خير البقاع وأحبها إلى الله

عبدالباري بن عواض الثبيتي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/عمارة المساجد باب عظيم من أبواب الخير 2/المساجد أحب البقاع إلى الله لما فيها من ذكر وصلاة 3/الأجر الكبير لمن غدا إلى المسجد أو راح 4/للمساجد دور تعبدي ودعوي واجتماعي

اقتباس

وإنما كانت أحب البقاع إلى الله لما يكون فيها من ذكره -سبحانه-، والصلاة وقراءة القرآن ورفع الأذان وحِلَق العلم وإعلاء كلمة التوحيد؛ منها تضاء قناديل العلم والمعرفة، وفيها يتلقى المسلمون تعاليم الدين، وتزكية النفوس...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، الذي جعل المساجد خير البقاع وأحب البلاد، أحمده -سبحانه- وأشكره، فنعمه لا تُحصى، ورِزْقُه ما له من نفاد، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أدخرها ليوم الفصل والتناد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، جاهد في الله حق الجهاد، وبَيَّن لنا طريقَ الخير والرشاد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، إلى أن يقوم الناس لرب العباد.

 

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- فإن تقوى الله خير زاد، يتزود بها العاقل ليوم المعاد (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102].

 

إن من توفيق الله للمرء أن يستعمله في طاعته، ويُسَخِّره لعباده، ويجعله مفتاحا للخير، وعمارةُ المساجدِ بابٌ من أبواب الخير، يفتحه الله على يد من شاء من عباده، لينال وسام الشرف، في قوله -تعالى-: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)[التَّوْبَةِ: 18].

 

لقد نالت المساجدُ أولويةَ محبة الله له دون سائر البقاع، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أحبُّ البلادِ إلى اللهِ مساجدها، وأبغضُ البلادِ إلى الله أسواقُها". وإنما كانت أحب البقاع إلى الله لما يكون فيها من ذكره -سبحانه-، والصلاة وقراءة القرآن ورفع الأذان وحِلَق العلم وإعلاء كلمة التوحيد؛ منها تضاء قناديل العلم والمعرفة، وفيها يتلقى المسلمون تعاليم الدين، وتزكية النفوس، قال الله -تعالى-: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)[النُّورِ: 36-37]، لقد أدرك الرعيل الأول أهمية المسجد في حياة الناس؛ فبناؤه كان أول اهتمامات النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا قَدِمَ المدينةَ، ثم وعى خلفاؤه من بعده هذه المكانة، فسلكوا المنهج الأسمى.

 

ها هي الخطى منطلقة صوب بيت من بيوت الله، بسكينة ووقار، فما أشرف هذه الأقدام، وما أجمل هذه الخطى، كل خطوة تحط سيئة، وترفع درجة، وكلما بعدت الدار فاض عليك خير مدرار.

 

أيها السائر إلى بيت من بيوت الله: كل خطوة تخطوها إلى المسجد صدقة، وأنى لهذه الأقدام أن تكل أو تمل، أنى لها أن تتكاسل وهي تسمع وتقرأ قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ غَدَا إلى المسجدِ ورَاحَ أعدَّ اللهُ له نُزُلَهُ من الجنةِ، كُلَّما غَدَا أو رَاحَ"، ثم تنتظم الصفوف؛ الغني بجوار الفقير، والسيد ملاصق للخادم، تتساوى في الصف المناكب، وتتحاذى الأقدام لتحقق المساواة في أَجَلِّ صُوَرِهَا، وأسمى معانيها، يلتقي المسلمون في المسجد فتتصافح أيديهم وتتلاصق أبدانهم، وتتآلف قلوبهم، فتشيع بينهم الألفة والمحبة، وتذوب الفوارق الاجتماعية، فتقوى بذلك رابطة الأخوة الإسلامية، وما أعظَمَها من حكمة.

 

في المسجد يتفقَّد المسلمُ إخوانَه وجيرانَه، فهذا فقير يحتاج إلى مساعدة، وذاك مصاب تُسَلِّيه بمواساة، وثالث مريض تخفِّف آلامَه، ورابع يتيم تحنو عليه وتمسح أحزانَه، في المسجد تُعين الجموع أنها أمة النظام والانتظام، ركعات معدودة، وحركات محدودة، وألفاظ شرعية معلومة، في صفوف منتظمة إذا ركع الإمام ركعوا، وإذا سجد سجدوا، لا يسبقونه بقول ولا فعل، فاللهم اجمع قلوبنا على طاعتك، وارزقنا العمل بكتابك، وانفعنا بسنة نبيك، واغفر لنا، إنك أنت الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمدًا لا حد لمنتهاه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا رب سواه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، وصفيه ومجتباه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

 

عمارة المسجد كما تكون بتشييد البنيان فإنها تكون كذلك بتعاهدها بما يسقي القلوبَ من الإيمان.

 

ألا وصلوا -عباد الله- على رسول الهدى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنكَ حميد مجيد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدينَ، أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن الآل والصحب الكرام، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، ودَمِّرِ اللهم أعداءك أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنًا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين.

 

اللهم من أردانا وأراد بلادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل تدبيره تدميره يا سميعَ الدعاءِ، اللهم من أردانا وأراد الإسلام والمسلمين وبلادنا بسوء فأشغله بنفسه واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء.

 

اللهم إنا نسألك الجنة وما قرَّب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرَّب إليها من قول وعمل، اللهم أصلح لنا دينَنا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خير، والموتَ راحةً لنا من كل شرّ يا رب العالمين.

 

اللهم إنا نسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، اللهم إنا نسألك فواتح الخير وخواتمه وجوامعه وأوله وآخره، وظاهره وباطنه، ونسألك الدرجات العلا من الجنة يا رب العالمين.

 

اللهم أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا، اللهم اجعلنا لك ذاكرين لك شاكرين لك مخبتين لك أوَّاهين منيبين، اللهم تقبل توبتنا واغسل حوبتنا وثبت حجتنا وسدد ألسنتنا، واسلل سخيمة قلوبنا.

 

اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخَّرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا، أنت المُقَدِّم وأنت المُؤَخِّر لا إله إلا أنتَ، اللهم ارحم موتانا واشف مرضانا وتولَّ أمرنا واغفر لوالدينا يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحوُّل عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك، اللهم إنا نعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم، وغلبة الدين وقهر الرجال.

 

اللهم وفِّق إمامَنا لما تحب وترضى، اللهم وفِّقْه لهداك، واجعل عملَه في رضاك يا رب العالمين، اللهم ووَفِّق ولي عهده لكل خير يا رب العالمين، وخذ بناصيته للبر والتقوى، يا أرحم الراحمين، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وتحكيم شرعك يا أرحم الراحمين.

 

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 23]، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الْحَشْرِ: 10]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].

 

المرفقات

خير البقاع وأحبها إلى الله

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات