِ ما يلي:

الأول: تحقيقُ الإيمانِ باللهِ -جلّ وعلَا-، والاستقامةُ على دينهِ وتقواهُ -جلّ وعلَا- في السرّ والعلنِ؛ قال –تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)[فصلت:30]. وعنْ سُفيان بن عبدالله الثقفي -رضي الله عنه- قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، قُلْ لي في الإسلامِ قولًا لا أسألُ عنهُ أحدًا بعدَكَ، قال: "قُلْ: آمنتُ بالله، ثم استَقِمْ"(رواه مسلم).

 

الثاني: الاهتمامُ بصلاحِ القلبِ: وهو مَلِكُ الجوارِحِ، وعلى قدرِ ما وقرَ فيهِ منَ الإيمانِ والصلاحِ يكونُ ذلكَ عائِدًا على الجوارحِ في صلاحِهَا، قالَ -صلى الله عليه وسلم-: "أَلَا وَإِنّ فِي الجسدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجسدُ كُلُّه، وإذا فسَدتْ فسَدَ الجسدُ كُلّه، ألا وهيَ القلبُ"(متفق عليه)، وقالَ -صلى الله عليه وسلم-: "إنّ اللهَ لا ينظرُ إلى صُوركمْ وأموالِكُمْ، ولكنْ ينظرُ إلى قلوبِكُمْ وأعمالِكُم"(رواه مسلم).

 

الثالث: الصّدقُ مع اللهِ ومحبةُ لقاءِهِ -جلّ وعلَا-: وعلى قدرِ صدقِ العبدِ في إيمانِهِ ومحبتِهِ لربّهِ وإقبالِهِ على طاعتِهِ يحصلُ له مطلوبُهُ، وحديثُ الأعرابي خيرُ شاهدٍ على ذلك، فقد قال للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "اتَّبعتُك على أن أُرْمَى إلى ها هنا – وأشار إلى حلقه – بسهمٍ فأموتُ فأدخلُ الجنّةَ، فقال: "إنْ تَصْدُقِ اللهَ يصدُقْك"، فلبِثوا قليلاً، ثم نهضوا في قتالِ العدوِّ، فأُتِي به النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يُحمَل قد أصابهُ سهمٌ حيثُ أشار، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَهُوَ هُوَ؟"، قالوا: نعم، قال: "صدقَ اللهَ فصدَقَه" إلى آخر الحديث(رواه النسائي، وصححه الألباني). وحديثُ عائشةَ -رضِيَ اللهُ عنها-، قالتْ: قالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أحَبَّ لقاء الله -عزّ وجلّ-؛ أحبَّ اللهُ لقاءَهُ، ومَن كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ -عزّ وجلّ-؛ كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ.."(رواه البخاري).

 

الرابع: الاستجابةُ لأوامرِ اللهِ -تعالى-، والمحافظةُ على طاعتِهِ، والبعدُ عن نواهيهِ؛ فمن صَدَقَ ولَزِمَ كَانَ دَلِيلاً على قوةِ إيمانِهِ وحبّهِ لربّهِ وحِرْصِهِ على ما يُرضِيهِ.

 

أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيم: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُون * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُون * نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيم)[فُصِّلَت:30-32].

 

باركَ اللهُ لي ولكُم في القرآنِ العظيم، ونفعنِي وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ، أقولُ ما سمعتمْ فاستغفروا اللهَ يغفرْ لي ولكُم إنَّهُ هو الغفورُ الرّحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على نبينا محمدِ بنِ عبدِ اللهِ الذي علَّم أمتَه كلَّ خيرٍ، وحذَّرهم منْ كلِّ شرٍّ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آله وصحبِهِ أجمعين.

 

أما بعدُ: فاتّقُوا اللهَ أيُّها المؤمنونَ، واعلموا أنّ من أسبابِ حُسْنِ الخاتمةِ أيضاً:

الخامس: الحرصُ على الصحبةِ الطيّبَةِ؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "الرّجُلُ عَلَى دينِ خَلِيلِهِ"(رواه أبو داود والترمذي)، فمَن رضي دينَه وخُلُقه خالَلَه، ومَن لا، تجنَّبَه؛ فإن الطباع سرَّاقةٌ، والصُّحبةُ مؤثِّرةٌ في إصلاحِ الحالِ وإفسادِهِ.

 

السادسُ: الحرصُ على تجديدِ التوبةِ من جميعِ الذّنوبِ؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ المؤمنَ يرى ذنوبَهُ كأنَّهُ قاعدٌ تحتَ جبلٍ يخافُ أنْ يقعَ عليهِ.."(رواه البخاري).

 

السابع: غلبةُ الرّجاءِ وحسنُ الظّنِ باللهِ عند نزولِ الموتِ: فقد دخلَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على شابٍّ وهو في الموتِ، فقال له: "كيف تَجِدُك؟" قال: واللهِ يا رسولَ اللهِ، إِنّي أَرْجُو اللهَ، وَإِنّي أَخَافُ ذُنُوبِي، فقالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لا يجتمعانِ في قلبِ عبدٍ في مِثلِ هذا الموطِنِ إلّا أعطاهُ اللهُ مَا يرجُو، وآمنَهُ ممّا يخافُ"(رواه الترمذي وابن ماجه، وحسنه الألباني).

وعن جابرٍ -رضي اللهُ عنهُ- قال: سمِعتُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قبلَ موتِه بثلاثةِ أيّامٍ يقولُ: "لا يموتنَّ أحدُكُمْ إِلّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَنَّ باللهِ"(رواه مسلم).

 

الثامن: أنْ تأتيهِ مَنِيّتُهُ وهو يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أحَبَّ أن يُزَحْزَح عن النار ويدخل الجنة، فلتأتِه منيَّتُه وهو يؤمن بالله واليوم الآخر"(رواه مسلم).

 

التاسعُ: دعاءُ اللهِ -تعالى- بالثباتِ على دينِهِ وطلبُ حسنِ الخاتمةِ؛ فقد كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُكثِرُ أن يقول: "يا مُثبِّتَ القلوب ثبِّت قلبي على دينك"، قالوا: يا رسول الله، آمنَّا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: "نعم، إنّ القلوبَ بين إصبعينِ مِن أصابعِ اللهِ يُقلِّبها"(رواه الترمذي، وابن ماجه، وصححه الألباني).

 

العاشر: الزهدُ في الدنيا، وكثرةُ ذكرِ الموتِ وزيارةُ القبورِ والاستعدادُ لذلك، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ازهدْ في الدّنيا يُحِبّكَ اللهُ"(رواه ابن ماجه)، وقال: "أكثِرُوا ذكرَ هاذمِ اللذَّات"؛ يعني الموت(رواه الترمذي والنسائي، وصححه ابن حبان). وقال -صلى الله عليه وسلم-: "زُورُوا القبور؛ فإنها تُذكِّرُكم الآخرة"(رواه مسلم).

 

أسألُ اللهَ لي ولكمْ وللمسلمينَ حُسْنَ الخَاتِمَةِ.

 

هَذا وصلُّوا وسلّموا على الحبيبِ المصطفى والنبيّ المجتبى محمد بن عبد الله؛ فقد أمركم الله بذلك فقال -جل من قائل عليماً-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب:٥٦].

 

المرفقات

حسن الخاتمة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات