في خلق السماوات والأرض

محمد بن صالح بن عثيمين

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: الخلق والآفاق
عناصر الخطبة
1/معرفة ماهية السماوات والأرض عن طريق الوحي 2/بديع خلق الله للسماوات والأرض وإتقانه لهما 3/السماوات أجرام محسوسة 4/حكم من زعم أن السماوات هي المجرات أو الغلاف الجوي للأرض 5/عجائب وأسرار مخلوقات الله في السماوات والأرض

اقتباس

اعلموا: أن الله -سبحانه- لم يشهد أحدا خلق السماوات والأرض، فلا علم عند أحد في ذلك إلا ما جاء عن طريق الوحي: (مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا)[الكهف: 51]. فكل من تكلم عن خلق السماوات والأرض من أي مادة هو؟ وكيف وقع؟ ومتى وقع؟ كل من تكلم بذلك من غير طريق الوحي، فإنما...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي رفع السماوات بغير عماد، ووضع الأرض وهيأها للعباد، وجعلها مقرهم أحياء وأمواتا، فمنها خلقهم، وفيها يعيدهم، ومنها يخرجهم تارة أخرى يوم المعاد.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند ولا مضاد، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أفضل العباد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليما.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله وأطيعوه، وصدقوا بما أخبركم به واعتقدوه، وارفضوا ما خالف كتابه وسنة نبيه من أقوال الناس، وردوه؛ لأن ما خالف الكتاب والسنة فهو باطل، زور وبهتان، وما وافق الكتاب والسنة فهو حق ثابت لقيام الحجة والبرهان.

واعلموا: أن الله -سبحانه- لم يشهد أحدا خلق السماوات والأرض، فلا علم عند أحد في ذلك إلا ما جاء عن طريق الوحي: (مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا)[الكهف: 51].

فكل من تكلم عن خلق السماوات والأرض من أي مادة هو؟ وكيف وقع؟ ومتى وقع؟

كل من تكلم بذلك من غير طريق الوحي، فإنما يتكلم عن أمر نظري، وقياس ظني، قد يصيب وقد يخطئ، وقد يرفض وقد يغير، إذ ليس أحد من البشر شاهد كيف خلق السماوات والأرض، هذه هي الحقيقة الثابتة.

وعلى هذا، فالاعتماد في ذلك على ما جاء في كتاب الله، أوضح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

أيها المسلمون: لقد خلق الله السماوات والأرض في ستة أيام، فجعل السماوات سبعا، والأرضين سبعا، جعل الله السماوات سبعا طباقا، بعضها فوق بعض: (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا)[نوح: 15].

وبناها بناء محكما قويا شديدا: (أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ)[ق: 6].

(وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ)[الذاريات: 47].

يعني بقوة.

(وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)[الذاريات: 47].

(وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا)[النبأ: 12].

أي قوية محكمة.

جعل الله بين كل واحدة والأخرى مسافة، فكان جبريل يعرج بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من سماء إلى سماء، حتى بلغ السابعة.

 

رفعها الله رفعا عظيما: (وَالسَّمَاء رَفَعَهَا)[الرحمن: 7].

(أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا)[النازعات: 27 – 28].

رفعها سبحانه بغير عمد، وأمسكهـا بقوته: (اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا)[الرعد: 2].

(وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)[الحج: 65].

جعلها الله سقفا للأرض محفوظا من الشياطين: (وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا)[الأنبياء: 32].

(وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ)[الحجر: 16 – 18].

جعل لها أبوابـا لا تفتح إلا بإذنـه: (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء)[الأعراف: 40].

وفي يوم القيامة يطوي الله هذه السماوات بيمينه: (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ)[الأنبياء: 104].

(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)[الزمر: 67].

 

أيها المسلمون: إن هذه الآيات الكريمة العظيمة لتدل دلالة قاطعة لا تقبل الشك ولا الجدال، في أن السماوات السبع أجرام محسوسة، رفيعة قوية، محكمة محفوظة، لا يستطيع أحد دخولها، ولا اختراقها إلا بإذن الله -عز وحل- ألم تعلموا أن محمدا -صلى الله عليه وسلم- أشرف البشر، وجبريل أشرف الملائكة، ما دخلا السماوات حين عروجها إلا بإذن، والاستفتاح، فكيف بغيرهما من المخلوقين؟.

أيها الناس: أفبعد هذا يمكن لمؤمن: أن يقول: إن السماوات هي المجرات، أو هي الغلاف الجوي للأرض؟ أو يقول: إن ما نشاهده فضاء لا نهاية له؟

إن من يقول ذلك، فهو إما جاهل بوحي الله، وإما مكذب به، مستكبر عنه، مشاق لله ورسوله: (وَمَن يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الأنفال: 13].

(وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا)[النساء: 115].

إن إنكار السماوات أو التكذيب بها، أو بأنها ذات بناء وإحكام؛ تكذيب لله، وكفر به، سواء قالها قائل، أو صدق من يقولها.

أما الأرض، فإنها سبع أرضين في ظاهر كلام الله -تعالى-، وصريح سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول الله -تعالى-: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ)[الطلاق: 12].

وهذه المثلية تقتضي المساواة في كل ما تمكن فيه الأرض مثل السماوات في العدد.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم رب السماوات السبع وما أظللن، والأرضين السبع وما أقللن"[رواه النسائي].

والأرض مثل السماوات في التطابق، فإذا كانت السماوات سبعا طباقا، فكذلك الأرض مثلهن، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أخذ شبرا من الأرض ظلما فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين"(البخاري (3026) مسلم (1610) الترمذي (1418) أحمد (1/190) الدارمي (2606)).

وقال أيضا: "من اقتطع شبرا من الأرض بغير حقه طوقه إلى سبع أرضين"(تفرد به أحمد، وهو على شرط مسلم، البخاري (3026) مسلم (1610) الترمذي (1418) أحمد (1/190) الدارمي (2606)).

 

والغاية تدل على أن كل أرض تحت الأرض: (وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً)[الإسراء:85].

لقد خلق الله هذه السماوات، وهذه الأرضين، وقدر فيهن ما قدر، من عجائب مخلوقاته، وأسرار مبدعاته، وفصل لنا ما فصل منها في سورة فصلت، حيث قال: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)[فصلت: 9 – 12].

وحجب عن عباده كثيرا من ذلك، فلا يحل لأحد أن يثبت شيئا من أسرار الكون، إلا بدليل منقول، أو محسوس.

أما مجرد النظريات التي قد تتغير وتتبدل، فلا يمكن الاعتماد عليها.

وأشد من ذلك وأدهى أن يحرف من أجلها كتاب الله وسنة رسوله، فينزل على الآراء والنظريات القابلة للنقض والإفساد، ومن قال في القرآن برأيه، فليتبوأ مقعده من النار.

وفقني الله وإياكم لفهم كتابه، والعمل به، وجنبنا الزيغ والزلل في القول والعمل.

أقول قولي هذا ... الخ ...

المرفقات

في خلق السماوات والأرض

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات