فضل صيام الست من شوال

عبد الله بن صالح الفوزان

2022-10-10 - 1444/03/14
التصنيفات:

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد.

 

فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر كله"(1)، [رواه مسلم].

 

الحديث دليل على فضل صيام ستة أيام من شوال. والمراد بالدهر هنا: السنة، أي: كأنما صام السنة كلّها، وقد ورد عند النسائي (جعل الله الحسنة بعشرة أمثالها. فشهر بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بعد الفطر تمام السنة)(2).

 

وهذا من فضل الله على عباده أن يحصل ثواب صوم الدهر على وجه لا مشقة فيه، وهذه هي الحكمة في كونها ستة أيام، والله أعلم.

 

فينبغي للإنسان أن يصوم هذه الأيام الستة؛ ليفوز بهذا الفضل العظيم. وعلامة قبول الطاعة وصلها بطاعة أخرى. وصيام هذه الأيام دليل على رغبة الإنسان في الصيام ومحبته له وأنه لم يملّه ولم يستثقله.

 

والصيام من أفضل الأعمال كما تقدم. ومن ثمار صوم النفل – كغيره من التطوعات – أنه يجبر ما عسى أن يكون في أداء الفرض من نقص أو تقصير. وفي ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الصلاة: "قال الرب تبارك وتعالى: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فيكمّل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله كذلك"(3).

 

كما أن صوم النفل يهيئ المسلم للرقي في درجات القرب من الله تعالى، والظفر بمحبته، كما في الحديث القدسي: "ما تقرّب إلى عبدي بأفضل مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبّه . . . الحديث"(4).

 

والأفضل أن تكون هذه الأيام الستة متتابعة. ويجوز تفريقها أثناء الشهر، قال في سبل السلام: (واعلم أن أجر صومها يحصل لمن صامها متفرقة أو متوالية، ومن صامها عقيب العيد أو في أثناء الشهر) (5)، ولكن صيامها بعد العيد فيه مزية على تفريقها من وجوه:

 

الأول: أن في ذلك مسارعة إلى فعل الخير.

 

الثاني: أن المبادرة بها دليل على الرغبة في الصيام وعدم السأم منه.

 

الثالث: لئلا يعرض له ما يمنعه من صيامها إذا أخرها.

 

الرابع: أن صيام الست بعد رمضان كالراتبة مع الفريضة، فتكون بعدها والله أعلم.

 

ومن عليه قضاء فإنه يبدأ به ثم يصوم هذه الأيام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان". ومن عليه أيام من رمضان فلا يصدق عليه أنه صام رمضان حتى يقضيها ثم يصوم الست. ولأن المسارعة إلى أداء الواجب وبراءة الذمة مطلوبة من المكلف. ومن أهل العلم من قال: بوجوب صوم القضاء قبل التطوع. فالأحوط للمسلم أن يصوم ما عليه ثم يتطوع بصيام الست وغيرها. فإن صام تطوعاً صح صومه مع بقاء الواجب في ذمته، والله أعلم(6).

 

والظاهر من قولي أهل العلم أنه إذا خرج شهر شوال ولم يصمها فإنها لا تقضى، لأنها سنة فات محلها، والشارع خصها بشوال فلا يحصل فضلها لمن صامها في غيره، لفوات مصلحة المبادرة والمسارعة المحبوبة لله تعالى. فلو كان شوال وغيره سواء لم يكن لذكره فائدة. وقيل: إن كان له عذر من مرض أو حيض أو نفاس أو نحو ذلك من الأعذار التي بسببها أخّر صيام الست عن شهر شوال فإنه يدرك أجرها إذا صامها بعده، والله أعلم(7).

 

اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين، ولا تشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين، اللهم إنا نسألك من كلّ خير خزائنه بيدك، ونعوذ بك من كل شرّ خزائنه بيدك وصلى الله وسلم على نبينا محمد . . .

 

--------

 

(1) رواه مسلم (1164).

(2) رواه النسائي في الكبرى (2/162) عن ثوبان رضي الله عنه.

(3) رواه الترمذي بتمامه (2/462) عن أبي هريرة رضي الله عنه وقال: حديث حسن.

(4) رواه البخاري (11/340 – 341).

(5) سبل السلام (2/331).

(6) انظر: القواعد لابن رجب ص13.

(7) انظر: فتاوى الشيخ عبد الرحمن السعدي ص230

 

المصدر: المسلم

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات