الموت

عبد العزيز بن داود الفايز

2022-10-10 - 1444/03/14
التصنيفات: الحياة الدنيا
عناصر الخطبة
1/الدنيا دار ابتلاء واختبار 2/الحث على تذكر الموت 3/خطر الاغترار بالدنيا ووجوب الاستعداد للموت 4/المبادرة بالتوبة والتحذير من تأخيرها

اقتباس

إذا قسا قلبك، وتعلقت بالدنيا وبجمالهما، وتجرأت على معصية الله؛ نظرت الحرام، وتكلمت بالحرام، وتساهلت بالواجبات - فتذكر أنك في يوم من الأيام ستفارق الأهل والأحباب والأصحاب، ستفارق الدور والقصور، وسوف تترك الأموال، وسوف...

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونتوكل عليه، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على طريقته ونهجه.

 

أما بعد:

 

فيا عباد الله: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

واعلموا -يا رعاكم الله- أن الله -جل وعلا- خلق الخليقة لعبادته، قال جل وعلا: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56]؛ فالله -جل وعلا- خلق العباد ليعبدوه؛ فهذه الدار دار ابتلاء، دار اختبار، دار امتحان، يأتي الإنسان ويعيش لسنوات معدودة ثم يرحل، وليس لأحد البقاء في هذه الدنيا ولو كان لأحد البقاء لكان لسيد الأولين والآخرين -عليه الصلاة والسلام- لما حضرته الوفاة ادخل يده الشريفة في إناء عنده صلى الله عليه وسلم، وأخذ يمسح وجهه، ويقول: "لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات، لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات" ثم مالت يده، وقال حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- في هذه الساعة: "اللهم في الرفيق الأعلى، اللهم في الرفيق الأعلى" وفاضت روحه صلى الله عليه وسلم.

 

وكل من على هذا الكون سيفنى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)[الرحمن: 26-27]، ويقول الله -جل وعلا-: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)[آل عمران: 85].

 

نعم -يا عباد الله- قال عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما أنا والدنيا إلا كرجل استظل تحت شجرة ثم ذهب وتركها"، وقال لابن عمر: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل".

 

فنحن -أيها الأحبة- مسافرون إلى الدار الآخرة: "أعمار أمتي بين الستين والسبعين"؛ فعلينا أن نستقيم على أمر الله -جل وعلا-، وخير معين بعد الله -جل وعلا- أن نأخذ بوصية سيد الأولين والآخرين -عليه الصلاة والسلام- الذي قال: "أكثروا من ذكر هادم اللذات"، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة"، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم: "زوروا المقابر فإنها تذكركم الموت"، وجاء في مسند الإمام أحمد: "زوروا المرضى، واتبعوا الجنائز؛ فإنها تذكركم الآخرة".

 

فإذا قسا قلبك، وتعلقت بالدنيا وبجمالهما، وتجرأت على معصية الله؛ نظرت الحرام، وتكلمت بالحرام، وتساهلت بالواجبات؛ فتذكر أنك في يوم من الأيام ستفارق الأهل والأحباب والأصحاب، ستفارق الدور والقصور وسوف تترك الأموال، وسوف تسأل عن كل صغيرة وكبيرة.

 

نعم -يا عباد الله- إن الموت حقيقة قاسية مرة يأتي على الجميع، لا أحد يستطيع أن يرد الموت، لو اجتمع أطباء العالم وأرادوا أن يؤخروا في أجل قد كتبه الله -جل وعلا- ما استطاعوا.

 

وتذكر -يا عبد الله- عندما ينزل بك الموت والمحبون والمشفقون والناصحون؛ الزوجة، الأولاد يريدون أن يؤخروا في أجلك حتى تجلسك معهم في هذه الدنيا، ولكن الله قدر الآجال لكل أجل كتاب: (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)[الأعراف: 34] نتلقى دائما اتصالا أو تأتي رسالة: مات فلان بن فلان، ماذا حصل له؟ حصل له حادث أو أتت له سكتة، أو غير ذلك من الأسباب، أو عاش العمر الافتراضي أو ستين أو سبعين أو ثمانين أو تسعين أوبئة فلا بد من الفراق -يا عباد الله-.

 

تذكر عندما تصبح جثة هامدة، تذكر -يا عبد الله- عندما ينزل بك الموت وأنت تريد أن تتكلم ولو بكلمات معدودة؛ فالموت أمره صعب جدا؛ فعلينا -يا عباد الله- أن نراجع أنفسنا، ونتقي الله -جل وعلا- في أقوالنا وأعمالنا، ولا نغتر بصحتنا.

 

يا صاحب المنصب والجاه: لا تغتر بمنصبك ولا بجاهك، انظر إلى من ملكوا الدنيا كلها أين ذهبوا؟ تحت الثرى وليس معهم إلا ما قدموا من الأعمال، بعد رحمة الله -جل وعلا- ليس معهم إلا ما قدموا من صدقة جارية، من علم نافع، من تربية صالحة لأولادهم، في حجرة مظلمة موحشة، اذهب إلى المقابر -يا عبد الله- قف على شفا قبر مفتوح، وتصور أنك في هذا القبر، ماذا عندك من الأعمال؟ لا بد أن تكون فيه في يوم من الأيام، لابد أن ترحل، أين الآباء؟ أين الأجداد؟ أين من ملكوا الدنيا؟ أين من سعدوا؟ أين؟ وأين -يا عباد الله-؟

 

رحلوا ونحن على الأثر سائرون، وإلى ما صاروا إليه صائرون، لا نغتر -يا عباد الله- مما آتانا الله -جل وعلا-، ونتنبه إلى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم".

 

كم من إنسان كان يسير في طريق الخير ولما فتح الله عليه الدنيا قصر في حق الله، تساهل في الواجبات، وارتكب المعاصي والآثام!.

 

نعم -يا من تتعامل بالربا- اتق الله -جل وعلا-، يا من تعق والديك: اتق الله -جل وعلا-، يا من تتساهلوا في أداء الصلاة: اتق الله -جل وعلا-، يا من تنظر إلى ما حرم الله: اتق الله -جل وعلا-، يا من تجلس في غرفتك لا يراك إلا الله: اتق الله في نظر ربك، اتق الله واعلم بأن الله -جل وعلا- لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا)[المجادلة: 7].

 

واعلم أنك إذا تركت ذلك لله أن الله -جل وعلا- يعوضك بالجنة: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)[الرحمن: 46].

 

فإذا خلوت بريبة *** والنفس داعية إلى العصيان

فاستح من نظر الله وقل لها *** إن الذي خلق الظلام يراني

 

لا تنظر -يا عبد الله- وتقول في نفسك: هذا ذنب صغير، أو نحو ذلك، وانظر إلى عظمة من عصيت، عصيت الله، عصيت العظيم، عصيت الذي خلقك، عصيت الذي رزقك، عصيت الذي أعطاك وأعطاك.

 

فاتق الله -يا عبد الله- قد يكون هذا العمل هو نهاية حياتك، كم من شخص مات على معصية من معاصي الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ومن مات على شيء بعث عليه؛ فلا تصر على ذنب من الذنوب -يا عبد الله- تذكر عندما تحمل على الأعناق، تذكر عندما تقدم للصلاة، تذكر عندما تتجرد من ثياب الزينة والجمال، وتلف في ثلاثة أثواب، يذهبون بك إلى حجرة مظلمة، من الذي يذهب بك؟ أبناؤك وأقرب الناس إليك وأحب الناس إليك، هم الذين يذهبون ومسرعين، ينزلونك في الحفرة ثم يذهبون ويتركونك وأنت تسمع قرع نعالهم.

 

فعلينا -يا عباد الله- أن نستعد إلى هذه الساعات، بالاستقامة على أمر الله، بمراجعة النفس دائما وأبدا بترك معصية الله -سبحانه وتعالى-.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، الحمد لله حمد الشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على طريقته ونهجه وعنا معه بمنك وكرمك.

 

أما بعد:

 

فيا عباد الله: اتقوا الله حق تقاته، واستعدوا للموت ولما بعد الموت، ولو كان الأمر ينتهي عند الموت لكان الأمر يسير، لكن ما بعد الموت.

 

واعلموا -يا رعاكم الله- أن أعظم الاستعداد للموت: بالتوبة الصادقة إلى الله -جل وعلا-، كل يقع منه خطأ، كل مذنب: "كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون"، والله -جل وعلا- علق الفلاح بالتوبة، فقال جل وعلا: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[النور: 31]؛ فإذا أذنب العبد فإنه يرجع إلى خالقه -سبحانه وتعالى- مهما بلغت الذنوب والسيئات فإن رحمة الله أوسع، قال الله -جل وعلا-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[الزمر:53]، وقال سبحانه: (وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)[الفرقان: 68-70].

 

والله يفرح بتوبة عبده -يا عباد الله- أشد فرحا من رجل بأرض فلا ذهبت راحلته، وأيقن بالموت، فإذا براحلته عند رأسه، فقال من شدة الفرح: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك" فربنا -جل وعلا- يفرح بالتوبة.

 

واعلموا -يا عبد الله- أن تأخير التوبة، وهذا يغفل عنه بعض الناس، تأخير التوبة ذنب يحتاج إلى توبة، كما ذكر أهل العلم، فتأخير التوبة ذنب يحتاج إلى توبة؛ فبادر بالتوبة -يا عبد الله- وارجع إلى الله.

 

وتكون التوبة -يا عباد الله- أن ننظر إلى الواجبات إلى أركان الإسلام هل قمنا بها؟ ننظر إلى أحوالنا أيضا سائر الحقوق مع عباد الله، نسابق -يا عباد الله- بالمستحبات، وما أكثر المستحبات.

 

تكون التوبة -يا عباد الله- أيضا بترك المعاصي والذنوب: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)[الإسراء: 36].

 

اللهم تب علينا جميعا يا رب العالمين، اللهم ارزقنا توبة صادقة صالحة قبل الموت، اللهم ارزقنا توبة صالحة قبل الموت، اللهم يا حي يا قيوم بدل سيئاتنا إلى حسنات، اللهم بدل سيئاتنا إلى حسنات، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم يا حي يا قيوم طهر قلوبنا من سائر الأمراض، طهرها من الكبر ومن العجب ومن الرياء ومن سائر الأمراض، طهرها من الغل والحقد والحسد يا رب العالمين، اللهم طهر جوارحنا، اللهم احفظ جوارحنا، اللهم سخرها للخير يا رب العالمين، اللهم احفظنا بحفظ، وارعنا برعايتك، واحرسنا بعنايتك، توكلنا عليك.

 

اللهم اعصمنا من فتن الشهوات والشبهات، اللهم اعصمنا من فتن الشهوات والشبهات، يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك.

 

اللهم أحسن لنا الختام، اللهم أحسن لنا الختام، اللهم اجعل آخر كلامنا من الدنيا شهادة التوحيد: "لا إله إلا الله"، اللهم اجعل قبورنا روضة من رياض الجنة، اللهم اجعلها روضة من رياض الجنة، اللهم يا حي يا قيوم أظلنا في ظلك يوم لا ظل إلا ظلك، اللهم  بيض وجوهنا يوم تبيض وجوه وتسود وجوه.

 

اللهم اجعلنا ممن يبشر بروح وريحان، ورب راض غير غضبان، اللهم اسكنا أعلى الجنان برحمتك يا أرحم الراحمين مع سيد الأنام -عليه الصلاة والسلام-، اللهم يا حي يا قيوم تب على التائبين، اللهم اهد شباب المسلمين، اللهم اهد شباب المسلمين، اللهم نور قلوبهم، اللهم اجعلهم هداة مهتدين بهذا الدين من المتمسكين وإليه من الداعين يا رب العالمين.

 

اللهم يا حي يا قيوم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم اجمع قلوبهم، اللهم اجمع قلوبهم، اللهم وحد صفوفهم، اللهم اجمع كلمتهم، اللهم يا حي يا قيوم من أرادنا أو أحدا من المسلمين بسوء اللهم فاشغله بنفسه، واجعل يا رب كيده في نحره، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، واقض الدين عن المدينين يا رب العالمين.

 

اللهم يا حي يا قيوم نسألك كما جمعتنا في بيت من بيوتك أن تجمعنا في أعلى الجنان برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم يا واحد يا أحد احفظ علينا عقيدتنا، احفظ علينا ديننا، احفظ علينا أمننا واستقرارنا، واكفنا شر الفتن يا رب العالمين، من أراد بلادنا أو سائر بلاد المسلمين بسرء الله فأشغله بنفسه يا رب العالمين.

 

اللهم وفق ولاة أمرنا، وارزقهم الجلساء الصالحين الناصحين يا رب العالمين، اللهم يا حي يا قيوم أدم الأمن على سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.

 

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنكَ حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد إنك حميد مجيد.

 

المرفقات

الموت

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات