مشاكل أسرية تكون الزوجة فيها سبباً (9) تدخل الزوجة في شؤون زوجها المالية

أحمد شريف النعسان

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/حب الإنسان للمال 2/ مفاسد تدخل الزوجة في الشؤون المالية لزوجها 3/بعض صور تدخل الزوجة في الشؤون المالية لزوجها 4/حكم أخذ المرأة من مال زوجها بدون علمه 5/حكم طلب الزوجة من زوجها مالا بغير حق 6/تحذير الزوج من التدخل في شؤون زوجته المالية

اقتباس

بعض النساء إذا شعرت وعلمت بأنَّ زوجها ينفق من ماله على والديه صلة ومحبة, وينفق على إخوته وأخواته تقرُّباً إلى الله -تعالى-, فإن قائمة هذه الزوجة تقوم ولا تقعد, وتعترض أشد الاعتراض, وتُحدث المشاكل بينها وبين زوجها لهذا...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد:

 

فيا عباد الله: لقد فطر الله -عز وجل- الإنسان على حبِّ المال, فقال -تعالى-: (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ)[العاديات: 8].

 

وقال جلَّت قدرته: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا)[الفجر: 20].

 

وقال سبحانه وتعالى: (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ)[المعارج: 19 - 22].

 

ويقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "لَوْ كَانَ لابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ لابْتَغَى إِلَيْهِمَا آخَرَ, وَلا يَمْلأُ بَطْنَ ابْنِ آدَمَ إِلا التُّرَابُ, وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ"(رواه الإمام أحمد عن زيد بن أرقم -رضي الله عنه-).

 

وقال بعضهم: "المال شقيق الروح".

 

وكأن هذا مشتقٌّ من قوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ"(رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-).

 

الإنسان يحبُّ المال ويعشقه بالفطرة, وهذا النوع من أنواع الاختبار والابتلاء له, ويجب عليه أن يطهِّر قلبه من حبِّ الدنيا بكلِّ صورها, والتي من جملتها حبُّ المال, وأن لا يكون هو الشاغل له.

 

أيها الإخوة الكرام: من خلال هذه المقدمة, أقول: إن من أسباب الشقاق والخلاف في الحياة الزوجية: تدخُّل المرأة في شؤون زوجها المالية, وكم من مشكلة وقعت في الأسرة لهذا السبب, وبعض المشاكل وصلت إلى طلاق المرأة, وتهديم الأسرة, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

يا عباد الله: بعض النساء إذا شعرت وعلمت بأنَّ زوجها ينفق من ماله على والديه صلة ومحبة, وينفق على إخوته وأخواته تقرُّباً إلى الله -تعالى-, فإن قائمة هذه الزوجة تقوم ولا تقعد, وتعترض أشد الاعتراض, وتُحدث المشاكل بينها وبين زوجها لهذا السبب, وتتذرَّع بالأمور التالية:

أ- نحن بحاجة إلى جمع المال من أجل تأمين السكن وتوسيعه.

 

ب- نحن بحاجة إلى جمع المال من أجل تغيير أثاث البيت.

 

ج- نحن بحاجة إلى جمع المال من أجل تأمين مستقبل أولادنا.

 

د- نحن بحاجة إلى جمع المال من أجل تزويج أبنائنا وبناتنا.

 

هـ- نحن بحاجة إلى جمع المال من أجل أن تشتري لي بيتاً وسيارة.

 

تحاول هذه المرأة جاهدة أن تصرف زوجها عن النفقة على والديه وإخوته وأخواته.

 

أقول لهذه المرأة: يا أختاه, تذكَّري أساس عقد الزواج, أن العقد كان على كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-, فهل هذا التدخُّل -بإذن من الله تعالى- ومن سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-؟ هل هذا التدخُّل يرضي الله -عز وجل- ويرضي رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-؟ أما تحفظين قول ابن عطاء الله السكندري -رحمه الله-: "من علامات النُّجح في النهايات, الرجوع إلى الله في البدايات؟ ومن لم يرجع إلى الله في بداياته, كان خاسراً في نهاياته.

 

يا أختاه: هل تذكرين حديث سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ"(رواه الترمذي عن أبي هريرة -رضي الله عنه-).

 

إن إعطاء الرجل لأبويه أو لإخوته هذا أمر خاصٌّ به, وهو مسؤول عنه يوم القيامة, بشرط أن لا يكون هذا العطاء على حساب الواجب الذي ألقاه الله -تعالى- على عاتقه نحو الزوجة وأولاده.

 

يا أختاه: أما تعلمين بأنَّه من الواجب على الولد أن يكون بارَّاً بوالديه, وأن يصل رحمه, ومن البرِّ والصلة العطاء, وخاصة إذا كانوا بحاجة؟

 

الإسلام ربَّى الأبناء على برِّ الوالدين والإحسان إليهما, كما ربَّى على صلة الأرحام, والمرأة السعيدة هي التي تكون عوناً لزوجها على برِّ الوالدين, وصلة أرحامه, والشقيَّة -لا قدَّر الله -تعالى- هي التي تحرِّض على عقوق الوالدين وقطيعة الرحم.

 

يا أختاه: تذكَّري أنك ستكونين أماً لأولاد, وسوف تزوِّجي أبناءك, فهل ترضين أن تُعامَلي من قبل أبنائك ونسائهم, كما أنت تطلبين من زوجك أن يتعامل مع والديه؟ وهل ترضين أن يتعامل أبناؤك مع بعضهم البعض, كما تطلبين من زوجك أن يتعامل مع إخوته؟

 

كوني على حذر أن يكون عندك مكيالان, مكيال لأبوي زوجك, ولإخوته, ومكيال لنفسك ولأبنائك, تذكَّري قول الله -تعالى-: (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُون * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُون * أَلاَ يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُون * لِيَوْمٍ عَظِيم * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)[المطففين: 1 - 6].

 

حرِّضي -يا أختاه- زوجك على برِّ والديه، والصلة لهما, وحرِّضيه على صلته للأرحام, وخاصة الإخوة والأخوات, وحرضيه على الإنفاق عليهما وعليهم من غير مضرَّة لك ولأبنائك.

 

وتذكَّري وذكِّريه بقوله تعالى: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)[سبأ: 39].

 

وبقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "مَا نَقَصَ مَالُ عَبدٍ مِن صَدَقَةٍ" [رواه الترمذي عن أبي كبشة وقال: "حسن صحيح"].

 

أيها الإخوة الكرام: بعض النساء تتعدَّى على حقوق الزوج في أموره المالية, فتأخذ منه بدون علمه, وهذا نوع من أنواع الخيانة الزوجية -إلا في حالات استثنائية ذكرها الفقهاء-.

 

هذه المرأة, هل نسيَتْ قول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله"(رواه أبو داود وابن ماجة)؟

 

والأسوأ من ذلك, عندما تأخذ المرأة من بيت زوجها لتدفع ذلك لأهلها بدون علم زوجها, وهذا نوع من أنواع السرقة, وأكل أموال الناس بالباطل, وكيف يرضى أهلها بذلك, وهم يذكرون قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)[النساء: 29]؟

 

أنسيَتْ هذه الزوجة وأهلها حديث النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "إِنَّهُ لا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلا كَانَتْ النَّارُ أَوْلَى بِهِ"(رواه الترمذي)؟

 

وهذا الأخذ من مال الزوج بدون علمه هو أمر غير مشروع, وهو يؤدي إلى خلاف أسري.

 

أيها الإخوة الكرام: من الأسباب التي تجعل الخلاف بين الزوجين: طلب الزوجة المال من زوجها بغير حقِّها, متذرِّعة بتأمين مستقبلها, وكأنها تضمن لنفسها الحياة بعد زوجها, مع العلم بأن حقَّ المرأة على زوجها طعامها وشرابها ولباسها وسكنها, وهذا الأمر يؤدي إلى نشوب الخلاف بين الزوجين, والمرأة ليس لها مستند شرعي في ذلك.

 

أيها الإخوة الكرام: يجب علينا أن نعلِّم نساءنا وبناتنا هذه الأحكام الشرعية, لنضمن لأنفسنا سعادة الدنيا والآخرة.

 

أيها الإخوة الكرام: كما أنه لا يحقُّ للزوجة أن تتدخَّل في شؤون زوجها المالية, كذلك لا يحقُّ للرجل أن يتدخَّل في شؤون زوجته المالية.

 

هناك من الأزواج من يتدخَّل في شؤون زوجته المالية من تركة أو مرتَّب أو ذهب, ويغضب إن تصرَّفت في مالها, وخاصة إذا أعطت لأهلها منه شيئاً.

 

يا أخي الكريم: إذا كنت تغضب من تصرُّف زوجتك في مالها الخاص بها, فلا تستغرب أن تغضب زوجتك في تصرُّفاتك الماليَّة الخاصَّة بك.

 

وهناك من الأزواج من يتلفَّظ بأيمان الطلاق والحرام ليقيد زوجته في أمورها المالية.

 

أيها الإخوة الكرام: كونوا قدوة صالحة لنسائكم, ولا تتدخَّلوا في أمورهنَّ الخاصَّة بهنَّ, وخاصة المالية, وتلطَّفوا إليهنَّ إذا تدخَّلن في شؤونكم, ولنحفظ جميعاً قول الله -تعالى-: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)[الملك: 2].

 

وختاماً -يا أختاه- اتقي الله في زوجك, فهو جنتك ونارك, ولا تتدخَّلي في أموره المالية, وكوني صاحبة خلق حسن, فالخلق الحسن ما وجد في شيءٍ إلا زانه, وما فقد من شيءٍ إلا شانه.

 

أقول هذا القول، وكلٌّ منا يستغفر الله العظيم, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

المرفقات

مشاكل أسرية تكون الزوجة فيها سبباً (9) تدخل الزوجة في شؤون زوجها المالية

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات