تربية الأبناء

صالح بن محمد آل طالب

2022-10-05 - 1444/03/09
عناصر الخطبة
1/الأولاد أمانة في أعناق آبائهم وأمهاتهم 2/التربية ليست مجرد توفير الطعام واللباس والمسكن 3/من الضروري عزل الأولاد عن القدوات الفاسدة 4/الأنثى جُبلت على الرقة والضعف ولا تناسبها الشدة والغلظة

اقتباس

تغلب العاطفة على الأنثى وتبحث عن الأمان، وأول ما تنشد العاطفةَ والأمانَ لدى أبيها وأمها، فلا بد من توفيره لها، وإلا تطلبت ذلك خارجَ البيت؛ فيخادعها الذئاب وتتلقفها الألسنُ الكاذبةُ والأيدي المجرمة، فترفَّقُوا ببناتكم وأحيطوهن برعايتكم -رعاكم الله-.

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، الحمد لله الأجل الأكرم في علاه، له من الحمد أسماه، ومن الشكر منتهاه، فلا توافى نعم ربنا ولا تكافأ عطاياه، جعل الأولاد عند أهليهم وديعة، وجعل القيام عليهم واجبا علينا وشريعة؛ ليعلم الله من يتقيه فيهم فَحَقَّ علينا أن نطيعه.

 

أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل المال والبنين زينة الحياة، وعملا صالحا باقيا بعد الوفاة، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله ومصطفاه، أكرم والد درجت على الأرض خُطَاه، وخير أب فاضت بالمشاعر حناياه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى بناته وبنينه، وصلى على أزواجه وأصحابه وتابعيه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فيا أيها الناس، لم تزل التقوى خير وصية، وأكرم سجية، فهي وصية الأنبياء، وحلية الأصفياء، ونِعْمَ الزادُ عند اللقاء، (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النِّسَاءِ: 131]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الْحَشْرِ: 18].

 

المتقي حقًّا من آمَن بالله الواحد الصمد، وصاغ حياتَه وفقَ أوامره ونواهيه، وأيقن أن المبتدأ منه والمنتهى إليه؛ فجَعَل له ما بين المبتدا والمنتهى.

 

أيها المسلمون: امتدادنا في هذه الحياة وكسبنا بعد انقضاء الأعمار وحصول الوفاة، وعوننا عند الكِبَر والعجز بعد الله هم الذرية والأولاد، ومن نسلوا بعدهم من الأحفاد، وهم هم الذِّكْر والجاه.

 

عباد الله: أولادكم أمانة الله في أعناقكم، ووديعته بين أيديكم، وتربية الأولاد والعناية بهم والاستثمار فيهم من أعظم التجارات المربحة في الدنيا والآخرة، والتي يجب أن يقدمها العاقلُ على كل أمور الدنيا، بل هي من أمور الآخرة، والتربية تعني صناعةَ الإنسان، وهي تحصيل للمعرفة، وتوريث للقِيَم، كما هي توجيه للتفكير وتهذيب للسلوك، وتشمل كلَّ مجهود أو نشاط يؤثِّر في قوة الإنسان وتكوينه.

 

التربية هي التي تبنِي خُلُق الناشئ على ما يليق بالمجتمع الفاضل، وتنمي فيه جميع الفضائل التي تصونه من الرذائل، ومن أهمية التربية أنها أصبحت استراتيجية للدول، توضع الميزانيات والخطط والسياسات من خلال التربية لتحقيق الأهداف التي يريدون أن يسير الناس عليها، وترى كل أمة أنها من سياستها وخصوصيتها التي لا تساوم عليها؛ لأنها حقا صناعة الإنسان.

 

عباد الله: التربية رعاية شاملة لشخصية الإنسان، بهدف إيجاد فرد متوازن يعبد الله ويعمر الأرض ويعد للآخرة، والذرية الصالحة من البنين والبنات أمنية كل عاقل؛ فالولد الصالح قرة عين لوالديه، ومن دعاء الصالحين: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) [الْفُرْقَانِ: 74].

 

الولد الصالح قرة عين، إن حضر سرَّك، وإن غاب أَمِنْتَ عليه واطمأنَنْتَ له، يدعو لكَ في حياتكَ وبعد موتكَ، وهو من عملكَ إن كان صالحا أو غير ذلك.

 

الولد الصالح امتداد للأجر ورفع للذكر وحسنات دائمة؛ "إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: ومنها: وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ" (رواه مسلم).

 

والمسلم يربِّي ولدَه قيامًا بالواجب الشرعي وأداء للأمانة التي حمله الله إياها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التَّحْرِيمِ: 6]، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: فَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمْرَأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا ومَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا" الحديثَ... (رواه البخاري ومسلم).

 

فأنتَ مسئول فما هو جوابُكَ؟ هل نصحتَ أم قصَّرْتَ؟ إنكَ حين ترى مشاهِدَ المنحرفين والمتمردين على الآداب والقِيَم والشاردين عن الصواب تتساءل: مَنْ رَبَّى هؤلاء؟ مَنِ المسئولُ عن إنتاج هذا الجيل؟ إنها التربية القاصرة، بل قل: إهمال التربية، إن جيلا بهذا التدني مع الانفلات الأخلاقي وانعدام الثوابت وغياب الهدف لا يرفع أمتَه ولا يدفع عنها، بل هو وبال على مجتمعه وعبء عليه، لا بد من وقفة جادة مع أنفسنا وأولادنا من البنين والبنات، تجب مقاومة الشرور التي تستهدف الجيل وتكتسح القيم.

 

في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ"، قال ابن القيم -رحمه الله-: "وكم ممن شقي ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يُكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، ففاتَه انتفاعُه بولده وفوَّت عليه حظَّه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته مِنْ قِبَل الآباء". انتهى.

 

التربية ليست مجرد توفير الطعام واللباس والمسكن، وقد قال الله -عز وجل-: (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) [الْأَنْعَامِ: 151]، بل هي تكليف بتنشئتهم على الإيمان والعمل الصالح، قال الله -عز وجل-: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) [طه: 132].

 

أيها المسلمون: اتقوا الله فيمن ولاكم الله أمركم، أَعِيدُوا حساباتكم وترتيب أولوياتكم، ماذا قدمتم لأولادكم من التربية والتنشئة الصالحة؟ هل رسمتم لذلك طريقا ونصبتم هدفا وتابعتم تحقيقه؟ إن التربية الصالحة هي التي ترسخ لدى المتلقي هويته الإسلامية، وانتماءه الصحيح، وتحفظه أمام التحديات الفكرية بأن يكون أكثر وعيا ومقاوَمَةً للانحرافات التي تشكِّك في الثوابت الدينية والقِيَم النبيلة المتأصلة في مجتمعنا المسلم؛ ولئلا ينصهر الجيل ويذوب حتى يصبح مجرد رقم بين المخلوقات.

 

الأفكار والأخلاق جانبان من جوانب النفس الإنسانية قابلان للضوابط والقيود، وفي الصغر تكون سهلة مطواعة، ولديها حساسية مرهفة قابلة للتلقي، فأخذُها بالحزم والضبط يؤهلها لحياة صالحة مستقيمة، ويمتعها بتوازن وقدرة على السيطرة على الأمور، والتعامل مع متغيرات الحياة واضطراباتها.

 

وأخطر مرحلة يمكن التعرض فيها للتأثر هي مرحلة التشكل؛ وهي المرحلة المدرسية؛ لقوة العاطفة والانتفاع وقلة العلم والتجربة، فالسنوات الأولى هي فترة التطور الأكثر في حياة الفرد، وهي السنوات الأكثر ضَعْفًا في حياته؛ فإذا كان الطفل محاطا بالرعاية والتأثيرات الداعمة والإيجابية فسوف ينشأ ناجحًا قادرًا على العطاء.

 

عباد الله: أول طريق لصلاح الأولاد هو دوام اللجوء إلى الله بالدعاء لهم، الدعاء للذرية آية تتلى في القرآن وسُنَّة خليل الرحمن، ودعاء الأنبياء والمرسلين وأمنية من أماني الصالحين، وإن الركن الأساس للتربية هو القدوة الصالحة المتمثلة في الأبوين، ثم ربطهم بالقدوات الصالحة من الصحابة والسلف الكرام، واختيار الرفقة الصالحة لهم من الأصحاب والكتب وكل مصدر للتلقي، وخاصة ما عم في هذا الزمان من سهولة التواصل عبر شبكة المعلومات؛ فكل ذلك من الرفقة المؤثرة، والأجهزة الحديثة قد غزت كل البيوت، والاحتراز منها أصعب ما يكون إلا على مَنْ يسَّره اللهُ عليه، وشأنها شأن الجليس؛ إما أنها جليس صالح أو جليس سوء، فلا بد من العناية بها وعدم الغفلة عنها.

 

ومن الضروري عزل الأولاد عن القدوات الفاسدة وكذا متابعتهم والسؤال عنهم، كم يشتكي المعلمون من طلاب لا يعرف عنهم أولياؤهم شيئا، ويُلْقُونَ بتَبَعة التربية كلها على المدرسة والمدرسين، بينما الأسرة غافلة ودور الأبوين غائب، والبيت أول مسئول عن الضلالات الفكرية والانحرافات السلوكية، على المربين أن يربوا الصغار على الخير بالتعليم والتفهيم والتذكير حتى ينمو الوازع الداخلي الذي يحجزهم عن كل شر ومكروه ويحثهم على فعل الخيرات.

 

ومن جميل ما روي عن أبي بكر بن عياش -رحمه الله- أنه قال لابنه وهو يُرِيهِ غرفةً في البيت: "يا بني، إياك أن تعصي الله فيها؛ فإني قد ختمتُ القرآنَ فيها ألفَ ختمةٍ".

 

إن الوالد لا يستطيع أن يربي أولاده على الفضائل إلا إذا كان فاضلا، ولا يستطيع إصلاحهم إلا إذا كان في نفسه صالحا؛ لأنهم يأخذون عنه بالقدوة أكثر مما يأخذون عنه بالتلقين، وإن الناشئ الصغير مرهف الحس قوي الإدراك للمعايب والكمالات، فإن زينتم لهم الصدق فكونوا صادقين، وإن حسنتُم لهم الصبرَ فكونوا من الصابرين، وويل لأهل بيت يكون فيه الأب قاسيا متسلطا أو مشغولا لا يعلم عن أهله شيئا، فإنه يفقد القدرة على التأثير في أولاده وربما فرطوا من يده إلى يد غيره.

 

أيها المسلمون: خير البقاع المساجد وأحسن الحواضن حِلَق تعليم القرآن الكريم، عوِّدوا أولادَكم الصلاة والمحافظة عليها، طهِّروا بيوتكم من المنكرات، والفتوا نظرَ الأولاد لذلك؛ فإن التربية تعليم وتنشئة، وَمَنْ أَلِفَ المنكرَ تربَّى عليه وثقل عليه الحقُّ، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "حافظوا على أولادكم في الصلاة، وعلموهم الخير؛ فإن الخير عادة".

 

اغرسوا في وعي أولادكم حُبَّ السُّنَّة والاقتداء بأهل العلم والصلاح والنفرة من الباطل والدعاء للعاصي بالهداية وللمبتَلَى بالعافية، حبِّبُوا إليهم القراءةَ وشجِّعوهم عليها، وأشيروا عليهم بما ينفع، وجنِّبُوهم ما يضر كما تجنبونهم السموم، وإن خير ما يقرأه الناشئُ بعد القرآن سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وسيرة صحابته الكرام وتاريخ الإسلام وأيامه العظام، بينوا لهم حاجة الأمة إليهم، وإلى النور والعلم الذي معهم وأن عليهم الاجتهاد للتأهل لأن يكونوا قادة وعلماء وأئمة رحمة وهدى، لا بد من غرس المفاهيم العليا فيهم، وتكرارها حتى ترسخ؛ كالإيمان بالله واليوم الآخر والطمأنينة المطلقة إلى ما جاء عن الله ورسوله، ولزوم السنة ومحبتها وذكر ثواب الأعمال وتذكر الموت والاستعداد للآخرة، والعناية بأحوال المسلمين وكثرة الدعاء لهم ولولاة الأمر بالصلاح، ولزوم جماعة المسلمين.

 

ثم إن الواجب تعليمهم احترام الكبير وصلة الأرحام والشفقة على المسلمين، والرحمة بهم والتفوق في دراستهم وإصلاح أخطائهم برفق، على الأب أن يُشِيدَ أمام أبنائه بدور أمهم، وعلى الأم كذلك في حق الأب؛ فينشأ الأولاد على البر والوفاء والحب والوئام.

 

صاحبوهم ومازحوهم وشجعوهم فكلمات المدح تملك القلوب وتأسر العقول، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الرِّفْقَ" (أخرجه الإمام أحمد في المسند).

 

وقال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَمَا نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ" (رواه مسلم).

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) [الطُّورِ: 21]. وأولادكم من كسبكم.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله -تعالى- لي ولكم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

وبعد أيها المسلمون: البنات ألطف الذريات، وهن الحفيات الوفيات، قال صلى الله عليه وسلم: "هُنَّ الْمُؤْنِسَاتُ الْغَالِيَاتُ" (رواه أحمد)، قال عامر لابن معاوية لَمَّا خطب إليه ابنتَه: "يا صعصعةُ، إنكَ أتيتني تشتري مني كبدي وأرحم ولدي عندي، والحسيب كفء والزوج الصالح أب بعد أب".

 

تربية البنات شرف للمسلم وأسوة بالرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- إذ كان أبًا لأربع بنات، فأدَّبَهن وَأَحْسَنَ تربيتَهن، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ؛ وضم أصابعه" (رواه مسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ رَجُلٍ تُدْرِكُ لَهُ ابْنَتَانِ، فَيُحْسِنُ إِلَيْهِمَا مَا صَحِبَتَاهُ -أَوْ صَحِبَهُمَا- إِلَّا أَدْخَلَتَاهُ الْجَنَّةَ" (رواه ابن ماجه)، وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاَثُ بَنَاتٍ أَوْ ثَلاَثُ أَخَوَاتٍ أَوِ ابْنَتَانِ أَوْ أُخْتَانِ فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ وَاتَّقَى اللهِ فِيهِنَّ فَلَهُ الجَنَّةُ" (أخرجه الترمذي)، وفي رواية جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: قال: "مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ يُؤَدِّبُهُنَّ وَيَرْحَمُهُنَّ وَيَكْفُلُهُنَّ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ الْبَتَّةَ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ؟ قَالَ: وَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ، قَالَ: فَرَأَى بَعْضُ الْقَوْمِ أَنْ لَوْ قَالَ: وَاحِدَةً لَقَالَ: وَاحِدَةً" (رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح).

 

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي يَعُولُ ثَلَاثَ بَنَاتٍ أَوْ ثَلَاثَ أَخَوَاتٍ فَيُحْسِنُ إِلَيْهِنَّ إِلَّا كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ" (أخرجه الطبراني وصححه الألباني)، وفي رواية البخاري لم يحدد النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عددًا من البنات، فقال: "مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ، كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ" قال النووي -رحمه الله-: "ومعنى: عالهما؛ أي: قام عليهما بالمؤنة والتربية ونحوهما"، وقال ابن باز -رحمه الله-: "وهذا يدل على فضل الإحسان إلى البنات، والقيام بشئونهن، رغبةً فيما عند الله -عز وجل-، فإن ذلك من أسباب دخول الجنة والسلامة من النار، ويُرجى لمن عال غير البنات من الأخوات والعمات والخالات وغيرهن من ذوي الحاجة فأحسن إليهن أن يحصل له من الأجر مثل ما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- في حق من عال ثلاث بنات، وفضل الله واسع ورحمته عظيمة، وهكذا من عال واحدة أو اثنتين من البنات أو غيرهن فأحسن إليهن يرجى له الأجر العظيم والثواب الجزيل". انتهى كلامه -رحمه الله-.

 

ففي هذه الأحاديث تأكيد النبي -صلى الله عليه وسلم- على حق البنات على آبائهن أو من يقوم على تربيتهن؛ وذلك لما فيهن من الضعف -غالبا- عن القيام بمصالح أنفسهن، وليست الرعاية طعاما ولباسا فحسب، بل أدبا ورحمة، وحسن تربية، ويتأكد هذا الواجب إذا عصفت الفتن وكثرت صيحات التشرد النفسي والتفلت الأخلاقي.

 

أيها الآباء: الأنثى جبلت على الرقة والضعف، لا تناسبها الشدة والغلظة والتي يتعامل بها بعض الناس مع الذكور من أبنائهم؛ فالأنثى هي التي تُنَشَّأ في الحلية والزينة، ولا تملك القدرة على المجادلة والخصومة، قال الله -عز وجل-: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) [الزُّخْرُفِ: 18]، تغلب العاطفة على الأنثى وتبحث عن الأمان، وأول ما تنشد العاطفة والأمان لدى أبيها وأمها، فلا بد من توفيره لها، وإلا تطلبت ذلك خارج البيت فيخادعها الذئاب وتتلقفها الألسن الكاذبة والأيدي المجرمة، فترفقوا ببناتكم وأحيطوهن برعايتكم -رعاكم الله-، وأحسنوا إليهن -أحسن الله إليكم-.

 

كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعظِّم شأن بناته، ويُشعرهن بوافر حبه ورحمته بهن، قالت عائشة -رضي الله عنها-: "ما رأيتُ أحدا كان أشبه سَمْتًا وهديًا ودلًّا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فاطمة؛ كانت إذا دخلت عليه قام إليها فأخَذ بيدها وقبَّلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخَل عليها قامت إليه فأخَذَت بيده فقبَّلته وأجلسته في مجلسها" (رواه أبو داود والترمذي).

 

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي -صلى الله عليه وسلم- لا تُخطئ مشيتها مشيته، فقال إليها النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: "مَرْحَبًا بِابْنَتِي" ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم أَسَرَّ إليها..." الحديثَ... (رواه البخاري).

 

إن مسئوليتكم أيها الآباء عظيمة نحو بناتكم، فهن أمانة بين أيديكم، وكم من صالحة أنشأت جيلا عظيما كانت نتاج تربية صالحة، وكم من منحرفة أفسدت أُمَّة بِأَسْرِهَا، كانت نتاجًا لإهمال التربية والمتابَعَة؛ فَأَحْسِنُوا بغرس الفضائل في النفوس، وتعاهدوها حتى تؤتي ثمارها، عوِّدُوا بناتكم الستر والحشمة، والعفاف منذ الصغر؛ تربيةُ الفتاة على الحياء يدفع بها إلى المكرمات، والحياء لا يأتي إلا بخير، والقواعد الشرعية تقتضي أن أمر الفتاة بالحجاب يكون إذا بلغت المحيضَ، وهكذا سائر الأوامر الشرعية والمناهي والتكاليف، ولكن بالتدرُّج معها قبل بلوغها يسهِّل عليها التكاليف ويهوِّن عليها الطاعات عند البلوغ، ومن صدق مع الله في أداء الأمانة أعانه الله وحقَّق مقصودَه، وأقر عينه بصلاح ذريته.

 

أصلح الله نساء الأمة وفتياتها، وأسبغ علينا جميعا هدايته ورحمته وعافيته.

 

هذا وصلوا وسلموا على من أرسله الله رحمة للعالمين، وهديا للناس أجمعين.

 

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابتِه الغُرِّ الميامِين، والتابعين ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

اللهم أعزَّ الإسلام وانصر المسلمين، واخذُل الطُّغاةَ والملاحِدَة والمُفسِدين، اللهم انصُر دينَك وكتابَك، وسُنَّة نبيِّك، وعبادَك المؤمنين.

 

اللهم أبرِم لهذه الأمة أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ طاعتِك، ويُهدَى فيه أهلُ معصيتِك، ويُؤمرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى عن المُنكَر يا رب العالمين.

 

اللهم مَنْ أرادَ الإسلامَ والمُسلمين ودينَهم وديارَهم بسُوءٍ فَأَشْغِلْهُ بنفسِه، ورُدَّ كيدَه في نَحرِه، واجعَل دائرةَ السَّوء عليه يا رب العالمين.

 

اللهم انصُر المُجاهدِين في سبيلِك في فِلسطين، اللهم انصُر المُجاهدِين في سبيلِك في فِلسطين، وفي كل مكانٍ يا رب العالمين، اللهم فُكَّ حِصارَهم، وأصلِح أحوالَهم، واكبِت عدوَّهم، اللهم حرِّر المسجدَ الأقصَى من ظُلم الظالمين، وعُدوان المُحتلِّين، واجعله شامخا عزيزا إلى يوم الدين.

 

اللهم إنا نسألُك باسمِك الأعظَم أن تلطُفَ بإخوانِنا المُسلمين في كل مكانٍ، اللهم كُن لهم في فلسطين، وسُوريا، والعراق، واليمَن، وبورما، وفي كل مكانٍ، اللهم الطُف بهم، وارفَع عنهم البلاء، وعجِّل لهم بالفرَج، اللهم أصلِح أحوالهم، اللهم أصلح أحوالهم وأحوال المسلمين، واجمعهم على الهُدى، واكفِهم شِرارَهم، اللهم عليك بالطُّغاة الظالِمين ومَن عاونَهم، اللهم عليك بالطُّغاة الظالِمين ومَن عاونَهم.

 

لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش الكريم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، حسبنا الله ونعم الوكيل، اللهم إنه قد نزل بإخواننا في الغوطة من الشدة والبلاء والقتل والحصار ما لا يعلمه إلا أنت، ولا يكشفه إلا أنت، قد مسهم الضر وأنت أرحم الراحمين، اللهم كن لإخواننا في الغوطة وفي سوريا عامة، اللهم انتصر لهم، وفرج عنهم وارفع ضعفهم، وارحم ضعفهم، اللهم انتصر لهم، وفرج عنهم وارفع ضعفهم، وارحم ضعفهم، يا راحم المساكين ويا ناصر المستضعفين، اللهم كن لهم وليا ونصيرا، ومؤيدا وظهيرا يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم وفِّق ولِيَّ أمرِنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تُحِبُّ وترضَى، وخُذ به للبرِّ والتقوَى، اللهم وفِّقه ونائبَه وأعوانَهم لما فيه صلاحُ العبادِ والبلادِ.

 

اللهم احفَظ وسدِّد جنودَنا المُرابِطين على ثُغورِنا وحُدودِنا، المُجاهِدين لحفظِ أمنِ بلادِنا وأهلِنا وديارِنا المقدَّسة، اللهم كُنْ لهم مُعينًا ونصيرًا وحافِظًا.

 

اللهم وفِّق ولاةَ أمور المسلمين لتحكيم شرعِك، واتِّباع سُنَّة نبيِّك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، واجعَلهم رحمةً على عبادِك المؤمنين.

 

اللهم انشُر الأمنَ والرخاءَ في بلادِنا وبلادِ المسلمين، واكفِنا شرَّ الأشرار، وكيدَ الفُجَّار. (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201].

 

ربَّنا اغفِر لنا ذنوبَنا، وإسرافَنا في أمرِنا، وثبِّت أقدامَنا، وانصُرنا على القومِ الكافِرين، اللهم اغفِر ذنوبَنا، واستُر عيوبَنا، ويسِّر أمورَنا، وبلِّغْنَا فيما يُرضِيك آمالَنا، اللهم اغفِر لنا ولوالدِينا ووالدِيهم وذُريَّاتهم، وأزواجِنا وذريَّاتِنا، إنك سميعُ الدعاء، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات.

 

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا من القانِطِين.

 

نستغفِرُ الله، نستغفِرُ الله، نستغفِرُ الله الذي لا إله إلا هو الحيُّ القيومُ ونتوبُ إليه، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا من القانِطِين.

 

اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا غيثًا هنيئًا مريئًا، سحًّا طبَقًا مُجلِّلًا، عامًّا نافعًا غيرَ ضارٍّ، تُحيِي به البلاد، وتسقِي به العباد، وتجعلُه بلاغًا للحاضِر والباد.

 

اللهم سُقيَا رحمةٍ، اللهم سُقيَا رحمةٍ، اللهم سُقيَا رحمةٍ، لا سُقيَا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرَقٍ، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا، فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم لا تؤاخذنا بذنوبنا ولا بما فعل السفهاء منا، اللهم لا تؤاخذنا بذنوبنا ولا بما فعل السفهاء منا، على الله توكلنا، ربَّنا تقبَّل منَّا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم، سُبحان ربِّنا ربِّ العزَّة عما يصِفُون، وسلامٌ على المُرسلين، والحمدُ لله رب العالمين.

المرفقات

تربية الأبناء

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات