إقامة الصلاة

صلاح الدين بورنان

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: الصلاة
عناصر الخطبة
1/مكانة الصلاة في الإسلام 2/ثمرة الصلاة الخاشعة 3/الكون كله في صلاة لله 4/آثار تضييع الصلاة في المجتمع 5/حكم تارك الصلاة 6/العزة والمجد في المحافظ على الصلاة.

اقتباس

من حافظ على الصلوات في الأوقات, وواظب على الجمعة والجماعات, وأداءها بخشوع؛ استنار قلبه, وتهذبت نفسه, وحسنت مع الله والناس معاملته, وحيل بينه وبين المحرمات, وكان على البؤساء عطوفا, وبالضعفاء رحيما، أفلح في دينه ودنياه, وكان من المحبوبين لدى الله والناس أجمعين...

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]

 

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

عباد الله: قال الله -تعالى- (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)[المؤمنون: 1، 2].

 

إن الصلاة عماد الدين, وأعظم أركان الإسلام, من حافظ عليها فهو السعيد الرابح, ومن أضاعها فذلك الخاسر الشقي، وإنّ الخشوع فيها مع الإخلاص لله -تعالى- آية الإيمان وسبيل الفلاح, وأمان من وساوس الشيطان الرجيم؛ فإن العبد إذا اعتاد الوقوف بين يدي مولاه في اليوم والليلة خمس مرات خاشعا متواضعا فارغ القلب من الشواغل، متدبرا ما يتلوه من آيات الله؛ انغرست في نفسه خشية مولاه في جميع أعماله, وحضرته هيبة خالقه في عموم أحواله, فإذا سولت له نفسه أمرا, أو زيّن له الشيطان سوءً, تبرأ منه قائلا: (قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ)[الحشر: 16].

 

فكن في صلاتك خاشعا وفي مناجاة ربّك صادقا, فلا تقل: "الله أكبر" وأنت تظن أنّ هناك من يساويه أو يدانيه في عظمته, فلا تقل: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) وأنت من الحلال لا تشبع, ومن الحرام لا تقنع, لا تقل: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وأنت شديد البطن قاسي القلب على الضعفاء والمساكين, لا تقل: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) وأنت لا تذكر الوقوف بين يدي رب أحكم الحاكمين, لا تقل: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) وأنت تعبد هواك ودنياك, لا تقل: (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وأنت تلتجئ في الشدائد إلى المخلوق وتترك باب مولاك, لا تقل: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) وأنت منحرف عن طريق المهتدين, لا تقل: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) وأنت سيء الأخلاق حقود حسود, نمام مغتاب غشاش كذاب, واقع فيما يغضب الله والملائكة والناس أجمعين, لا تقل: (وَلَا الضَّالِّينَ) وأنت فاسد الاعتقاد شرير في الأعمال, تدبر الأذى وتكيد لإخوانك المسلمين.

 

فيا أيها المسلم: إنّ من حافظ على الصلوات في الأوقات, وواظب على الجمعة والجماعات, وأداءها بخشوع؛ استنار قلبه, وتهذبت نفسه, وحسنت مع الله والناس معاملته, وحيل بينه وبين المحرمات, وكان على البؤساء عطوفا, وبالضعفاء رحيما، أفلح في دينه ودنياه, وكان من المحبوبين لدى الله والناس أجمعين.

 

النفس أمّارة بالسوء, والشيطان بالفحشاء والمنكر؛ ليضل المرء عن سواء السبيل, ويقذف به في مهاوي الشقاء والخسران، والسيف القاطع والدواء النافع الذي جعله الله -تعالى- لوقاية الإنسان من شرّ النفس والشيطان إنّما هو الصلاة: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45], وقال الله -تعالى-: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ)[الماعون: 4، 5], أولئك الذين خلت صلاتهم عن التذلل والخضوع؛ فتراهم يسارعون في أدائها وهم عنها غافلون, لا يعرفون لها معنى, ولا يعقلون لها سرا, لم تشعر قلوبهم بحلاوة الطاعة ولذة المناجاة, نعم؛ لهم الويل امتلأت قلوبهم بشواغل الدنيا, (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ)[المجادلة: 19], (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)[الزخرف: 36].

 

ومن الناس من عميت بصائرهم وتحجرت ضمائرهم, فأضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات؛ فأهملوا أوامر الله, وأغفلوا عن واجب شكره, ولم يخافوا سطوة جبروته ولا سوء الحساب, (نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[الحشر: 19].

 

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله ربّكم وحافظوا على صلواتكم, وقوموا لله خاضعين خاشعين؛ لتفوزوا برضوان ربكم وتكونوا من المفلحين, الذين شملهم الله بإحسانه, وغمرهم في بحار رحمته, يروى في الأثر: "ما أقلّ حياءً من يطمع في جنتي, كيف أجود برحمتي على من بخل بطاعتي".

 

ما ميزان الصلاة في حياتنا؟ إنّها وصية رسول الله -عليه الصلاة والسلام- لأمته في آخر حياته, الحيوانات والدواب تصلي صلاة لا ركوع فيها ولا سجود, الله يعلمها, (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ)[النور: 41].

 

أيها الناس: انظروا عندما تخلّى الكثير من الخلق نساء ورجالا عن الصلاة وتركوها بالكلية, ولم يعودوا مقتنعين بها؛ دخلت علينا المعاصي من كلّ جانب؛ كالتلاعب بالوظيفة أو المسؤولية, يحضر متى شاء؟ ويغيب متى شاء؟ مضيع لمصالح الناس, ومغلق هاتفه النقال حتى لا يتمكن أي أحد من الاتصال به, الغيبة والنميمة, الرشوة وأكل الربا, والزنا وعقوق الوالدين, والمخدرات والخيانة وجرائم القتل وأكل الدّين, وإيذاء الجار والسرقة والسلب والنهب, والاستيلاء على الأراضي والأوعية العقارية, وغلق الطرق والشوارع بحجة توسيع البيوت, والتلاعب بالزواج والانهيار الأسري, والتفكك العائلي وضياع الأولاد والبنات, وأكل مال الورثة كالبنات وغيرهم, وأكل أموال الأيتام, كل هذه الذنوب وهذه الكوارث التي حلّت بنا سببها الرئيسي ترك الصلاة وعدم إقامتها.

 

أنا أعرف شخصيا رجالا في سن الخمسين إلى هذه اللحظة غير مقتنعين بالصلاة, يرى أهل العلم أنّ تارك الصلاة إذا مات لا يُصلى عليه ولا يغسل ولا يكفن, ولا يدفن في مقابر المسلمين, بل تحفر له حفر في الصحراء ويدفن فيها, ولا يأكل معه ولا يشرب معه ولا يجلس معه, ولا يزوج ولا يتعامل معه حتى يتوب إلى الله ويقتنع بالصلاة ويُصلي؛ لأنه صار في عداد أهل الكفر -والعياذ بالله- كاليهود والنصارى وغيرهم, قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة؛ فمن تركها فقد كفر"(رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم), وروى مسلم في صحيحه من حديث جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة".

 

هذه أحكام تارك الصلاة في الدنيا أما في الآخرة, فيقول الله -عز وجل-: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا)[مريم: 59، 60], قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته؛ فإن صلحت فقد أفلح وأنجح, وإن فسدت فقد خاب وخسر, فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب -عز وجل-: انظروا هل لعبدي من تطوع فيُكَمَّلَ بها ما انتقص من الفريضة؟ ثم يكون سائر عمله على ذلك"(رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وصححه الألباني).

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ)[المدثر: 48] [المدثر: 38 - 47]

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله

 

عباد الله: وتارك الصلاة لا ينتفع مهما عمل من الأعمال الصالحة كالعمرة والحج, وصيام رمضان والزكاة والصدقة وبناء المساجد؛ لأنَّ ٌقبول الأعمال مرتبط مباشرة بأداء الصلاة وإقامتها, والصلاة هي الرابطة الوحيدة بين العبد وربه, والصلاة هي العبادة الوحيدة التي لا تسقط إلاَّ إذا مات صاحبها, أو ارتفع عنه التكليف كالجنون أو النوم, يؤديها العبد مهما كان حاله قائما أو قاعدا أو على جنب أو بالإيماء أو بعينيه.

 

فترك الصلاة من كبائر الذنوب, ولهذا ينبغي أن نربّي أنفسنا وأولادنا على أداء فريضة الصلاة, وأن نجعلها من صلب اهتماماتنا, ففي مقولة لعمر بن الخطاب يقول: "لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة" فلن تفلح الأمة ولم ولن ترى النصر والفوز والفلاح ما دامت متهاونة في أداء هذه الشعيرة العظيمة شعيرة الصلاة, وصدق من قال:

 

ثم أداء واجب العبادة *** فإنّها علامة السعادة

مثل الصلاة فهي ركن الدين *** فلا يمل عن هديها المبين

فكل من قد حسنت عبادته *** من دون شك كملت سعادته

وكل من فرّط في الإطاعة *** لربّه لا ترتجي انتفاعه

 

وما فاز الأولون يوم فازوا, وما انتصر المسلمون الأوائل على أعدائهم يوم انتصروا, إلاّ عندما كانوا مؤدّين ومحافظين على شعيرة الصلاة سلما أو حربا؛ ففي أعقاب معركة اليرموك الشهيرة وقف ملك الروم يسائل فلول جيشه المهزوم, وقف يسائلهم والمرارة تعتصر قلبه, والغيظ يملأ صدره, والحنق يكاد يذهب عقله: ويلكم! أخبروني عن هؤلاء الذين يقاتلونكم, أليسوا بشرا مثلكم؟! قالوا: بلى أيها الملك! قال: فأنتم أكثر أم هم؟ قالوا: بل نحن أكثر منهم في كل موطن, قال: فما بالكم إذن تنهزمون؟ فأجابه شيخ من عظمائهم: إنّهم يهزموننا لأنهم يقومون الليل, ويصومون النهار, ويوفون بالعهد, ويتناصحون فيما بينهم.

 

فهذه السجايا العظيمة, وهذه الخصال الكريمة, كانت هي أسباب العزة والمجد التليد, كانت هذه الأسباب التي صنعت ملحمة الجهاد الكبرى, ورسمت أقواس النصر الباهرة, وأقامت حضارة الإسلام العالمية, ومكنت القوم من رقاب أعداءهم, حتى دانت الأرض وأهلها, وأتتهم الدنيا وهي راغمة, هذه الخصال الرفيعة هي التي انتقلت بأسلافنا تلك النقلة الضخمة من عتبات اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى, إلى منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين, حيث الأرواح المتطلعة إلى السماء, والنفوس السابحة في العلياء.

 

ففي مذبحة من مذابح فلسطين التقي مسلم بيهودي, فقال المسلم لليهودي: يا أحفاد القردة والخنازير سننتصر عليكم -بإذن الله-, وسيكون معنا الحجر والشجر, فقال اليهودي: إنّ الذي تقوله حق نقرؤه في كتبنا, ويعلمه جاهلنا وعالمنا, ولكن لستم أنتم. قال المسلم: فمن هم؟ قال اليهودي: هم الذين يكون عددهم في صلاة الصبح كعددهم يوم الجمعة, عند ذلك ستنتصرون علينا.

 

وصدق من قال:

لا بد من صنع الرجال *** وقد دراه أولوا الصلاح

لا يصنع الأبطال *** إلاّ في مساجدنا الفساح

في روضة القرآن *** في ظل الأحاديث الصحاح

شعب بغير عقيدة *** ورق يذريه الرياح

من خان حي على الصلاة *** يخون حي على الكفاح

 

ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه, إمام المتقين, وقائد الغرِّ المحجلين وعلى ألهِ وصحابته أجمعين, وأرض اللهمَّ عن الخلفاءِ الراشدين؛ أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي.

المرفقات

إقامة الصلاة

إقامة الصلاة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات