رد شائعات المعتدين على بلاد الحرمين

الشيخ محمد بن مبارك الشرافي

2022-10-05 - 1444/03/09
عناصر الخطبة
1/خطورة انتشار الشائعات 2/وجوب التثبت قبل نقل الأخبار 3/التحذير من مخططات الأعداء على بلاد الحرمين 4/واجبنا عند انتشار الشائعات.

اقتباس

إِنَّ الإِشَاعَةَ بِنْتُ الْجَرِيمَةِ وَأَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ، وَخَطَرُهَا لا يَقِلُّ خَطَرًا عَنْ خَطَرِ الْمُخَدِّرَاتِ وَالآفَاتِ, وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَسْعَى إِلَى خَلْطِ الْأَوْرَاقِ وَتَدْمِيرِ الْبِلَادِ بِالتَّفْجِيرَاتِ, وَاسْتِهْدَافِ التَّجَمُّعَاتِ وَتَفْخِيخِ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70- 71].

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مِنَ الظَّوَاهِرِ السَّيِّئَةِ التِي رَاجَتْ وَانْتَشَرَتْ فِي مُجْتَمَعِنَا وَأَصْبَحَتْ كَابُوسًا يُهَدِّدُ قِيمَنَا وَحَيَاتَنَا، وَمَرَضًا عُضَالاً يُقَطِّعُ أَوْصَالَنَا وَيُلَوِّثُ أَخْلَاقَنَا وَيَزِيدُ مِنْ نَشْرِ الْأَدْوَاءِ فِيمَا بَيْنَنَا نَشْرَ الشَّائِعَاتِ.

 

إِنَّ الشَّائِعَةَ: عِبَارَةٌ عَنْ نَقْلِ خَبَرٍ مَكْذُوبٍ أَوْ فِيهِ جُزْءٌ مِنَ الصِّحَةِ فَيُضَافُ إِلَيْهِ مَا لَيْسَ فِيهِ, وَقَدْ تَكُونُ الشَّائِعَةُ عِبَارَةً عَنْ تَهْوِيلٍ لِلْأَحْدَاثِ وَتَضْخِيمٍ لِلْوَقَائِعِ وَاخْتِلَاقٍ لِلْأَخْبَارِ، وَنَقْلِهَا بَيْنَ النَّاسِ وَنَشْرِهَا فِي الْمُجْتَمَعِ بِقَصْدِ نَشْرِ الْفَوْضَى، وَإِثَارَةِ الْأَحْقَادِ وَتَفْرِيقِ الصَّفِّ أَوِ الانْتِقَامِ مِنْ شَخْصٍ أَوْ فِئَةٍ أَوْ دَوْلَةٍ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ التَّرْوِيجَ لِلشَّائِعَاتِ وَإِذَاعَتَهَا وَاخْتَلاقَ الْمَعْلُومَاتِ الْكَاذِبَةِ صَارَ فَنًّا يُدَرَّسُ وَسِلَاحًا يَفْتِكُ, إِنَّهُمْ يَنْقُلُونَ الأَخْبَارَ الزَّائِفَةَ وَالأَنْبَاءَ الْمَغْلُوطَةَ وَاَلأَقَاوِيلَ الْمَكْذُوبَةَ, إِنَّهُمْ يَقُومُونَ بِبَثِهَا وَيُدَنْدِنُونَ حَوْلَهَا وَيُكْثِروْنَ البَلْبَلَةَ وَالتَّهْوِيلَ لَهَا.

 

وَإِنَّهُ مِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يَسْمَعُ الْأَخْبَارَ وَيَنْقِلُهَا مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ وَلا تَثَبُّتٍ, بَلْ رُبَّمَا يَعْرِفُ أَنَّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَيَنْشُرَهَا بِغَرَضِ تَكْثِيرِ الْمُتَابِعِينَ أَوْ السَّبْقِ الْإِعْلَامِيِّ –كَمَا يُسَمُّونَهُ- أَوْ حَتَّى بِغَرَضِ التَّشْوِيهِ لِلآخَرِينَ.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ نَشْرَ الشَّائِعَاتِ لَيْسَ وَلِيدَ الْيَوْمِ بَلْ كَانَ مِنَ الْقِدَمِ, حَتَّى إِنَّ أَطْهَرَ مُجْتَمَعٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ عَانَى مِنْهُ وَاشْتَكَىَ أَثَرَهُ, بَلْ إِنَّ أَشْرَفَ خَلْقِ اللهِ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَلَهُ أَذَى الشَّائِعَاتِ وَعَانَى مِنْ أَثَرِهَا فِي بَيْتِهِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى مُعَاتِبًا الْمُؤْمِنِينَ الذِين خَاضُوا فِي شَأْنِ حَادِثَةِ الْإِفْكِ (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ)[النور: 15]، ثُمَّ وَجَّهَهُمْ كَيْفَ يَكُونُ مَوْقِفَهُمْ مِنَ الشَّائِعَاتِ فَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ)[النور: 16].

 

إِنَّ هَذِهِ الآيَاتِ نَزَلَتْ فِي حَادِثَةِ الْإِفْك وَتْبِرِئَةِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-, وَنَفْيِ التُّهْمَةِ عَنْهَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ الطَّعْنِ فِي عِرْضِهَا الشَّرِيفِ هُوَ إِشَاعَةٌ أَشَاعَهَا الْمُنَافِقُونَ وَالْمُرْجِفُونَ، هَذهِ الإِشْاَعَةُ الْقَبِيحَةُ التِي طَعَنَتْ فِي بَيْتِ النُّبُوَّةِ، وَمَسَّتْ خَيْرَ امْرَأَةٍ بَرِيئَةٍ مُبَرَّأَةٍ عَفِيفَةٍ طَاهِرَةٍ زَوْجَةِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَالَ الْمُرْجِفُونَ مِنْ عِرْضِهَا وَوَلَغَ الْمُشِيعُونَ فِي عَفَافِهَا وَلَعِبَتْ بِهِمُ الإِشَاعَةُ شَرَّ لُعَبْةٍ فَأَوْقَعَتْهُمْ فِي أَخْطَارٍ عَدِيدَةٍ وَأَمْرَاضٍ كَثِيرَةٍ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ مُبْتَلَوْنَ بِهَذَا الْمَرَضِ الْخَبِيثِ وَمُحِبُّونَ جِدًّا لِلتَّرْوِيجِ لِلْإِشَاعَاتِ وَعِنْدَهُمْ مَيْلٌ وَاحْتِرَافٌ فِي جَلْبِهَا وَحُبٌّ لِتَنَاقُلِهَا وَتَرْدِيدِهَا وَبَثٍّ لِلْفِتْنَةِ وَالْفُرْقَةِ عَبْرَهَا, ثُمَّ فِي الْمُقَابِلِ وَجَدُوا قُلُوبًا مَرِيضَةً تَسْتَقْبِلُ إِشَاعَاتِهِمْ وَأَفْوَاهاً ظَامِئَةً تَتَلَقَّفُ أَخْبَارَهُمْ وَتُرَوِّجُ لِأَكَاذِيِبِهِمْ وَأُنَاسًا يُحُبُّونَ الْفُضُولَ وَيَقْرَعُونَ لَهَا الطُّبُولَ.

 

إِنَّ الْمُسْلِمَ الْعَاقِلَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَثَبَّتَ مِنَ الْمَعْلُومَاتِ إِذَا سَمِعَهَا وَيَتَأَكَدَّ مِنْ صِحَّتِهَا قَبْلَ نَشْرِهَا وَيَزِنَ الْكَلَامَ بِمِيزَانِ الشَّرْعِ الصَّحِيحِ وَالْعَقْلِ الصَّرِيحِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَهَا وَيُذِيعَهَا, لا أَنْ يُسَارِعَ فِي نَشْرِ الإِشَاعَاتِ وَتَلْفِيقِ الأَرَاجِيفِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

كَمْ مِنْ إِشَاعَاتٍ هَدَّمَتْ أُسَرًا! وَخَرَّبَتْ بُيُوتًا! وَفَرَّقَتَ صَدَاقَاتٍ! وَقَطَّعَتْ عِلَاقَاتٍ!, وَتَسَبَّبَتْ فِي عَدَاوَاتٍ!, وَضَيَّعَتْ أَوْقَاتًا وَدَمَّرَتْ أَمْوَالًا وَطَاقَاتٍ!.

 

كَمْ مِنَ إِشَاعَاتٍ أَثَارَتْ فِتَنًا وَبَلايَا وَأَشَعَلَتْ حُرُوبَا وَرَزَايَا, وَصَدَقَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِذْ يَقُولُ: (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ)[البقرة: 191], أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَقَعُ عَلَى نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَيُهْدِرُ نَفْسًا مَعْصُومَةً, أَمَّا الْفِتْنَةُ أَوِ الإِشَاعَةُ فَإِنَّهَا تَهْدِمُ مُجْتَمَعًا بِأَكْمَلِهِ وَتَقَضْيِ عَلَى كُلِّ الْفَضَائِلِ فِيهِ.

 

إِنَّ الإِشَاعَةَ بِنْتُ الْجَرِيمَةِ وَأَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ، وَخَطَرُهَا لا يَقِلُّ خَطَرًا عَنْ خَطَرِ الْمُخَدِّرَاتِ وَالآفَاتِ, وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَسْعَى إِلَى خَلْطِ الْأَوْرَاقِ وَتَدْمِيرِ الْبِلَادِ بِالتَّفْجِيرَاتِ, وَاسْتِهْدَافِ التَّجَمُّعَاتِ وَتَفْخِيخِ الْأَمَاكِنِ الْعَامَّةِ وَالْمَسَاجِدِ وَالطُّرُقَاتِ, فَإِنَّ هُنَاكَ أَيْضًا مَنْ يَنْحَرُ الْمُسْلِمِينَ بِنَشْرِ الإِشَاعَاتِ وَيُوهِنُ عَزَائِمَهُمْ بِتَلْفِيقِ الْمَعْلُومَاتِ, وَكُلُّ هَذَا مَرْفُوضٌ وَغَيْرُ مَقْبُولٍ.

 

وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ حِينَمَا أَشَاعَ النَّاسُ فِي أَحَدِ الْغَزَوَاتِ خَبَرَ مَقْتَلِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ لِهَذِهِ الإِشَاعَةِ أَعْظَمَ الضَّرَرِ وَأَكْبَر الأَثَرِ عَلَى سَيْرِ الْمَعْرَكَةِ فَقَامَ أَبُوبَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ قَوْلَ اللهِ (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)[آل عمران: 144], فَثَبَتَ النَّاسُ وَاطْمَأَنَّتْ قُلُوبُهُمْ وَهَدَأَتْ نُفُوسُهُمْ وَوَاصَلُوا مَعْرَكَتَهُمْ.

 

ثُمَّ عَلِمُوا فِيمَا بَعْدُ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ صُنْعِ الْمُنَافِقِينَ وَالْأَفَّاكِينَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) [آل عمران: 118].

 

إِنَّ الإِشَاعَاِت زَادَتْ فِينَا هَذِهِ الْأَيَّامَ وَكَثَرُتْ عَنْ حَدِّهَا وَبَلَغَتْ فِي مُجْتَمَعِنَا كُلَّ مَبْلَغٍ، خَاصَّةً مَعَ انْتِشَارِ وَسَائِلِ التَّقْنِيَةِ وَكَثْرَةِ بَرَامِجِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ؛ فَزَادَتْ الإِشَاعاَتُ وَتَعَدَّدَتِ التَّعْلِيقَاتُ وَكَثَرُتِ الْأَكَاذِيبُ وَالشَّائِعَاتُ وَتَرَدَّدَتْ عَلَى الْمَوَاقِعِ وَالصَّفَحَاتِ.

 

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)[الحجرات: 6].

 

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالِمِينَ , وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّنَا نَجِدُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ هَجْمَةً كَبِيرَةً مُنَظَّمَةً عَلَى بِلَادِنَا, تَتَعَاوُنَ فِيهَا وَسَائِلُ إِعْلَامٍ عَالَمِيَّةٍ بِطُرُقٍ مُتَنَوِّعَةٍ, وَبِشَكْلٍ غَرِيبٍ مُرِيبٍ, حَيْثُ إِنَّ الْمُتَابِعَ يَتَعَجَّبُ مِنْ ذَلِكَ, فَقَدْ وَقَعَتْ حَوادِثُ مُشَابِهَةٌ بَلْ أَضْخَمُ وَأَكْبَرُ, وَقَعَتْ فِي غَيْرِ بِلَادِنَا وَلَمْ تَكُنْ لَهَا هَذِهِ الرُّدُودُ الْكَبِيرَةُ وَالْكَثِيرَةُ وَالتَّنَادِي الْعَالَمِيُّ عَلَيْهَا, مِمَّا يَدْعُو الإِنَسَانَ الْعَاقِلَ لِمَعْرِفَةِ أَنَّهَا مُؤَامَرَةٌ عَلَى بِلَادِنَا لِتَفْكِيكِهَا وَلِزَرْعِ الْفُرْقَةِ بَيْنَ أَهْلِهَا, وَلِنَزْعِ الثِّقَةِ بَيْنَ الْمُوَاطِنِ وَدَوْلَتِهِ, إِنَّهَا مُؤَامَرِةٌ مَحْبُوكَةٌ وَمَكِيدَةٌ مُدَبَّرَةٌ وَخِطَّة ٌمَقْصَودَةٌ.

 

أَيُّهَا الْمُوَاطِنُونَ: إِنَّهُمْ قَدْ حَاوَلُوا تَفْكِيكَ بِلَادِنَا بِمَا يُسَمَّى بِالرَّبِيعِ الْعَرَبِيِّ وَنَادَتْ بِهِ أَصْوَاتٌ مَشْبُوهَةٌ وَأَقْلَامٌ مَأْجُورَةٌ وَوَساِئُل إِعْلَامٍ مَسْعَورَةٌ, وَلَكِنَّ اللهَ كَفَانَا شَرَّ هَذَا الرَّبِيعِ الْمَزْعُومِ وَجَنَّبَنَا مَا وَقَعَ فِيه مَنْ حَوْلَنَا مِنَ الْمُجْتَمَعَاتِ التِي عَضَّتِ الأَنَامِلَ وَنَدِمُوا عَلَى مَا فَعَلُوا بِأَنْفُسِهِمْ لَكِنْ بَعْدَ أَنْ فَاتَ الأَوَانُ.

 

إِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْنَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الظُّرُوفِ أَنْ نَقِفَ صَفًّا مَعَ وُلاةِ أَمْرِنَا وَمَعَ عُلَمَائِنَا, وَأَنْ نَحْذَرَ الإِعْلَامَ الْمُغْرِضَ, وَنَكُونَ وَاعِينَ وَمُدْرِكِينَ لِمَا يُرَادُ لِبَلَادِنَا, وَأَنْ لا نَكُونَ أَبْوَاقًا تُرَدِّدُ مَا يَقُولُهُ الْمُغْرِضُونَ, وَلا نَبْتَلِعَ السُّمُومَ التِي يُلْقِيهَا الْحَاقِدُونَ, وَأَنْ نَتَوَجَّهَ إِلَى رَبِّنَا بِالدُّعَاءِ أَنْ يَحْفَظَ دِينَنَا وَأَنْ يُتَمَّ أَمْنَنَا وَأَنْ يُصْلِحَ وُلاةَ أَمْرِنَا.

 

وَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى أَصْحَابِ التَّأْثِيرِ فِي الْمُجْتَمَعِ أَنْ يُوَجِّهُوا النَّاسِ إِلَى الطَّرِيقِ الصَّحِيحِ وَأْن َيُحَذِّرُوهُمْ مِنَ الانْجِرَافِ وَرَاءَ هَذِهِ الْحَمْلَةِ الْمَسْعُورَةِ, وَهَذَا يَشْمَلُ أَصْحَابَ الْفَضِيلَةِ خُطَبَاءَ وَأَئِمَّةَ الْمَسَاجِدِ وَأَصْحَابَ السَّعَادَةِ أَسَاتِذَةَ الْجَامِعَاتِ وَمُعَلِّمِي الْمَدَارِسِ النِّظَامِيَّةِ مِنَ الْمُتَوَسِّطَاتِ وَالثَّانَوِيَّة, وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ التَّأْثِيِر كُلٌّ بِحَسَبِهِ, وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنَا بِالاجْتِمَاعِ وَنَهَانَا عَنِ الْفُرْقَةِ, وَأَمَرَنَا بِالتَّعَاوُنِ عَلَى الْخَيْرِ وَعَلَى قَمْعِ الشَّرِّ, قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)[آل عمران: 103]، وَقَالَ: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[المائدة: 2].

 

اللَّهُمَّ احْفَظْ أَمْنَنَا وَاحْرُسْ بِلَادَنَا وَاكْفِنَا شَرَّ الْأَشْرَارِ وَكَيْدَ الْفُجَّارِ, وَاحْمِنَا مِنْ طَوَارِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يَا قَوِيُّ يَا جَبَّارُ.

 

اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

 

الَّلهُمَّ اجْعَلْنَا مِمنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ, الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ ،حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ.

 

الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، رَبَّنَا وآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ, سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

 

المرفقات

رد شائعات المعتدين على بلاد الحرمين

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات