معاني سورة الفاتحة

محمد بن عبدالرحمن العريفي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/مكانة سورة الفاتحة وفضلها 2/تفسير سورة الفاتحة

اقتباس

لو سُئِلَ المرءُ أيَّ سورةٍ في كتابِ اللهِ -تعالى- أعظم؟ لوجدَ أنَّها فاتحة الكتاب؛ فهيَ السبعُ المَثاني وهي الَّتي أمرَ اللهُ -تعالى- بقِراءَتِها في صلاتِنا؛ فيحفظُها الصغيرُ والكبير، ولا يُقيمُ المرءُ صلاةً إلّا قرأَها، ويُكرِّرُ فيها دُعاءَهُ للهِ -جل وعلا-، ويُعلِنُ فيها تَوحيدَهُ وتَعظيمَه لربِّ العالمين....

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفِرُهُ ونعوذُ باللهِ -تعالى- من شرورِ أنفُسِنا وسيئاتِ أعمالِنا، من يَهدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِلْ فلا هادِيَ له وأشهدُ أن لا إلهَ إلّا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، جَلَّ عن الشبيهِ والمثيلِ والنِّدِّ والنظير، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ وصَفيهُ وخليلُه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين وأصحابه الغُرِّ الميامين ما اتَّصلت عينٌ بنظر ووعت أذنٌ بخبر، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد:

 

أيُّها الإخوةُ الكرام: لو سُئِلَ المرءُ أيَّ سورةٍ في كتابِ اللهِ -تعالى- أعظم؟ لوجدَ أنَّها فاتحة الكتاب؛ فهيَ السبعُ المَثاني وهي الَّتي أمرَ اللهُ -تعالى- بقِراءَتِها في صلاتِنا؛ فيحفظُها الصغيرُ والكبير، ولا يُقيمُ المرءُ صلاةً إلّا قرأَها، ويُكرِّرُ فيها دُعاءَهُ للهِ -جل وعلا-، ويُعلِنُ فيها تَوحيدَهُ وتَعظيمَه لربِّ العالمين.

 

هذهِ السورةُ ورد في فضلها الأحاديث العظيمة والآثار الجليلة؛ فعن أبيِّ بن كعب -رضي الله تعالى عنه- أنهُ كانَ مع النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في المسجدِ ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: "أَتُحِبُّ أَنْ أُعَلِّمَكَ سُورَةً لَمْ يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ، وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ، وَلَا فِي الزَّبُورِ، وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مَثَلُهَا؟" قَالَ: نَعَمْ، أَيْ رَسُولُ اللهِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنِّي لَأَرْجُو أَلَّا تَخْرُجَ مِنْ هَذَا الْبَابِ حَتَّى تَعْلَمَهَا" أَخَذَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِي يُحَدِّثُنِي وَأَنَا أَتَبَاطَأُ؛ مَخَافَةَ أَنْ تَبْلُغَ الْبَابَ قَبْلَ أَنْ يَنْقَضِيَ الْحَدِيثُ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنَ الْبَابِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا السُّورَةُ الَّتِي وَعَدْتَنِي؟ قَالَ: "كَيْفَ تَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ؟" فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ أُمَّ الْقُرْآنِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا أُنْزِلَ فِي التَّوْرَاةِ، وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ، وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مَثَلُهَا، إِنَّهَا السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُعْطِيْتُ"(رواه النسائي).

 

أيُّها الأحبَّةُ الكرام: روى الإمام مسلم في صحيحه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: "هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ"، فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ، فَقَالَ: "هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ"، فَسَلَّمَ، وَقَالَ: "أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَه"؛ يعني: لن تقرأَ فيما فيه دُعاءٌ من هذه الآياتِ إلّا آتاكَ اللهُ -تعالى- ذلكَ.

 

وأكَّدَ النبي -صلى الله عليه وسلم- على فضل هذهِ السورةِ فقال -عليه الصلاة والسلام-: "مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَهِيَ خِدَاجٌ فَهِيَ خِدَاجٌ فَهِيَ خِدَاجٌ"(رواه مسلم)، وقال عليه الصلاة والسلام: "لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ"(متفق عليه).

 

وفي صحيح مسلم: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "قَالَ اللهُ -تعالى-: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قَالَ اللهُ -تعالى-: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قَالَ اللهُ -تعالى-: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي -وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي- فَإِذَا قَالَ: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ".

 

أيُّها المسلمون: إنَّ فاتحةَ الكتاب لها فضلٌ عظيم ولذلك جُعِلَتْ من الرُّقيةِ الشرعيةِ التي يُرقى بها المريض؛ ففي صحيح البخاري عن أبي سعيد -رضي الله تعالى عنه- أنهم كانوا في سَفرٍ ومروا بقبيلةٍ من قبائِلِ العرب، قال: فاستَقرَيناهم فلم يُقرونا؛ يعني: أنَّ الصحابةَ طلبوا من أولئكَ القومِ القِرى، وهو ما يوضَعُ للضيفِ فلم يُعطوهم قِرىً، فانفلَتَ الصحابةُ إلى ناحيةٍ وجلسوا، فلُدِغَ سيدُ القومِ فأقبلت جاريةٌ منهم قالت: إنَّ سيدَ القومِ لُدِغ؛ فهل فيكم من راقٍ؟ هل فيكم من يَرقي يُعالجُ من اللدغةِ؟ قال أبو سعيد: فقلت أنا، ثم قام أبو سعيد إليهِ قال: وجعلتُ أقرأُ سورةَ الفاتحةِ (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين) وأجمعُ بُزاقي وأنفُثُ عليهِ؛ يَعني: يَجمعُ ريقَهُ من فمِهِ وينفثُهُ عليهِ (الرَّحْمنِ الرَّحِيم) وأجمعُ بُزاقي وأنفثهُ عليهِ قال: فقرأتُها عليهِ فقامَ -واللهِ- ليسَ بهِ بأسٌ، قال: فلما رَجَعنا إلى رسولِ اللهِ -عليه الصلاة والسلام- أخبرتُهُ بذلكَ فقال -عليه الصلاة والسلام-: "وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ" قالها -عليه الصلاة والسلام-؛ إعجاباً بفعلهِ وإقراراً بصوابهِ.

 

أيُّها الإخوةُ المؤمنون: نعم. إنَّها فاتحةُ الكتابِ، وهيَ أمُّ القرآن، وهي أساسُ الصلاةِ، لها عشرةُ أسماء من تعظيمِ اللهِ -تعالى- لها، فتعالوا نقفُ على بعضِ معانيها.

 

يقول الله -جل وعلا-: (بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم): الباءُ للمُصاحَبةِ؛ يعني: أصحبُ اسمَ اللهِ -تعالى- في كلِّ شأنٍ لي؛ رجاءَ أن يَحميَني تعالى، وأن يَكفيَني الشرَّ؛ كما قال نوحٌ لقومهِ: (ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا)[هود:41].

 

وبيّنَ اللهُ -جل وعلا- فضيلةَ هذهِ البسملةِ في آياتٍ كثيرةٍ؛ فقال: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق)[العلق:1].

 

والقرآنُ على عظَمتِهِ فأنت تقرأهُ مُستعيناً باللهِ -تعالى- مُستجيراً به من الشيطانِ؛ خشية أن يُوَسوِسَ لك، ويصرفك عما أنت فيه، فأمرَكَ اللهُ أن يكونَ اسمُهُ -جل وعلا- مُصاحباً لكَ في كلِّ حالِك، فإذا أردتَ أن تأكُلَ الطعامَ قُلتَ: بسمِ الله، (متفق عليه عن عمر بن أبي سلمة)، وإذا خرجتَ من بيتِكَ قلتَ: "بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ"(رواه أحمد)، وإن وَضَعتَ رأسَكَ لِتنامَ قلتَ بِاسمِكَ ربي وضعتُ جَنبي وبِكَ أرفَعُهُ، متفق عليه، ففي كلِّ شأنِكَ احرِصْ على أن تقولَ بِسمِ الله قبلَ أن تَشرَعَ في أيِّ شيء.

 

ثم قالَ اللهُ -تعالى-: (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين) الحمدُ يعني: الشكرُ المتواصِلُ، الحمدُ للهِ على العافيةِ التي آتاني، الحمد لله على المالِ الذي تفَضَّلَ به عَلَيّ، الحمدُ للهِ على الزوجةِ، الحمد لله على الوَلد، الحمد لله أن سَتَرَني وأنا أعصيهِ ولم يَفضَحْني، الحمد للهِ أن جعلَ لي إخواناً وأخوات، الحمد لله الذي أطعَمَني، الحمد لله الذي سَقاني، الحمد لله الذي عافاني، يقول عليه الصلاة والسلام: "وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ"(رواه مسلم).

 

أيُّها المؤمنون: إنَّ ربَّنا -سبحانه- يُحِبُّ أن يُحمَدَ ويحبُّ أن يُثنى عليه؛ ففي كلِّ شأنِك احمدِ اللهَ -تعالى- على ما آتاكَ حتى وإن كانَ قليلا، فيجب عليك أن تحمد الله على كل حال: فإن أصابَتْكَ مصيبةٌ قلتَ الحمد لله أنَّ اللهَ قدَّرَها ليَأجُرَني عليها وإن جاءَتْكَ نِعمةٌ قُلِ الحمدُ للهِ الذي أكرَمَني بها فلا يُحمدُ على المكروهِ والمحمودِ إلّا اللهُ -تعالى-؛ لأنهُ -جل وعلا- لا يُقَدِّرُ شراً مَحضاً، فهو يُحِبُّ الحمدَ -سبحانه وتعالى-.

 

(رَبِّ الْعَالَمِين) هو ربُّ كل العوالم؛ فواللهِ لَئِنْ سُئِلَتْ السمواتُ من رَبُّكِ لَتقولَنَّ رَبِّيَ اللهُ، ولئِن سُئِلَت الجبالُ من ربُّكِ لتقولَنَّ ربي الله، ولئن سُئِلت الأرضُ من ربكِ لتقولَنَّ ربي الله، ولئن سُئلت البِحارُ من ربكِ لتقولنَّ ربيَ الله، ولئن سئلت الحيواناتُ من ربكِ لتقولنَّ ربي الله، ولئن سئلت الغيومُ والشمسُ والقمرُ من ربُّكم ليقولُنَّ ربُّنا الله (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء)[الحج:18]، وقال الله: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)[الإسراء:44].

 

هو الربُّ -سبحانه وتعالى- هو الملكُ العظيم فكلُّ عالَمٍ أمامَنا سواءً كان عالمَ البحارِ أو عالم الفلك أو عالمَ النباتاتِ أو عالم الحيواناتِ، هو -سبحانه وتعالى- ربُّ كلِّ هذهِ العوالم.

ثم قال -جل وعلا-: (الرَّحْمنِ الرَّحِيم) الرحمنُ هو اللطيفُ بعبادِهِ هو الرفيقُ بهم هو الغفورُ لذنوبِهم هو الذي يَراهم على المعصيةِ فيَستُرُهم ثم يَغفرُها لهم هو الذي يَعصونَهُ ومع ذلك يُعافيهم ويَرزُقُهم ويَحلُمُ عليهم ويُوفِّقَهم في حياتِهم فهو -سبحانه-، تغلبُ رحمتُه غضبَه وهو الذي يغلبُ عفوُهُ عقوبَته فهو الرحمنُ -جل وعلا- (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)[طه:5]، (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا)[الفرقان:59].

 

أيُّها الأحبَّةُ في الله: لا يجوزُ أن يُطلَقَ اسمُ الرحمنِ على غيرِ اللهِ بل حتى رحمنُ من غير (أل) لا يجوزُ أن تُطلقَ على غيرِ اللهِ، بينَما هناكَ أسماءُ للهِ إذا جُرِّدَت من (أل) التعظيم والتعريف فيجوزُ إطلاقُها مثل اسم: العلي، فيجوزُ أن تُسميَ إنساناً علياً، ومثل اسم: الحكيم فيجوزُ أن تُسميَ إنساناً حكيماً، ومثل اسم: الشكور فيجوز أن تُسميَ إنساناً شكوراً؛ أما الرحمن فلا يجوزُ أبداً أن تُسميَ إنساناً رحماناً فهو -سبحانه وتعالى- الرحمنُ العظيمُ -جلَّ في علاه-.

 

(الرَّحْمنِ الرَّحِيم) قيل: إنهما وصفٌ واحدٌ إلّا أنَّ الرحمنَ مبالغةٌ من الرحيم؛ فكليهما يتضمنُ الرحمةَ، وقيل: إنَّ الرحمنَ بجميعِ الخلقِ مُسلِمهم وكافِرهم، والرحيمَ: الرحيمِ بالمؤمنين؛ كما قال سبحانه: (وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا)[التوبة:128]، أما الرحمنُ فهو -سبحانه وتعالى- يرحم حتى الكافر؛ فإذا مرضَ ولدُ الرجلِ الكافرِ ثم بكى ذلك الكافرُ رحمَهُ اللهُ وشفى ولدَهُ؛ فهو رحمنُ بكلِّ الخلقِ لكنَّ الرحمةَ التي تَقتضي المغفرةَ وتقتضي الرفعةَ وتقتضي دخولَ الجنةِ فهي خاصة بالمؤمنين.

 

ثم قال الله -جل وعلا-: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّين)، وفي قراءة (مَلِكِ يَومِ الدِّين) ويومُ الدين: هو هو اليومُ الذي يجمعُ اللهُ -تعالى- فيه الخلائِقَ كلَّها بينَ يديهِ يومَ القيامة (لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار)[غافر:16]، (يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيد)[هود:105]، (قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ)[الأنعام:73].

 

فهو -سبحانه وتعالى- (مَالِكِ يَوْمِ الدِّين) يَملكُ يومَ الدين، العظمةُ له وحدَهُ -جل وعلا- واللهُ لا يُقيمُ يوم القيامةِ ملكاً من ملوكِ الدنيا له مُلكاً، ولا يقيمُ صاحبَ السلطانِ سلطانا،ً ولا يقيمُ صاحبَ المالِ مالاً، ولا يقيمُ صاحبَ العلمِ علماً ولا العابد عبادةً ولا الشجاع شجاعةً ولا القائد قيادةً، كلُّ هذا يزولُ ويبقى الملكُ (لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار) -جلَّ في علاه- (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلاَئِكَةُ صَفًّا لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا)[النبأ:38] قال الله: (وَخَشَعَت الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْسًا)[طه:108] قال الله: (يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ)[هود:105].

 

هو المالكُ -جل وعلا- لذلكَ اليومِ الذي فيهِ تفزعُ الخلائقُ وتَشيبُ الوِلدان (وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا)[الحج:2]، ويَتَبرَّأُ المرءُ من أخيهِ ومن أمِّهِ وأبيهِ وصاحبَتهِ وأخيهِ، يتبرأُ كلُّ إنسانٍ من الآخرِ يوم تتقطَّعُ الوشائِجُ وتتقطَّعُ الأرحامُ ويقعُ التناكُرُ بينَ الناسِ ولا يَبقى إلّا هو -جلَّ في علاه-.

 

 

(مَالِكِ يَوْمِ الدِّين) يومَ يَفزعُ الخلائقُ من شِدَّةِ فَزَعِهم يَبحثونَ عمَّن يَشفعونَ لهم إلى رَبِّهم؛ لِيِقضِيَ بَينَهم، فيمضونَ إلى آدمَ فَيَقُولُونَ: "يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو البَشَرِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ المَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، وَأَسْكَنَكَ الجَنَّةَ، أَلاَ تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلاَ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَا بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ: رَبِّي غَضِبَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلاَ يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَنَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ، فَيَأْتُونَ نُوحًا، فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، وَسَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا، أَمَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا بَلَغَنَا، أَلاَ تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّي غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلاَ يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، نَفْسِي نَفْسِي..."(رواه البخاري).

 

أيُّها المسلمون: في ذلك الموقف العظيم يتبرأُ الأنبياءُ ويفزعُ الملائكةُ ويخافُ الأولياءُ، واللهُ -جل وعلا- هو العظيم (لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار)[غافر:16]، فيتفضَّلَ اللهُ -تعالى- على العبادِ، ويقبلُ شفاعةَ نبيِّنا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- ويَقضي الله -تعالى- بينهم.

 

(مَالِكِ يَوْمِ الدِّين) لا يملكُ يومَ الدينِ ولا يتحكُّمَ فيه ولا يملكُ إقامةَ القيامةِ في ساعَتِها ولا يعلمُ متى تقومُ إلّا هو -سبحانه-.

 

ومادامَ أنكَ يا ربِّ رحمنٌ ورحيمٌ، ومادامَ أنكَ العظيمُ الملكُ إذن أنتَ تستحقُّ العبادةَ وحدك دونما أحد سواك؛ فلهذا جاءت الآيةُ التي بعدَها:

(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِين)؛ فالعبادةُ لكَ وحدَكَ –سبحانَكَ-؛ فلا يجوزُ أن يُحلَفَ إلا بِكَ، ولا يجوزُ أن يُصلَّى إلّا لكَ، ولا يجوز أن يُذبَحَ إلّا تَقَرُّباً إليك؛ فلا أتَقَرَّبُ إلى قبرٍ ولا أطوفُ على قبرٍ ولا أدعو إلَّا اللهَ -تعالى- مهما قيل عن هذا الوليِّ المدفون أو عن ذلك الرجلِ الصالحِ (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)[غافر:14] توجّه بقلبِك إلى الله -تعالى-، ولا تَجعل بينَك وبينَ اللهِ -تعالى- وسائِلاً؛ من أضرحةٍ وأولياءَ وأقوامٍ ربَّما صُرِفَت لهم أنواعٌ من العبوديةِ.

 

أيُّها الأحبَّةُ الكرام: لا يُفلحُ يوم القيامةِ إلّا من كانَ مُوَحِّداً لله، من كان في قلبهِ الإيمانُ خالِصاً للهِ -سبحانه وتعالى- راجياً به وجهَ لله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) ثم هل يَستَقِلُّ الإنسانُ بحياتهِ من غيرِ عونِ اللهِ له؟ هل يستطيعُ أن يمشيَ من غير عونِ اللهِ له؟ هل تنامُ من غير عونِ الله لك؟ هل تأكلُ من غيرِ عونِ الله لك؟ هل تتزوجُ من غير عون الله لك؟ هل تقودُ سيارَتك من غير عون الله لك؟ هل تتكلمُ هل تُبصرُ هل تسمعُ من غير عون الله لك؟ كلا، ولذلك قال: (وإِيَّاكَ نَسْتَعِين) يا ربِّ لا أستطيعُ أن آكُلَ إلّا إن أعنتَني وقَدَّرتَني على ذلك، ولا أنامُ ولا أهتَدي ولا أقومُ ولا أقعدُ ولا أتحرَّكُ إلا بإعانَتِكَ يا ربَّ العالمينَ؛ فيا ربِّ أعنِّي على ذلكَ كُلِّهِ.

 

فاستَعِنْ بالله دائماً؛ فربُّنا -جل وعلا- يُحبُّ عبادَهُ الذينَ يَستعينونَ بهِ في كلِّ شأنِهم، وكُلَّما كان العبدُ أكثرَ استِعانةً باللهِ وأكثرَ تَقَرُّباً إليهِ وأكثرَ انْطِراحاً بينَ يديهِ وأكثرَ إقبالاً عليه أحبَّهُ اللهُ -تعالى-.

 

إليكَ وإلّا لا تُشَدُّ الركائِبُ *** ومنكَ وإلَّا فالمُؤَمِّلُ خائِبُ

 

وفيكَ وإلّا فالغَرامُ مُضَيَّعٌ *** وعنكَ وإلَّا فالمُحَدِّثُ كاذبُ

 

تَوَجَّهَتِ الآمالُ نَحوَكَ وانثَنَتْ *** وما أمَلٌ فيمن تَرَجَّاكَ خائِبُ

 

تُقابِلُ بالعَفوِ المُسيءَ وإنَّما *** أَفَدْتَ لَهُ مالم تُفِدْهُ الكَتائِبُ

 

وأَحرَزْتَ حَمداً واسِعاً وجَلالةً *** ونِلْتَ مُراداً لم يَنَلْهُ المُعاقَبُ

 

وباتَ الوَرى في ظِلِّ أمنِكَ نُوَّمٌ *** وأرواحُهم فيما تُنيلُ مَواهِبُ

 

أقولُ ما تَسمعونَ، وأستَغفِرُ اللهَ الجليلَ العظيمَ لي ولكم من كُلِّ ذَنبٍ فاستغفِروهُ وتوبوا إليهِ؛ إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ على إحسانهِ والشُّكرُ لهُ على تَوفيقهِ وامتِنانِهِ، وأشهدُ أن لا إلَهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ تَعظيماً لشأنِهِ وأشهدُ أنَّ مُحمداً عبدُهُ ورسولُه الداعي إلى رِضوانِهِ صلَّى اللهُ وسلمَ وباركَ عليهِ وعلى آلهِ وإخوانهِ وخِلّانهِ ومن سارَ على نَهجِهِ واقتَفى أثَرهُ واستَنَّ بِسُنَّتِهِ إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

 

أيُّها الأحبَّةُ الكرام: لا زلنا في رحاب هذه السورة العظيمة، نفتش عن مكنوناتها ونستضيء بمدلولاتها؛ فقوله -تعالى-: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِين) ترشدنا إلى الاستعانة بالله في كل أمورنا، ونستعين به وحده -سبحانه- دونما سواه فيما لا يقدر عليه أحد إلا الله؛ فاستَعِن باللهِ في كُلِّ شأنك مهما كانَ الشأنُ صغيراً.. استعن به -سبحانه- حتى وإن كنتَ واثقا أنَّكَ تَقدرُ عليهِ فوَاللهِ إن لم يُعِنكَ اللهُ -تعالى- انقلبت عليك الأمور واستُصعِبت.

 

إذا لم يَكُنْ عَونٌ من اللهِ للفتى *** فَأَوَّلُ ما يَجني عليهِ اجْتِهادُهُ

 

استَعِنْ باللهِ في كلِّ شأنِكَ، ولا تَظُنَّ أنَّ مالَكَ يُغنيكَ عنِ الاستِعانَةِ باللهِ أو أنَّ قُوَّةَ بَدَنِكَ تُغنيكَ أو أنَّ نَفَراً حَولكَ يُغنونَكَ أو أنَّ حسباً ونسباً ووِلايةً تُغنيكَ؛ كلّا، بل كَرِّرها في صلاتِك دائِماً (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِين) أنا لستُ بشيءٍ إذا لم تُعِنِّي يا ربَّ العالمين.

 

ثم قال -جل وعلا-: (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيم) أمَرَ اللهُ بِطَلَبِ الهدايةِ منهُ: يا ربِّ اهدِني (الصِّرَاطَ المُستَقِيم) اهدِني لِأُصَلِّي فهي: (الصِّرَاطَ المُستَقِيم) اهدِني لأذكُرَكَ فهو (الصِّرَاطَ المُستَقِيم) اهدِني لأتَصَدَّقَ وَفِّقْني إلى أنْ أتَصَدَّقَ، اهدِني: دُلَّني فهو: (الصِّرَاطَ المُستَقِيم) اهدِني لأبِرَّ والِدَيَّ فهو: (الصِّرَاطَ المُستَقِيم) اهدِني لأكُفَّ لِساني عن الحرامِ وسَمعي وبَصَري عن الحرام ويَدي ورجلي وفَرجي يا ربَّ العالمين يا ربِّ اهدِني (الصِّرَاطَ المُستَقِيم).

 

أيُّها المسلمون: حَرِيٌّ بعبدٍ يُكرِّرُ هذهِ في صلاتِهِ دائِماً، إذا كان يُكرِّرُها في كلِّ صلاةٍ فيَقرَأَها في الفرائِضِ سبعةَ عشرَ مرةً في اليومِ؛ حَرِيٌّ بهِ أن يُهدَى إلى الصراطِ المستقيم؛ ولذلكَ كانت الصلاةُ (تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ)[العنكبوت:45]؛ لأنَّكَ وأنتَ تُصلِّي تَدعو اللهَ (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيم) ما هو (الصِّرَاطَ المُستَقِيم)؟ قال الله: (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)[النساء:69] ما هو (الصِّرَاطَ المُستَقِيم)؟ هو الصراطُ الذي هُدِيَ إليهِ هؤلاء.

 

(صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ) هؤلاءِ الذينَ أنعَم َاللهُ عليهم، لم يَقُلْ اللهُ: صراطَ الذينَ أطاعوكَ، صراطَ الذينَ فعلوا، إنَّما نِعمةٌ جاءَتْ منكَ إن صَلَّيتَ فهيَ نعمةٌ من اللهِ عليكَ، إن وَحَّدْتَ اللهَ فهيَ نعمةٌ من اللهِ عليكَ، إن صُمتَ فهي نعمةٌ من اللهِ -تعالى- عليك، ولو شاءَ اللهُ لجعلَكَ عابِداً للأوثانِ أو للبَقَرِ أو للأصنامِ، لكنَّهُ -سبحانه- امتَنَّ عليكَ ووَفَّقَكَ للتوحيدِ.

 

(غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّين) المغضوبُ عليهم: هم اليهود كما قال -تعالى-: (بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ) ثم قال: (فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ)[البقرة:90] فهم (المغضوبِ عليهم) أما النصارى فإنَّهم ضَالُّون (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُون * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُون)[المائدة:79-78] فهم ضالُّون عن (الصراط المستقيم).

 

فالإنسانُ الذي عرفَ الصراطَ المستقيمَ، وتَعَمَّدَ أن يَنصَرِفَ عنهُ هذا مَغضوبٌ عليهِ؛ لأنَّ اليهودَ عَرَفوا الصِّراطَ المستقيمَ وعرفوا التوحيدَ وبيَّنَ لهم موسى عليه السلام كُلَّ شيءٍ وجعلوا يَسألونهُ ويُجيبُ كما في قِصَّةِ سؤالِهم عن البقرَةِ وغيرِ ذلك، ومعَ ذلكَ عرفوا الصراطَ المستقيمَ وتَعمدوا أن يَنصرِفوا عنه، فهم مغضوبٌ عليهم، أما النصارى فقد اشتَبَهت عليهم الطُّرُقُ وصنعوا طُرُقاً من عندِهم يُريدونَ بها التَّوَصُّلَ إلى ربِّهم فَضَلوا عن الصراطِ المستقيم.

 

أيُّها المسلمونَ: أمَرَكُم اللهُ أن تثبتوا على الصراطِ المستقيمِ فلا تَكونوا مُنصَرِفينَ عنهُ بعدَما عَرَفتُموه؛ فتكونوا من المغضوبِ عليهم، ولا تكونوا ضالِّينَ عنهُ بألّا تَعرِفَهُ أو تَقَعَ في طُرُقٍ لا تُوصِلُكَ حقيقةً إلى (الصِّرَاطَ المُستَقِيم).

 

ثم يقولُ العبدُ آمين إن كانَ في صلاةٍ، واستَحَبَّ بعضُهم قولها ولو في غيرِ الصلاة، وآمينَ بمعنى اللهمَّ اسْتَجِبْ.

 

وفي الحديث عند البخاري ومسلم أنَّ النبيَّ -عليه الصلاة والسلام- قال: "إِذَا قَالَ الإِمَامُ: (غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) فَقُولُوا آمِينَ؛ فَمَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ المَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" قال: وافقَ يعني: في إخلاصِهِ لله، وقيل: وافقَ في الإجابَةِ أنَّ اللهَ يَستجيب، وقيل: وافقَ في التوقيتِ، أنَّكَ إن قلتَ آمين في الوقتِ نفسهِ الذي تقولُ الملائِكةُ في السماءِ آمين فإنَّهُ يقعُ لكَ هذا الفضل.

 

وفي الحديثِ عند البخاري في الأدب المفرد عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا حَسَدَكُمُ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ مَا حَسَدُوكُمْ عَلَى السَّلَامِ وَالتَّأْمِينِ" على السلامِ: إفشاءِ السلام، وعلى قولِ آمين في الصلاةِ.

 

فهذهِ معانيَ بديعة ووقفاتٌ يسيرةٌ على هذه السورةِ العظيمة، أسألُ اللهَ أن يَنفَعَنا بها.

 

اللهمَّ إنَّا نَسألُكَ من الخيرِ كُلِّهِ عاجِلِهِ وآجِلِهِ ما علِمنا منه وما لم نَعلم، ونعوذُ بِكَ رَبَّنا من الشرِّ كُلِّهِ عاجلهِ وآجلهِ ما علمنا منه وما لم نَعلم، اللهمَّ أصلِحْ أحوالَ المسلمين في كلِّ مكان يا ربَّ العالمين.

 

اللهمَّ صَلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما صليتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ وبارِكْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدِ كما بارَكتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنكَ حَميدٌ مَجيد.

 

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ:180-182].

المرفقات

معاني سورة الفاتحة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات