حياتنا فانية ومن عليها فان

أ زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية

2022-10-05 - 1444/03/09
عناصر الخطبة
1/حتمية فناء الدنيا وزوالها ومن عليها 2/الموت فرج المظلومين بموت ظالميهم 3/المطلوب من تذكر الموت ليس مجرد العلم به بل والعمل له 4/الدنيا والآخرة ضرتان يحرم العدل بينهما 5/الآخرة خير من الأولى لذا يجب إيثارها عليها.

اقتباس

لَوْ تَفَكَّرَ عَاقِلٌ وَأَدْرَكَ لَبِيبٌ أَنَّ الدُّنْيَا فِي وَصْفِ أَزْهَدِ الْبَشَرِ وَأَعْلَمِ الْخَلْقِ لَا تُسَاوِي عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، فَكَيْفَ يَقْبَلُ الْعِبَادُ مُخَاصَمَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى هَذَا الْجَنَاحِ؛ وَأَيُّ جَنَاحِ؟! إِنَّهُ جَنَاحُ بَعُوضَةٍ! فَأَيُّ حَقَارَةٍ أَكْبَرُ مِنْ هَذَا الْجَنَاحِ إِلَّا مَنْ يُخَاصِمُ الْآخَرِينَ بِسَبَبِهِ وَيَقْطَعُ الرَّحِمَ لِأَجْلِهِ وَالْقَرِيبَ...

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ تَعَالَى وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأُشْهِدُ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ؛ ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ:

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللَّهَ وَرَاقِبُوهُ، وَأَطِيعُوهُ وَلَا تَعْصُوهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ فِي اتِّبَاعِ شَرْعِهِ سَعَادَتَكُمْ فِي الدُّنْيَا، وَفِي اجْتِنَابِ نَهْيِهِ فَلَاحُكُمْ فِي الْأُخْرَى؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)[الْحَجِّ: 1-2].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: خَلَقَ اللَّهُ الدُّنْيَا وَجَعَلَهَا مَمَرًّا لَا مَقَرًّا، وَمَسْلَكًا لَا مَسْكَنًا، وَأَرَادَهَا مَزْرَعَةً لِلْآخِرَةِ، وَجَعَلَ الدُّنْيَا وَسِيلَةً وَالْآخِرَةَ غَايَةً، وَأَوْجَدَ الْبَشَرَ عَلَيْهَا لِيُؤَدُّوا الْمُهِمَّةَ الَّتِي كُلِّفُوا بِهَا وَالْغَايَةَ الَّتِي وُجِدُوا لِأَجْلِهَا، وَبَعْدَهَا هُمْ عَنْهَا رَاحِلُونَ إِمَّا بِالْمَوْتِ فُرَادَى؛ (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ)[الْمُؤْمِنُونَ: 99]، أَوْ بِالْمَوْتِ كُلُّهُمْ صَعْقًا؛ (وَنُفِخَ فِي الصُّوَرِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ)[الزُّمَرِ: 68].

 

وَالرَّحِيلُ عَنْهَا -يَا عِبَادَ اللَّهِ- قَضَاهُ اللَّهُ وَقَرَّرَهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ آيَاتِهِ؛ كَقَوْلِهِ: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ)[الرَّحْمَنِ: 26]، وَقَوْلِهِ: (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ)[الْمُؤْمِنُونَ: 15]، كَمَا قَرَّرَ ذَلِكَ نَبِيُّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سُنَّتِهِ؛ فَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ"(صَحِيحِ الْجَامِعِ 1211)، وَقَوْلِهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ: "لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ هَرَبَ مِنْ رِزْقِهِ كَمَا يَهْرُبُ مِنَ الْمَوْتِ، لَأَدْرَكَهُ رِزْقُهُ كَمَا يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ"(صَحِيحِ الْجَامِعِ، حَسَنٌ)، وَغَيْرُهَا كَثِيرٌ.

 

وَالْخُلَاصَةُ: أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ تَعِيشُ عَلَى هَذِهِ الدَّارِ إِلَّا وَسَتَفْنَى إِنْ عَاجِلًا أَوْ آجِلًا، وَلَا يَبْقَى عَلَيْهَا إِلَّا الْمَلِكُ الْعَلَّامُ، وَحَتَّى مَلَائِكَتُهُ يَمُوتُونَ بِالصَّعْقَةِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْهُمْ؛ قَالَ اللَّهُ: (وَنُفِخَ فِي الصُّوَرِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ)[الزُّمَرِ: 68]، وَحَتَّى الْمَوْتُ يَمُوتُ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّهُ مَهْمَا عُمِّرَ الْعَبْدُ وَتَعَدَّى الْمِئَاتِ مِنَ السِّنِينَ وَبَلَغَ الْآلَافَ مِنَ الْأَعْوَامِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَرْحَلَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ يَوْمًا؛ فَهَذَا نُوحٌ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- عُمِّرَ مَا يَزِيدُ عَنْ أَلْفِ عَامٍ فَجَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ فَقَالَ: "يَا أَطْوَلَ النَّبِيِّينَ عُمْرًا! كَيْفَ وَجَدْتَ الدُّنْيَا وَلَذَّتَهَا؟"، قَالَ: " كَرَجُلٍ دَخَلَ بَيْتًا لَهُ بَابَانِ، فَقَامَ فِي وَسَطِ الْبَيْتِ هُنَيْهَةً -الْقَلِيلُ مِنَ الزَّمَانِ- ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ الْآخَرِ".

 

وَمَهْمَا بَلَغَ الْعَبْدُ مِنَ الْقُوَّةِ وَالسُّلْطَانِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُغَادِرَهَا يَوْمًا؛ فَهَذَا فِرْعَوْنُ وَمِثْلُهُ قَوْمُ عَادٍ وَثَمُودَ بَلَغُوا مِنَ الْمُلْكِ وَالْقُوَّةِ مَبْلَغًا، قَالَ اللَّهُ: (إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ -(فَكَانَتِ النِّهَايَةُ الْحَتَمَةُ)-: فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ يَوْمَهَا السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ.

 

وَمَهْمَا بَلَغَ الْعَبْدُ مِنَ الْغِنَى وَجَمَعَ مِنَ الْمَالِ وَادَّخَرَ مِنَ الْكُنُوزِ فَالرَّحِيلُ حَتْمًا؛ فَقَارُونُ وَمَا مَتَّعَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ النِّعَمِ وَبَسَطَ لَهُ مِنَ الْخَيْرَاتِ كَانَتْ نِهَايَتُهُ: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ)[الْقَصَصِ: 81].

 

وَمَهْمَا كَانَ لِلْعَبْدِ مِنَ الْبَنِينَ وَالْعَشِيرَةِ وَالْقَرَابَةِ فَالْمُغَادَرَةُ حَتْمِيَّةٌ؛ (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا -(فَكَانَتِ الْخَاتِمَةُ)-: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ).

 

نَعَمْ؛ لَقَدْ كَانَ الْمَوْتُ نِهَايَةَ جَمِيعِهِمْ، وَآيَتُهُ فِيهِمْ جَعَلَتْهُمْ فِي عِدَادِ خَبَرِ كَانَ؛ بَرِّهِمْ وَفَاجِرِهِمْ، مُؤْمِنِهِمْ وَكَافِرِهِمْ، عَزِيزِهِمْ وَذَلِيلِهِمْ، كَبِيرِهِمْ وَصَغِيرِهِمْ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَمْ مِنْ جَبَّارٍ ظَالِمٍ حَاوَلَ الْجَمِيعُ أَنْ يَمْنَعُوا ظُلْمَهُ أَوْ يَرُدُّوا بَغْيَهُ أَوْ يُوقِفُوا طُغْيَانَهُ بِقُوَّةِ السِّلَاحِ وَكَثْرَةِ الرِّجَالِ؛ لَكِنَّهُمْ عَجَزُوا وَاسْتَوْطَنَ الْيَأْسُ قُلُوبَهُمْ وَظَنُّوا أَنَّهُ أَحَاطَ بِهِمْ وَاسْتَمْكَنَ مِنْهُمْ؛ فَكَانَ الْأَمَلُ لَهُمْ فِي وَقْفِ سَطْوَتِهِ هُوَ الْمَوْتَ، وَكَانَ الْمُخْرِجُ لَهُمْ مِنَ الْحَدِّ مِنْ بَطْشِهِ هُوَ الْمَنُونَ؛ حَيْثُ أَخَذَهُ اللَّهُ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ؛ (فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ * وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ)[الْأَعْرَافِ: 136- 137].

 

وَالْجَمِيعُ -عِبَادَ اللَّهِ- يُدْرِكُ هَذَا الْأَمْرَ الْمَحْتُومَ وَالْقَضَاءَ الْمَعْلُومَ (الْمَوْتَ) دِيَانَةً وَمُعَايَشَةً إِلَّا إِنَّ الْمَطْلُوبَ لَا يَقِفُ عِنْدَ الْإِيمَانِ بِوُقُوعِهِ وَالْعِلْمِ بِحُدُوثِهِ، بَلْ يَقْتَضِي شَرْعًا وَعَقْلًا تُجَاهَهُ أَمْرَيْنِ:

أُولَاهُمَا: مَعْرِفَةُ قَدْرِ الدُّنْيَا وَحَقِيقَتِهَا؛ مَعْرِفَةً تَقُودُنَا إِلَى عَدَمِ الِانْشِغَالِ بِهَا عَنِ الْآخِرَةِ وَإِدْرَاكًا يَحْمِلُنَا عَلَى عَدَمِ إِيثَارِهَا وَتَقْدِيمِهَا عَلَى الْأُخْرَى.

 

ثَانِيهِمَا: إِدْرَاكُ حَقِيقَةِ الِانْتِقَالِ إِلَى الْأُخْرَى وَمَا يُرَافِقُ هَذَا الِانْتِقَالَ مِنْ حَيَاةِ الْبَرْزَخِ نَعِيمًا وَعَذَابًا، وَالْحَشْرِ وَمَا يَكُونُ فِيهِ مِنَ الْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ، وَهَذَا يَحْمِلُنَا عَلَى التَّزَوُّدِ بِزَادِ التَّقْوَى وَعَمَلِ الصَّالِحَاتِ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مَنْ تَتَبَّعَ نُصُوصَ الْوَحْيَيْنِ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالدُّنْيَا يَجِدْ أَنَّهَا كَثِيرًا مَا حَذَّرَتْ مِنَ الِاغْتِرَارِ بِهَا وَالِانْشِغَالِ عَنِ الْآخِرَةِ بِحُطَامِهَا الزَّائِلِ وَزُخْرُفِهَا الْفَانِي؛ قَالَ اللَّهُ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)[فَاطِرٍ: 5]، وَفِي الْحَدِيثِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ".

 

وَكَيْفَ أَنَّ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ ضَرَبَا عَلَيْهَا الْأَمْثِلَةَ الْمُخْتَلِفَةَ وَالَّتِي لَا تَفْسِيرَ لَهَا إِلَّا هَوَانُهَا وَدَنَاءَتُهَا لِيَكُونَ فِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ كُلَّ هَذَا الِاهْتِمَامِ وَلَا كُلَّ هَذَا التَّفْكِيرِ؛ خُصُوصًا عِنْدَمَا تَكُونُ سَبَبًا فِي صَرْفِ الْعِبَادِ عَنْ رَبِّهِمْ وَغَفْلَتِهِمْ عَنْ آخِرَتِهِمْ؛ فَاعْبُرُوهَا وَلَا تَسْتَوْطِنُوهَا، وَكُونُوا عَلَيْهَا كَمُسَافِرٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ تَرَكَهَا وَارْتَحَلَ؛ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ: لَوِ اتَّخَذَنَا لَكَ وِطَاءً؟ فَقَالَ: "مَا لِي وَلِلدُّنْيَا؟ مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا".

 

عِبَادَ اللَّهِ: الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ ضَرَّتَانِ، فَإِذَا كَانَ الْعَدْلُ بَيْنَ ضَرَائِرِ الزَّوْجَاتِ وَاجِبًا شَرْعًا وَالْمِيلُ إِلَى إِحْدَاهُمَا حَرَامًا شَرْعًا فَإِنَّ الْعَدْلَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مُحَرَّمٌ شَرْعًا؛ لِتَعَارُضِهِ مَعَ غَايَةِ الْخَلْقِ؛ إِذِ الْوَاجِبُ مَيْلُ الْقَلْبِ وَالْفِكْرِ وَالْجَوَارِحِ إِلَى الْآخِرَةِ؛ ذَلِكَ أَنَّ الدَّارَيْنِ لَا تَسْتَوِيَانِ مَكَانَةً وَقِيمَةً وَغَايَةً وَنِهَايَةً فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ الْعَدْلُ بَيْنَهُمَا؟! (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 64].

 

وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا مِفْتَاحُ الرَّغْبَةِ فِي الْآخِرَةِ، وَالرَّغْبَةُ فِي الدُّنْيَا مِفْتَاحُ الزُّهْدِ فِي الْآخِرَةِ"؛ فَكَيْفَ يَنْصَرِفُ عَاقِلٌ عَنِ الْبَاقِيَةِ إِلَى الْفَانِيَةِ، وَمِنَ الْأَبَدِ إِلَى الْأَمَدِ، وَمِنَ الْحَقِيقَةِ إِلَى الْخَيَالِ، وَمِنَ الْيَقَظَةِ إِلَى الْأَحْلَامِ؟!

كَيْفَ يَخْتَلِفُ عَلَيْهَا الْعِبَادُ حَتَّى صَارُوا بِسَبَبِهَا مُتَقَاطِعِينَ وَلِأَجْلِهَا مُتَنَاحِرِينَ؟! فَلَوْ رَأَيْتَهُمْ كَيْفَ هَانُوا وَقَدْ مُلِئَتْ بِهِمُ الْمَحَاكِمُ وَازْدَحَمَتْ بِهِمُ الشُّرَطُ، وَيَا لَيْتَ الْأَمْرَ تَوَقَّفَ بِهِمْ عِنْدَ التَّقَاضِي وَالتَّظَلُّمِ بَلْ وَصَلَ الْأَمْرُ إِلَى أَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ وَأَشَدَّ؛ انْتَهَتْ بِهِمُ الدُّنْيَا إِلَى حُرُوبٍ طَوِيلَةٍ وَقِتَالٍ مُسْتَمِرٍّ يَتَوَارَثُ مَآسِيَهُ وَتَبِعَاتِهِ أَجْيَالُهُمْ، وَيُذْكِي لِيَهِيبَهُ شَيَاطِينُهُمْ.

 

وَلَكَ حِينَهَا أَنْ تَسْمَعَ عَنْ نِهَايَاتٍ مُؤْلِمَةٍ وَنَتَائِجَ مُحْزِنَةٍ حَيْثُ أَفْضَتْ بِهِمْ تِلْكَ الْخُصُومَاتُ -فِي كَثِيرٍ مِنْ أَحْوَالِهَا- إِلَى إِزْهَاقِ الْأَرْوَاحِ وَإِسَالَةِ الدِّمَاءِ وَقَتْلِ النَّفْسِ الْمَعْصُومَةِ مِنْ أَجْلِ لُعَاعَةٍ مِنَ الدُّنْيَا وَحَفْنَةٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَصَدَقَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَوْمَ قَالَ: "فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا فَتُهْلِكُكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ".

 

وَهَلْ كَانَ أَوَّلُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهِ فِي الْأَرْضِ -كَمَا قَصَّهُ الْقُرْآنُ- إِلَّا بِسَبَبِ مَتَاعِهَا؟! تِلْكَ الْجَرِيمَةُ الَّتِي غَيَّرَتْ مَلَامِحَ الْأَرْضِ وَمَذَاقَ الثَّمَرِ، وَقَدْ رَاحَ ضَحِيَّتَهَا عَبْدُهُ الصَّالِحُ هَابِيلُ بِسَبَبِ طَمَعِ أَخِيهِ الْقَاتِلِ الظَّالِمِ قَابِيلَ رَغْبَةً فِي زَوَاجِهِ بِأُخْتِهِ الَّتِي وُلِدَتْ مَعَهُ.

 

لَوْ تَفَكَّرَ عَاقِلٌ وَأَدْرَكَ لَبِيبٌ أَنَّ الدُّنْيَا فِي وَصْفِ أَزْهَدِ الْبَشَرِ وَأَعْلَمِ الْخَلْقِ لَا تُسَاوِي عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، فَكَيْفَ يَقْبَلُ الْعِبَادُ مُخَاصَمَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى هَذَا الْجَنَاحِ؛ وَأَيُّ جَنَاحِ؟! إِنَّهُ جَنَاحُ بَعُوضَةٍ! فَأَيُّ حَقَارَةٍ أَكْبَرُ مِنْ هَذَا الْجَنَاحِ إِلَّا مَنْ يُخَاصِمُ الْآخَرِينَ بِسَبَبِهِ وَيَقْطَعُ الرَّحِمَ   الرَّحِمَ وَالْقَرِيبَ لِأَجْلِهِ وَيَهْجُرُ الصَّدِيقَ وَالْحَبِيبَ وَيَتَنَكَّرُ لِلْجَارِ وَالشَّرِيكِ وَيَنْسَى الْحَسَنَ وَالْجَمِيلَ.

فَتَأَمَّلْ فِي حَجْمِ وَقِيمَةِ هَذَا الْجَنَاحِ، وَكَيْفَ أَنَّ الْبَشَرِيَّةَ مِنْ لَدُنْ آدَمَ وَحَتَّى آخِرِ الدُّنْيَا جَمِيعُهُمْ شُرَكَاءُ فِيهِ؛ فَيَا تُرَى كَمْ هُوَ نَصِيبُكَ مِنْهُ مِنْ نَصِيبِ الْبَشَرِيَّةِ كُلِّهَا؟!

 

لَيْسَتِ الدُّنْيَا إِلَّا كَذَلِكَ؛ فَإِنْ تَجَاوَزَتْ قَدْرَ ذَلِكَ الْجَنَاحِ وَعَظُمَتْ فَلَنْ تَتَجَاوَزَ أَنْ تَكُونَ مِثْلَ جَدْيٍ مَيِّتٍ أَسَكَّ؛ فَفِي (صَحِيحِ مُسْلِمٍ) عَنْ جَابِرٍ قَالَ: مَرَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ، فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ لَهُ بِدِرْهَمٍ؟ قَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ، وَمَاذَا نَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟ فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَوْ كَانَ حَيًّا لَكَانَ عَيْبًا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَسَكُّ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ"؛ وَالْأَسَكُّ: مَقْطُوعُ الْأُذُنِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: نَحْنُ فِي هَذِهِ الدَّارِ مُسَافِرُونَ مُنْذُ وُلِدْنَا، وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَحُطَّ رِحَالَنَا إِلَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ إِلَى جَنَّةٍ أَوْ إِلَى نَارٍ؛ فَكَيْفَ نَنْوِي الْإِقَامَةَ عَلَى أَرْضٍ يَوْمًا مَا سَتُبَدَّلُ وَيَذْهَبُ كُلُّ مَا فِيهَا مِنْ مُقَوِّمَاتِ عَيْشٍ وَإِقَامَةٍ؛ (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)[إِبْرَاهِيمَ: 48]، وَكَيْفَ تُبْنَى دَارٌ عَلَى مَوْجِ بَحْرٍ؟! وَكَيْفَ يُشَيَّدُ عَلَيْهَا بُنْيَانٌ وَنِهَايَتُهَا إِلَى الْخَرَابِ وَالزَّوَالِ؛ (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا)[طه: 105 - 107].

 

وَعُمْرُكَ -أَيُّهَا الْعَبْدُ- مَحَطَّاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ؛ بِدَايَتُهَا بَيْنَ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ، ثُمَّ عَلَى الْأَرْضِ، وَنِهَايَتُهَا قِيَامَتُكَ وَبَعْدَهَا إِلَى جَنَّةٍ أَوْ إِلَى نَارٍ.

 

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى عَبْدِهِ الْمُصْطَفَى، وَمَنْ بِهِ اهْتَدَى وَلَهُ اقْتَفَى، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا؛ أَمَّا بَعْدُ:

 

عَبْدَ اللَّهِ: الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى، وَهِيَ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى؛ فَاجْعَلْ لِدُنْيَاكَ مَا فَضَلَ عَنْ آخِرَتِكَ، وَلَا تَجْعَلْ لِآخِرَتِكَ مَا فَضَلَ مِنْ دُنْيَاكَ، وَإِنْ أَصَبْتَ مِنْ دُنْيَاكَ خَيْرًا لَا تَفْرَحْ، وَإِنْ فَاتَكَ مِنْهَا خَيْرٌ فَلَا تَحْزَنْ، وَالْجَدِيرُ بِالْحُزْنِ هُوَ التَّفْرِيطُ فِي جَنَّةٍ: "مَوْضِعُ سَوْطٍ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا"؛ هَذَا مَوْضِعُ سَوْطٍ فَكَيْفَ بِمَوْضِعِ صَاحِبِهِ فِيهَا وَالنَّعِيمِ الَّذِي يَعِيشُهُ؟!

 

إِذَنْ فَكَيْفَ نُؤْثِرُ الدُّنْيَا عَلَيْهَا؟! وَكَيْفَ لِعَاقِلٍ أَنْ يَنْشَغِلَ بِهَا عَنْ ذَلِكَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ؛ إِنَّهُ السَّفَهُ بِذَاتِهِ وَالْحُمْقُ بِعَيْنِهِ؛ قَالَ اللَّهُ: (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ)[الْبَقَرَةِ: 86].

 

عِبَادَ اللَّهِ: الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَالْآخِرَةُ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ؛ هَكَذَا قَالَ اللَّهُ وَهَكَذَا وَصَفَهَا لِنَبِيِّهِ وَنَهَاهُ أَلَّا يَمُدَّ عَيْنَيْهِ إِلَى مَا مَتَّعَ بِهِ آخَرِينَ وَالَّتِي غَايَةُ عَطَائِهِ لَهُمْ أَنَّهُ فِتْنَةٌ وَابْتِلَاءٌ؛ (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى)[طه: 131].

 

وَيَكْفِي فِي ذَمِّ الِانْشِغَالِ بِالدُّنْيَا عَنِ الْآخِرَةِ أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ مَلْعُونٌ بِنَصِّ الْحَدِيثِ: "الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ، وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونُ: إِنَّ الِاهْتِمَامَ بِالشَّيْءِ الْحَقِيرِ وَالِالْتِفَاتَ إِلَى الشَّيْءِ التَّافِهِ لَا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ، وَإِنَّ إِعْطَاءَ الدُّنْيَا أَكْبَرَ مِنْ حَجْمِهَا الطَّبِيعِيِّ حُبًّا وَتَفْكِيرًا وَاهْتِمَامًا وَانْشِغَالًا يُكْسِبُ صَاحِبَهُ حَقَارَتَهَا وَدَنَاءَتَهَا؛ فَفَرْقٌ بَيْنَ رُوحٍ تَعَلَّقَتْ بِالسَّمَاءِ فَصَارَتْ رُوحًا سَمَاوِيَّةً مَلَائِكِيَّةً تَغْدُو مَعَهَا وَتَرُوحَ؛ فَهِيَ تَتْبَعُ عَظَمَةَ وَعُلُوَّ وَقَدْرَ مَنْ نَفَخَ فِيهَا رُوحَهَا، وَإِنَّ رُوحًا تَعَلَّقَتْ بِالْأَرْضِ فَلَا تَعْدُو أَنْ تَكُونَ دُنْيَوِيَّةً عَادَتْ لِأَصْلِ خِلْقَتِهَا وَأَسَاسِ مُكَوِّنِهَا التُّرَابِ؛ وَبِهَذَا تَكُونُ قَدْ سَقَطَتْ فِي مَوْطِئِ الْأَقْدَامِ وَمَحَلِّ الْأَقْذَارِ، وَصَارَتْ سُفْلِيَّةً بَهِيمِيَّةً وَحَيَوَانِيَّةً.

 

عَبْدَ اللَّهِ: أَهَمُّ شَيْءٍ فِي دُنْيَاكَ أَلَّا تُضَيِّعَ حَقًّا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ بِسَبَبِهَا، وَالتَّعَامُلُ مَعَهَا يَكُونُ بِقَدْرِ مَا يُبَلِّغُكَ مِنْهَا إِلَى اللَّهِ، وَتَزَوَّدْ مِنْهَا مَا يُعِينُكَ عِنْدَ سَفَرِكَ مِنْهَا؛ إِذْ كَيْفَ تَجْمَعُ مَا هُوَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِالزَّوَالِ وَتَبْنِي مَا هُوَ مَوْعُودٌ بِالْفَنَاءِ.

 

احْذَرْ أَنْ تَكُونَ الدُّنْيَا قَدِ اسْتَوْطَنَتْ قَلْبَكَ فَلَمْ يَبْقَ لِلْآخِرَةِ فِيهِ مَوْطِنٌ؛ بَلِ اجْعَلْ دُنْيَاكَ فِي يَدِكَ لِيَكُونَ مِنَ السَّهْلِ التَّخَلُّصُ مِنْهَا، وَالْآخِرَةَ فِي قَلْبِكَ لِيَكُونَ مِنَ الصَّعْبِ التَّنَازُلُ عَنْهَا، وَتَذَكَّرْ دَائِمًا قَوْلَهُ: (فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى)[النَّازِعَاتِ: 37 - 39].

 

اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا غَايَةَ رَغْبَتِنَا، وَلَا تَجْعَلْ يَا رَبَّنَا إِلَى النَّارِ مَصِيرَنَا، وَاجْعَلِ الْجَنَّةَ هِيَ دَارَنَا وَمَقَرَّنَا.

اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

اللَّهُمَّ أَعْطِنِي مِنَ الدُّنْيَا مَا تَقِينِي بِهِ فِتْنَتَهَا، وَتُغْنِينِي بِهِ عَنْ أَهْلِهَا، وَيَكُونُ بَلَاغًا لِي إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ.

 

هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أَمَرَكُمْ رَبُّكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

 

وَأَقِمِ الصَّلَاةَ.

 

المرفقات

حياتنا فانية ومن عليها فان

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات