مشاكل أسرية تكون الزوجة فيها سبباً (4) كثرة الكلام على الهاتف

أحمد شريف النعسان

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/نعمة اللسان 2/ اللسان سبب المشاكل بين الزوجين 3/كثرة كلام المرأة على الهاتف ومفاسد ذلك 4/حكم حلف الزوج بالطلاق 5/بعض النصوص المحذرة للمرأة من الإكثار من الكلام على الهاتف

اقتباس

يتصل الرجل بأهله على الهاتف فيجد الهاتف مشغولاً، وينتظر دقائق بل ربع ساعة، وربما نصف ساعة، وقد يتجاوز ذلك إلى الساعة، والهاتف مشغول، يتوجه إلى البيت مسرعاً وهو في حالة من الغضب الشديد، ليجد الزوجة تتحدث مع أهلها أو مع أحمائها، أو مع صديقاتها كلاماً بدون فائدة، وبذلك...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد:

 

فيا عباد الله: إن من أعظم نعم الله -تعالى- علينا: نعمة اللسان، فهو صغير في جِرمه، عظيمٌ في طاعته وجُرمه، ليس له مؤونة إذا أراد العبد أن يحركه، ولا يتعب ولا يكلُّ ولا يملُّ في كثرة حركته.

 

هذا اللسان وسيلة وآلة في يد الشيطان إذا كان العبد غافلاً عن الله -عز وجل-، ويورده المهالك، ويسلك به في كل ميدان، حتى يوقفه على شفا جُرُفٍ هار، فانهار به في جهنم، ولا يَكبُّ الناسَ في النار على وجوههم ومناخرهم إلا حصائدُ ألسنتهم.

 

هذا اللسان الذي نُطلق له العنان، لنعلم أننا سوف نُسأل يوم القيامة عن كل كلمة وكل حرف ننطق بها بهذه الجارحة.

 

أيها الإخوة الكرام: ما زلنا في الحديث عن المشاكل في الحياة الزوجية والتي تكون المرأة فيها سبباً.

 

من أسباب الخلافات في الحياة الزوجية: كثرة كلام المرأة على الهاتف الثابت والنقَّال، على سبيل المثال: يتصل الرجل بأهله على الهاتف فيجد الهاتف مشغولاً، وينتظر دقائق بل ربع ساعة، وربما نصف ساعة، وقد يتجاوز ذلك إلى الساعة، والهاتف مشغول، يتوجه إلى البيت مسرعاً وهو في حالة من الغضب الشديد، ليجد الزوجة تتحدث مع أهلها أو مع أحمائها، أو مع صديقاتها كلاماً بدون فائدة، وبذلك تحصل المشادَّة بينه وبين زوجته لهذا السبب، وقد يصل به الأمر إلى حلف يمين بالطلاق.

 

أيها الإخوة الكرام: بهذه المناسبة أقول: عارٌ على الرجل أن يؤدِّب زوجته بأيمان الطلاق، عارٌ عليه أن يهدِّدها بالطلاق عند وجود أي خلاف، عارٌ على الزوج الذي يعلِّق طلاق زوجته على فعل أمر أو تركه، إن تأديب الزوجة لا يكون بكثرة أيمان الطلاق؛ لأن الطلاق دواء لداء استعصى حله.

 

يا عباد الله: من خلال ما أطَّلع عليه من كثرة الخلافات الزوجية، ومن أيمان الطلاق بسبب حديث المرأة على الهاتف أقول:

اسمعي -يا أختاه- إلى ما يقوله مولانا -عز وجل- في كتابه العظيم:

أولاً: يقول الله -تعالى-: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد)[ق: 17 - 18].

 

كلُّ كلمة وكلُّ حرف مسجل علينا في صحائف أعمالنا من قبل ملائكةٍ كرام، الكلام محصيٌ علينا، قال تعالى: (أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ)[المجادلة: 6].

 

وما دام الأمر كذلك فالعاقل هو الذي يقلِّل كلامه، وقالوا: "من عدَّ كلامه من أفعاله قَلَّ كلامه" فكثرة الكلام توقع العبد في الإثم والعدوان، والزلل والخطيئة.

 

تذكري -يا أختاه- بأن هذا اللسان الصغيرَ في جِرمه كبيرٌ في جُرمه؛ لأن أكثر الناس يُكبُّون في نار جهنم بسببه.

 

ثانياً: يقول الله -تعالى-: (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)[النساء: 114].

 

يا أختاه: فكِّري هل حديثك مع الآخرين على الهاتف أو غيره من خلال هذه الآية الكريمة؟ هل تأمرين بصدقة، أو تأمرين بمعروف وتنهين عن المنكر، أو تصلحين بين الناس؟

 

إن كان حديثك ضمن هذه الأمور الثلاثة فهو خير لك في الدنيا والآخرة.

 

أما إذا كان الحديث عن الطعام والشراب، وعلاقة المرأة مع زوجها، ومع أحمائها، ومع صديقاتها، فلا خير فيه، والمصيبة الأكبر إذا كان الحديث غيبة أو نميمة أو إفساداً بين زوجين أو بين متحابين.

 

تذكَّري -يا أختاه، يا من تكثرين الحديث عن طريق الهاتف خاصة- أنك مسؤولة عن هذا الكلام وأنه لا خير في الكلام إلا إذا كان في مرضاة الله، وتذكَّري أن هذا الكلام تُدفع قيمته لمؤسسة الهاتف، قليلاً كان أم كثيراً، وسوف تسألين عن هذا يوم القيامة؛ كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الترمذي عن أبي بَرْزَة الأسلمي --رضي الله عنه-- قال: قال رسولُ اللَّه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم-: "لا تَزُولُ قَدمَا عبْدٍ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيم فَعَلَ فِيهِ، وعَنْ مالِهِ منْ أَيْنَ اكْتَسبهُ، وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَن جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاهُ" يُسأل العبد عن المال إن كان قليلاً أو كثيراً.

 

واسمعي -يا أختاه- إلى أحاديث سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-:

 

أولاً: روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم- قَالَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ".

 

فيا أختاه: تنبَّهي إلى قول سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ".

 

العبد الذي آمن بالله القائل: (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم)[الغاشية: 25 - 26].

 

وآمن باليوم الآخر وما فيه من نعيم وجحيم، يقول خيراً أو يصمت؛ لأنه سيحاسب على كلِّ كلمة قالها، فإن كانت خيراً حصد خيراً، وإن كانت غير ذلك حصد شراً.

 

ثانياً: روى الطبراني عن الحارث بن هشام -رضي الله عنه- قال: "قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم-: أَخْبِرْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم-: امْلِكْ هَذَا" وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ".

 

فيا أختاه: إذا أردت الاعتصام بأمر من أجل سلامة الآخرة فاملكي لسانك، ولا تقولي به إلا خيراً، وعُدِّي كلامك من أفعالك التي ستُسألين عنها يوم القيامة.

 

ومن ملك لسانه عُصِمَ عن الزلل -بإذن الله تعالى-، ومن عُصِمَ عن الزلل أَمِنَ يوم القيامة -إن شاء الله تعالى-.

 

ثالثاً: روى الطبراني عنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود -رضي الله عنه-: أَنَّهُ ارْتَقَى الصَّفَا فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، فَقَالَ: "يَا لِسَانُ، قُلْ خَيْرًا تَغْنَمْ، وَاسْكُتْ عَنْ شَرٍّ تَسْلَمْ، مِنْ قَبْلِ أَنْ تَنْدَمَ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم- يَقُولُ: "أَكْثَرُ خَطَايَا ابنِ آدَمَ فِي لِسَانِهِ".

 

وهل تريدين -يا أختاه- أن يكثُرَ خطؤك يوم القيامة، ومن أعظم الأخطاء الوقوع في الكبائر، والتي من جملتها الغيبة والنميمة والسخرية وتتبُّع عورات الناس، فاتقي الله يا أختاه عند الحديث مع الآخرين على الهاتف وغير الهاتف.

 

رابعاً: روى الترمذي عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- قال له: "ألا أُخْبِرُكَ بِرَأسِ الأمْرِ، وعمودِهِ، وذِرْوةِ سَنامِهِ؟ قُلتُ: بَلى يا رسول اللهِ، قَالَ: رأْسُ الأمْرِ الإسْلامُ، وعَمُودُهُ الصَّلاةُ، وذروةُ سنامِهِ الجِهَادُ. ثُمَّ قال: ألا أُخْبِرُكَ بِمِلاكِ ذلكَ كله؟ قُلْتُ: بَلى يا رسُولَ اللَّهِ. فَأَخذَ بِلِسَانِهِ قالَ: كُفَّ علَيْكَ هذا، قُلْتُ: يا رسُولَ اللَّهِ وإنَّا لمُؤَاخَذون بمَا نَتَكلَّمُ بِهِ؟ فقَال: ثَكِلتْكَ أُمُّكَ، وهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وَجُوهِهِم إلاَّ حصَائِدُ ألْسِنَتِهِمْ؟".

 

يا أختاه: نحن مؤاخذون بما نقول، وأكثر أهل النار دخلوها بسبب هذا اللسان الذي لا يتوقف عن الكلام بمعروف وبغير معروف عند عامة الناس إلا من رحم الله -تعالى-، والله -تعالى- يقول: (أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ)[المجادلة: 6].

 

ويقول تعالى: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُون)[الحجر: 92 - 93] وعمل اللسان القول.

 

خامساً: روى الطبراني عن الأَسْوَدُ بن أَصْرَمَ الْمُحَارِبِيُّ -رضي الله عنه- قَالَ: "قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَوْصِنِي؟ قَالَ: تَمْلِكُ يَدَكَ، قُلْتُ: فَمَاذَا أَمْلِكُ إِذَا لَمْ أَمْلِكْ يَدِي؟ قَالَ: تَمْلِكُ لِسَانَكَ، قَالَ: فَمَاذَا أَمْلِكُ إِذَا لَمْ أَمْلِكْ لِسَانِي؟ قَالَ: لا تَبْسُطْ يَدَكَ إِلا إِلَى خَيْرٍ، وَلا تَقُلْ بِلِسَانِكَ إِلا مَعْرُوفًا".

 

يا أختاه: راقبي الله -تعالى- في جارحة اللسان، ولا تقولي إلا خيراً، والخير في الأمر بالصدقة والمعروف والإصلاح بين الناس، لا على عكس ذلك.

 

سادساً: روى الترمذي عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ".

 

يا أختاه: قلِّلي من الكلام، وقَرِّي في البيت، وحاسبي نفسك قبل أن تُحاسبي يوم القيامة.

 

سابعاً: وروى الترمذي عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم- عَنْ النَّبِيِّ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم- أنه قَالَ: "كُلُّ كَلامِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لا لَهُ، إِلا أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ نَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ، أَوْ ذِكْرُ اللَّهِ".

 

يا أختاه: تعلَّمي قول سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- الصادق المصدوق، الذي قال عنه تعالى: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى)[النجم: 3 - 4] فيبين لنا بقوله الشريف بأن كل كلامٍ يكون على العبد، أي مَغْرمَاً.

 

ثامناً: وروى الترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم-: "لا تُكْثِرُوا الكَلامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الكَلامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ، وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْ اللَّهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي".

 

يا أختاه: كوني حريصة على رقَّة القلب بكثرة ذكر الله -تعالى-، واحذري قسوة القلب بكثرة الكلام.

 

أيها الإخوة الكرام: إنَّ حديث المرأة على الهاتف كثير وكثير جداً، وعالجوا هذا الموضوع مع نسائكم وبناتكم ومحارمكم بالحكمة والموعظة الحسنة، وبتذكيرهنَّ بالآيات الكريمة التي قلناها، وبالأحاديث الشريفة التي ذكرناها، وقبل كلِّ هذا أن نكون نحن الرجال أولاً قدوةً لهنَّ بقلة الكلام من غير فائدة.

 

واحذروا -يا عباد الله- من معالجة هذا الأمر بأيمان الطلاق أو بالحرام؛ لأن هذا ليس من شان العقلاء.

 

ذكِّر نساءك ومحارمك بالمال الذي يُدفع على الكلام من خلال فواتير الهاتف، والذي سنُسأل عنه يوم القيامة.

 

وذكِّر نفسك ومن استرعاك الله عليه بقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "مَنْ صَمَتَ نَجَا" [رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه-].

 

أقول هذا القول، وكلٌّ منا يستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

المرفقات

مشاكل أسرية تكون الزوجة فيها سبباً (4) كثرة الكلام على الهاتف

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات