حماية حمى التوحيد

الشيخ راشد بن عبدالرحمن البداح

2022-10-08 - 1444/03/12
التصنيفات: التوحيد
عناصر الخطبة
1/نعمة التوحيد والسنة 2/خطر التعلق بغير الله 3/ أهمية تعلم التوحيد 4/صور داخلة في التوحيد غفل عنها كثير من الناس 5/ نماذج في حماية حمى التّوحيد

اقتباس

ومما ينبغي التنبه له أن التوحيد لا ينحصر في صور يظنها بعض الناس أنها هي التوحيد فقط؛ بل هناك صور غفل عنها كثير من الناس؛ فمنها: مسألة حب المؤمنين وبغض الكافرين. انظر إلى حالهم اليوم ترى عجباً في اختلال موازين المحبة والبغضاء والعداوة والولاء؛ كما قال ابن عباس...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله المتوحد بالجلال بكمال الجمال تعظيماً وتكبيراً، نزل الفرقان ليكون للعالمين نذيراً. أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خير الموحدين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، ومن أعظم ما يتقى الله به إقامة التوحيد واجتناب الشرك؛ فالتوحيد أعظم الطاعات وأجلها عند الله، وأهله هم أحسن الناس مقاماً عند الله، والشرك هو أقبح ذنب عُصي الله به، وأهله هم أبعد الناس من الله منزلة يوم القيامة.

 

فيا أيها الموحد المفارق للشرك وأهله.. ويا أيها السني المفارق للبدعة وأهلها: هل شعُرت بنعمة التوحيد والسنة؟ هل استحضرت عظيم فضل الله عليك بأن جنَّبك عبادةَ الأصنام والتوسلَ بالصالحين والمقبورين؟ وهل تدعو كما دعا أبوك الثالث إبراهيم -عليه السلام-، فتقول: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ)[إبراهيم: 35-36].

 

قال ابن القيم -رحمه الله-: "دخلتُ يومًا على بعض أصحابنا -وقد حصل له وَجْدٌ أبكاه- فسألته عنه، فقال: ذَكرْتُ ما منَّ الله به عليَّ من السنة ومعرفتها، والتخلص من شُبَه القوم، وقواعدهم الباطلة، فسرني ذلك، حتى أبكاني"(1).

 

نعم؛ لقد قصَّر أناس مع التوحيد؛ فتقاذفتهم الأهواء، واستولت عليهم الفتن والأدواء؛ فمنهم مفتون بالتمائم والحروز، يعلقها عليه وعلى عياله، بدعوى أنها تدفع الشر، وتذهب بالعين، وتجلب الخير، و"من تعلق تميمة فقد أشرك" أين يذهبون من قول ربنا الحق: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ)[الأنعام:17].

 

فيا ويح من تعلق بغير الله أو رجا غيره! شرب المؤمنون صفوًا، وشرب هو كدرًا، ودعوا هم ربًا واحدًا، ودعا هو ألف رب: (ءأَرْبَابٌ مُّتَّفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) وأين عابد الأموات من عابد الحي الذي لا يموت: (هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ للَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ)

 

ألا إننا مدعوون لنغرس مثل هذه المعاني الأساسية في نفوس من تحت أيدينا، ونزرعَ فيهم تعظيم الله وأمره ونهيه وخشيته ومراقبته في جميع الأعمال والأحوال، وبهذا تصفو الحياة من أكدار الفساد المقيت، من غش في المعاملات ومجاهرة بالمعاصي وموالاة للكافرين.

 

وإذا كان الله -جل وعلا- أمر نبيه بالعلم بالتوحيد في قوله: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)[محمد:19]؛ فنحن مأمورون من باب أولى؛ ولهذا لا يسوغ أن يقول القائل منا: فهمنا التوحيد وفهمنا أنواعه دون أن يكرر في مدارسنا ومساجدنا.

 

فثمت طائفة من أهل التوحيد والإسلام لكنها خلطت توحيدها بشوائب تخل بالتوحيد وتنفي كماله؛ كما قال تعالى: (خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا)[التوبة:102]. وسبب هذا الخلط هو قلة الاهتمام به تعلماً وتعليماً ودعوة.

 

ومما ينبغي التنبه له أن التوحيد لا ينحصر في صور يظنها بعض الناس أنها هي التوحيد فقط؛ بل هناك صور غفل عنها كثير من الناس؛ فمنها:

مسألة حب المؤمنين وبغض الكافرين. وانظر إلى حالهم اليوم ترى عجباً في اختلال موازين المحبة والبغضاء والعداوة والولاء؛ كما قال ابن عباس: "أَحِبَّ فِي اللَّهِ، وَأَبْغِضْ فِي اللَّهِ، وَوَالِ فِي اللَّهِ، وَعَادِ فِي اللَّهِ؛ فَإِنَّمَا تَنَالُ مَا عِنْدَ اللَّهِ بِذَلِكَ، وَلَنْ يَجِدَ عَبْدٌ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ وَإِنْ كَثَّرَ صَلَاتَهُ وَصِيَامَهُ حَتَّى يَكُونَ كَذَلِكَ، وَقَدْ صَارَتْ مُؤَاخَاةُ النَّاسِ الْيَوْمَ أَوْ عَامَّتِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَذَلِكَ لَا يُجْزِئُ عَنْ أَهْلِهِ شَيْئًا"(2).

 

ومن مسائل التوحيد المغفولِ عنها: مسألة الأمن من مكر الله (فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)[الأعراف:99]، ومقابلها: سوء الظن بالله: (الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ)[الفتح: 6].

 

فكم من إنسان حين يرى جولة الباطل، وضعف الحق يظن دوام علو الباطل واضمحلال الحق، ولا شك أن هذا ظن السوء بالله حيث لا يليق ذلك بذاته وصفاته، وكم من إنسان حين يشتد عليه المرض أو الفقر يظن بالله ظن السوء بأن لا يغير الله ما به من شدة، وهذا لا شك من قوادح التوحيد التي تخل به وتنقصه.

 

وانظر لحالك كيف لو أسيء الظن بك كيف تغضب وتنكر ذلك -وأنت أهل لكل نقص-؛ فكيف يَحسن بك أن تسيء الظن بربك وهو أهل لكل صفات الكمال والجلال؟!

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي هدانا لنعمة الإسلام والتوحيد والسنة، و(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ)[الأعراف:43]، لقد جاءت رسل ربنا بالحق، وصلاةً وسلامًا على إمام الحنفاء.

 

أما بعد: ففي كتاب التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- قد عقد بابًا بعنوان: باب ما جاء في حماية النّبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حمى التّوحيد، وسده طرق الشرك. وقصده: "أنّ النّبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حمى ما حول التّوحيد، بعد حمايته التّوحيد؛ أي: سدّ الوسائل التي تؤدِّي إلى الشرك وإن لم تكن هي من الشِّرْك؛ احتياطاً للتّوحيد".

 

وإليكم ثلاث قصص تؤكد حماية حمى التّوحيد:

الأولى: في صحيحِ البخاريّ: عن المسيَّب -والد سعيد بن المسيَّب- وكان فيمَن بايعَ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- تحت الشجرةِ، قال: لمّا خرجنا من العام المقبِل أُنسِينَاهَا فلَم نقدر عليها؛ فما اجتمَع رأي اثنين على أن يتفقان على موقع الشجرةِ التي بايَعوا تحتَها رحمة مِنَ الله(3).

قال النوويّ -رحمه الله-: "فلو بقِيَت ظاهرةً معلومة لخِيفَ من تعظيم الجهّال إياها وعبَادَتِهم لها، فكان خفاؤُها من رحمةِ الله -تعالى-"(4).

ثمّ فتن الناس بها مرة أخرى، فأمر عمر -رضى الله عنه- بقطعها؛ لأن الناس كانوا يذهبون، فيصلون تحتها، فخاف عليهم الفتنة(5).

 

القصة الثانية: في خلافة عمر فتحت مدينة تستر (في إيران الآن) يقول أبو العالية: فوجدنا عندهم سريرًا عليه رجل ميت اسمه دانيال (نبي أو رجل صالح)، وكانت السماء إذا حُبست عنهم برزوا بسريره، فيُمطَرون". فكان ذلك فتنةً لهم في توحيدهم، فأمرهم عمر أن يحفروا بالنهار ثلاثة عشر قبرًا متفرقة، فلما كان بالليل دفناه، وسوينا القبور كلها؛ لنُعَمِّيَه على الناس لا ينبشونه(6).

 

القصة الثالثة: وقعت هذا الأسبوع في جنوب المملكة حيث تردد جهال من المعتمرين على شجرة في بني سعد، فثار الناس والهيئات لله؛ حمية وحماية للتوحيد، فأمر أمير مكة بقطع الشجرة ومسح أرضها، فجزاه الله خيرًا وأسرته المباركة التي أقامت دولتها على التوحيد، ومناصرة الإمام محمد بن عبد الوهاب على نبذ الشرك ووسائله. فصرنا ندخل المساجد والمقابر؛ فلا نرى من علائم الشرك والبدعة شيئًا، وإن وُجد سارع الغيورون بالإنكار.

 

فاللهم لك على الحمد على نعمة التوحيد والسنة، واضمحلال الشرك والبدعة، اللهم ثبتنا على ذلك إلى يوم نلقاك.

 

----------------

(1) مدارج السالكين (3-132)

(2) تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي (1-406) برقم 396

(3) أخرجه البخاري (3931 و 2798).

(4) شرح صحيح مسلم (13/5).

(5) أخرجه ابن سعد في الطبقات (2/100) قال الحافظ في فتح الباري (7/448): إسناده صحيح.

(6) ذكر هذه القصة ابن كثير في البداية والنهاية (2/40-42) وقال: إسنادها صحيح إلى أبي العالية. انظر: اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية (2-199).

 

المرفقات

حماية حمى التوحيد

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات